مدن كرة القدم: الإسماعيلية

الأحد، 16 يونيو 2019 - 12:09

كتب : إسلام مجدي

مباراة كرة قدم في مدينة الاسماعيلية ١٩٢٥

الإنسان الحر دائما ما يرفض كل ما يسعى لتغيير هويته، كل ما هو ضد طبيعته، يسعى دوما للمقاومة حتى يتمكن من الطيران حرا.

مثل شقيقتيها السويس وبورسعيد، كان للإسماعيلية نصيبا من كل شيء، القتال من أجل الهوية والأرض، التاريخ وبالطبع الكبرياء والقوة والصمود.

في الماضي كان اسمها مدينة التمساح لقربها من بحيرة بنفس الاسم، واستغرق الأمر عاما تقريبا، في ١٨٦٣، ليتغير الاسم من قبل شركة قناة السويس ويصبح الإسماعيلية.

ما قبل الجلاء كانت الإسماعيلية مقسمة ما بين حي عربي يسكنه المصريون الذين شاركوا في حفر قناة السويس وترعة الإسماعيلية، بجانب عدد لا بأس به من بطولات المقاومة ضد الوجود الإنجليزي والفرنسي في المدينة.

الحي الغربي الذي صمم على الطراز الفرنسي وأطلق على المدينة "باريس الصغيرة" وسكنه الأجانب وقادة شركة قناة السويس، الأهالي كانوا يطلقون عليه حي "الإفرنج".

استمر ذلك التقسيم حتى جلاء القوات المحتلة لقناة السويس.

لطالما كانت الإسماعيلية بجانب شقيقتيها السويس وبورسعيد، حصنا ومدافعا قويا عن مصر، أهلها كانوا يتكاتفون مع الدولة للحرب ضد الاحتلال.

موقعة يناير ١٩٥٢ حينما رفضت الشرطة المصرية تسليم أسلحتها وإخلاء مبنى المحافظة للقوات البريطانية، وأسفر الاشتباك عن مقتل ٥٠ شرطيا و٨٠ جريحا في مبنى المحافظة، بعد محاولة من قوات الاحتلال لإذلال الحكومة المصرية لكن الإسماعيلية أبت إلا أن تقاوم.

لم تكن المقاومة غريبة على أهالي الإسماعيلية، منذ يونيو ١٩٧٦ وحتى نصر أكتوبر ١٩٧٣ كانوا في الموعد دوما.

أهالي مدينة الإسماعيلية تم تهجيرهم بعد العدوان الثلاثي، ومن هنا برز دور المقاومة الشعبية التي قررت أن تحافظ على ما تبقى من ممتلكات لأهالي المدينة، بجانب محاولة للحفاظ على الأمن الداخلي بجانب توجيه رسالة للعدو، لم نستسلم أو نسقط بعد، سنقاتل للنهاية.

بجانب ذلك، خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣ كانت الإسماعيلية ضمن الخط الأول في الحرب، ونجحت قوات إسرائيل في اختراق غرب قناة السويس، ما يقرب من ٣٠ دبابة و٣٠٠ جندي مظلات من فرق شارون المدرعة.

الإسماعيلية كانت على الضفة الغربية، وقت وجود ثغرة منطقة الدفرسوار، وكونها أحد مدن القناة الثلاث الرئيسية، ومركز قيادة الجيش الثاني، كان سقوطها سيشكل نصرا دعائيا كبيرا للعدو.

معركة الإسماعيلية تحدثنا عن تاريخ تلك المدينة وصمودها الدائم ضد العدو الأجنبي دائما وأبدا، وكانت معركة الإسماعيلية نقطة تحول حاسمة في نتائج حرب ٧٣ بعد ذلك، حتى أنها اكتسبت لقب "فيتنام مصر" من قبل العدو، لكن من طرفنا؟ المدينة الصامدة.

الكثير من القصص الملحمية كُتبت من المقاومة الشعبية في الإسماعيلية كلها تحكي عن ذات القصة، حتى وإن كانت الهزيمة مريرة لكننا لن نسقط سنظل واقفين نقاتل للنهاية لتحقيق النصر.

"غني يا سمسمية، لرصاص البندقية ولكل إيد قوية، حاضنة زنودها المدافع". من أغاني حرب الاستنزاف بدأت من السويس وانتشرت في كافة مدن القناة.

