بوشكاش.. المترهل السمين الذي خرج من تحت الأنقاض ليغزو أوروبا

الثلاثاء، 02 أبريل 2019 - 13:26

كتب : زكي السعيد

بوشكاش

سمين للغاية، قصير جدا، يعاقر الخمور أكثر مما يجب، شهواني تجاه النساء بصورة مبالغة، ولا يجيد استخدام قدمه اليمنى في لعب كرة القدم..

حسنًا، فرنيتش بوشكاش امتلك ردا على الانتقاص الأخير من ذاته، وقال ذات يوم: "يمكنك أن تركل الكرة بقدم واحدة على أقصى تقدير، وإلا ستسقط على مؤخرتك".

هكذا كان تفنيده الكلامي، أما على أرض، فتكفّلت قدمه اليسرى بالبقية الباقية من التضليل على استخدامه الهامشي ليمناه.

أعظم هداف في القرن العشرين، ذو الضحكة السيكوباتية الطفولية التي قد تحمل خلفها الكثير من الشرور في العُرف السينمائي، صاحب الأرقام القياسية غير القابلة للتحطيم، الموهوب الأعظم في تاريخ اللعبة، تمر اليوم الذكرى الـ79 على ميلاده.

اقرأ أيضا - (أن تلعب مثل بوشكاش.. لاعب ربما أتى من المستقبل)

خوارق المجر

لعل بوشكاش كان أكثرهم موهبةً، ولكه لم يكن الموهوب الوحيد بينهم حتما.

المدرب جوستاف سيبيس أشرف على مجموعة من خوارق كرة القدم في المنتخب المجري.. بوشكاش، زولتان تشيبور، ساندور كوتشيس، ناندور هيديكوتي، يوزيف بوزيك، جيولا جروسيكس، يوزيف زاكارياس.. طبقوا طريقة 2-3-3-2 الثورية، مع أنظمة بدنية صارمة، وفكرة مبكرة للكرة الشاملة مع الهجوم والدفاع كمجموعة.

بوشكاش استفاد من هذه الطريقة، حظى بحرية كبيرة في الشق الهجومي، مهاجم وهمي هو الأول في التاريخ على الأرجح، وهداف لا يضاهى بتسديدات غير قابلة للرد.

هذا الجيل المجري تشكّل في نهاية الأربعينيات، ومضى ليسحق أعظم منتخبات كرة القدم، وصولا إلى الفوز بدورة الألعاب الأولمبية 1952، المسابقة التي سجل فيها بوشكاش 4 أهداف.

أثر دائم على عشب ويمبلي

في 25 نوفمبر 1953، ارتحل منتخب المجر ليخوض واحدة من أشد الاختبارات، إذ حل ضيفا على نظيره الإنجليزي في ملعب ويمبلي.

إنجلترا - مخترعو كرة القدم - لم يكونوا قد سقطوا أبدا على ملعبهم ويمبلي طوال تاريخهم، قبل أن يعيدهم المجريون إلى أرض الواقع.

المجر لقنت إنجلترا درسا كرويا في فنون اللعبة الحديثة، وسحقتها بـ6 أهداف مقابل 3، إلا أن هدف المجر الثالث في الدقيقة 24 ظل علامة تاريخية في تاريخ اللعبة.

ذكرنا فيما تقدّم من سطور أن قدم بوشكاش اليمنى لا تُستعمَل سوى في المشي، وهي القدم التي وصلته عليها الكرة في الجهة اليمنى من منطقة الجزاء الإنجليزية.

المنطق كان يحتّم أن يسدد بوشكاش بقدمه الضعيفة، وهو ما دفع القائد الأسطوري لـ إنجلترا، بيلي رايت، للاندفاع بكل جسده مرتميا أمام بوشكاش في محاولة استباقية لمنع التسديدة الوشيكة أو افتكاك الكرة من ساقي المجري القصير.. رايت ذهب ولم يعد.

بوشكاش وفي لمحة فنية خارقة، نفّذ مهارة الـ "Drag-back"، أو المعروفة باسم "السبعة" في العُرف الشعبي المصري، مهارة منتشرة في كرة الشوارع، ولكنها كانت ثورية على عُشب ويمبلي في منتصف القرن الماضي.

بوشكاش سدد - بيساره - مصيبا الشباك الإنجليزية. يتندّرون بأن أثر زحلقة بيلي رايت على عشب ويمبلي ظل قائما حتى هدم الملعب عام 2000.

العثرة الأخيرة

المجر أعادت تهذيب لاعبي إنجلترا في مباراة أخرى على أرض بودابست هذه المباراة، وسحقتها بـ7 أهداف مقابل هدف في العام التالي.

كان المجريون مرشحون للظفر بكأس العالم 1954 دون عناء، لا أحد قادر على الوقوف في وجههم، يمتلكون بوشكاش الخارق ومعاونيه من أصحاب الكرة الثورية.

بدأوا منافسات المونديال في سويسرا بانتصار ساحق على كوريا الجنوبية بـ9 أهداف نظيفة وبوشكاش سجل هدفين، وفي المباراة التالية قهروا ألمانيا الغربية 8-3، مباراة سجّل فيها بوشكاش هدفا.

إلا أن فيرنر ليبريتش لاعب ألمانيا تدخّل عليه بعنف، وأصابه بكسر في الكاحل، انتهت بطولة بوشكاش حتى إشعار آخر، حتى يقرر هو قهر المستحيل.

المجر واصلت مشوارها الناجح دون بوشكاش، تخطت البرازيل برباعية، قبل أن تدهس أوروجواي برباعية أخرى، لتصل إلى نهائي بيرن حيث المنافس ألمانيا الغربية من جديد.

قبل يومين على المباراة، قال طبيب المنتخب المجري أن مشاركة بوشكاش في النهائي الحلم مستحيلة، إلا أن بوشكاش امتلك رأي آخر، وأظهر قدرة على المشاركة رغم معاناته من الكسر بالفعل.

مثابرة بوشكاش أتت بنتائجها الفورية عندما تقدمت المجر بهدفين في أول 8 دقائق، أحدهما عن طريق بوشكاش.

وعندما اعتقد المجريون أنهم باتوا أبطال العالم بالفعل، واجهوا عدة ظروف معاكسة: الأمطار التي هطلت بشدة ولم تؤثر على الألمان بسبب أحذية أديداس المستحدثة التي أعطت ثباتا على العشب، وعزيمة الألمان الخارقة التي مكنتهم من قلب النتيجة والتقدم 3-2 قبل 6 دقائق على النهاية.

مباشرة قبل نهاية المباراة، عاد بوشكاش للظهور مجددا، وأدرك التعادل لبلاده، وبينما احتفل المجريون بهدف التعادل واستعدوا للتوجه إلى دائرة المنتصف، صُدموا بقرار غريب.

الحكم الإنجليزي ويليام لينج ألغى الهدف بداعي التسلل.. ألمانيا حققت معجزة بيرن وتوجت بكأس العالم بعد 9 سنوات من هزيمتها الفاجعة في الحرب العالمية الثانية.

الصدمة كانت كبيرة لدى المجريين، وبوشكاش اتهم الألمان بتعاطي المنشطات في حديثه إلى مجلة فرانس فوتبول.

أما الشعب المجري، فتعرض لهزة نفسية عنيفة، يُقال أنها ساهمت في الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت البلاد بالأشهر التالية، وأدت في ظرف عامين إلى سقوط الحكم الشيوعي القائم.

خوارق المجر خاضوا 50 مباراة في تلك السنوات الذهبية، فازوا في 42 منها، تعادلوا في 7، وخسروا مواجهة واحدة.. المواجهة التي لم يتعيّن عليهم أبدا أن يخسروها.

المنتهي السمين

الثورة المجرية التي قامت عام 1956، تسببت في هروب بوشكاش من البلاد وهو الذي كان منتميا للجيش حينها، مما أجهض مسيرته الكروية وجرّده من فرصة اللعب بشكل احترافي لما يقرب 18 شهرا.

