المغرب 76 - من حلم لـ كابوس لـ واقع.. بين نيران حادثة الطائرة وقذيفة بابا

الأربعاء، 12 يونيو 2019 - 14:48

كتب : معتز سيد

منتخب المغرب 1976

عندما ترى حلمك تنهشه النيران أمام عينك، ستدمع وتشعر بالرعب، وفي تلك اللحظة ستتغير للأبد، تغيُر يمكنك أن تجعله للأفضل، ليقودك لقهر النيران وتحقيق حلمك رغما عن كل الظروف.

الحلم كان إسعاد شعب بأكمله، والبطل كان المنتخب المغربي، والهدف كان كأس الأمم الإفريقية 1976.

في العاشرة مساءً من يوم 21 يونيو المقبل ستنطلق صافرة بداية أمم إفريقيا 2019 في مصر، وهدف المنتخب المغربي لن يتغير. الهدف هو حصد اللقب الغائب منذ 43 عاما.

المرة الأخيرة، والوحيدة، التي نجح فيها المنتخب المغربي في حصد اللقب الإفريقي كانت عام 1976 في إثيوبيا في النسخة العاشرة من البطولة.

لكن تحقيق لقب 76 لم يكن سهلا على الإطلاق بالنسبة للمغرب، منذ اللحظة الأولى وحتى اللحظة الأخيرة.

طالع أيضا - (لأن الكثير يصعب وصفه.. روح المغرب)

ما قبل البطولة

الروماني جورج مارداريسكو عندما تولى تدريب المنتخب المغربي، غيّر تماما من نظام العمل في المنتخب وفي الاتحاد المغربي.

مارداريسكو استدعى 60 لاعبا محليا. نعم الرقم لم يُكتب بشكل خاطئ، 60 لاعبا بالتمام والكمال كانوا في معسكر المنتخب المغربي.

ولكنه مجرد معسكر أول قبل البطولة.

الاستدعاء كان من كل الفرق ومن مختلف الأقسام المحلية في المغرب، والهدف كان استخراج الأفضل من اللاعبين والاستقرار على 30 لاعبا من أصل 60، وخلق حالة انسجام بين الجميع.

المرحلة الأولى كانت عبارة عن تدريبات قوية للغاية قائمة على الشق البدني إلى جانب المشاركة في مباريات ودية وأخرى في التصفيات.

المرحلة الثانية كان الاستقرار على 30 لاعبا يتم تجميعهم بشكل أسبوعي في معسكرات مغلقة للتدرب ولعب مباريات ودية ويذهبون فقط لأنديتهم قبل يوم واحد من مباراة ناديه في المسابقات المحلية! والكل كان متفتحا حول ذاك الأمر.

حميد الهزاز الحارس المغربي الذي حمى عرين المغرب في بطولة 76 يحكي عن مرحلة ما قبل البطولة قائلا: "كنا نمتلك منتخبا قويا للغاية بسبب البطولة المحلية التي كانت تزخر بلاعبين ممتازين، فإن أراد المدرب إيجاد 100 موهوبا حتى، سيجدهم في البطولة المحلية".

"لعبنا مباريات ودية قوية للغاية ضد مانشستر سيتي وانتصرنا وضد ستوك سيتي وانتصرنا وضد أندرلخت ثم برانيف لاف التشيكي وليون الفرنسي وليفسكي اليوغسلافي. لم نخسر إلا مرة واحدة فقط وكل فريق لعبنا ضده كان يرغب بعد ذلك في التعاقد مع لاعب أو اثنين مننا".

خلال مرحلة التصفيات المؤهلة للبطولة، انتصر المنتخب المغربي على جامبيا 3-0 وكرر انتصاره إيابا في المغرب بفضل الجناح المتألق حينها رضوان الكزار.

بعدها اكتسح المنتخب المغربي برباعية نظيره السنغالي ولم يتأثر بالخسارة إيابا بفارق هدف، ليتأهل للدور الثاني والأخير من التصفيات ويواجه غانا.

وأمام غانا الأمور لم تكن سهلة على الإطلاق بعد الخسارة ذهابا 2-0.

ويحكي رضوان الكزار عن مواجهة غانا قائلا: "الأمور كانت صعبة للغاية لأننا خسرنا إلى جانب تعرض العديد من أبرز لاعبينا وقتها للإصابة مثل أحمد فراس".

لكي تعلم مدى تأثير غياب أحمد فراس، علينا الجري قليلا بالزمن للأمام..

أحمد فراس مهاجم المنتخب المغربي حصد جائزة الكرة الذهبية عام 1975 كأول عربي في التاريخ يفعل ذلك.

قاد فريقه المحمدية للقب الدوري المغربي وكأس العرش وكأس المغرب العربي، وقاد منتخب المغرب لأولمبياد ميونيخ وكان أكثر من سجل للمنتخب في البطولة. تأثير جعله يحصد جائزة الكرة الذهبية وقبل ذلك تلقى عرضا من ريال مدريد. نعم ريال مدريد.

يتحدث أحمد فراس عن ذلك قائلا: "قبل فوزي بجائزة الكرة الذهبية وتحديدا عام 1972 تلقيت عرضا من ريال مدريد".

"ولكنني رفضته بسبب خوف جدتي علي من الغربة والإقامة في بلاد الفرنجة - يضحك كثيرا وهو يقول بلاد الفرنجة على حد وصف الصحفي علاء عزت في حواره معه في صحيفة الأهرام -".

"وبعد فوزي بالجائزة تلقيت عروضا من أندية عالمية وكذلك عربية مثل الهلال السعودي والهلال الليبي ولكنني لم أذهب لأي مكان".

"طوال فترة لعبي - من عام 1964 حتى 1982 - كنت أتلقى عروضا سنويا من الرجاء والوداد وأتذكر أن وزير العدل المغربي وقتها جاء إلى المحمدية لاقناعي بالانتقال إلى الرجاء ولكن رئيس المحمدية رفض تماما".

"كنت بطلا قوميا في مدينتي".

الآن علمت بكل تأكيد مدى قوة وتأثير فراس.. ولنعد من جديد بالزمن إلى الماضي.

عذرا رضوان الكزار، أكمل حديثك الآن عن لقاء غانا في المرحلة الأخيرة من التصفيات..

"كنت أعاني من إصابة إلا أن غياب فراس والعديد من اللاعبين جعل المدرب يستعين بي ولم يكن هناك أي خيار آخر".

"وبالفعل شاركت ونجحت في الحصول على ركلة جزاء في لقاء الإياب وانتصرنا 2-0 لنعادل نتيجة الذهاب ونلعب ركلات ترجيح".

وفي ركلات الترجيح انتصر المنتخب المغربي ليقطع رسميا تذكرة الوصول لأمم إفريقيا في إثيوبيا.

نظام البطولة

نظام بطولة أمم إفريقيا 1976 كان فريدا من نوعه وعلى عكس كل البطولات التي سبقتها.

الدور الأول من البطولة يقام بنظام المجموعتين بـ 8 فرق ويصعد للدور الثاني الأول والثاني من كل مجموعة. الأمر هنا كان مشابها لما حدث في البطولات السابقة، ولكن المختلف كان في الخطوة التالية.

الدور الثاني لم يقم بنظام خروج المغلوب، بل بنظام المجموعة الواحدة.

الـ 4 فرق التي صعدت من الدور الأول تتواجد في مجموعة واحدة ومن يحصد أكثر نقاط من مبارياته يحقق لقب بطولة إفريقيا.

هيا بنا لنُقسم حديثا إلى شقين.. الدور الأول.. الدور الثاني.

البطولة.. الشق الأول

8 فرق شاركت في بطولة أمم إفريقيا وهم مصر والمغرب وغينيا وزائير -حامل اللقب- ونيجيريا والسودان وأوغندا وإثيوبيا -المستضيف-.

قبل أسبوعين من انطلاق البطولة، سافرت بعثة المغرب إلى مصر لتقضي فترة معسكر مغلق صغير مدته 4 أيام قبل أن تتجه إلى السعودية لتلعب مباراتها الودية الأخيرة أمام المنتخب السعودي وتفوز 2-1.

