"تحدي كارانكا" الذي أجبر هاينكس على الفوز بدوري الأبطال

الإثنين، 30 أبريل 2018 - 17:28

كتب : زكي السعيد

هاينكس

في يونيو 1997 فاز ريال مدريد بالدوري الإسباني تحت قيادة المدرب الإيطالي فابيو كابيللو الذي لم يحظ بفرصة الحفاظ على لقبه، لأن لورنزو سانز رئيس النادي قرر إقالته بعد أقل من 12 شهرا على تعيينه!

ولتقبَل مهمة تدريب فريق أطاح لتوه بمدرب جلب لقب الدوري لأنه لم يقدَم كرة قدم جذابة، سيتوجب عليك حينها أن تحمل كفن وظيفتك لحظة أن توقع على العقد.. هذا تحديدا ما قام به يوب هاينكس عندما وافق على عرض سانز.

هاينكس (53 عاما) أنهى لتوه موسما مميزا مع فريق تينيريفي، واستنادا على خبرة طويلة سابقة مع أندية بوروسيا مونشنجلادبخ، بايرن ميونيخ، أتلتيك بلباو، أينتراخت فرانكفورت، قررت إدارة مدريد أنه الرجل المختار.

حضر هاينكس إلى مدريد، نظر إلى قائمة الفريق، ولاحظ ثغرة كبيرة في عمق الدفاع مع رحيل رافاييل ألكورتا إلى أتلتيك بلباو.

فرناندو هييرو ومانولو سانشيس قلبا دفاع ومن بعدهما تظهر أسماء شابة: جارسيا كالفو، وفرناندو سانز.. ابن رئيس النادي!

يُقال أن أحد أسباب إقالة كابيللو رغم تفوقه على "برشلونة رونالدو"، هو أنه لم يعتمد على الفتى اليافع سانز وأشركه أساسيا في 4 مباريات فقط طوال الموسم.

ثغرة خط الدفاع كانت جلية، ولذا طالب هاينكس فورا بتدعيمات خلفية، ولكنه واجه تملصات مختلفة من الرئيس سانز الذي أخبره برؤيته التي تهدف إلى انتدابات هجومية كتيري هنري لاعب موناكو، كما تحجج سانز أن الفريق عقد عديد التعاقدات في موسم الانتقالات الصيفية السابق، لذا فالفريق مستكف.

بالتزامن، ظهرت مشكلة أخرى في حراسة المرمى، إذ جمعت هاينكس عداوة قديمة بحارس ريال مدريد الأساسي بودو إليجنر الذي دربه في فرانكفورت، وبالتالي قرر هاينكس منذ اللحظة الأولى الاعتماد على سانتياجو كانيزاريس الحارس الثاني.

لاحقا ومع مرور الأسابيع في الصيف، تواصلت مطالب هاينكس، الرجل الألماني ألح لأجل صفقة قلب دفاع، وسانز واصل مراوغته بغية فتح الطريق لنجله.

ظهر اسم الألماني يورجن كوهلر مدافع بوروسيا دورتموند ومنتخب ألمانيا الذي كن له هاينكس إعجابا كبيرا، حاله حال نور الدين نيبت مدافع ديبورتيفو الذي تعثرت صفقته لأسباب مادية، الأمر الذي أطرب سانز بكل تأكيد.

في الوقت نفسه، رفض هاينكس إعطاء تأكيدات واضحة بمشاركة سانز الصغير، وقال في أحد اللقاءات الصحفية:

"لا أعرف اللاعبين الشبان جيدا، ولذا سيسافر الجميع إلى فترة الإعداد. سأراقبهم لخمسة أسابيع، ومن ثم سأتخذ القرار. سأرى من لديه مستقبل في ريال مدريد ومن سيخرج في إعارة. فرناندو سانز لديه نفس الحقوق والواجبات الخاصة بأي لاعب آخر، بعض اللاعبين أثبتوا أنه لا غنى عنهم في الموسم الماضي، ولكن قانون كرة القدم يحتّم عليك أن تبدأ من جديد في الموسم التالي".