كرة القدم وصلت الإسماعيلية مثلما وصلت مصر بالكامل، مع تواجد الاحتلال البريطاني، منذ نزول الجيش الإنجليزي في الإسكندرية. لكن هناك كانت طريقا لمقاومة الاحتلال والسخط ضد الإنجليز والفرنسيين.

كانت اللعبة قد دخلت إلى القاهرة والإسكندرية وأصبحت مشهورة في مصر، حتى ظهرت فكرة إنشاء ناد يمثل مدينة الإسماعيلية عام ١٩٢٠ بواسطة محمد مرتضى مرسي، لكن تعطلت لمدة عام بعدما قامت المدينة بجمع التبرعات من الأهالي لتحقيق ذلك الحلم عام ١٩٢١ مع تأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم.

أبناء الإسماعيلية فكروا في تكوين "نادي النهضة" ليواجهون به السكة الحديد التابع لمصلحة سكك حديد مصر والذي يسيطر عليه الإنجليز، والتمساح الذي أنشأته شركة قناة السويس التي تديره إدارة فرنسية، وكم كان أهالي الإسماعيلية يكرهون الطرفين.

لم يمتلك الأهالي في ذلك الوقت أي موارد، لذا قرروا اختيار منطقة أبو رخم الصحراوية لتكون مكانا لممارسة اللعبة.

انضم النادي إلى الاتحاد المصري لكرة القدم عام ١٩٢٦، بدون أرض ولا ملعب ولا لافتة، لكن بحلول عام ١٩٢٩ وافق المسؤولون الأجانب على منح النادي قطعة أرض بجانب المقابر في منطقة سوق الجمعة.

النهضة كان يمتلك مقرا متواضعا للغاية مبني بسور من الطوب اللبن وبه حجرة صغيرة لتغيير الملابس وملعب كرة قدم رملي وبجواره كشك خشبي صغير لإدارة النادي، في عام ١٩٣١ تمت إزالة الكشك وزراعة الأرض وإنشاء مبنى يحتوي على غرفتين لكن المدينة لم ترض بهذا المبنى.

اجتمع الأهالي في ميدان التعاون عام ١٩٤٦ بحضور الجميع وتم تحويل اسم النادي ليصبح نادي الإسماعيلية، وقرروا أن يحتوي كافة الألعاب الرياضية لمواجهة الأندية الأجنبية التي بدأت تتزايد وتنتشر في تعال ضدهم وتمنع المصريين من الانضمام إليها.

تزايدت التبرعات وجمع الأهالي مبلغ ٢٥٠٠ جنيها، واحتاجوا لأكثر من ذلك، فقرروا اللجوء إلى الملك فاروق يشرحون صعوبة الموقف.

ضمن قرار الالتماس كانت هناك فكرة إطلاق اسم الملك على النادي لكنه رفض وفضل أن يطلق اسم جده الخديوي إسماعيل على النادي، وأصدر أوامره بصرف مبلغ ٢٥٠٠ جنيها إعانة للنادي على الفور ومن أجل تحقيق الحلم وافق الأهالي.

وجاء موعد الافتتاح الكبير لاستاد الإسماعيلية، عام ١٩٤٧ ليتواجه فريق فاروق الأول ضد نادي الخديوي إسماعيل، في أول مباراة بين الزمالك والإسماعيلي، وانتهت بفوز الإسماعيلي على الفارس الأبيض بنتيجة ٣-٢.

ارتبطت مدينة الإسماعيلية ارتباطا وثيقا بالنادي، أصبح لديهم كيانا يعبر عنهم ويمثلهم في مصر، سواء مع بداية مسابقة الدوري المصري عام ١٩٤٨ أو فيما بعد، ذلك بجانب أن النادي كان محظوظا منذ بدايته بإخراجه عددا كبيرا من المواهب الرائعة.

النادي عانى كثير من استهداف قوات الاحتلال الإنجليزي له، كما أن المقاومة الشعبية اتخذت منه مقرا لها، وبقيام الثورة وجلاء الإنجليز من مصر، عادت له الحياة وامتلك اسمه "الإسماعيلي" يعبر عن المدينة وشعبها ونضالهم.

