بالستينو التشيلي.. ألوان فلسطين التي ترفض الاستسلام

الأربعاء، 21 أغسطس 2019 - 19:23

كتب : إسلام أحمد

بالستينو التشيلي

أسفرت حرب القرم في خمسينيات القرن الـ 19 بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية وحروب المنطقة العربية في أوائل القرن الماضي والاستعمار وكذلك الحرب العالمية الثانية في هروب عدد كبير من العرب من لبنان وسوريا وخاصة الفلسطينيين إلى دول مجاورة أو إلى الأرض الجديدة والتي تُدعى قارة أمريكا الجنوبية.

عام 1985 سافرت عائلة الشاعر اللبناني خليل جبران إلى نيويورك، وفي مارس 2013 أصبح المكسيكي كارلوس سليم ضمن أغنى أغنياء العالم، والعديد من الأسماء ذات الأصول العربية التي صالت وجالت ولا تزال في عالم الفن والرياضة في قارة أمريكا الجنوبية حتى الآن.

في أمريكا الجنوبية تجد أن بوكا جونيورز يتم نسبه إلى "الجنويين" أي القادمون من مدينة جنوى الإيطالية، أو فريق نيويلز أولد بويز الأرجنتيني الذي يعود إلى المهاجر "إسحاق نيويل" بالألوان الحمراء والسوداء نسبة إلى أصوله الإنجليزية والألمانية.

500 ألف فلسطيني أغلبهم من رجال الأعمال والمزارعين بدأوا في النزوح صوب قارة أمريكا الجنوبية وبالأخص إلى تشيلي والعاصمة سانتياجو هربا من الاضطهاد وتوفيرا لحياة أفضل لذويهم، لتصبح تشيلي أكبر موطن للشتات الفلسطيني خارج الشرق الأوسط.

البداية بعبور المحيط الأطلنطي ثم الذهاب لبيونيس آيرس عاصمة الأرجنتين وعبور جبال الأنديز من أجل الوصول لسانتياجو والاستقرار في تشيلي، قوافل كبيرة كانت تسمى بالـ "تركوس" نسبة إلى الأتراك كونهم قادمين من الإمبراطورية العثمانية.

68 عضوا من أبرزهم سالومون أهويس، خورخي حلبي، إلياس لاما، بنديكتو شواكي، نيكولاس سافي، ميغيل سافي وخوان ديك، عملوا على تأسيس نادي "بالستينو" في 25 مارس 1916 والذي سيظهر للنور لاحقا.

20 أغسطس 1920 تم تأسيس ناد هو الأول من نوعه لتمثيل المجتمع الفلسطيني المتنامي في سانتياجو، ليتم تأسيس نادي بالستينو الرياضي ليصبح أول ناد يتم تأسيسه من قِبل اللاجئين على مستوى العالم مع تحديد اسمه من الجذور الفلسطينية.

ألوان النادي تشمل ألوان علم فلسطين، الأحمر والأخضر والأبيض والأسود ولن يكون غريبا إذا وجدت "الكوفية الفلسطينية" متواجدة في ملعب بلدية لا سيستيرنا.

بعد 32 عاما من المشاركة في درجات الهواة، تم قبول مشاركة الفريق ضمن أندية الدرجة الثانية عام 1952 عقب بدء تنظيم المسابقات الاحترافية ليحقق اللقب ويصعد مباشرة للدوري الدرجة الأولى ويحل وصيفا في أول موسم له.

سريعا ما تم تسمية النادي بالـ "مليوناريوس" أي أصحاب الملايين نظرا لقدرة النادي المالية على جلب أي لاعب وتحقيقه لقب الدوري الدرجة الأولى عام 1955 ليبدأ في منافسة كبير الكرة التشيلية حينها" كولو كولو" على الرغم من السخرية والمشاكل حاصرت النادي في بداياته.

غاب الفريق 20 عاما عن تحقيق الألقاب، ليكون انضمام إلياس فيجيروا أحد أساطير كرة القدم التشيلية للفريق بعدما شعرت زوجته بالحنين للوطن عقب تجربته مع إنترناسيونال البرازيلي بمثابة حقبة جديدة.