هاينكس واصل ضغطه عبر الصحافة وقال: "كالفو وسانز لاعبان رائعان، ولكننا نحتاج إلى صفقات".

الاسم المتداول في تلك الفترة كان الباسكي أيتور كارانكا مدافع أتلتيك بلباو، وهاينكس واجه مقاومة من خوسيه ماريا أراتي رئيس بلباو، ولورنز سانز رئيس ريال مدريد، إلا أن إرادته الحديدية أرغمت سانز على التسليم في النهاية وإنهاء الصفقة.. حصل هاينكس على مراده أخيرا، وتلقى تحذيرا ناريا من سانز.

سانز ويوم تقديم صفقة كارانكا، التفت بعين حمراء إلى هاينكس وقال: "الآن وإذ أننا تعاقدنا مع قلب دفاع، علينا الفوز بدوري أبطال أوروبا".

كانت رسالة تعجيزية مبطنة نابعة من غيظ شديد، تهديد ضمني بالإقالة إن لم يحقق ريال مدريد بطولة فاز بها للمرة الأخيرة عام 1966، فقط لأن "المنقذ" كارانكا حضر!

لعب ريال مدريد مباراته الرسمية الأولى أمام برشلونة يوم 20 أغسطس على ملعب كامب نو، هاينكس أشرك كارانكا وسانشيس في عمق الدفاع، واستبعد الثنائي الشاب سانز وكالفو من قائمة المباراة، والأخيران عبّرا عن غضبهما عقب اللقاء، مهددين بمغادرة الفريق.

وفي رد فعل صارم، فتح هاينكس الباب على مصرعيه لرحيل ابن الرئيس ورفيقه المتمرد:

"ليس لديهما الحق في الشكوى، إن امتلكا العروض، فعليهما استغلالها".

وواصل هاينكس في موجته الانفجارية الناجمة عن صيف طويل مليء بالضغوطات:

"قرأت تصريحات اللاعبين ولم تعجبني، علي أن أصرح بذلك علنا، واجبهما أن يلتزما في التدريبات يوميا ليحسنا من جودتهما ويصلا للمستوى العالي الذي يتطلبه ريال مدريد".

قائمة الكلاسيكو شهدت أيضا استبعاد فيكتور سانشيز الذي كان لاعبا أساسيا في حقبة كابيللو، وهاينكس أشاد بسلوكه:

"فيكتور التزم الصمت، رغم أنه يمتلك سببا أكبر ليشعر بالغضب، إذ كان لاعبا أساسيا في الموسم الماضي".

بحلول ديسمبر، وجد سانز الفرصة المناسبة لتوجيه سهام النقد العلنية إلى جسد هاينكس، ريال مدريد تلقى هدف التعادل في الدقيقة 88 أمام ريال أوفيدو وخسر الصدارة، والرئيس امتعض من النهج الدفاعي الذي اتبعه مدريد بعد هدف التقدم الذي سجله راؤول:

"من السخيف أن نتراجع للدفاع بعد التقدم في النتيجة، خسرنا أسبقيتنا وخسرنا نقطتين، ارتكبنا خطئا فادحا. لا يمكن أن يدافع مدريد عن النتيجة، الاستبدالات كانت دفاعية للغاية. أنا في قمة غضبي".

بعد شهرين، استقبل ريال مدريد منافسه فالنسيا وخسر بهدفين مقابل هدف، والنوم لم يصل عيون لورنزو سانز في تلك الليلة، وركن إلى قرار نهائي بحلول الصباح: إقالة يوب هاينكس.

اجتمع سانز بمارتينيز بيري السكرتير العام للنادي وقائد ريال مدريد التاريخي في السبعينيات، وبخوان أونييفا نائبه، وأخبرهما بنيته إقالة هاينكس فورا بعد أن استهلك الألماني كل فرص الحياة في ذهن سانز، خصوصا أن الفريق كان قد ودع كأس ملك إسبانيا على يد ديبورتيفو آلافيس. فصُعق بيري ورجاه أن يؤجل قرار الإقالة، لينصاع سانز إلى إلحاحه ويتغاضى عن تنفيذ قراره على مضض.