وكما وصفه إبراهيم علام الناقد الرياضي بجريدة الأهرام :"نادي الإسماعيلية مؤسسة بنيت كل طوبة فيها من كل بيت وعائلة في الإسماعيلية، من هنا نشأ تعصب جماهير الإسماعيلي لناديها، لأنه ملكهم ولهم".

"أنا الإسماعيلي، أنا الإسماعيلي، أنا الكورة واللعب البرازيلي، أنا الإسماعيلي".

كان الإسماعيلي يتواجد في مراكز جيدة في جدول ترتيب الدوري حتى أنه احتل المركز الثالث في نسخة ١٩٥٦-١٩٥٧، لكن في الموسم التالي؟ فتح باب الانتقالات ورحيل اللاعبين ليرحل عدد كبير من نجومه.

انتقل فرج وبيضو وفتحي نافع وصلاح أبو جريشة وعلي لافي إلى القناة، وعوض عبد الرحمن وسيد شارلي لصفوف السواحل.

رحل عنه أعمدته الأساسية وانهار النادي تماما ولم يتبق معه سوى عدد قليل من لاعبي الفريق الأول بجانب عدد من الناشئين ليهبط النادي للدرجة الثانية، حتى أنه خسر من الأهلي ٨-٠ في ذلك الموسم.

أشبال الإسماعيلي رضا وشحتة والعربي وميمي درويش ومنعم معاطي وسيد مبروك وعطية أحمد عطية حملوا على عاتقهم مهمة العودة إلى الدرجة الأولى.

أكثر من مرة كان يقترب، يصل إلى دوري التصفية أو المباراة النهائية للتأهل ويخسر، مرة من الاتحاد وأبرزهم عام ١٩٥٩ حينما خسر من المصري ٧-٥.

لكن المحاولة الثالثة كانت كافية ليعود الإسماعيلي، عام ١٩٦١ بعد نضال طويل، فاز على السويس ٤-١ بقيادة مصطفى درويش وفكري راجح وميمي درويش وشحتة ورضا والسيد شارلي والعربي وسيد مبروك.

مع عودة الإسماعيلي عاد النادي إلى طريقه الصحيح وتقديم عروضه القوية، ووقتها وصفت الصحف الأمر بـ"مدرسة رضا" للفنون الكروية.

من هنا كانت بداية الشهرة "اللعب البرازيلي" وما سمي بـ"اللعب القصير" و"المثلثات" والتمريرات القصيرة وثلاثية رضا وشحتة والعربي.

دخل الإسماعيلي في ذلك الوقت المنافسة بين الأهلي والزمالك وفرض نفسه على الساحة المصرية وخطف أنظار الجميع بالكرة المميزة التي يقدمها.

رضا كان أول لاعب يشكل أسطورة حقيقية لدى جماهير الإسماعيلية لموهبته وشخصيته، وجزء كبير من طريقة لعب الفريق كانت بسبب أن رضا وشحتة والعربي وميمي طربوش والسقا كانوا يلعبون كثيرا في الشوارع سويا، ويعرفون بعضهم البعض وانتقل ذلك التناغم إلى الملعب ليعزفون سويا ألحان السمسمية في الملعب.

ارتبطت البرازيل دوما بالكرة الجميلة، وبوجود الكاتب الكبير نجيب المستكاوي مع الفريق وإعجابه بهم، أصبح لقب البرازيل منطقيا.

ازدادت قوة الإسماعيلي وشهرته، حتى وقت حرب الاستنزاف عام ١٩٦٧، نظم عثمان أحمد عثمان رئيس النادي في ذلك الوقت رحلات سفر للدول العربي لجمع موارد مالية خصصت لصالح المجهود الحربي، وكرمت الرئاسة الفريق في ذلك الوقت على مجهوداته، وفي نفس العام حصد الفريق لقب الدوري.

ذلك الدوري لم يكن سهلا أبدا، جاء بعد منافسة قوية للغاية مع الأهلي، بعدما كان متصدرا بفارق نقطة وحيدة وواجه الأهلي في الجولة الأخيرة والتي حسمها الإسماعيلي بهدف من ركلة جزاء عن طريق علي أبو جريشة في شباك عصام عبد المنعم.