تحت قيادة فيجيروا لاعب الوسط المدافع أصبح النادي أقوى من جديد، في يوليو 1977 بدأ سلسلة 44 مباراة دون هزيمة انتهت في سبتمبر 1978، وهو رقم قياسي في الكرة التشيلية حتى الآن، ليفوز بلقب كأس تشيلي 1977، والدوري 1978.

إلى جانب فيجيروا تواجد لاعبين مثل رودولفو دوبو، ومانويل روخاس والآلة الأرجنتينية المهاجم أوسكار فاباني، هداف المسابقة المحلية ثلاث مرات من 1976 إلى 1978.

في 1979 شارك بالستينو للمرة الثالثة في تاريخه بكوبا ليبرتادوريس بتصدر ترتيب مجموعته بتحقيق 4 انتصارات وتعادلين وتسجيل 16 هدفا وقبول هدفين فقط.

لكن الفريق اصطدم بأولمبيا البارجوياني وجوراني البرازيلي ليسقط متذيلا ترتيب مجموعته في المرحلة الثانية والتي كانت بمثابة المربع الذهبي كأفضل سجل للنادي قاريا.

في العقد التالي بدأ الفريق في التراجع ليهبط للدرجة الثانية عام 1988، لكنهم عادوا سريعا بعد عامين وبدأ الفريق في العودة مجددا، فوصل بقيادة مانويل بليجريني المدير الفني التشيلي – مدرب ريال مدريد ومانشستر سيتي السابق – في قيادة الفريق للوصول للمربع الذهبي من الكأس عام 1998.

وبعد 10 أعوام كان الفريق قريبا من تحقيق لقب الدوري لكنه خسر بنهائي مرحلة الكلاوسورا أمام كولو كولو بقيادة لوكاس باريوس لاعب بوروسيا دورتموند السابق.

بداية الارتباط أكثر بفلسطين

رغم فارق السفر على بعد 8000 ميل وعدم معرفة عدد كبير من اللاعبين الذين يمثلون النادي ذوي أصول فلسطينية وعربية لكلمة واحدة باللغة العربية فالأمر يُصبح في غاية الصعوبة.

يأتي ذلك بسبب القيود المفروضة لتحركات اللاعبين بين غزة والضفة الغربية التي تُصعب الأمور على انضمام لاعبين من تشيلي إلى المنتخب وتقلل عددهم في عديد الأحيان رغم الروابط الكبيرة.

لكن بدأ كل شيء مع "نيكولا شهوان" سليل المهاجرين الفلسطينيين في تشيلي، الذي تم تعيينه لإدارة المنتخب الفلسطيني في عام 2002.

لم يصل نيكولا وحده بل أحضر معه مجموعة من التشيليين الذي وافق عليهم الفيفا لتمثيل المنتخب على أساس النسب الفلسطيني.

ليمثل أليكسيس نورامبوينا وجوناثان كانتيلانا ودانييل كبير مصطفى مرورا باسماء أخرى مثل إدجاردو عبد الله، روبرتو بشارة، رودريجو جاتاس، ياشير إسلام، ماتياس جادو، ليوناردو زامورا، برونو بيسبي وبابلو تامبوريني.

روبرتو كاتلون لاعب منتخب فلسطين السابق ارتدى قميص النادي قال عن موسمين مع بالستينو لموقع Football Times: "لقد لعبت لمدة موسمين هنا، لقد كانت تجربة مدهشة من الناحية المهنية والشخصية، اقتربت من أصولي وكذلك مع المنتخب الوطني الفلسطيني الذي وفر لي فرصة للانتقال إلى الدوري اليوناني".

وتابع "المشجعون مزدوجون، لأنه على الرغم من إنها كرة القدم، فهناك بلد كامل ينتظر من أجل الانتصارات من أجل تحقيق الفخر والسعادة في فلسطين".

والسؤال عما إذا كان بالستينو يهدف فعلا إلى دعم القضية الفلسطينية؟ وفقا لروبرتو: "نعم، خاصة هذه الإدارة الأخيرة، لقد كانوا نشطين للغاية في قضيتنا، شجعان للغاية مع بعض الأشياء، وأيضا وطنية للغاية لتكون مصدر قلق يومي فيما يحدث هنا في فلسطين".

