لوكا يوفيتش.. مرحبا مدريد

السبت، 20 يوليه 2019 - 21:23

كتب : زكي السعيد

لوكا يوفيتش - الصورة من theplayerstribune

يبدو كالقاتل بارد الدماء، لا يبتسم إلى تجملا، وجهه يحمل جدية قاسية، إنه لوكا يوفيتش صفقة ريال مدريد الجديدة.

المهاجم الصربي الشاب وفي عمر الواحدة والعشرين، انتقل بالفعل إلى أحد أعظم أندية العالم، بعد أن سحر الأعين رفقة آينتراخت فرانكفورت.

وعبر منصبة THE PLAYERS TRIBUNE، يخبرنا يوفيتش بقصته الشخصية ومعاناته في طفولته، وكيف غيّر مرض شقيقته من نظرته إلى الحياة، والأوقات الصعبة التي عاشها في البرتغال.

دعونا نعيش مع رواية يوفيتش لطفولته الصربية الطموحة والواثقة.

..........................................................................

أحيانا أشعر أنني ولدت وفي داخلي تلك الغريزة.

الجميع يمتلك مواهب محددة في هذه الحياة، وأعتقد أن موهبتي هي تسجيل الأهداف.

لا أدري كيف انتهى بي الحال في مركز المهاجم، ولكن بحسب ما أذكر، فقد كنت مهووسا دائما بتسجيل الأهداف.

عندما كنت طفلا، اعتدت الحصول على شرائط بالأهداف المسجلة في كل كؤوس العالم حتى 2006، وأتذكر أن الكاميروني روجيه ميلا سحرني بأهدافه في كأس العالم 90، ورونالدو بالطبع، رونالدو الأصلي.

كنت مهووسا بالطريقة التي يراوغ بها رونالدو حراس المرمى، كان سريعا للغاية كما لو أنه ساحر، وقد تدربت على تقليده في المنزل.

رونالدو كان يلعب بانسيابية كبيرة، أسلوبه كان رائعا، وطريقته في اللعب تركت تأثيرا كبيرا علي.

أعتقد أن المدربين رأوا حاسة التسجيل في شخصي، لأنهم وضعوني في مركز المهاجم منذ خطواتي الأولى مع كرة القدم.

أبي سجلني في نادي أوملاديناك بمدينة لوزنيكا الصربية، وأتذكر أن كل شيء كان باللون الأزرق، السور حول الملعب كان باللون الأزرق، وتواجد فندق صغير بالقرب من الملعب، كان باللون الأزرق أيضا.

كنت مرعوبا، إن رأيت صورة لذلك ستضحك على الأرجح، لأنه كان ملعبا صغيرا للغاية، ولكنه كان أول ملعب أمارس فيه كرة القدم بشكل حقيقي، وهذا شعور يمكن أن يتملّك أي لاعب حتى لو كان يافعا للغاية.

ظننت أن كل ملاعب كرة القدم في العالم ستكون مغطاة باللون الأزرق، حتى لاحظني كشافو نادي ريد ستار بيلجراد وأدركت حينها أن الملاعب لديها ألوان أخرى، كنت في الثامنة من عمري، ولم أكن على دراية بكل الأماكن التي ستأخذني كرة القدم إليها.

ترعرعت في منطقة تُدعى باتار، لا أتوقع أن تعرفونها، لا تقلقوا، إنه مكان صغير للغاية، يضم 105 بيتا فقط في القرية كلها، ولكنه مكان مميز بالنسبة لي.

أتذكر رجلا من باتار أخبرني ذات مرة: "قريتي أجمل من باريس".

وهذه هي الصورة التي أرى عليها باتار فعلا، تقريبا الجميع هناك يعمل في الزراعة، وإن سألتهم عما يؤمنون به، فسيخبرونك: العمل الكادح، والحلم الكبير.

الجميع في باتار يعطون أقصى ما لديهم لتوفير أموالا كافية لمساعدة أطفالهم على الالتحاق بالجامعات أو الانتقال إلى مدينة أكبر للعمل.

وهذا نفسه انطبق علي، أسرتي عملت بجد حتى تساعدني على إيجاد طريقي في الحياة، والدي امتلك متجرا، وإن مر بعام سيئ، يضطر إلى الاقتراض من المصرف حتى يستطيع مواصلة اصطحابي إلى المران يوميا.

عمي عمل في روسيا، ولكن إن سمع أننا نعاني ماديا، فإنه يقوم بشراء أحذية كرة قدم لي ويرسل الأموال إلى أبي.

العائلات الصربية مميزة للغاية، أعتقد أننا كنا قريبين للغاية، وقد احتجنا إلى ذلك.

لا أتحدث عن ذلك كثيرا، ولكن عندما كنت في التاسعة أو العاشرة من عمري، شقيقتي الكبرى مرضت للغاية، وكانت تلك اللحظة التي تركت أثرا كبيرا في حياتنا.

الأطباء اكتشفوا إصابتها بسرطان الدم، وتكرر ذهابها إلى المستشفى لوقت طويل، حتى أن والدتي اضطرت إلى التوقف عن إدارة المتجر لتعتني بها.

