دربي روزاريو.. مباراة تحرك مدينة بأكملها

الأحد، 15 سبتمبر 2019 - 18:31

كتب : إسلام أحمد

دربي روزاريو

بعيدا عن بيونس آيرس عاصمة الأرجنتين بما يقارب 400 كيلومتر، تجد الألعاب النارية وأكبر الأعلام في الملاعب وإثارة وشغب وعنف وكل هذا بجانب نهر بارانا، أنت على موعد مع دربي روازريو بين روزاريو سنترال ونيويلز أولد بويز.

من يقول أن سوبر كلاسيكو الأرجنتين الذي يجمع بوكا جونيورز وريفر بليت هو الأعظم والأكبر، بالتأكيد لم يشاهد دربي روزاريو أقدم دربي في الأرجنتين رغم الفوارق الكبيرة.

عند كل منعطف في الجانب الشمالي من المدينة تجد ألوان أحد الناديين، الأحمر والأسود يرمز لنيويلز والأزرق والأصفر لروزاريو.

خوان جاكوب يمتلك مطعما في وسط المدينة يقول "لا يوجد مشجع محايد هنا، إما أن تشجع نيويلز أو سنترال أو لا شيء".

"قبل المباراة يبدأ الحديث عنها منذ أسابيع فتصبح مثل الفرن إذ بدأت المباراة ترتفع حرارته لأقصى درجة، الكل هنا يتحدث في الشارع والحانات والمنازل في أي مكان، أقسم أن الشرار يتطاير".

الأصل

وصل رجل إنجليزي يُدعى إسحاق نيويل إلى روزاريو للعمل في مؤسسة البريد للسكك الحديدية ورغم حبه للتدريس أنشيء نادي لتعليم كرة القدم عام 1884 ومفاهيمها والقواعد في الأرجنتين ليظهر نيويلز أولد بويز للنور.

وفي الثالث من نوفمبر 1903 أسس عمال السكك الحديدية الناطقين بالإسبانية نادي روزاريو سنترال لتعبير عن قدراتهم في ممارسة كرة القدم.

وأقيمت أول مباراة بين الفريقين في 18 يونيو 1905 في مباراة كأس تم تنظيمها محليا وفاز نيويلز بهدف نظيف.

مدينة مريضة

أقيمت مباراة خيرية من أجل جمع التبرعات لمرضى الجذام عام 1905 إذ كانت الأرجنتين تمارس كرة القدم بطريقة الهواة حينها.

رفض نادي روزاريو خوض اللقاء ما دفع جماهير نيويلز إطلاق لقب "خنازير" عليهم بسبب الرفض.

فرد عليهم جماهير سنترال بإطلاق اسم "مرضى الجذام" ويظل الاسمين عالقين بين الثنائي حتى يومنا هذا رغم إهانة المسميات.

"رواريزو مدينة مريضة".. مارتن سوتو صحفي أرجنتيني وصف حال المدينة، "أنها أكثر مدينة تضم مؤيدين للأمراض حيث تتلاشي خطوط الكراهية والسخرية والعنف، أمر لا يضاهي".

يوم الدربي يتوتر الجميع وتصير الأجواء ملتهبة أكثر من أي دربي وتصل في كثير من الأحيان إلى العنف، الأمر الذي أدى على سبيل المثال إقامة مباراة الفريقين خارج المدينة في ربع كأس الأرجنتين الموسم الماضي في العاصمة دون حضور جماهيري.

بذرة

في شمال العاصمة تمتلك روزاريو سمعة طيبة لانتاج كم هائل من المواهب ويطلق عليها "بذرة" نظرا للأسماء التي تخرجت منها.

خافير واينر مدرب ناشئين في راسينج "تتمتع روزاريو بسمعة طيبة كونها مصدرا لكبار لاعبي كرة القدم، دائما يخرج منها لاعبين جيدين، هي مدينة تشبة الأحلام إلى جانب مونتيفديو في أوروجواي".

تاتا مارتينو مدرب برشلونة السابق يقول "مدينة مختلفة عن المدن الأخرى، لديها شغف فريد بكرة القدم، المنطقة القريبة من المدينة عبارة عن حزام تحرك للاعبين ومصنع يُنتج فيه المواهب التي تعد أساس تحقيق الأحلام".

وأكمل "يطعمون الأطفال جيدا بحب كرة القدم، أكاديميات روزاريو مهمة وأخرجت العديد من النجوم وعلى رأسهم ليونيل ميسي مثل حبة الكرز على الكعكة".

الجانب الأحمر والأسود من ثالث أكبر مدينة في الأرجنتين أخرج لنا جابريل باتيستوتا وماوريسيو بوتشيتنيو وتاتا مارتينو ومارسيلو بيلسا، ومهّد لنا خروج أسطورة الأرجنتينية حية هو ليونيل ميسي، وشهد بزوغ نجم دييجو أرماندو مارادونا.