وكذلك لاعبون من أصول فلسطينية ارتدت قميص اللاورخا التشيلي مثل ماريو سالاس ولويس موسري وإدواردو جازيل.

تم تعزيز العلاقات في عام 2003 أكثر مع فلسطين عندما كان النادي على وشك الإفلاس. في تلك المناسبة، أرسل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رسالة يطلب فيها "عدم اختفاء" تلك المؤسسة.

ليساهموا عام 2015 في وصول المنتخب الفلسطيني إلى المركز 130 في تصنيف الفيفا.

المعلق الإذاعي التشيلي سيباستيان مانريكيز تحدث عن تأثير النادي: "لا يعني بالستينو فقط نادي كرة قدم في لا سيستيرنا، ولكن لمجتمع محترم جيدا في تشيلي، من أجل الأرض التي يوجد فيها المؤسسين وأجدادهم الذين جاءوا منها، وللأشخاص الذين يعانون عواقب لا يمكن تفسيرها من الصراع الذي لا ينتهي تقريبا في الشرق الأوسط".

"على عكس أندية كرة القدم في الشتات الأخرى في بلدنا، تُلعب كل مباراة مع عقول في الميدان وقلوب على بُعد كيلومترات، مع العلم أن عددا أكبر وأكبر من المشجعين يدعمونهم من بعيد رغم الرعب والحزن الذي يعانيه الفلسطينيون كل يوم في حياتهم اليومية. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فليس من غير المألوف أن تصبح كل مباراة ضد بالستينو مواجهة قاسية وعنيفة".

الرقم 1

يعود الارتباط الأكبر بين النادي والفلسطينيين حول العالم بسبب الأحداث السياسية في تشيلي التي ارتبطت بالفريق حينها في يناير 2014 عندما قرر النادي أن يرتدي قمصانا يُشكل فيها الرقم 1 خريطة فلسطين لعام 1947 أي قبل قيام دولة إسرائيل ليصبح الأمر رمزا للشعب الفلسطيني رغم المسافات الكبيرة.

رئيس النادي موريس خميس ماسو قرر الرد على الاتهامات بسبب القميص حينها قائلا: "فلسطين ورموزها موجودة في تشيلي منذ عام 1920، أي قبل 28 عاما من قيام دولة إسرائيل في فلسطين. بالنسبة لنا، ستكون فلسطين الحرة دائما فلسطين تاريخية، لا شيء آخر".

في النهاية تقرر تغريم النادي 1300 دولار من الاتحاد التشيلي واضطر إلى تغيير تصميم القميص، بعد شكوى بعض أليكس كيبليسكي رئيس شيليين روبلينس، نظرا لخلفيته اليهودية والتي كانت حاسمة في قرار الشكوى.

كيبليسكي زعم وقتها قائلا: "من المستحيل إنكار أن هو ناد لا مثيل له في الدوري. يدرك معظم المشجعين في تشيلي مساهمات الشتات الفلسطيني والخلفية التاريخية التي يسعى لتمثيلها".

"غالبية سكان تشيلي يدعمون القضية الفلسطينية، ولهذا السبب أقول على الرغم من أن بالستينو ليس من أكثر الفرق شعبية في المسابقات المحلية، فإن جماهيرهم هي الأكثر احتراما وتأييدا في كرة القدم التشيلية".

"يأتي هذا الاحترام حتى من قبل مشجعي منافسيهم الرئيسيين نادي الشتات الأسباني (يونيون إسبانيولا) وفريق الشتات الإيطالي (أوداكس إيتاليانو) على سبيل المثال".

في نهاية هذا الموسم عاد بالستينو بعدما ضم المدير الفني الأرجنتيني بابلو جيدي لكوبا ليبرتادوريس بعد غياب 36 عاما عقب احتلال المركز الرابع في جدول الترتيب وتقديم موسم مميز على مستوى جمالية كرة القدم محليا.