لمدة عام كامل، عائلتنا كانت منفصلة، كنت أعيش مع أبي وجدتي حتى أستطيع الذهاب إلى تدريبات ريد ستار بيلجراد، بينما بقيت أمي رفقة شقيقتي.

كان وقتا صعبا للغاية، ما أذكره جيدا هو الشعور الذي تملكني عند ذهابي إلى باتار بعد إحدى المباريات.

أبي كان يقوم بإيصالي، وتوقف لاصطحاب عمي وابن عمي، لم أدر ما يحدث في البداية، ولكن عندها أدركت أننا نقيم احتفالا كبيرا، ذهبنا إلى المنزل وشقيقتي ارتدت تلك القبعة الورقية، كما لو أنه عيد ميلادها.

الأطباء أخبرونا أنها تعافت، وقد كان شعورا رائعا، بعد أن تملكنا الهلع لفترة طويلة.

عندما قهرت شقيقتي مرضها، كان ذلك دافعا لي حتى أنجح، أردت أن أكون فائزا مثلها، حلمي كان مشابها لأي طفل آخر في باتار: أن ألعب في ريد ستار وأسجل في الدربي أمام بارتيزان.

بالنسبة للناس خارج صربيا، لعلكم لا تفهمون ذلك، ولكن ريد ستار نادٍ مختلف بصورة قد لا أستطيع وصفها، لعلكم تعرفون النادي من خلال الممر الخاص به، عندما يأتي الآخرون للعب هنا يقولون إنه يبدو مليئا بالأشباح، مع وجود بعض رسومات الجرافيتي على الحائط، والظلام الدامس.

أعتقد أن بعض الأشخاص يخشونه للغاية، ولكنه طبيعي للغاية بالنسبة لي، اعتدت السير في هذا الممر منذ كنت في الثامنة، عندها تسمع الأجواء في الملعب، ولا يمكنك أن تصدقها.

في ريد ستار كل شيء يتمحور حول الفوز، إن لم تفز فهذا يعد فشلا.

هناك قصة يرجع عمرها إلى عدة سنوات، عندما كان الفريق يعاني ولديه بعض المشاكل المادية، حينها كتب بعض اللاعبين خطابا إلى الجماهير من خلال الصحيفة وقالوا: "الأمور صعبة الآن، والنادي لا يستطيع تكلُف شراء زجاجات الشامبو للاستحمام حتى".

في اليوم التالي، أقحمت الجماهير زجاجات الشامبو في مقاعد سيارات اللاعبين.

هل تدركون ما أتحدث عنه؟ الأمر أكثر من مجرد كرة قدم. والنشوء في هذه البيئة يعطيك الثقة ويمنعك من الخوف.

عندما بلغ عمري 16 عاما، شاركت مع الفريق الأول في مواجهة فويفودينا، وهنا لدي قصة لأرويها لكم.

كنت في الفندق في نوفي ساد ليلة المباراة، وعليكم أن تفهموا أنه أثناء تواجدي في فريق الشباب، لم يكن هناك حظ تجوال قبل المباريات.

في ذلك اليوم كنت جالسا في الفندق مع رفيق غرفتي، وقد شعرنا بجوع بالغ، ولذا خرجنا وذهبنا إلى المتجر وابتعنا بعض الطعام، ثم عدنا ورأينا مدربينا جالسين في الحانة يحتسون شرابا، نظروا إلينا مصدومين، ولم نفهم.

المدرب قال لي: "هل تدرك ما هو الوقت الآن؟".

نظرت إلى الساعة وأخبرته أنها 11:30.

وعندها صرخ قائلا: "كان من المفترض أن تكون في فراشك منذ الحادية عشر".

لم أدرك ذلك حقا! كنت في السادسة عشر! شعرت بالضيق في تلك الليلة، ولكن كل ما يمكنني إخباركم به هو أنني عندما دخلت الملعب في اليوم التالي، كنت مليئا بالثقة.

بالنسبة لي، تسجيل الأهداف حاسة لدي، كانت هذه أفضل سماتي، بغض النظر عما يدور حولي، فإن طلبت مني إسكان الكرة الشباك، سأكون مركزا بشكل كامل.

سجلت في ذلك اليوم، ونظرت إلى جماهيرنا المرتحلة خلفنا ووجدتهم يحتفلون، وقد كان الشعور الأكثر روعة على الإطلاق.

ريد ستار بمثابة العائلة، أردت دائما اللعب لهم، وعندما أتتني فرصا للانتقال إلى أندية أكبر، لم أرغب في الرحيل.

في الحقيقة، عندما أرادني بنفيكا عام 2016، أذكر إخباري أمي أنني لن أرحل، وقد أجابتني وقتها: "عزيزي، نعرف أنك تحب ريد ستار أكثر مما تحبنا، ولكن عليك أن تضع مصلحتك أولا".

أعتقد أن هذا يلخص كل شيء عن ريد ستار، أمي ترى أنني أفضَل النادي عليها.

في النهاية، قررت الانتقال إلى بنفيكا حتى أتقدّم في مسيرتي، ولكن أعتقد أن كل شيء حدث بسرعة بالغة، فعائلتي تعني لي كل شيء، ولم أكن مستعدا للابتعاد عنهم.

أن تبلغ 18 عاما وتبتعد بمسافة 3000 كيلومتر عن بلدتك وتتواجد في بلد لا تتحدث لغته، فالأمر لا يتمحور حول كرة القدم الآن.

الحياة ليست بسيطة، فعندما وصلت لشبونة لأول مرة، كنت أنخرط في البكاء دون سبب عندما أتذكر منزلي، كان وقتا صعبا في مسيرتي وشعرت بالوحدة، لكن لحسن الحظ كل شيء تغيّر عندما انتقلت إلى آينتراخت فرانكفورت.

سأحب وأقدّر آينتراخت دائما، لأنه نادٍ غير قائم على الأموال أو اللاعبين باهظي الثمن. بل هو قائم على التفاهم ومشاعر التآلف الرائعة مع المشجعين، بدأت في الاستمتاع بكرة القدم مجددا عندما انتقلت إلى هناك.

عندما فزنا بكأس ألمانيا 2018، الأجواء كانت خرافية في الملعب والمدينة، شعرت أنني في ريد ستار مجددا، واكتسبت العديد من الأصدقاء هناك في فرانكفورت سأحافظ عليهم للأبد.

ندمي الوحيد على تلك الفترة كانت الخروج من نصف نهائي الدوري الأوروبي أمام تشيلسي.

إنها واحدة من لحظات مسيرتي التي بكيت فيها بالدموع حزنا على الهزيمة، ولم يحدث هذا مباشرة بعد خسارتنا في ركلات الجزاء الترجيحية، بل عندما غادرنا الملعب ورأيت مشجعي فرانكفورت أمامنا ينشدون أغنيتنا والدموع تملأ أعينهم حتى بعد خسارتنا.

كانت تجربة صعبة، أن تلعب لأجل الجماهير التي تشجعك حتى وقت الهزيمة، هذا أمر نادر في عالم كرة القدم، وأنا حزين لمغادرة فرانكفورت، لأن هذا النادي غيّر مسيرتي.

بسبب انتقالي إلى ألمانيا، وبسبب لعبي في هذا المستوى العالي، حصلت على فرصة تمثيل بلادي في كأس العالم 2018، وهو شعور لا يمكن وصفه في كلمات.

أذكر قبل مواجهة البرازيل، كنت أجري الإحماء رفقة ماركو جرويتش لاعب هيرتا برلين، وشعرنا أننا سننفجر في ذلك الملعب.

عند عودتنا إلى غرفة خلع الملابس، كنا غارقين في العرق، وطوال المباراة لم نشعر بأي شيء، كنا مخدرين، وبعد المباراة تمكننا أخيرا من رؤية الصورة كاملة وما فعلناه وحققناه.

بالنسبة لي، شخص ترعرع في قرية صغيرة في صربيا اعتاد مشاهدة شرائط رونالدو، فعيش هذه اللحظات أمام البرازيل كان أمرا مميزا للغاية.

الأمور حدثت بشكل سريع معي. فقبل عدة سنوات كنت أحلم باللعب لـ ريد ستار.

أما اللعب في نصف نهائي الدوري الأوروبي واللعب في كأس العالم، والانتقال الآن إلى ريال مدريد، فهذا شيء مذهل.

ولكن أعتقد أن الثقة هي الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للمهاجم. لم أشك أبدا في قدراتي، أشعر فقط أنني أمتلك جودة وُلدت بها، ولن أشك أبدا في ذلك.

الأمر مضحك، فالمرة الأخيرة التي لعبت فيها مع المنتخب الوطني، ستيفان ميتروفيتش أحد زملائي قال: "يا رجل، سأفعل الكثير لو امتلكت ثقتك في نفسك".

ولكن بالنسبة لي، الأمر منطقي، كيف سأكون مهاجما دون ثقة في النفس؟ في هذا المركز، الأمر الأكثر أهمية ليس البداية، بل النهاية.

وفي حالتي، في بدايتي، وُلدت في قرية صغيرة في صربيا تضم 105 منزلا، مكان لم تسمع به من قبل على الأرجح. وأين ذهبت في قصتي؟ ماذا سأحقق؟ كيف هي النهاية؟ لا أدري، ولكني أمتلك أحلاما عظيمة للغاية.

أنا متحمس للعب مع ريال مدريد، ومجددا أريد شكر نادي آينتراخت فرانكفورت وجماهيره لجعلي أشعر بالوطن طوال عامين.

شكرا.

اقرأ أيضا:

خبر في الجول - عماد السيد يرحل عن الزمالك بعد القمة

لاسارتي: الشحات سيكون الورقة الرابحة لـ الأهلي في الموسم الجديد

تقرير: الإصابة تهدد حجازي بالغياب عن بداية موسم وست بروميتش

مصدر مقرب من اللاعب لـ في الجول: إمام عاشور حصل على مقدم تعاقد من الزمالك.. وحسم الصفقة خلال أيام

سيطرة سنغالية ومدافع تونسي في تشكيل كاف المثالي لـ كأس الأمم الإفريقية

التعليقات