توجو 2010.. دماء جففها الزمن

الأحد، 09 يونيو 2019 - 20:25

كتب : زكي السعيد

توجو 2010

بحلول القرن الخامس عشر، شهد مصب نهر الكونغو تواجدا مكثفا من المواطنين البرتغاليين، رحالة ومبشرون وتجار حضروا إلى هذه البقعة الغربية من القارة الإفريقية.

هؤلاء الإيبيريون وغيرهم من الوافدين الأوروبيين، كوّنوا علاقات قوية مع قبائل الباكونجو المسيطرة على تلك المنطقة، قبل أن يكتشفوا دافعا أقوى لبقائهم.

على ساحل إقليم كابيندا، عُثر على مساحات شاسعة من آبار النفط الثرية، جعلت هذه المقاطعة البالغة مساحتها حوالي 7 آلاف كيلومتر مربع، مطمعا للقوى الاستعمارية.

في 1885 فازت البرتغال بالكعكة كاملة، وأعلنت سيادتها على إقليم كابيندا، جنبا إلى جنب مع أنجولا ذات السيادة البرتغالية المطلقة.

لسنوات طويلة لاحقة، لم يشعر أبناء كابيندا قط أنهم جزء من أنجولا، فالجغرافيا تكشف عن وجود شريط حدودي ضيق تابع لدولة الكونغو الديموقراطية، يفصل بين كابيندا وأنجولا.. حتى انفجرت الأزمة في 1975.

*لاحظ موقع كابيندا على الخريطة وعدم اتصالها بأنجولا

دولة أنجولا حصلت على استقلالها أخيرا متخلصةً من الاستعمار، والبرتغال أسندت إدارة إقليم كابيندا إلى الأنجوليين، لتقوم الحرب الأهلية.

واحدة من الجماعات التي برزت عسكريًا خلال هذا الصراع الدامي، كانت جبهة تحرير إقليم كابيندا التي حملت على عاتقها القتال للانفصال عن أنجولا، حتى لو تطلب الأمر فتح النيران على منتخب لكرة القدم.

كابيندا الثرية في أحشاء أراضيها، لا تستفيد حقا بـ 700 ألف برميل نفط خام يُنتَج يوميًا، إذ تسيطر دولة أنجولا على العائد المادي.

………………………………….

بعيدا عن الصراع السياسي العرقي الدموي، تكفلت أنجولا باستضافة منافسات كأس الأمم الإفريقية 2010.

انشغل السكان المحليون بمنتخبهم الوطني تحت قيادة المدرب المُلم بخبايا القارة السمراء: مانويل جوزيه.

الرجل البرتغالي لم يحضر للاستعمار هذه المرة، بل لمساعدة رفاق فلافيو وجيلبرتو على استغلال عامل الجمهور كرويًا.

في هذه النسخة الـ27 لكأس الأمم الإفريقية، تقرر إقامة مباريات المجموعة الثانية على ملعب تشيازي المتواجد داخل إقليم كابيندا!

……………………………….

جهة الشمال من كابيندا، تتواجد الكونغو برازافيل، هناك حيث حل منتخب توجو ضيفا في الجولة الأخيرة لتصفيات كأس العالم، كان ذلك يوم 8 أكتوبر 2005، وكان ذلك اليوم الأعظم في تاريخ كرة القدم التوجولية.

توجو عوّضت تأخرها مرتين وحققت فوزا ملحميا بنتيجة 3-2 على الكونغو بفضل هدف إيمانويل أديبايور، وهدفي محمد عبد القادر.

لتخطف توجو بطاقة التأهل إلى المونديال للمرة الوحيدة في تاريخها، على حساب السنغال التي احتاجت إلى خدمة كونغولية لم تتحقق.

في الكونغو، رفرفت الأعلام التوجولية عالية في الأنحاء، وبعد أقل من 5 سنوات ستتناثر الدماء في بقعة قريبة للغاية.

بعد التأهل إلى المونديال، احتاجت توجو إلى تحسين سجلاتها الإفريقية، ومع تألق أوروبي لافت لـ أديبايور في تلك الفترة رفقة أرسنال ثم مانشستر سيتي، انتظر الجميع منتخبا مشاغبا.

