"لا يملك المال ويشتري ما يريد".. كيف صنع لابورتا وأليماني معجزة صيف برشلونة

الجمعة، 22 يوليه 2022 - 21:53

كتب : أحمد أباظة

معجزة صيف برشلونة

"النادي الوحيد الذي لا يملك المال ولكنه يشتري كل لاعب يريده. لا أعرف كيف. إنه نوع من أنواع الجنون".

يوليان ناجلسمان مدرب بايرن ميونيخ عن برشلونة

ومعه كل الحق للأمانة، كيف تكون نقطة انطلاقك هي أكبر دين في تاريخ الرياضة، ويعلم القاصي والداني أنك لا تملك ما يكفي من الأموال، ثم تتعاقد مع روبرت ليفاندوفسكي ورافينيا وفرانك كيسي وأندرياس كريستنسن ولم يبلغ سوقك نهايته بعد؟

مفتاح الإجابة يبدأ من شخص آخر داخل بايرن ميونيخ أيضا، وهو أوليفر كان أسطورة النادي ومديره التنفيذي:

"لا يمكنك أن تنخدع بكل انتقالات برشلونة، لا أحد منا يمكنه الحكم على الأوضاع الداخلية. أجد صعوبة في الحكم، هم الوحيدون الذين يعرفون وضعهم الاقتصادي".

بين شقي الرحى

بالضبط.. هذا لا يعني أن النادي قد تعافى اقتصاديا، فالدمار الذي ألحقه به جوسيب ماريا بارتوميو وإدارته الكارثية، والتي عجلت جائحة كورونا بإظهار نتائجها، ليس شيئا يمكن إصلاحه بين مارس 2021 ويوليو 2022.

في الحقيقة ربما يمكن القول بإن رقما جزافيا كخمس سنوات مثلا، قد يعد إفراطا في التفاؤل.

ديون تتجاوز مليار يورو، ولوائح لعب مالي نظيف تقف حائلا دون تسجيل اللاعبين قبل السيطرة على الرواتب وتوفير المزيد من الأموال.

بكلمات أخرى صار من المستحيل أن يحافظ الفريق على نجومه بالوضع الحالي، ناهيك عن التضارب الفني وانعدام التخطيط في اختيار أوجه الإنفاق ونوع التعاقدات التي تدفع لأجلها تلك الرواتب الخرافية، وهو وضع آخر لم يكن هناك مفر من إصلاحه، سواء امتلك برشلونة المال أو لم يملكه.

من هنا كان لزاما التخلص من عدة صفقات فاشلة سابقة تأخذ حيزا كبيرا من سلم الرواتب، على رأسها أنطوان جريزمان وفيليبي كوتينيو، ولكن حتى ذلك لم يكن كافيا.

الوضع كان ضبابيا للغاية بين مأساة أغسطس الأولى عام 2020 أمام بايرن ميونيخ، ومأساة أغسطس الثانية في العام التالي، حين رحل ليونيل ميسي. ولكن اليوم، ونحن نعرف كل ما نعرفه، فإننا جميعا مضطرون للتسليم بتلك الحقيقة: مغادرة الأرجنتيني كانت ضرورة حتمية.

العصر الجديد

دعك تماما من هراء "برشلونة الأكثر جماعية" و"الفرد الواحد دمر النادي".. الاتكالية مؤذية بلا شك، وحين تملك شيئا لا تكفي الكلمات أبدا لوصفه مثل ليونيل ميسي، فإن عليك إجادة استغلاله والاستفادة منه والبناء حوله، لا إهلاكه كما حدث في سنواته الأخيرة.

لا يختلف اثنان يشاهدان نفس اللعبة على قيمة ميسي، ولكن ضرورات المرحلة الجديدة ما كان يمكنها احتمال راتبه حتى بعد أن وافق على خفضه للنصف، هذا ما جناه بارتوميو على هذا النادي.

أما رفاهية الخروج تدريجيا من عباءة النجم الخارق والتجهيز بحكمة وروية لمرحلة ما بعده، فمن الواضح أنها لم تكن متاحة، إذ تقاطعت تلك الحتمية مع زمن لا يمكن فيه للبلوجرانا سوى إعادة هيكلة الرواتب قدر المستطاع وتسديد المستحقات المتأخرة وأقساط الديون واجبة السداد.

