لأن الكثير يصعب وصفه.. روح المغرب

جلس صاحبنا يستذكر تلك الأيام التي هام فيها على وجهه كما لم يهم أبدا. حقيقة، كان يجد صعوبة كبيرة في ترتيب الذكريات داخل ذهنه، وظلت تأتيه دوما على هيئة مشاهد متباعدة، تُشعره بألم الاشتياق تارة وبطعم السعادة تارة...

كتب : لؤي هشام

الأربعاء، 05 يونيو 2019 - 10:54
المغرب

جلس صاحبنا يستذكر تلك الأيام التي هام فيها على وجهه كما لم يهم أبدا. حقيقة، كان يجد صعوبة كبيرة في ترتيب الذكريات داخل ذهنه، وظلت تأتيه دوما على هيئة مشاهد متباعدة، تُشعره بألم الاشتياق تارة وبطعم السعادة تارة أخرى.

لم يكن هناك شيئا مختلفا في جلوسه على تلة من تلال شفشاون حيث يشاهد تلك اللوحة المرسومة من الأعلى.. بيوت جميعها اكتست بالأزرق المتداخل مع الأبيض كلون سماء أرضية، بينما يظهر في الخلفية بحر المتوسط جالبا رائحة اختلط فيها الهواء بالملح.

أما في الجوار إلى طنجة فلم يكن هناك شيئا متفردا في تلك الأحياء البسيطة حيث من اليسير أن تجد راحة النفس، وكأنها محطة انطلاق لبداية جديدة، كما المدينة في نقطة التقاء الأطلسي مع المتوسط، وقارة أوروبا مع إفريقيا.

وإلى أبعد نقطة منها في الشمال، كانت أغادير لا تذكره بأن الجنة صدق وإن كانت أرضية، حيث الماء والخضرة والوجه الحسن، وحيث تُطرب الأذن باللهجة العربية المتشابكة مع الأمازيغية ولا مانع من بعض الفرنسية.

اقرأ عن رحلاتنا السابقة في إفريقيا من هنا

في منطقة الريف لم يستطع أن يتبين الأحاديث بوضوح سوى من بضع كلمات بسيطة يعرفها حيث اللهجة التي تنضب حياةً نتيجة تداخل العربية والأمازيغية مع الإسبانية التي قاوم أهلها متحدثيها ببسالة.

وعند ذكر مراكش كان لزاما أن يتبادر إلى ذهنه تلك البيوت المحفورة في الجبال، والمتراصة بشكل غير منتظم لترتبط في خياله بأن حتما هناك يعيش المريدون في خلوة بعيدا عن صخب المدينة. رغم ذلك لم يمثل هذا المشهد غاية ابهاره.

أما في فاس حيث تبدو معالم العمارة الإسلامية حاضرة بشكل قوي وملحوظ في كل أنحائها، لم يفتح فاها من الإعجاب. وعند كازابلانكا كان هناك شيئا يعرفه في شكل المباني والأزقة، يعرفه جيدا.

ولكنها لم تكن أبدا نفس الروح في أي مكان آخر.. آآآه هذه هي إذن: الروح.. اكتشف ذلك فجأة بينما يدون بقلمه ما يجول في رأسه.

لم يشعر بالاختلاف في شفشاون، ولا بالتفرد في طنجة. لم يتذكر الجنة في أغادير، ولا انبهر في مراكش. لم يفتح فاها في فاس ولم يشعر بالحنين في كازابالانكا. حقيقة، لم يلتفت إلى كل ذلك سوى مع قدوم تلك الروح التي القت بحٍملها على قلبه.

روح أحاطت ساكنيها فسكنتهم، تراقصت أطيافها أمامهم فملئتهم، اجتاحت هوائهم فتشبعوا بها ومنها، حتى أتى صاحبنا ففعلت به ما فعلت بهم فلم يغادرهم أو يغادروه، وبات ذاك المريد الذي يبحث عن الحبيب.

ببساطة كانت تلك البلاد كالمنزل.. والمنزل هو ما تنزل إليه وقت الحنين.

في ظل التنوع الجغرافي للبلد الواقع في أقصى غرب شمال إفريقيا كان التنوع الديمغرافي حاضرا أيضا وبقوة.

عوامل كثيرة خلقت ثقافات مختلفة ولهجات متنوعة وشخصيات تتباعد وتتقارب في كنف التاريخ، ما بين مرارة استعمار وتسلط أنظمة وبين حضارات إسلامية وأمازيغية تواجدت بقوة في الأزمنة القديمة، لتُكسبت أهل تلك البلاد ما لم يكتسبه غيرهم..