المنتخب المُكنى بـ Les Eperviers، أو "طيور الباشق الأوراسي"، وقع في المجموعة الثانية بكأس الأمم الإفريقية 2010 على أرض أنجولا، رفقة غانا، وكوت ديفوار، وبوركينا فاسو.

مجموعة اعتبرها الخبراء "مجموعة الموت"، كانوا محقين في تسميتهم، ولكن للأسباب الخاطئة.

منتخب توجو عسكر في الكونغو -ذات الفأل الحسن- استعدادا لخوض المنافسات، وخلافا للمتعارف عليه باستقلال الطائرة في مثل هذه التنقلات، فضّل الاتحاد التوجولي تحرُك قافلته نحو كابيندا برًا.

قُرب المسافة كان العامل الذي دفع بعثة توجو للارتحال إلى مقر إقامتها باستخدام الحافلة، ولن يصاحبهم الهدوء سوى لبضع دقائق بعد الدخول إلى الأراضي الأنجولية، أو لنقل الأراضي الكابيندية.

غاصت الأذهان داخل الحافلة في التفكير بمباراة غانا بعد 3 أيام، نتيجة إيجابية أمام النجوم السوداء ستمهّد طريق التأهل، لأن مباراة الجولة الثانية أمام بوركينا فاسو ستكون في المتناول، وربما لن يحتاجون إلى شيء من الصدام مع كوت ديفوار في الجولة الثالثة.

كل هذه الحسابات ستتلاشى في لحظات، هذه المباريات لن تُلعَب أبدا، والحافلة لن تتحرك أمتارا إضافية.

على لاعبي توجو العُزل الراغبين في ركل كرة القدم فقط، فُتحَت نيران جبهة تحرير إقليم كابيندا.

15 مسلحا يوجههم القائد ساميتوني، أرسلوا وابلا من الطلقات النارية على واحدا من 16 ضيفا يحلون على أنجولا في يناير 2010.

حافلة توجو كانت مصحوبة بحافلة أخرى تحمل الأمتعة، وسيارتي شرطة تضم 10 أفراد.

في الـ30 دقيقة التالية، لن يتوقف لاعبو توجو عن سماع الطلقات النارية، لن يكف الزجاج عن التهشم فوق رؤوسهم، لن يجرؤون على الخروج من أسفل مقاعدهم، لن تخفت صرخاتهم، ولن ييأسوا في صلواتهم.

سيودعون أحبتهم، سيندمون على خطيئة لم يتداركوها ومتعة لم يختبروها ورسالة لم يبلّغوها وكذبة قالوها، سيُقتلون 1000 مرة، سيُلطخَون بدماء رفاقهم، وسيعجزون عن مساعدة ذويهم، ستتراجع كرة القدم التي تمثل مصدر رزقهم وشغفهم الأول إلى منزلة خلفية في صف أولوياتهم، وسينتظرون معجزة.

في اللحظات الأولى من الوابل القاتل، سقط ماريو أدجوا سائق الحافلة صريعا، قاطعا الطريق أمام أي فرصة للهرب ومباغتة المعتدين.

عناصر الشرطة الأنجولية الأقل عددا وعتادا، حاولت ردع النيران أمام شراسة مرعبة من الكابينديين، لكنها فشلت في فض النزاع المسلح سريعا، ليستمر لأكثر من نصف ساعة.

يقول أديبايور:

"طوال 42 دقيقة، كل ما سمعناه كان طلقات نارية، من اليمين واليسار والأمام والخلف. سمعت أصدقائي يصيحون، ولكن لم أستطع الحراك أو القيام بأي شيء".

"بصفتي قائدا للمنتخب، طلبت من الجميع أن يهاتفوا عائلاتهم".

"اتصلت بخليلتي، قلت لها: أنصتي، أنا على وشك الرحيل".

"ردت قائلة: إلى أين أنت ذاهب؟!".

"كانت حبلى في طفلنا، فقلت لها: لو أنجبتي ذكرا، أطلقي عليه اسم إيمانويل جونيور، ولو أنجبتي أنثى، فلتكن الأميرة إيمانويلا".