ونلاحظ أن هاينكس اضطر إلى الإطاحة بكانيزاريس حارسه الأساسي في نهاية فبراير بعد أن رفض الأخير تجديد عقده مع النادي، ومن المحتمل أن هاينكس أُرغم على هذا القرار الذي أصر على كونه "قرارا فنيا" في عدة مؤتمرات صحفية.

هاينكس فكّر في إشراك الحارس الثالث بيدرو كونتريراس ليتفادى الاعتماد على بودو إليجنر، ولكن إشراك إليجنر هو ما تم في الأخير، واضطر هاينكس إلى وضع اسم الحارس الألماني في كل تشكيلاته حتى نهاية الموسم رغما عنه.

في مارس، سافر خوان أونييفا نائب رئيس ريال مدريد إلى إيطاليا للبحث عن مدرب بديل، رحيل هاينكس في تلك الفترة كان حتميا، وتبقى فقط التخمين ما إذا كان صمود هاينكس سيستمر لنهاية الموسم أم سيرحل في مرحلة مبكرة.

وفي نهاية مارس، بعد أشُهر من الابتعاد عن التشكيلة الأساسية، ظهر فرناندو سانز أخيرا في مباراة بلد الوليد، ورغم تعثر مدريد بالتعادل 1-1، إلا أن الرئيس سانز كان مغتبطا للغاية بظهور نجله في تشكيلة الفريق، وخصص له قدرا هائلا من الإشادة بعد اللقاء:

"لعب مباراة كاملة، بدون أي أخطاء، لذا أظنه كان ممتازا في التعامل مع عدم اللعب كثيرا. بيتيرناتش (مُسجل هدف بلد الوليد) كان في رقابة هييرو عندما سجل الهدف".

في 14 أبريل، صنع هاينكس المعجزة وسط الأجواء الإرهابية التي عاشها في العاصمة الإسبانية، وقاد ريال مدريد إلى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في 17 عاما، بدا أن طلب كارانكا التعجيزي الذي أطلقه سانز قبل عدة أشهر في طريقه للتحقق، والرئيس صار في وضع حرج مع نيته المبيتة لإقالة هاينكس فورا عندما يخرج الفريق من دوري الأبطال.

في مايو، تواصلت نتائج ريال مدريد السلبية بالدوري، وتقهقر الفريق للمركز الثالث، فما كان إلا أن استدعى سانز مدربه هاينكس لاجتماع غاضب عنّفه خلاله على انهيار مدريد المحلي.. كان جليا وصول علاقة الطرفين لطريق مسدود لا رجعة له.

خلال المؤتمر الصحفي السابق لمباراة يوفنتوس في نهائي دوري أبطال أوروبا، تلقى هاينكس سيلا من الأسئلة عن مستقبله مع الفريق...

س: هل يتوقف مستقبلك مع ريال مدريد على نتيجة المباراة؟

ج: مستقبلي في ريال مدريد لا يتوقف على النهائي.

س: هل تخشى على منصبك في الفريق؟

ج: لا أخشى أي شيء.

س: هل علاقتك بلورنزو سانز بهذا السوء؟

ج: علاقتي بلورنزو سانز تشبه علاقتي بزوجتي..

لحظات صمت في القاعة..

كريستيان بانوتشي لاعب ريال مدريد المرافق لهاينكس يضع يده على رأسه..

ومن ثم يأتي صوت تهكمي من آخر القاعة: "لم أكن على علم أن هاينكس يخطط للطلاق".

في 20 مايو، سجل بريدراج مياتوفيتش قبل 23 دقيقة على النهاية، وقاد ريال مدريد للفوز على يوفنتوس واستعادة لقب دوري أبطال أوروبا الغائب منذ 32 عاما.. وبعد أيام، تلقى يوب هاينكس خبر إقالته.. كان الألماني سعيدا، لأنه غادر هذا الجحيم أخيرا.

في الـ18 شهرا التالية، تناوب 4 أشخاص على تدريب ريال مدريد..

التعليقات