في الجهة المقابلة تجد إدجاردو باوزا وخافيير ماسكيرانو وأنخيل دي ماريا وأيزيكيل لافيتيزي جميعهم نتاج واحدة من أفضل الأكاديميات في الأرجنتين، وأيضا تشي جيافارا الطبيب الذي تحول لاحقا لأكبر محرري أمريكا الجنوبية من الاستعمار.

وأيفر بانيجا وجيوفاني لوسيلسو وإيزيكيل جاراي وأنخيل كوريا وماتيو موساكيو وماورو إيكاردي وعديد الأسماء التي تخرجت من المدينة.

"لا تتمتع روزاريو بنفس القوة الشرائية لأندية العاصمة، يمكن لبوكا جونيورز وريفر بليت شراء لاعبي كرة القدم، لديهم أموال أكثر وصلات سياسية وتاريخية، ويعتمد نيويلز وسنترال على تطوير اللاعبين وبيعهم لمزيد من الأموال، والنتيجة أصبحت أكاديميات الشباب أقوى".. ألي مانجيتيرا صحفي في راديو 2 بروزاريو.

الهدف الخالد

عشق الفريقان قد يكون مختلفا بعض الشيء، ألدو بوي لاعب روزاريو سنترال عُرض للبيع عام 1969 بعدما ترترع على بعد أمتار قليلة من ملعب الفريق ولعب للفريق الأول.

اختبىئ لما يقارب العام في جزيرة بارانا من أجل إفشال عملية بيعه وعاد مجددا ليسجل أكثر هدفا احتفل به جمهور سنترال طيلة تاريخهم.

في 19 ديسمبر 1971 سجل هدفا برأسية على الطائر دون أن يلمس جسمه الأرض أمام نيويلز في نصف نهائي مسابقة الدوري، هدفا صار خالدا باسم "بالوميتا" أي الحمامة.

بوي يتذكر هدفه قائلا "العرضية كانت قوية وعلى ارتفاع 3 أقدام من الأرض، والطريقة الوحيد أن أنقض على الكرة ووصلت في اللحظة المناسبة" قبل 13 دقيقة على نهاية اللقاء.

هدف تعرض على أثره رجل عجوز يعرف باسم ساسيل لإصابة بنوبة قلبية أدت لوفاته احتفالا بالهدف، أحد المشجعين حينها قال أثناء سقوط ساسيل "لا يهم، المهم أن تجد طريقة تموت بها من أجل سنترال".

بعد 3 أيام توج روزاريو سنترال بأول لقب في تاريخه للدوري الأرجنتيني بالفوز على سان لورينزو، ومازال يتم الاحتفال بهدف بوي كل عام على ملعب جيجانتي دي أروييتو معقل الفريق.

الثأر

نيويلز حصد أول لقب في الدوري الأرجنتيني عام 1974 بعدما كان بحاجة إلى التعادل مع خصمه التقليدي، وعادوا من تأخرهم بنتيجة 2-0 للتعادل 2-2 في الجولة الأخيرة من عمر المسابقة.

هدفا صار أسطوريا بعدما سجل ماريو زانابريا هدف التعادل بتسديدة من على حدود منطقة الجزاء وإلى جواره كل من خورخي فالدانو وروبن جاليجو .

ماريو زانابريا خاض العديد من المواجهات القوية لكن الدربي مختلف "مباراة تحرك المدينة بأكملها".

قمة المنافسة

روبرتو فونتاناروسا صحفي ارجنتيني ومشجع لسنترال كتب سابقا "هناك العديد من النكات السيئة مثل التي تنبت مثل الفطريات بعد كل خسارة، ولذلك بعد الخسارة عليك الذهاب لمنزلك والاختباء لمدة 20 يوما".

فترة الثمانينيات أثبتت قوة التنافسية بين جماهير الفريقين، بعدما هبط سنترال للدرجة الثانية عام 1984 ما جعل جماهير نيويلز تحتفل بهبوط الغريم التقليدي.

من يضحك أخيرا يضحك كثيرا، سنترال عاد بعد عامين وحقق لقب الدوري 1986-87 دون أن يخسر أمام نيويلز في مباراتي الموسم.

لكن رد نيويلز جاء غاضبا في 1989، الفريق خسر نهائي كوبا ليبرتادوريس في النسخة السابقة وعليه لقاء منافسه في الأدوار الأولى المؤهلة للمسابقة.

الذهاب انتهى بالتعادل 1-1، ثم سجل فتى شاب يُدعى جابريل باتيستوتا هدفين قاد بهما فريقه للفوز 5-3 في الإياب.

فترة التسعينيات لم تشهد تنافسية كبيرة بين الفريقين لكنها كانت شاهدة على مباراتين لم تنتهيا، الأولى في يونيو 1996 عندما تقدم نيويلز بهدفين على أرضه على سنترال وحصل على ركلة جزاء.

جمهور سنترال اقتحم المباراة وألغيت والأمر الذي تسخر منه جماهير نيويلز بأن "الخنازير تركوا السفينة".