"فأجابتني: ماذا تقصد؟! وهنا أخبرتها: سأتحدث إليك لاحقا.. إن بقيت على قيد الحياة".

توماس دوسيفي لاعب نانت وقتها كان واحدا من المستهدفين داخل الحافلة التوجولية، ويسترجع هذه المجزرة بعد النجاة منها:

"كانوا مدججين بالأسلحة، أطلقوا علينا النيران وكأننا كلابا، اضطررنا إلى الاختباء تحت المقاعد لحوالي 20 دقيقة حتى نتفادى الطلقات".

"كنا محاطين بعربتي شرطة بعد عبورنا الحدود مباشرة، واحدة سارت من أمامنا والاخرى من خلفنا. كل شيء كان على ما يرام وفجأة نشب إطلاق مفاجئ للنيران، الجميع ألقوا بأنفسهم أسفل المقاعد وحاولوا الاحتماء، ولكن البعض لم يتفاد الطلقات".

"الهجوم استمر طويلا، والشرطة ردت النيران، ولكن كان من الصعب التعامل مع الموقف، ولا زال الأمر صعبا".

"أنا مصدوم، عندما غادرنا الحافلة كنا نتساءل: لماذا نحن؟! كنا نتساءل عن ما حدث، كنا نبكي ونشكر الرب".

قبل هذه الحادثة بسنوات، تحديدا في 2001، كان التوجولي الشاب ريتشموند فورسون يلعب في ميتز الفرنسي، وكان على وشك الانتقال إلى أرسنال.

في ذلك الصيف تعرّض فورسون لحادث سير مروع، أبعده عن كرة القدم لمدة عام كامل، وخرّب عليه فرصة العمر، ودفعه لاستكمال مسيرته لاحقا في مجموعة من أندية الهواة.

اعتقد فورسون لسنوات أن هذا الحادث الأليم هو أسوأ ما قد يختبره في حياته، حتى مرت الطلقات من فوق رأسه في يوم 8 يناير 2010 المشؤوم.

يقول فورسون بعد خروجه حيًا: "الحافلة التي حملت الأمتعة دُمرَت تماما، لعلهم اعتقدوا أننا في داخلها، كان الأمر مريعا".

"عدد المصابين كان ليتضاعف لولا استهداف المسلحين للحافلة الخاطئة التي كانت تحمل أمتعتنا، سارت من أمامنا وقد فتحوا أغلب نيرانهم عليها، لقد اعتقدوا أننا في داخلها".

السائق المسكين أدجوا لم يكن القتيل الوحيد، بل فقد أعضاء المنتخب التوجولي باسكال أميليتي مساعد المدير الفني، وستانيلاس أوكلو المتحدث الإعلامي.

قائمة الضحايا كادت أن تكون أطول، إذ تعرّض جابرييل أميي نائب رئيس الاتحاد التوجولي، بالإضافة إلى 7 أفراد آخرين من بينهم لاعبين وطبيبين وصحفي، لإصابات متفرقة وجروح في جسدهم.

الأنباء التي خرجت بعد الهجوم مباشرة، لم تتحدث عن 3 قتلى فحسب، بل 4 بحسب عدة وسائل إعلام فرنسية.

شبكة MSNBC الأمريكية بدورها ذكرت أن كودجوفي أوبيلالي حارس مرمى المنتخب التوجولي قد فارق الحياة، وصرّح زميله فلويد أييتي لإذاعة مونت كارلو: "أوبيلالي قُتل. لو أحضرتم أوباما بنفسه الآن، فنحن لن نلعب في هذه البطولة، سنعود إلى وطننا".

كودجوفي "دودو" أوبيلالي، كان حارسا لفريق صغير في فرنسا يدعى بونتيفي، ستنتهي مسيرته الكروية في 8 يناير 2010 المرير.

أوبيلالي تلقى طلقتين ناريتين في جسده، تعرض لإصابات في عموده الفقري، وفي الأمعاء، وفي الكبد، وفي المثانة، وانتشرت شائعة لساعات بأنه انضم إلى قائمة القتلى.