لتنكسر سيطرة القاهرة على لقب الدوري ويظهر بطل جديد على الساحة الكروية في مصر.

بعد النكسة جاء قرار التهجير لأبناء القناة، وتفرق اللاعبون إلى جميع أنحاء الجمهورية، وبادر الإسماعيلي لاستعادة لاعبيه من كافة الأماكن وتوفير الإمكانيات اللازمة لاستقرارهم المعيشي، وبنى لهم ناديا في الجزيرة يجتمعون فيه ويتدربون سويا.

بعد حصد لقب الدوري بعامين وتوقف المسابقة عاد النشاط، وكان الإسماعيلي على موعد خاص للغاية بالتتويج بلقب دوري أبطال إفريقيا، حينما فاز ضد الإنجلبير "مازيمبي حاليا".

رغم ظروف الحرب شارك الإسماعيلي في نسخة دوري الأبطال التالية كبطل واستعار عدد من لاعبي الأندية المصرية الأخرى في محاولة للفوز بالبطولة مرة جديدة، لكنه ودع البطولة من نصف النهائي ضد أشانتي كوتوكو.

وشارك مجددا في النسخة التالية وأقصى بواسطة كوتوكو، وفي التي تلتها ودعها على يد أهلي طرابلس، وفي نسخة ٧٣ ورغم وصوله لربع النهائي انسحب النادي من دوري الأبطال بسبب حرب أكتوبر.

غاب الدراويش عن منصات التتويج والمشاركة في دوري الأبطال لفترة طويلة وصلت ٢٤ عاما.

فاز النادي مجددا بلقبه الثاني في الدوري المصري بعد التفوق على الأهلي في مباراة فاصلة على ملعب المحلة.

المنافسة كانت بين الأهلي والزمالك والإسماعيلي، لكن في الأمتار الأخير واصل الأول والأخير السابق وخرج الفارس الأبيض منه، ٥١ نقطة لكل منهما.

الإسماعيلي واجه الأهلي في مباراة فاصلة مجددا لكن هذه المرة فاز بنتيجة ٢-٠، سجل الأهداف عاطف عبد العزيز وبشير عبد الصمد.

أضاف الإسماعيلي إلى جعبته بطولة جديدة وثالثة هي كأس مصر عام ١٩٩٧، على حساب الأهلي بهدف أحمد فكري الصغير، تبعها ببطولة ثانية عام ٢٠٠٠، ثم لقب الدوري الشهير عام ٢٠٠٢.

ربما ٦ ألقاب بجانب دوري منطقة القناة لا تكفي ولا تعبر جيدا عن تاريخ الإسماعيلي وجماهيره، لكن الأمر لا يتمحور حول الألقاب فقط.

في الإسماعيلية مهما كانت الظروف وترتيب الفريق الدوري، فاستاد المدينة سيشهد توافد الجماهير التي تتغنى باسم النادي والمدينة وتقف في ظهره للأبد، لأنها في النهاية من بناه وتعي أنه إرثها ومستقبلها ويعبر عنها وله علاقة وثيقة بها.

والآن المدينة ستستقبل أمم إفريقيا 2019 حيث تلعب الكاميرون وغانا وبنين وغينيا بيساو حيث ستتوافد الجماهير العاشقة للكرة.

** شكر خاص للأستاذ ياسر الشريف على مساهمته الكبيرة في هذا التقرير.

المصادر: (الموقع الرسمي للإسماعيلي – كتاب مشوار الإسماعيلي للكاتب أحمد فيصل)

أي هذه المنتخبات لم يشارك من قبل في كأس إفريقيا؟

اقرأ أيضا:

مصر في إفريقيا 90.. الوصول قبل اللعب بعدة ساعات وتكريم على 3 هزائم!

أي منتخبات توجت بهذه النسخ في أمم إفريقيا؟

حوار – كوكا يتحدث عن جنون المصريين.. ومشكلة القلب التي عطلت انتقاله إلى بنفيكا

مصدر في الزمالك لـ في الجول: عبد الحميد بسيوني مرشح للعمل في جهاز خالد جلال

فيديو في الجول - الصقر أحمد حسن: لو كان احتفاظي بالكرة مشكلة لودعت المنتخب مبكرا

التعليقات