ثم بدأت الرحلة إلى إثيوبيا.

40 ساعة طيران. رحلة شاقة للغاية مع توقفات في العاصمة أديس أبابا والتي كانت تعيش حالة طوارئ عسكري، لتنتقل بعدها بعثة المغرب إلى مدينة دير داوا والتي تبعد عن العاصمة بـ 700 كلم.

الانتقال من العاصمة إلى دير داوا كان بطائرة عسكرية "مخيفة" على حد وصف حميد الهزاز حارس المغرب.

المنتخب المغربي كان في مجموعة تضم منتخبات السودان وزائير ونيجيريا والأربعة منتخبات تواجدت في فندق إقامة واحد فقط.

وعن تلك الظروف الصعبة، يحكي حميد "كانت الحالة استثنائية. كان هناك حالة من حظر التجول بعد الخامسة مساءً".

"كنا نتدرب تحت حماية عسكرية وفي معمل للأسمنت!".

وانطلقت البطولة.

المنتخب المغربي حصد 5 نقاط في الدور الأول بعد التعادل مع السودان والفوز على زائير ونيجيريا -الفوز بنقطتين وليس 3-.

5 نقاط جعلوا المنتخب المغربي في الصدارة وخلفه منتخب نيجيريا بينما ودع حامل اللقب زائير، البطولة من الدور الأول بعدما اكتفى بجمع نقطة واحدة.

إذا المرحلة الأولى تمت بنجاح وصعد المنتخب المغربي، والآن يتوجب عليه التواجد مع منتخبي مصر ونيجيريا في المرحلة الثانية والأخيرة.

مباريات المرحلة الثانية أقيمت في أديس أبابا وتحتم على بعثة المنتخب المغربي الطيران مجددا من مدينة دير داوا إلى العاصمة.

وهنا كاد أن يتحول الحلم إلى كابوس.. كابوس مرعب.

رعب حادثة الطائرة

الطائرة التي كانت تُقل بعثة المنتخب المغربي من دير داوا إلى أديس أبابا تعرضت لحادث اشتعال في أحد محركاتها وكادت أن تصطدم وتُحطم تماما، وينتهي معها الحلم المغربي.

مأساة الحادث يحكي عنه نجم خط الوسط المغربي.. عبد الله تازي.

"بمجرد إقلاع الطائرة وعقب دقائق قليلة اندلعت النيران في محركها الأيمن".

"كنت أنظر من النافذة وأقول "العافية.. العافية". الكل كان في حالة صمت من الفاجعة".

"صمت كسره أصوات تتلو آيات قرأنية وأخرى تبكي. الحالة كانت كارثية ومرعبة".

"لكن قائد الطائرة تمكن من العودة إلى المطار ليهبط قبل أن تتحطم الطائرة تماما، وكانت هناك سيارات إسعاف ومطافئ تنتظرنا عند الدرج. ومر الحادث بسلام".

"حالة الصمت تحولت إلى حالة احتجاج كبيرة وعدم رضا من الجميع، بل والكل قرر أننا سنقاطع البطولة ولن نُكملها وسنعود إلى المغرب".

"قضينا يوم بأكمله داخل المطار. كانت ليلة كارثية وكابوس جعلنا لا نرغب حتى في ممارسة كرة القدم من جديد".

بعد محاولات عديدة وبعد هدوء الجميع، قررت البعثة السفر صباح اليوم التالي إلى أديس أبابا لاستكمال المشوار.

السفير المغربي في إثيوبيا وقتها استقبل البعثة ونقل لها رسالة من الحسن الثاني بن محمد -ملك المغرب-.

رسالة ملك المغرب كانت: أنتم مثل جنود الحرب وليس مجرد لاعبي كرة قدم. مهمتكم جعل من هذه البطولة، ملحمة. ارفعوا راية الوطن.

نيران الطائرة التي نهشت حلم المنتخب المغربي، غيرتهم للأفضل وجعلتهم يقررون قهر النيران وتحويل الحلم إلى واقع.

وهو ما حدث..

البطولة.. الشق الثاني

أحمد فراس قاد المنتخب المغربي للانتصار على منتخب مصر 2-1 في أولى مباريات المرحلة النهائية من البطولة.