لكن أوبيلالي لم يُقتَل، بل حي يُرزَق حتى يومنا هذا، صحيح أنه يستند على عكازين في سيره، لكنه يتنفس.

في السنوات الست التالية، خضع أوبيلالي لـ8 جراحات في محاولة للتعافي من الأضرار الجسدية الكبيرة التي طالته.

حالته كانت حرجة للغاية، مما استدعى نقله إلى جنوب إفريقيا فورًا بعد الحادثة، قبل أن يُصدر ناديه بيانًا نفى فيه نبأ وفاته.

بعد أسبوعين من الاعتداء، صرّح أوبيلالي لصحيفة ليكيب الفرنسية: "أنا معجزة".

"أنا على قيد الحياة، أتحدث وآكل وأتنفس، أريد العودة لمنزلي".

"عندما يسيطر علي القلق، فإنني أفقد صوابي، أود تحطيم كل شيء. أريد رؤية أطفالي مجددا وأن أجتمع بالمقربين مني".

في 2015، كتب أوبيلالي مذكراته عن التحوُل المفاجئ الذي طال حياته، وكيف تغيّرت نظرته لما يحدث حوله بعد أن احتسبه الجميع قتيلا في يناير 2010.

يشرح أوبيلالي كيف كتب مذكراته في ظروف صعبة والألم يأكل جسده:

"عندما كنت مستلقيا على الفراش في إحدى مستشفيات جوهانسبورج، بدأت في استرجاع الأحداث بصوت مسموع وشعرت بالألم، عندها قام مُمرض يُدعى إيزاك بإعطائي ورقة، ونصحني بكتابة كل ما أشعر به، كانت وسيلة أخرى حتى يلتئم الجرح".

"كرّست كل حياتي لكرة القدم، فعلت كل ما يتطلبه الأمر حتى أصير لاعبا محترفا، مررت بأوقات صعبة، حتى أن أمي لم تكن موافقة على امتهاني لكرة القدم، ولكني قاومت لأن كرة القدم هي شغفي".

"الآن انظروا إلى النتيجة، إنها صاعقة، ليس هناك كلمة أكثر دقة لوصف فداحة ما حدث".

"لم أعد أكن شيئا للمعتدين، ولكن ما آسَف عليه هو أن إقليم كابيندا لم يحصل على استقلاله رغم كل هذه الأرواح التي فُقدَت".

"أنظر لمستقبلي مثل أي إنسان آخر، أسعى للسعادة. لدي عائلة وأطفال رائعين، وأريد الاعتناء بهم، أود رؤيتهم يكبرون ويحققون النجاحات كأي والد آخر، باختصار، أريد أن أحيا".

ويقول في مذكراته:

"بعد الاعتداء، تملكني شعور لأشهر أنني ميت إكلينيكيًا، شعرت بفراغ داخلي وأنني شخص غير ذي جدوى. مع مرور الوقت أدركت أن حياتي قد خُربَت".

"ألقيت على جانب الطريق، والبشرية بأكملها مرت سائرة في سبيلها".

وفي تصريحات صحيفة منفصلة، يظهر أوبيلالي محاولا جمع شتات نفسه:

"الآن تغيّرت حياتي تماما. ذهنيًا أشعر أنني بخير، وعندما يكون العقل على ما يرام، فالجسد يكون بخير بدوره".

"أعمل، وهذا يعني أن ذهني منشغل، مما يسمح لي بترك العديد من الأمور خلف ظهري".

بعد أن قضى سنوات مستخدما عربة متحركة في تنقلاته، تبدو جلسات العلاج الطبيعي قد أتت بنتيجتها أخيرا مع اكتفائه بالعكازين.

يستعمل قدمه اليمنى بنسبة 50%، وعاد للقيادة مجددا، ويقول إن ذكراه الوحيدة من ذاك اليوم المؤلم تتمثل في مُسعفة أنجولية تحدثت إليه داخل الحافلة.

"لم أفهم كلمة مما قالت، ولكن في داخلي شعرت باتصال بيننا".

"كانت تحاول طمأنتي ودفعي إلى التركيز على صوتها والاستماع إلى ما تقوله، وبشكل ما شعرت أنني أفهمها، هذا هدّأ من روعي".