إذ حقق الفريق الفوز في الملحق المؤهل للمسابقة القارية ذهابا 3-1 وإيابا 6-1 على سانتياجو واندرارز.

ولأن العلاقات أصبحت أقوى فأن محمود عباس رئيس فلسطين تمت دعوته لحضور مباراة ودية للفريق عقب التأهل لكوبا ليبرتادوريس، كما أصبح بنك فلسطين راعيا للنادي، وتم ضم شادي شعبان لصفوف الفريق ليخوض بعض المباريات بقميص الفريق.

محمود عباس في عام 2015 قام بزيارة النادي ليعلق على امتنانه لتعريف الفريق بالقضية الفلسطينية: "أريدهم أن يعرفوا أننا نتعرف مع بالستينو على أنه الفريق الوطني الثاني للشعب الفلسطيني. لقد حقق النصر سعادة كبيرة لشعبنا، لقد كرمونا بأن أصبحوا جزءا من أمتنا، وسيتم كتابة أسمائهم في كتب تاريخنا".

بالإضافة إلى ذلك، في عام 2016 قام الفريق بجولة في آسيا، بدعوة من الرئيس نفسه لقد لعبوا ثلاث مباريات في مواقع مختلفة، كما خاضوا مباراة أمام منتخب فلسطين في زيارة تاريخية انتهت بالهزيمة بثلاثية دون رد.

رفع علم فلسطين والذي صار أكبر علم في البلاد في مواجهة سان لورينيزو في إياب ربع نهائي كوبا سود أمريكانا 2016 ورغم الفوز 1-0 إلا أنهم ودعوا المسابقة بسبب الخسارة ذهابا بهدفين دون رد.

وفي 2018 احتفل بالستينو بلقب كأس تشيلي الذي جاء بعد 40 عاما ومشاركة جديدة في كوبا ليبرتادوريس أمام ريفر بليت الأرجنتيني وفلامنجو البرازيلي.

باسيل مقدادي، مدون كرة قدم فلسطيني تحدث عن النادي: "اعتقد أنه من الرائع حقا أن يكون هذا الجانب جزءا لا يتجزأ من المشهد الرياضي في أمريكا الجنوبية، يوجد حوالي 11 مليون شخص فقط في العالم، يكون لهم ناد يحمل اسمهم على الجانب الآخر من العالم فالأمر يصبح أنيقا للغاية".

ليثبت الأمر أن العلاقة بين فلسطين ونادي بالستينو التشيلي ليست مجرد 8000 ميل فقط بل أن الروابط تصل إلى 99 عاما.

بالستينو احتفل بمرور 99 عاما على تأسيس بتلك الرسالة على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي:"كما يقولون هناك، في الحياة يمكن للمرء أن يغير الدين أو الحزب السياسي أو الزواج أو المنزل. ولكن ليس أبدا فريق كرة القدم، هذا يشبه الحب الأعمى، لا يمكنك التحكم في مشاعرك، وفي لا سيستيرنا تبكي وتعاني وتضحك وتغني".

"بالإضافة إلى ذلك، هذا الفريق مميز وفريد من نوعه. الفلسطيني يرتدي قميص المقاومة، بألوان العلم الذي يقاوم ويرفض الاستسلام في صراعه الدؤوب".

"كل يوم، يتبعنا أناس من مختلف أنحاء العالم، لأن ما نمثله جميل".

"بالستينو أكثر من فريق، إنها مدينة بأكملها. وتلك المدينة تحتفل اليوم بسنة جديدة من الحياة".

اقرأ أيضا:

كهربا: البطاقة الدولية وصلت.. وسأوضح كل ما حدث قريبا

خبر في الجول - اللجنة الخماسية تجتمع مع وفد الفيفا

ماركا توضح كيف سيكون لـ ريال مدريد الكلمة الأخيرة في انضمام نيمار.. وموقف برشلونة

صلاح: هل أشعر بالإرهاق؟ لا أريد الراحة ولو لمباراة واحدة

كرة طائرة - منتخب الناشئين يفتتح بطولة العالم بفوز مثير على ألمانيا بطل أوروبا

التعليقات