وعلى الجانب الآخر تعادل منتخب غينيا مع منتخب نيجيريا 1-1.

فراس واصل التألق ليقود المغرب لفوز ثان في غاية الأهمية أمام نيجيريا 2-1، بينما فاز المنتخب الغيني على حساب منتخبنا الوطني 4-2.

الآن المنتخب المغربي 4 نقاط، ومنتخب غينيا 3 نقاط.

مواجهة حاسمة بين المنتخب المغربي ومنتخب غينيا على اللقب. التعادل يكفي الأسود أما غينيا فلا بديل عن الفوز.

كابوس .. قذيقة .. واقع ولا أجمل

من جديد تحول الحلم المغربي إلى كابوس، ولكن عزيمة الرجال حولت الكابوس إلى واقع جميل.

المنتخب المغربي وجد نفسه متأخرا في النتيجة بهدف بعد مرور 8 دقائق فقط بفضل هدف شريف سليمان لاعب منتخب غينيا.

الأمور لم تتوقف هنا بل لعب المنتخب المغربي بـ 10 لاعبين بعد طرد مدافعه الصخرة وقتها، عبد الله السماط.

المتبقي أقل من 4 دقائق على تدمير الحلم المغربي على يد منتخب غينيا، ولكن مدافعا مغربيا قرر ألا يحدث ذلك.

انطلق من الدفاع تاركا مركزه ليتجه نحو مرمى الخصم، مطالبا أحمد فراس بالتمرير له، وهو ما حدث، ليطلق قذيفة صاروخية من خارج منطقة الجزاء لتهز شباك غينيا وتعلن تتويج منتخب المغرب بلقب أمم إفريقيا.

هدف ذهبي ترسخ في ذاكرة كرة القدم المغربي وخلد اسما في صفحات التاريخ.

أحمد مكروح "بابا" يُسجل ويحول الحلم إلى واقع.

مواليد 1953 كان عاشقا للأسطورة البرازيلية فافا، وأصبح لقبه المفضل، ومع طول الاستعمال من الجميع لكلمة "فافا" تحولت إلى "بابا" ليصبح لقبه الأشهر.

أحمد مطروح استلهم روح "فافا" ليسجل هدفا لن يُمحى من ذاكرة المغاربة لما كتبه من بطولة لم تتحقق من جديد حتى الآن.

"بابا" رحمة الله عليه، الذي توفى العام الماضي، يحكي عن هدفه قائلا: "هدفي أمام غينيا لن أنساه أبدا".

"بذلنا جهدا خرافيا في البطولة وسط أجواء صعبة للغاية وطقس صعب وأحمد الله أننا أسعدنا الشعب المغربي".

"فراس كان هو من يصنع الفارق دائما وكان يُشجعنا طوال المباراة، مرر لي الكرة وسددت بقوة ورأيت الكرة في الشباك بعد ذلك".

"أتممنا مهمتنا بنجاح".

النيران أخافتهم ولكنها لم توقفهم.. وتلك حكاية المغرب 1976.

المصادر:

** صحيفة المساء المغربية - 2012.

** صحيفة الصباح الرياضية - يناير 2012.

** صحيفة الاتحاد - يوليو 2011.

** صحيفة تازة اليوم - يناير 2012.

** صحيفة هسبريس - 2015.

** الأهرام المصرية - 2013.

** مجلة الأهلي - 2013.

** برنامج شوف المغربي - يوتيوب - 2016.

** قناة SFM MAROC - يوتيوب - أرشيف.

اقرأ أيضا:

مالي وسر الأسرار

وكيله: تجديد إعارة رمضان ازداد تعقيدا.. والأهلي لن يقدر على ثمن الشراء

شاهد وصول صلاح إلى معسكر منتخب مصر

حكايات كوبا أمريكا - عدسات "تاتا" تقود باراجواي دون فوز في 2011 لمجد منقوص

تقرير تونسي يكشف سبب استبعاد معلول من قائمة المنتخب في أمم إفريقيا

رسميا - طلعت يوسف مديرا فنيا لـ الاتحاد السكندري

التعليقات