"في مرحلة ما، شعرت أنني غير قادر على القتال بعد الآن".

"قبل إحدى الجراحات، قلت لشقيقي أنني لن أخرج سالما هذه المرة، أظنها النهاية".

"ولكن فكرت أن الاستسلام سيكون فعلا أنانيا بسبب أطفالي، لقد راودتني أفكار سوداوية، لو كنت عازبا ولا أملك أطفالا، فأظن أن الأمر كان ليصير مختلفا تماما، كنت ضعيفا للغاية".

"الاتحاد الإفريقي لكرة القدم لم يقم بمهمته على الوجه الأمثل، أحيانا يقدّمون الأموال على الإنسانية، وهذا أمر محزن".

"لست غاضبا من المعتدين، الأمر لا يستحق".

"نعيش في عالم حيث بعض الأشخاص على استعداد لحصد الأرواح حتى تُسمَع أصواتهم، يجب أن يتوقف ذلك".

"بعد كل ما مررت به، لم أعد خائفا من حدوث أي شيء. ربما 70% إلى 80% من الناس يخشون الموت، هذا لا ينطبق علي".

تلقى أوبيلالي مساعدات مادية ومعنوية من الاتحاد الدولي، والاتحاد الفرنسي، والحكومة التوجولية.. تقريبا من مختلف الجهات باستثناء مؤسسة واحدة: الاتحاد الإفريقي لكرة القدم.

زميله السابق إيمانويل أديبايور يقوم بدور القائد، ويتحدث إليه بشكل دوري، ويمده بالأموال من حسابه الخاص.

هدوء وصدمة

بعد أن حُملَت الجثث ونُقل الجرحى، بدأ لاعبو توجو في إدراك ما عايشوه تدريجيا، ليقفز التساؤل التالي إلى ألسنة الصحافة: هل تخوض توجو منافسات البطولة؟

أليكسيس روماو لاعب جرينوبل حينها، والذي سيسعفه القدر للعب في مرسيليا وأوليمبياكوس لاحقا، خرج بتصريحات مباشرة بعد الحادثة:

"نحن في انتظار العودة إلى وطننا، ندعو بقية منتخبات المجموعة لمقاطعة البطولة".

أما القائد أديبايور، فقال: "أعتقد أن أغلب اللاعبين يرغبون في الرحيل، لا أظنهم يرغبون في التواجد بهذه البطولة بعد الآن، لقد شاهدنا الموت بأعيننا".

"يرغب اللاعبون في العودة إلى عائلاتهم، لا يستطيعون النوم بعد ما رأوه، لقد شاهدوا أحد زملائهم في الفريق يتلقى رصاصة في جسده ويصرخ ويفقد الوعي".

"إنها واحدة من أسوأ تجارب حياتي، لا أزال تحت تأثير الصدمة".

"ساعدت في حمل المصابين إلى المستشفى، عندها أدركت ما يحدث حقا، كل اللاعبين كانوا يبكون، قاموا بمهاتفة أمهاتهم، بكوا في الهاتف وقالوا الكلمات الأخيرة، اعتقدوا أنهم سيلقون حتفهم".

"سنعقد اجتماعا الليلة بعد أن يذهب جميع اللاعبين إلى غرفهم ويحظون ببعض الراحة، وصباح غد سنتخذ القرار الأفضل لنا".

"لا نزال في صدمة، سنناقش الوضع وسنتخذ القرار الأفضل لمسيرتنا ولحياتنا ولعائلتنا".

الهلع انتقل من المعسكر التوجولي، إلى أنحاء متفرقة في العالم.

نادي أودينيزي الذي تواجد لاعبه كوادو أسامواه في قائمة منتخب غانا، نشر بيانا فوريا بطلبات مباشرة بإعادة لاعبه إلى إيطاليا حفاظا على سلامته، مناشدا الاتحاد الدولي لكرة القدم، خصوصا مع تواجد غانا في نفس الإقليم الذي شهد الاعتداء.