اللاعب تعرض لإيقاف عامين من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لرفضة العودة إلى بودابست، ومع وصوله لعمر الـ31، اعتقد الجميع أن أسطورة بوشكاش قد ذهبت إلى الزوال.. حتى قرر سانتياجو برنابيو رئيس ريال مدريد العكس.

برنابيو أقدم على مغامرة جديدة في سوق الانتقالات، وقرر التوقيع مع لاعب بوزن زائد بعيد عن كرة القدم لما يقرب العامين.

كان ذلك في عام 1958، وقتما كان مدريد متوجا بـ3 ألقاب متتالية في دوري أبطال أوروبا، بالإضافة إلى امتلاكه في صفوفه أسماء هجومية خارقة على شاكلة ألفريدو دي ستيفانو، باكو خينتو، رايمون كوبا، إيكتور ريال، ماتيوس.

برنابيو لم يهتم بكل ذلك، وأصر على التوقيع مع بوشكاش، ثم اتجه للمدرب الأرجنتيني لويس كارنيليا حتى يطلعه على النبأ.

كارنيليا متعجبا: "هل نحن في حاجة حقا إلى هذا الفتى السمين؟ ماذا سأفعل مع بطنه المترهل؟"

برنابيو: "هذه هي مهمتك، أن تجعله لائقا".

بوشكاش احتاج إلى خسارة 18 كيلوجرامات من وزنه، واحتاج فوق ذلك أن يقنع زملائه بجدوته.

لاعب عاش أشهرا من العراء الكروي، بكثير من الترهلات في جسده، يدخل فجأة على أبطال أوروبا 3 سنوات متتالية، كان ذلك كفيلا بجرح كبرياء هؤلاء النجوم ولسان حالهم: "هل نحتاج حقا إلى تدعيم إضافي؟ إلى شخص مترهل؟".

بوشكاش لم يحتج أكثر من حصة تدريبية واحدة حتى يصدم أصحاب القمصان البيضاء، حصة تدريبية خرج بعدها دي ستيفانو ليقول: "هذا الشخص يروّض الكرة بقدمه اليسرى أفضل مما أفعل أنا مستخدما يدي".

دي ستيفانو كوّن شراكة خرافية مع بوشكاش عكس المتوقع، فعلى الرغم من اختلاف أسلوبيهما، إلا أنهما قاما بأدوار متشابهة، المهاجم الذي لا يتمركز في منطقة الجزاء، ويتراجع بشكل دائم لوسط الملعب حتى يقود العمل الهجومي منذ بدايته.

يقولون أن بوشكاش امتلك دوما رأيه الخاص في أسلوب اللعب، مما أغضب بعض مدربيه، إلا أنه لم يكن أنانيا أبدا.

في نهاية ذلك الموسم، 1958\1959، الأول له مع ريال مدريد، وخلال مواجهة إشبيلية، كان بوشكاش متخلفا بهدف وحيد وراء دي ستيفانو هداف الدوري.

بوشكاش انطلق وواجه الحارس الإشبيلي خوسيه ماريا كوبو، وسنحت له الفرصة كاملة حتى يسجل هدفا ويعادل دي ستيفانو في الصراع الحامي بينهما؛ ولكن في إيثار عظيم، قرر بوشكاش تمرير الكرة لدي ستيفانو الذي سجل في الشباك الخالية.

الموسم انتهى على فوز دي ستيفانو بجائزة البيتشيتشي بـ23 هدفا، مقابل 21 هدفا لـ بوشكاش.

بعد عدة أسابيع، قرر كارنيليا مدرب ريال مدريد أن يستبعد بوشكاش من نهائي دوري أبطال أوروبا أمام ستاد ريمس، بحجة إقامة المباراة في مدينة شتوتجارت الألمانية.

المدرب الأرجنتيني امتلك مخاوفه من كراهية الألمان المفرطة تجاه بوشكاش بسبب تصريحاته عقب نهائي مونديال 54، واستشعر أن المهاجم المجري لن يكون في كامل تركيزه.

ريال مدريد فاز دون عناء بهدفين دون رد، إلا أن هذا الاستبعاد أغضب الرئيس سانتياجو برنابيو، ويُشاع أنه كان سببا في إقالة كارنيليا من منصبه.

بعد عام بالتمام والكمال، سنحت الفرصة لـ بوشكاش حتى يظهر في نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في مسيرته عندما تواجه ريال مدريد مع أينتراخت فرانكفورت الألماني على أرض ملعب هامبدن بارك في مدينة جلاسكو الاسكتلندية.

بوشكاش لم يكن ليفوّت هكذا فرصة سانحة، وسجل وحده 4 أهداف، في مقابل 3 لزميله دي ستيفانو، لتنتهي المباراة بفوز مدريد 7-3، والتتويج باللقب الخامس على التوالي.

يقول دي ستيفانو بعد سنوات: "لقد هزمني بوشكاش في تلك المباراة، سجل أهدافا أكثر مني".

بوشكاش وفي لمحة تعبّر عن كثير من البراءة والنقاء، وبدلا من أن يحتفظ بكرة المباراة، أهداها لـ إرفين شتاين لاعب فرانكفورت الذي سجّل هدفين لفريقه.

بعد عامين، سجّل بوشكاش 3 أهداف في نهائي آخر لدوري أبطال أوروبا، خسره ريال مدريد هذه المرة أمام بنفيكا بنتيجة 3-5. ويظل بوشكاش حتى يومنا هذا، اللاعب الوحيد الذي سجّل 4 أهداف في مباراة نهائية لدوري الأبطال.

من كان ليصدق أن لاعب حضر في عمر الـ31، بعد أن مرت سنوات مجده وتبعها تجميد طويل، أن يتمكن من متابعة الجزء الثاني من مسيرته بشكل لا يقل عن أولها.

بوشكاش سجل 236 هدفا في 261 مباراة لعبها بقميص ريال مدريد، ويظل أكبر لاعب ارتدى قميص ريال مدريد على الإطلاق وقتما ظهر أمام بيتيس يوم 8 مايو 1966 في عمر الـ39 عاما وشهر و6 أيام.

كما أنه أكبر لاعب يسجل بقميص ريال مدريد، بهدفه في شباك سبورتنج خيخون يوم 17 أبريل 1966، بعمر الـ39 عاما و15 يوما.

الهداف التاريخي للمجر سجل 84 هدفا في 85 مباراة دولية، معدّل تهديفي خارق لا يمكن تحطيمه على الرغم من انتهاء مسيرته الدولية في عمر الـ29 بقيام الثورة.

بوشكاش هو مثال صريح للموهبة النقية، قادر على النجاح تحت أي ظرف، لا يعبأ بمسيرة تجمدت لعامين، لا يهتم بكاحل مكسور، لا يلتفت إلى عداد الميزان، أو حتى النفي السياسي بعيدا عن وطنه لسنوات طوال.

بوشكاش يحتاج فقط إلى كرة في قدمه على عشب أخضر، في أي عمر ومع أي وزن، هكذا كان بوشكاش، لاعب خارق تمتع بالاستمرارية وقهر أصعب الظروف.. الموهبة الأعظم في تاريخ اللعبة.

اقرأ أيضا

حوار في الجول – تراوري: ما قاله آل الشيخ لي سبب الهدفين ضد بتروجت.. بيراميدز سيفوز بالدوري

فضل: نحارب السوق السوداء.. وأسعار تذاكر كأس الأمم مناسبة لثالث أقوى بطولة في العالم

إبراهيم حسن: إعارة باسم مرسي لـ سموحة تنتهي بعد مواجهة الزمالك.. هو المسؤول عن التسريبات

قائد المصري يتحدث لـ في الجول.. عن الغياب لمدة عام بسبب خطأ طبي والتأهيل مع لاعب الأهلي

مؤتمر زيدان: فاران لم يقل إنه يرغب في الرحيل.. والحديث عن التطهير قلة احترام

التعليقات