خطوة تلو الأخرى بدأت الملامح تتشكل، خلال موسم سيئ للغاية بلا أدنى شك استوجب تغييرا في الإدارة الفنية، ثم تدعيمات قوية مقارنة برقعة الإمكانات الضيقة المتاحة خلال فترة يناير، ورغم ذلك حين تنظر إلى ذلك الموسم في نهايته، تجد أنه لم يكن بهذا السوء حقا مقارنة بالأوضاع المحيطة.

برشلونة أنهى الموسم في المركز الثاني، ولا يزال في دوري أبطال أوروبا، ولوهلة أوحى بالمنافسة على الدوري الإسباني بعد أن كانت الحظوظ في ذمة الله مبكرا.

حتى الآن، هذا ليس ميلان في ظروف بيرلسكوني الاقتصادية السيئة، وليس مانشستر يونايتد بعد سير أليكس فيرجسون. هذه لا تبدو كدوامة الأندية العريقة الغارقة على يد عوامل التعرية، ولكن دعنا نتمسك بكون ذلك "حتى الآن"، وأن ما سيحدد حقا -بنهاية الموسم- ما إذا كان برشلونة سيسقط في هذه الدوامة أو سينجو منها، هو كيف سيتحرك النادي بعد هذه النهاية.

من سيدفع؟

المأزق الحقيقي هو أن الأمر يبدو لأول وهلة أنك أمام طريق واحد: التضحية بكل شيء في سبيل التخلص من الديون، تمهيدا للبناء من جديد بعد زوال هذه الغمة. وفي الحقيقة هذا لم يكن طريق زوال الغمة، بل زوال النادي.

هنا تحديدا تكمن الأزمة، يمكنك التخلي عن ميسي وجريزمان وكوتينيو دفعة واحدة، ليتكون هجومك من ممفيس ديباي ومارتن برايثوايت وعبد الصمد الزلزولي وفيران جوتجلا ويوسف ديمير وما إلى ذلك من الأسماء التي سمعناها أو رأينا أصحابها في الملعب.

ربما سيساعدك ذلك في تخفيض نفقاتك، ولكن من سيشتري قمصان هؤلاء؟ بهذه البساطة حقا..

مبيعات القمصان لا تنفق مباشرة على الصفقات كما يشاع، بل ينال النادي منها مجرد نسبة متفق عليها، ولكن ما تجلبه هذه المبيعات حقا هو الرواج والانتشار، الذي يعني المزيد من الأموال في عقد راعي القمصان نفسه، ومختلف رعاة الفريق، وحقوق البث وشتى أشكال المداخيل.

ربما كان لينجح هذا الطريق في تسليم برشلونة بلا ديون خلال سنوات، على أمل تنشئة بعض اللاعبين وبيعهم والاستفادة بثمنهم، ثم ماذا؟ تنخفض قيمة النادي السوقية إلى أقل نقطة ممكنة، فتنخفض عوائده المستقبلية، ويقل اسمه ويصبح أقل جذبا للاعبين مع الوقت، حتى تحدث معجزة ما ترده إلى سابق عهده، إن حدثت بالطبع.

أكثر من مجرد رافعات

باختصار، لم يكن ذلك هو الطريق، بل كان موازنة بين الجانبين: منح النادي مساحة للتنفس ماليا بعد التخلص من الأولويات القصوى العاجلة وإعادة هيكلة سقف الرواتب من ناحية، وإعادة بناء قوة الفريق في الملعب من الناحية الأخرى. كان ذلك هو الحل الوحيد، ولكن ليته بهذه السهولة.

تخيل أن أول الحلول المتاحة لمواجهة الديون كان المزيد من الديون.. إذ حصل لابورتا على عدة دفعات مالية في بدايته أبرزها قرض جولدمان ساكس بضمان 90% من حقوق البث، فسدد بها العديد من البنود واجبة الدفع، وهنا أصبح الملف الرياضي قابلا للتعامل معه بصورة جادة، وهنا برز ماتيو أليماني.. المدير الرياضي الأسوأ حظا في تاريخ برشلونة.

هذا الرجل لم تتح له خزائن قارون التي فتحتها الإدارة السابقة، ومع ذلك فهو يسير بخطوات ثابتة للغاية في ظل المتاح، فأجاد إدارة ملف الرواتب بسياسات واضحة وحاسمة، ثم اتجه لسوق انتقالات سيظل عظيما على الورق أيا تكن نتائجه.

نال برشلونة موافقة الأعضاء على خطة الرافعات الاقتصادية، والتي تنقسم إلى بيع 25% من حقوق البث، وبيع 49% من شركة تسويق النادي BLM، وبالفعل أنهى رافعتي البث، ببيع 10% ثم 15% مقابل قيمة إجمالية تقارب 600 مليون يورو.

وبالفعل، كان لهذه الخطة أبرز الأثر في قدرة برشلونة الشرائية التي فاقت كل التوقعات، ولكن وحدها؟ هذا لم يحدث أبدا.

"نبحث عن لاعبين يريدون اللعب بقميص برشلونة".

خوان لابورتا رئيس النادي في تقديم فرانك كيسي

في كل هذه الظروف السيئة، حافظ النادي على لهجة خطاب موحدة: "نحن في وضع سيئ، ولكننا برشلونة". يخرج تشافي ليخبرك أن برشلونة هو أفضل أندية العالم، مع أن نظرة واحدة على القائمة ستخبرك بالنقيض التام.

البيئة والظروف الاقتصادية ليست جاذبة للاعبين على الإطلاق، بل طاردة، ولكن الاسم، والحلم، وطموح اللعب في برشلونة لا يزال موجودا إلى اليوم. ليس مجرد اللعب له، بل دخول التاريخ كمنقذيه.

برشلونة لم يهزم تشيلسي ماديا في صفقة رافينيا، بل فاز بفضل رغبة البرازيلي. حين قرر ليفاندوفسكي مغادرة بايرن ميونيخ لم يكن برشلونة النادي الوحيد المهتم بضمه، ولكنه كان النادي الوحيد الذي يهتم البولندي بالانتقال إليه.

قبلهما لم يفضل أوباميانج البقاء حبيس خلافه مع ميكيل أرتيتا في أرسنال رغم ضخامة راتبه هناك، والذي لا يقارن بأقصى راتب يمكن لبرشلونة توفيره في هذه الظروف.

يمكننا الاتفاق على أن دفع 50 مليون يورو تقريبا مقابل لاعب يقارب 34 عاما مهما كان اسمه، ليس تصرفا حكيما من الناحية الاقتصادية في ظل معاناة النادي ماديا، ولكن قيمة صفقة مثل ليفاندوفسكي -نكرر، في هذه الظروف- لا تقتصر على ما سيقدمه فنيا فقط، إنها رسالة للجميع بمن فيهم الجماهير: نحن هنا، لا نزال على قيد الحياة.

هكذا اكتملت عناصر العودة، بتضافرها مع مشروعات طويلة الأمد مثل خطة الاستاد، فديون تجاوز المليار لن تسدد في عامين كما تعلمون، بل يلزمها الاستثمار في زيادة العوائد المستقبلية إلى أقصى حد ممكن لتستمر عجلة سداد الديون القديمة والقروض الجديدة أيضا، مع استعادة المزيد من القوة الشرائية خطوة تلو الأخرى.

حين يخبرك أحدهم في أغسطس 2021 أن برشلونة يمكنه أن يفعل شيئا حتى على مر 3 سنوات مقبلة، ربما كنت لتجد صعوبة كبيرة في تصديقه، ولكن حين يخبرك نفس الشخص في يوليو 2022 أن برشلونة قد يحقق شيئا بنهاية الموسم الجديد.. ألن تشعر بأن حديثه اكتسب الآن شيئا من المنطق؟

طالع أيضا

خاص – قرارات الأهلي عقب خسارة كأس مصر

الجزيري يوضح موقفه مع الزمالك

خطوة جديدة من برشلونة للخروج من وضعه الاقتصادي

بنشرقي يودع الزمالك

التعليقات