روح لاتينية صُبغوا بها في حب الحياة ومواجهة كل ما هو مُر بكل ما هو عذب، وبالتأكيد لم تكن لعبتنا بعيدة عن كل ذلك.

(صورة لمشجعين صغار للرجاء في حي درب السلطان بكازابلانكا – الصورة من لويس ويتر لوكالة بيكتوريوم)

في بلد عرفت التنوع الموسيقي كان لزاما أن تجد في مدرجاتها ألحانا مختلفة وأهازيج تنضب بالحماس والحياة في آن واحد.

موسيقى لم تسمعها أذنك من قبل في إيقاعها وإيقاع منشديها.

منشدون ومشجعون مهما زادت أعدادهم فهم لا يخرجون عن سلمهم الموسيقي وكأنهم فرقة عازفة كبيرة.

وبذكر تلك المستديرة فلا يبدو أن هناك مغربيا لا ينتمي لفريق أو لم يمر على استاد من قبل.. هناك حيث تأخذ كرة القدم حيزا كبيرا من التعلق والاهتمام والشغف، مهما تقدم العمر ومهما تكالبت الظروف.

وفي القلب من كل تلك العوامل والحكايات كان أسود الأطلس حاضرين دائما وبقوة في الذاكرة الشعبية، مغربيا وعربيا.

وظلت كلمة الكرة الجميلة متعلقة في أذيالهم أينما ارتحلوا، وظلت أسماء نجومهم لا تُنسى، بعدما انتزعوا الآهات في مونديال 86 و98 و2018.

الذاكرة المصرية الكروية بدورها لا يمكن أن تتغافل عن أسماء بقيمة بادو الزاكي وصلاح الدين بصير ونور الدين نيبت وعزيز بودربالة ويوسف شيبو وحسين خرجة ومصطفى حجي وشقيقه يوسف وعبد الجليل حدا الذي ربما لن تعرفه إلا إن قلت كماتشو كماتشو كماتشو.

وحتى في السنوات الأخيرة حضرت أسماء بقوة نور الدين مرابط وشقيقه سفيان وحكيم زياش وكريم الأحمدي ومهدي بن عطية وأشرف حكيمي ومبارك بوصوفة ويونس بلهندة.

رغم ذلك لم يكن مشوار المغرب في أمم إفريقيا دائما على قدر التطلعات والترشيحات لمنتخب عرف الطريق إلى المونديال قبل أن يعرفه إلى الكان، وظل المشوار في أغلب الأحيان منتهيا عند أبعد نقطة من الآمال التي جعلته مرشحا شبه دائم للتتويج بالبطولة.

بطولة وحيدة في جعبة الأسود تحققت عام 76 بفضل هدافهم التاريخي أحمد فرس، ومنذ ذلك الحين لم يعد زئير الأسود سوى صوتا مبحوحا يبحث عن علاج للوقوف مجددا على منصة التتويج.. لكن الروح لم تغادرهم أبدا.

ثم ضمنت الثنائية في شباك الكاميرون التأهل للبطولة، بفضل تألق حكيم زياش صاحب الهدفين، فيما انتهت المباراة الأخيرة التي كانت تحصيل حاصل بالتعادل السلبي مع مالاوي، بتشكيل كان أغلبه من العناصر المحلية.

بعد إجراء القرعة وقعت المغرب في مجموعة نارية، الرابعة، والتي تعد أقوى مجموعة في البطولة، إذ تواجدت بجوار كوت ديفوار وجنوب إفريقيا ونامبيا، وستلعب مبارياتها على استاد السلام.

تستهل البلد التي يكسو علمها اللون الأحمر وفي القلب نجمة خماسية خضراء مبارياتها بمواجهة نامبيا في الثالث والعشرين من يونيو بالرابعة والنصف عصرا، ثم كوت ديفوار بعدها بخمسة أيام في السابعة مساء، قبل أن تختتم اللقاءات بالصدام مع جنوب إفريقيا في الأول من يوليو في تمام السادسة مساء.

الأسود ستأمل في استعادة صوت زئيرها المبحوح قاريا، متسلحة بروح متفردة، ومدرب يعرف كيف تؤكل الكتف في العروس السمراء.

طالع أيضا

تقرير: الأهلي السعودي يفكر في التعاقد مع معلول

آل الشيخ يلمح لبيع بيراميدز

مارادونا يتمنى تدريب مانشستر يونايتد

كيف يحاول اتحاد الكرة حل أزمة الفريق المشارك في دوري أبطال إفريقيا

تعرف على تصنيف قرعة دوري أبطال أوروبا 2019-2020

القاتل مولامبا.. رسائل موبوتو الدموية (2)