وبعد أقل من عام ونصف تفوق سنترال قبل 25 دقيقة على نهاية اللقاء بنتيجة 4-0، مباراة تم إلغاءها بعدما تم طرد 4 لاعبين من أولد بويز وتعرض لاعب للإصابة ليأمر الحكم بعدم استكمال المباراة بـ 6 لاعبين، وهو ما رأته جماهير سنترال بتظاهر إدعاء الإصابة من أجل عدم استكمال المواجهة.

الوجه الآخر

في مارس 2012 أطلق رجلا يرتدي قميص سنترال طلقات نارية على مشجعي نيويلز وألغيت مباراتين بسبب سلسلة أعمال العنف بين مشجعي الفريقين، وتم إحراق مباني النادي وكذلك طعن ضابط شرطة في عنقه.

ناهيل جوزمان حارس نيويلز السابق يصف المنافسة "أنها ليست حرب لكن المشجعين لديهم مشاعر قوية".

لويس سيزار مينوتي مدرب الأرجنتيني السابق يصف كيفية اختيار تشجيع أي فريقين من المدينة ويقول "منذ ولادتي".

أنت ترث تشجيع فريقك في روزاريو هذا ليس تخيارا.

منذ عام 1982 لم يتم إجراء عملية بيع بين الفريقين واعتبر الأمر بمثابة خيانة عظمى، كيلي جونزاليس أحد مواهب سنترال قال قبل نهاية مسيرته "لن ارتدي قميص نيويلز حتى لو مقابل كل أموال العالم".

ستاديو مارسيلو بيلسا

إدوارد كوديت قاد سنترال للفوز على نيويلز في 2015 على ملعب مارسيلو بيلسا معقل الأخير فقال عقب نهاية اللقاء "مع كل هذا، لقد تخرجت كمدرب بعد تلك المباراة".

روزايرو تعد مدينة جامعية لبعض أعظم عقول كرة القدم، ولد بها سيزار لويس مينوتي مدرب الأرجنتين الفائز بأول كأس عالم في تاريخ البلاد 1978، وماوريسو بوتشيتينو وخورخي فالدانو الذي قاد ريال مدريد للفوز بالدوري الإسباني 1995.

تاتا مارتينو مدرب الأرجنتين وبرشلونة السابق وخورخي سامباولي مدرب الأرجنتين وتشيلي السابق وحتى مدرب التانجو الحالي ليونيل سكالوني وأخيرا مارسيلو بيلسا مدرب ليدز يونايتد الحالي.

درب بيلسا نيويلز بداية 1990 في بداية مسيرته التدريبية وأحدث ثورة في النادي، قبله الفريق حصد لقبين للدوري فقط وعند رحيله فازوا بلقبين أيضا، منها لقب على حساب بوكا جونيورز في المباراة النهائية بركلات الترجيح.

كما قاد ذلك الفريق الذي ضم كل من ماوريسيو بوتشينيو وتاتا مارتينو إلى نهائي كوبا ليبرتادوريس 1992 وخسر أمام ساو باولو الذي كان يقوده حينها الكبير تيلي سانتانا بركلات الترجيح.

بعدها بأسبوعين فقط قاد فريقه للفوز بلقب الدوري للمرة الرابعة في تاريخه، في موسمه الأخير هزم مباراة وحيدة فقط ثم رحل عن تدريب الفريق.

في 2009 تم تحويل اسم ملعب نيويلز أولد بويز من "كلوسو ديل باركي" إلى "ستاديو مارسيلو بيلسا".

ليونيل ميسي

خورخي جريفا كرس وقته في التسعينيات للبحث عن المواهب الشابة في المدينة ومعه بيلسا، وصلوا لكل الملاعب التي تمتلكها المدينة واستكشفوا مجتمعات الطبقات الأقل.

وفي أحد الضواحي تم اكتشاف موهبة ليونيل ميسي، لينضم "لا بولجا" إلى ناد جراندولي ثم انضم لفريق نيويلز بعمر السادسة ومن ثم الباقي للتاريخ.

لازال ميسي ينتمي للمدينة فأقام حفل زفافه ويتحدث بنفس أسلوب أهل مدينة "بعدم نطق الحرف الأخير من عدة كلمات" ويعيش أهله إذ اشترى لهم منزلا ويقضى كل عطلة له في المدينة.

قد لا يكون دربي روزاريو ذو صيت كبير حول العالم فكل شغوف بالسوبر كلاسيكو، لكن روزاريو تمتلك الكثير من الخبايا والأسماء التي لطالما جعلت الأرجنتين ضمن كبار القوم في عالم كرة القدم.

طالع أيضا

مواعيد مباريات الدور الأول من الدوري

المصري يسحق ماليندي

4 أشياء تعلمناها من سقوط سيتي أمام نورويتش

اتحاد الكرة: الدوري يديره مصريون عدا مواجهتي القمة

التعليقات