كتب : جلاء جاب الله | الخميس، 26 أغسطس 2004 - 23:05

.. ولسه الأماني ممكنة .. ممكنة .. ممكنة

كرم جابر .. تامر بيومي .. محمد السيد الباز .. محمد رضا علي .. أحمد اسماعيل ومعهم أيضا محمد إحسان ونهلة رمضان وياسر رمضان عبد الغفار .. نجوم من ذهب .. أسماء لن يمحوها الزمن من الذاكرة .. أبطال سيسجلون صفحات جديدة من تاريخ الرياضة المصرية .. بل والشخصية المصرية .. لقد أكدوا ــ وسط أمواج اليأس ــ أن الأماني والفرحة مازالت ممكنة .. ممكنة .

عندما شاهدت كرم جابر وهو يستعد لخوض نزال المباراة النهائية للفوز بالميدالية الذهبية هتفت داخلي : ماهذا الكبرياء ؟ من أين أتى هذا الشاب السكندري بكل هذه الثقة ؟ كيف هزم اليأس والخوف وهو يخطو نحو المجد الأوليمبي بكل ثقة وكأنه ينظر إلى عظمة الأهرامات .. وكأنه يتلبس كبرياء أبو الهول .

لم ترهبه محاولات المصارع الجورجي ومن قبله المصارع التركي لسرقة الفوز مستغلا الثقة الزائدة التي تميز بها .. بل كان بالمرصاد ليؤكد أنه البطل بلا منازع وبكل جدارة .. لم يصدق أحد ما يرونه من إعجاز رياضي وهو يحسم مباراة الدور قبل النهائي بعد دقيقة واحدة وتسع ثوان .. ومن بعدها يصرع البطل الجورجي في المباراة النهائية لعدم التكافؤ .

فوز كرم جابر بالميدالية الذهبية الأولى لمصر بعد 56 عاما من آخر ذهبية مصرية ( في مونديال لندن 1948 ) أجاب على سؤال محير جدا وهو : كيف نفوز بميدالية أوليمبية ذهبية ؟ أو بصيغة أخرى : لماذا نفشل دائما ولأكثر من نصف قرن في تحقيق الذهبية التي نحلم بها ؟

لقد أجاب كرم وزملاؤه نجوم أولمبياد أثينا على السؤال المحير ببساطة شديدة وببلاغة " المصري الفرعوني الفصيح " أي بلغة الفعل والعمل والعطاء ولبس الكلام النظري " المقعر " .. من اجتهد نال المراد ومن عمل لشيء بإخلاص وبعلم وعمل فسيحقق ما يصبو إليه .

الدموع التي سالت من عيون المصريين في أثينا عندما ارتفع علم مصر عاليا وتم عزف السلام الوطني المصري لم تكن دموع الفرح فقط .. بل أيضا دموع الألم والحسرة على ما فات ودموع الشوق لغد أفضل وانجازات دائمة .

عندما تألقت كرة اليد المصرية وارتفعت إلى سماء العالمية كان يمكن أن تبدا مرحلة حقيقية للارتقاء بالرياضة المصرية .. شاهدنا الأطفال وهم يمارسون كرة اليد في الشوارع بعد أن كانت كرة القدم هي وحدها ما يبحث عنه الصغار وكان الجميع يتابع اليد في كل مكان .. لكن اليد فشلت في صنع الشخصية الرياضية الجديدة في مصر لأسباب كثيرة ليس هذا وقتها .

والآن وبعد الأوليمبياد سنجد الأطفال يلعبون المصارعة والملاكمة في الشارع .. وسيكون هناك اتجاها قويا للعبات الفردية والنزالية بالذات فهل يمكن استغلال هذا التطور لصالح تطوير المفهوم الرياضي والثقافة الرياضية في مصر ؟

هل يمكن استغلال هذا الإنجاز للهروب من أسر الكرة التي لم تفعل شيئا ؟ هل يمكن استغلال ما حدث في أثينا لتطوير الذوق الرياضي وتحسين الفهم لدى الناشئين والصاعدين ليتغير مفهوم القدوة والمثل الرياضي بعيدا عن إبراهيم سعيد وإسلام الشاطر وحسام حسن وعصام الحضري ؟

ويبقى سؤال : هل يمكن للدولة أن تتخذ قرارا منطقيا وضروريا بإلغاء الضرائب عن مكافآت ابطال أثينا ؟ فليس منطقيا أبدا أن تكون مكافأة الحاصل على البرونزية 500 ألف جنيه يخصم منها 33% أي 165 ألف جنيه بينما عقد ابراهيم سعيد مع الأهلي قبل تعاقده مع الزمالك 650 ألف وعقد حازم إمام 700 ألف ويطالب عصام الحضري بـ 600 ألف في الموسم الواحد .

كل انجازات أصحاب الملايين من أهل الكرة محلية بحتة وفشلوا في أن يفعلوا شيئا حتى أنناكدنا أن نيأس من مستقبل الرياضة المصرية .. إلى أن كان موعدنا مع أبطال أثينا الذين أضاءوا عدة شمعات في ظلام الواقع وأكدوا لنا أن الأمل مازال موجودا والحلم شرعي وأن ألغاني والأماني والأفراح مازالت ممكنة .. ممكنة .. ممكنة .. مبروك لنا كلنا .

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات