كتب : شريف حسن | الخميس، 13 يونيو 2013 - 14:52

الزيني بركات

في أوائل أيام الصيف الحارة في منتصف التسعينات ذهب أحد الأطفال للانضمام إلى مدرسة الكرة في أحد الأندية المجاور لمنزله، وهناك تعرف على بطل قصته الأسطورية.

الطفل البالغ الـ11 من عمر ويسكن في حي مدينة نصر بالقاهرة نجح في الانضمام إلى فريق الناشئين في نادي السكة الحديد بعدما فشل انضمامه فرق الناشئين للأهلي أو المقاولون العرب.

في كل مكان في النادي الهادئ اجتماعيا والصاخب رياضيا تتردد كلمة واحدة يسمعها الطفل أغلب الأوقات وترن بقوة في أذنه كلما تجول في المكان "بركات مكسر الدنيا" و "ماذا سيفعل بركات؟ الكل يسأل عن الصاعد بركات.

وتسائل الطفل عن من يكون هذا الشاب بركات الذي يتحدث عنه الجميع ليعرف أنه أحد ناشئي النادي في فريق 16 عاما، قبل أن يذهب مع جميع زملاءه في الفريق لمشاهدة من يطلقون عليه الساحر.

في المدرج الحجري المكسور وتحت شجرة عتيقة تتساقط أوراقها على الرؤوس جلس الطفل في النادي الغائب عن الأضواء منذ سنوات طويلة يشاهد مباراة لبركات وفريقه أمام الجار المقاولون العرب.

في نفس اليوم ليلا يجلس الطفل في منزله بجانب والدته التي تشاهد مسلسل تليفزيوني تاريخي يدعى "الزيني بركات" كان أحد أشهر الأعمال الدرامية في هذه الفترة.

ويعجب الطفل بشدة بشخصية الزيني بركات العبقرية في المسلسل وتقلباته وألاعيبه ومغامراته وغموضه ويربطها بالساحر النحيف الذي شاهده صباحا يتلاعب بكل المنافسين، بينما يصيح بجانبه أحد مدربي النادي قائلا "الولد ده هيبقى نجم مصر".

بعد ما يقرب من 17 عاما يجلس الشاب على مكتبه في إحدى المؤسسات الصحفية ليكتب خبرا هاما عن اعتزال نجم الكرة المصرية محمد بركات.

وطوال هذه الفترة ظل بركات بالنسبة للطفل - الذي اعتزل الكرة مبكرا وأصبح صحفيا رياضيا - هو البطل الدائم لقصته بكل متغيراتها وتحولاتها الكثيرة من الطيب إلى الشرير إلى المناضل إلى المراوغ تماما مثل "الزيني بركات" في رواية جمال الغيطاني التاريخية.

القصة لم تكن مجرد كتابة خبر عن اعتزال لاعب كرة قدم اكتبه يوميا، ولكنه كانت كتابة لسطر من سطور شريط حياتي الذي دار فجأة أمام مخيلتي لأتذكر كل لحظة عشتها مع بركات.

تذكرت جيدا كيف تلقيت خبر إصابة اللاعب في حادث سيارة كاد ينهي مسيرته الكروية بحزن شديد جعلني لا انتظم في مذاكرة دروسي ليومين.

كما تذكرت احتفالي بأول أهدافه مع الإسماعيلي في دورة ودية على استاد قناة السويس قبل انطلاق الموسم بعد عودته من الإصابة، بالإضافة إلى شعوري المتضارب مع تسجيله في مرمى الأهلي والزمالك في مواجهات الفريقين اللاحقة.

تذكرت رهاني على مشاركته أساسيا مع منتخب مصر في مباراة الجزائر في تصفيات كأس العالم 2002 عندما احتفلت في مدرجات استاد القاهرة بتسجيله الهدف الأول في المباراة التي انتهت 5-2.

ثم مقابلتي معه وأنا طالبا في الجامعة عقب تتويجه بكأس الأمم الإفريقية 2006 في إحدى مطاعم مصر الجديدة وكيف ظللت طوال الجلسة مبهورا بقدرته الفائقة على السخرية من كل من دخل المكان بالإضافة إلى زملاءه ومدربيه.

لم أشك يوما أن بركات سينجح مع الأهلي رغم حديث البعض عن "تبطيله كرة" بعد تجربة العربي القطري، كنت واثقا دوما أنه قادر على التحدي وإثبات المزيد.

بركات لم يكن بالنسبة لي مجرد لاعب كرة قدم عادي، لقد كان بالنسبة لي حالة خاصة، اكتشاف الطفولة الذي عرفته قبل أن يعرفه أحد، ونجم الشباب الذي شجعته بحماس في المدرجات ثم ملك الحركات الذي كبر وحصد النجاحات الواحدة بعد الأخرى.

كنت أشعر شعور الأب أو المكتشف بنجاح تجربته الخاصة أمام عينه دون تدخله أصلا بينما في كل مرة يتهافت الجميع للإثناء عليه والإشادة به أشعر بلذة ومتعة إضافية.

بركات ظل بالنسبة لي أسطورة الطفولة الذي كبر ليصبح بطل القصة المثالية لأحد عشاق كرة القدم، بطل تغير أدواره بين المتمرد والمناضل والساخر والطموح والمقاتل.

تاريخ طويل وحافل بالنجاحات والإنجازات يصعب على أي لاعب تحقيقها في عقود طويلة، وأسطورة ستحكى لسنوات عن اللاعب النحيف "الساخر" الذي تفوق على أعتى منافسيه.

ورغم أن "الزيني بركات" استغل ذكاءه للتنكيل بمعارضيه وقمعهم في عصر المماليك إلا أن "الزئبقي بركات" استغل ذكاءه للاعتزال وهو في قمة مجده “Like a Boss”.

للتواصل مع الكاتب عبر تويتر .. Sherif7assan

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات