قصة أبناء الشيطان.. كتبوا تاريخا ذهبيا لـ إثيوبيا تم محوه عمدا

الأحد، 02 يونيو 2019 - 15:11

كتب : رامي جمال

إثيوبيا 1962

قررت إيطاليا في نهايات القرن الـ19 احتلال إريتريا مثلما كانت كل الدول الأوروبية تحتل نظيرتها الإفريقية في ذلك الوقت.

وهناك في العاصمة أسمرة وُلد لوتشيانو في 1935 وإيتالو بعده بخمس سنوات، ثم تلاهما لينا لأم من إريتريا هي مبراك إبراهام والأب هو عسكري من جنود إيطاليا يُدعى فيتوريو فاسالو.

قصة قد تبدو عادية في بداية سردها لكن المعاناة الدائمة والإنجاز الذهبي الذي كُتب بعد ذلك قبل أن يُمحى عمدا أصبح واقعا مأساويا يصلح لأن يكون أحد أفضل السيناريوهات السينمائية هناك في هوليوود.

أبناء الشيطان

رحل فيتوريو فاسالو رفقة زملائه في العسكرية الإيطالية من إريتريا إلى إثيوبيا وترك خلفه ثلاثة أبناء أصبح مصيرهم مجهولا.

لوتشيانو الذي وُلد في 1935 وشقيقه إيتالو بعد تعرض الأطفال الثلاثة للرفض من قبل الجميع، فإيطاليا رفضت الاعتراف بهم، وفي إريتريا رفضوا الاعتراف بهم لأنهم من أصحاب البشرة الملونة، والرفض الأكبر من الأم.

رفضٌ كان هو الأول من نوعه في حياة لوتشيانو وإيتالو ولن يكون الأخير في حياتهما.

"نعم هذا ابن الشيطان عندما ينظر إلي بعيون غريبة أشعر بالخوف" لوتشيانو متحدثا عن اعتراف أمه له بالخوف منه ومن أشقائه في الصغر.

ما حدث جعل لوتشيانو يتجه إلى الشارع للتفريغ عن غضبه وبدأ يلعب كرة القدم رفقة بعض الأطفال الآخرين وفي وقت لاحق طُرد من مدرسته بسبب رفضه مرة أخرى لأنه ليس إريتريًا.

استمر لوتشيانو في لعب الكرة رفقة أصدقائه من الهجناء الذين رفضهم المجتمع مثله تماما بالإضافة إلى عمله كميكانيكي في محطة السكة الحديد وظل يتنقل من فريق لآخر إلى أن ابتسم له القدر لأول مرة.

يُكمل لوتشيانو "كنت ألعب كظهير أيسر ثم توغلت أكثر إلى وسط الملعب ومنه أصبحت صانع ألعاب وفي يوم أتى لي عرض من نادي جي إس أسمرة مقابل 600 دولار إثيوبي".

عرض كان لا يمكن رفضه من أجل أن يستمر في إعالة عائلته بالشكل الأمثل.

وفي عام 1953 وقع حدث لم يكن الأفضل لإريتريا ولكنه في ذلك الوقت كان جيدا للوتشيانو وهو اندماج الدوري الإريتري مع الإثيوبي بعد اندماج الدولتين.

صناعة التاريخ

ظل لوتشيانو يتألق ويسجل العديد من الأهداف خاصة بعدما انتقل إلى فريق القطن الإثيوبي ومنه حصل على هدية لم تكن متوقعة على الإطلاق.. الانضمام إلى منتخب إثيوبيا لتمثيله في كأس أمم إفريقيا 1962 رفقة شقيقه إيتالو الذي يلعب كمهاجم.

منتخب إثيوبيا كان يعاني الأمرين في ذلك الوقت إذ أنه شارك في أول نسختين من كأس أمم إفريقيا في 1957 و1959 وخسر في المرتين ولم يسجل أي هدف.

هنا برز دور الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي الذي كلف يدنكاتشيو تسيما أحد نجوم الكرة في البلاد ورئيس الاتحاد الإفريقي فيما بعد في السبعينيات بتشكيل فريق قوي للمنافسة على لقب البطولة التي ستقام في البلاد في عام 1962.

يضيف لوتشيانو "كنت في السابعة والعشرين وأصبحت قائدا للمنتخب وفي ذلك الوقت فتحت ورشة لصيانة السيارات".

ولكن مرة أخرى الرفض تجلى من العدم للوتشيانو بعدما حاول المدرب سحب شارة قيادة المنتخب منه لكونه هجينا وإعطائها لأحد اللاعبين ذوي البشرة السمراء.

السبب هو أنه ليس من المعقول أن يتسلم كأس البطولة حال الفوز بها من الإمبراطور شخص صاحب بشرة ملونة.

ولكن هنا كان لأحد أفضل اللاعبين في تاريخ إثيوبيا، منجستو وركو، دورا هاما إذ رفض قرار المدرب وأصر أن يستمر زميله لوتشيانو في حمل شارة القيادة.

وعلق لوتشيانو على تلك الواقعة قائلا: "كان تسيما لا يحب الإريتريين وعهد إلى التفرقة بيننا وبين الإثيوبيين".

وفي البطولة التي أقيمت في إثيوبيا تخطى أصحاب الأرض منتخب تونس في نصف النهائي بالفوز عليه بأربعة أهداف لهدفين في لقاء شهد تسجيل لوتشيانو لهدفين.

وفي النهائي وبينما كان منتخب الجمهورية العربية المتحدة –مصر- ينتصر بهدفين لهدف أنقذ منجستو وركو إثيوبيا بتسجيله لهدف التعادل قبل ست دقائق من نهاية الوقت الأصلي للقاء.