فيما أعلن رودريجيس مينجس السكرتير العام لجبهة تحرير كابيندا المنفي في فرنسا، عن تحمل جماعته مسؤولية الاعتداء، وأنذر بمزيد من الهجمات على نفس الشاكلة، مشيرا إلى أن المستهدَف لم يكن المنتخب التوجولي، بل قوات الشرطة التي صاحبتهم!

وبينما تخبّط أفراد توجو بين خيار الانسحاب من البطولة، أو المشاركة إحياءً لذكرى المفقودين، حسمت الحكومة التوجولية الأمر، وأمرت بعودة بعثة منتخبها الوطني إلى البلاد.

عقوبة للقتلى

في واحدة من أغرب القرارات الإدارية بتاريخ اللعبة، قرر الاتحاد الإفريقي لكرة القدم معاقبة القتلى على سقوطهم، وغرّم توجو 50 ألف دولار أمريكي، بالإضافة إلى إيقافها عن المشاركة في المنافسات القارية لـ4 سنوات.

"كاف" طبّق لائحة الانسحاب الاعتيادية في حق توجو، دون التفات إلى سبب الانسحاب أو هول الكارثة وكيف سقط هؤلاء الضحايا أثناء مشاركتهم في بطولة من تنظيمه.

النبأ وقع كالصاعقة، ليخرج باسكال بودجونا وزير الداخلية التوجولي بتصريحات غاضبة عبر هيئة الإذاعة البريطانية.

بودجونا قال: "هذا قرار مفاجئ، ويعني أن الاتحاد الإفريقي لا يراعي الأرواح التي فُقدت".

"إنها إهانة لعائلات الذين فقدوا حيواتهم وللذين تعرضوا لصدمة بسبب الحادث".

"فقدنا شخصين، والبقية عانوا كثيرا بعد الحادثة، ولذا لا أعتقد أن قرار الاتحاد الإفريقي منطقي".

بالطبع تلقى الاتحاد الإفريقي توبيخا شديدا من كل صوت مسموع، وتدخّل الاتحاد الدولي لرفع الإيقاف عن توجو المكلومة، وهو ما تم في نهاية الأمر.

واستمرت الحياة

على الرغم من فداحة الحادث والحزن على المفقودين، إلا أن توجو ظلت على قيد الحياة.

القائد أديبايور اعتزل دوليًا وقال إنه لن يلعب مجددا بقميص توجو، قبل أن يعود في قراره بشهر نوفمبر من نفس العام، ويقود هجوم بلاده في السنوات التسع التالية.

أما حارس المرمى أوبيلالي الذي ودّع كرة القدم، فأنهى دبلومة في التعليم الخاص، ويعمل على إعادة تأهيل الأطفال على أرض الملعب في إحدى المؤسسات التابعة لناديه السابق لوريان.

لم يكن أوبيلالي اللاعب الوحيد الذي فقد كثيرا من الدماء يومها، بل سيرجي أكاكبو بدوره.

أكاكبو لاعب فاسلوي الروماني حينها، لم يكن سيئ الحظ كـ أوبيلالي لدرجة كبيرة، فاستطاع مواصلة مسيرته الكروية.

في 2013، عادت توجو للظهور بكأس الأمم الإفريقية، وحققت إنجازها الأفضل في تاريخها بالصعود إلى ربع النهائي.

في تلك القائمة التي نافست وقتها، تواجد أكاكبو بعد 3 سنوات فقط من إصابة جسده برصاصات الانفصاليين.

يقول أكاكبو عن نوعين غريبين من المشاركة في كأس الأمم الإفريقية:

"بعد ما حدث في 2010، توقفت عن اللعب للمنتخب لبعض الوقت، بعدها عدت وتلقينا العديد من الهزائم، لأننا فقدنا الروح القتالية".

"الآن نحن على ما يرام، تأهلنا إلى كأس الأمم الإفريقية، وأنا سعيد بهذه المشاركة".

"نحن نلعب لأجل هؤلاء الضحايا، نصلي لأجلهم يوميا قبل وبعد التدريبات، ونفكر فيهم طوال الوقت، سنقاتل لإحياء ذكراهم".

"لا يمكن أن ننساهم، كان من الصعب علينا أن نواصل، على شخصي تحديدا، احتجت إلى عام ونصف تقريبا حتى أتخطى الأمر".

"بعد ما حدث، أشعر أنني محظوظ، لم أتوقع أنني سأشارك في كأس الأمم الإفريقية مجددا، سأحاول الاستمتاع بهذه التجربة".

هؤلاء اللاعبون المساكين لم يضطروا جميعا إلى الاتصال بعائلاتهم تحت وقع الطلقات النارية، بل منهم من وجد العائلة إلى جواره.

قائمة توجو في 2010 ضمت شقيقين: جوناثان وفلويد أييتي، والثنائي خرج سالما.

يقول الشقيق الأصغر فلويد:

"رغم أن تناسي هذه الواقعة أمر صعب، إلا أنني أحاول عدم التفكير فيها كثيرا. في الوقت نفسه، أشعر بالامتنان لكل لحظة أعيشها، وأحاول أن أستمتع بكل فرصة ممكنة".

"كانت مأساة للمنتخب الوطني ولبلادنا، لكني نجوت، لم تكن ساعتي قد حانت بعد".

"فقدت أصدقاء لي يومها، أشعر بالتأثر كلما تحدثت عن الأمر".

"الآن أحاول الاستفادة من هذه التجربة، وتقديم أفضل ما لدي في كل مناسبة".

فلويد أييتي الذي يلعب لـ فولام الإنجليزي حاليًا، صرح في مايو 2017 أنه يريد قيادة فريقه للصعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، حتى تتمكن عائلته من مشاهدته!

"في إفريقيا الجميع يشاهد مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز، ولكن لا يمكنك مشاهدة مباريات القسم الثاني. لو لعبت يوما ما في القسم الأول، فسيقدر الجميع على مشاهدتي".

"عائلتي في إفريقيا شاهدتني وقت لعبي في فرنسا لأني كنت ألعب في القسم الأول، ولكنهم لا يقدرون على مشاهدة مبارياتي في الوقت الحالي".

"يتوجب عليهم الحضور إلى إنجلترا لمشاهدة المباريات في ملعب فولام، وبالتالي لو صعدنا فستكون أنباء سعيدة لهم".

"أمي حضرت 3 مرات تقريبا، أما أبي فلم يأت، إنه يفضّل البقاء في توجو، بينما تحب أمي القدوم إلى إنجلترا".

"لو وصلنا إلى ويمبلي، فسأحضر عائلتي بأكملها لتشاهد المباراة من الملعب، أعتقد أن الأمر سيكون مكلفا، ولكني أريد أن أشارك تلك اللحظة مع عائلتي".

"سأنفق الكثير من الأموال، ولكني أريد أن أفعل ذلك لعائلتي".

في 26 مايو 2018، حقق أييتي حلمه، وشاهد من مقاعد البدلاء انتصار فولام على أستون فيلا في نهائي ملحق الصعود للدوري الإنجليزي.

وفي 9 مارس 2019، صار أييتي ثاني لاعب في تاريخ توجو يسجل هدفا بالدوري الإنجليزي الممتاز.

المصادر:

http://bit.ly/2Hld7J8

https://bbc.in/2Q7blOD

https://bbc.in/2Eg5h1w

http://bit.ly/2Q7DUuY

http://bit.ly/2HmNyY2

http://bit.ly/30xH3cC

http://bit.ly/2LJ4ImN

https://dailym.ai/2HoNsPS

http://bit.ly/2YvcnXt

https://bbc.in/2WaU646

اختر التشكيل التاريخي المثالي لكأس الأمم الإفريقية

اقرأ أيضا:

اتحاد الكرة لـ في الجول: بيان رسمي خلال ساعات لإعلان القرارات النهائية.. هذا الموقف الحالي

الخطيب يجتمع بأبو ريدة ووزير الرياضة لمناقشة أزمة الدوري

رسميا – ميدو مديرا فنيا لـ المقاصة

مايكروفون إفريقيا – تعليق فرنسي بلكنة عربية.. "وخدعة الراديو الفاشلة"

مصدر من الزمالك لـ في الجول: لا مجال للتفكير في حل استكمال الدوري قبل أمم إفريقيا

التعليقات