وفي الأشواط الإضافية سجل شقيقه إيتالو الهدف الثالث وأضاف زميله الذي دافع عنه ضد سحب شارة القيادة منه منجستو وركو الهدف الرابع ليجلبوا الكأس إلى إثيوبيا للمرة الأولى والأخيرة في التاريخ حتى الآن.

وفور نهاية اللقاء صعد لتوشيانو لمدرجات ملعب هيلا سيلاسي لتسلم الكأس من الإمبراطور نفسه.

لحظة انتصر فيها صاحب البشرة الملونة أخيرا على كل من رفضوه وثأر لنفسه.

يقول لوتشيانو: "أصبحت رمزا للشعب الإثيوبي منذ ذلك اليوم كان نصرا يمثل لي الكثير على المستوى الشخصي حظيت باحترام عام من الجميع".

أصبح لوتشيانو ثاني هدافي البطولة كما أنه توج بجائزة أفضل لاعب فيها كذلك.

لا يوجد ثأر أفضل من ذلك للوتشيانو وشقيقه إيتالو.

محو الإنجاز

ولكن لأن كل شيء لا يسير جيدا أتت الرياح بما لا تشتهي السفن وفي عام 1974 حدث انقلاب عسكري في إثيوبيا أدى للإطاحة بالإمبراطور سيلاسي.

واعتبر النظام الجديد أن لوتشيانو وإيتالو هما أتباع النظام القديم ومناصريه بالإضافة لكونهما من أصحاب البشرة الملونة وليسا بإثيوبيين بل هم من إريتريا لذا كان عليهم التخلص منهما.

الرفض يعود مرة أخرى للظهور للوتشيانو.

في ذلك الوقت كان لوتشيانو يدرب منتخب إثيوبيا وتم تجريده من منصبه قبل أن يعود له مرة أخرى في وقت لاحق ولكنه اكتشف تعاطي بعض اللاعبين للمنشطات ففجر القضية وهنا كانت بداية النهاية له.

ذهبت قوات الشرطة إلى ورشة السيارات التابعة له وقادوه نحو السجن.

وقال: "توقعت أن يتم قتلي ولكن لحسن الحظ الضابط كان يحبني بسبب ما فعلته في كأس إفريقيا لذا تركني أرحل وهنا قررت مغادرة إثيوبيا".

من إثيوبيا إلى رحلة محفوفة بالمخاطر للحدود مع جيبوتي ثم الذهاب لمصر ومنها إلى روما كانت هذه نهاية رحلة لوتشيانو مع إثيوبيا.

أما إيتالو فظل يعيش في إثيوبيا إلى أن نالت إريتريا استقلالها فقرر ترك البلاد بعدما وعاد إلى أسمرة.

وبعد عدة سنوات علق إيتالو على ما حدث له قائلا: "أحب إثيوبيا كثيرا أعطيت الكثير لها وللشعب وأعرف الكثير عن الفخر بها وتكريم العلم قبل أن يولد كل من هم متواجدين حاليا في السلطة".

ومع قدوم نظام جديد في إثيوبيا وانفصال إريتريا ثم بداية حرب بينهما للنزاع حول منطقة حدودية عهد المسؤولون في إثيوبيا إلى محو كل شيء يتعلق بإنجاز التتويج بكأس أمم إفريقيا 1962.

خاصة أن الفريق الذي توج باللقب شهد وجود تسعة لاعبين أصلهم جميعا من إريتريا.

حتى أن رئيس الاتحاد الإثيوبي لكرة القدم جونيدي باشا نشر صورة عبر حسابه في "تويتر" وفيها لوتشيانو يتسلم الكأس من الإمبراطور هيلاسي وعلق عليها "المهاجم التاريخي الإثيوبي منجستو وركو يتسلم كأس أمم إفريقيا 1962 من الإمبراطور هيلاسي".

وبعدما أدرك رئيس الاتحاد الإثيوبي خطأه مسح التغريدة.

بل أن منتخب إثيوبيا هو بين أحد ثلاثة منتخبات من بين 14 توجوا باللقب الإفريقي لم يضع نجمة على قميصه مثلما هو متعارف للاحتفاء باللقب الوحيد الذي ظفروا به من قبل.

وفي عام 2013 تأهل منتخب إثيوبيا لكأس أمم إفريقيا للمرة الأولى منذ عام 1982 وعلق لوتشيانو وقال: "لماذا أشجعهم؟ هذه البلد ردت الدين لي بشكل سيئ، أنا أكثر من لعبت مباريات مع المنتخب والهداف التاريخي وأكثر من ارتديت شارة القيادة والوحيد الذي رفع كأس إفريقيا في تاريخهم والرد كان بأخذ ممتلكاتي".

طبقا للسجلات فلوتشيانو شارك مع إثيوبيا في 104 مباراة وسجل فيها 90 هدفا.

ربما الشيء الذي سيجعل لوتشيانو يشعر بالفخر أنه أختير رفقة زميله منجستو وركو ضمن أفضل 50 لاعبا في تاريخ إفريقيا مع نهاية القرن الماضي.

اقرأ أيضا:

بالفيديو - أفضل أيام حياتك يا صلاح.. ليفربول بطل أوروبا

صلاح عن هدفه في النهائي: سددت ركلة جزاء أوصلتنا لـ كأس العالم.. اعتدت على تلك الأمور

مورينيو: تتويج مصر بأمم إفريقيا = منافسة صلاح على الكرة الذهبية

ثنائي ليفربول يدخل قائمة ذهبية يتزعمها مدرب الكاميرون

صلاح بعد التتويج: ضحيت بالكثير من أجل مسيرتي.. أخيرا لعبت 90 دقيقة في النهائي

التعليقات