كتب : أحمد الخشاب | الأحد، 27 نوفمبر 2005 - 16:50

رونالدينيو "المستمتع" .. والسادة الموظفون!

لفت نظري تعليق ريكارد مدرب برشلونة على عدم تبديل رونالدينيو في مباراة فيردر بريمن الألماني بدوري أبطال أوروبا رغم تقدم "البارسا" بثلاثة أهداف مقابل هدف وعدم تأثير النتيجة على تأهل برشلونة لدور الـ16 ، عندما قال إن رونالدينيو كان "مستمتعا" باللعب ، و"لم أرد إفساد متعته الشخصية بتبديله"!

توقفت كثيرا أمام هذا التعليق البليغ لمدرب قدير مثل ريكارد ، فقد اختصر النجم الهولندي السابق ماهية كرة القدم ، والفارق بين ما نراه في جميع أنحاء العالم وما نراه هنا في مصر من "عك" لا يمت لكرة القدم بأي حال من الأحوال.

فكرة القدم يا سادة بسيطة للغاية ، بل أبسط ما نتصورها نحن ، اختصرها ريكارد في كلمة واحدة هي "الاستمتاع" ، فلا شك لدي في أن رونالدينيو لم يصل إلى ما هو فيه الآن بدون أن يكون عاشقا لكرة القدم من "أخمص قدميه إلى أم راسه" كما يقولون ، فمن المؤكد أنه وغيره من النجوم الكبار ، وخاصة البرازيليين والأرجنتينيين ، بدءا من بيليه مرورا بمارادونا ورونالدو وصولا بميسي وروبينيو ، عشقوا كرة القدم قبل أن يمارسوها وعشقهم النظري تحول إلى رغبة عاتية في ممارسة هذه اللعبة الساحرة التي أسرت قلوب مليارات البشر.

هذا العشق الذي بدأ بالهواية تحول إلى ممارسة ومع تطور الكرة ووصولها إلى عصر الاحتراف الحالي تحولت الهواية إلى مهنة ، وليس أي مهنة ، بل هي مربحة للغاية ، ولكن بالطبع لا أظن أن هؤلاء النجوم ينظرون لكرة القدم على أنها مجال لكسب العيش والفلوس ، بل أكاد أزعم أنهم ينزلون الملعب وهدفهم الأول الاستمتاع بهذه الهواية أولا ، وثانيا إمتاع الجماهير التي تعشق الكرة وعشقتهم أنفسهم باعتبارهم فنانون يؤدون عروضا فنية رائعة على مسرح أخضر مستطيل الشكل ، وفي آخر قائمة أهدافهم من لعب الكرة الكسب المادي.

رونالدينيو وأمثاله لم يتعلموا كرة القدم ، بل ولدوا على الفطرة عاشقين لها ، وترعرع هذا العشق الرباني بداخلهم وتحولت الهواية لمهنة ، لذلك نجد رونالدينيو يستمتع بهوايته داخل الملعب ، ولم أره حزينا أو عابس الوجه داخل الملعب ، بل على الدوام نجد الابتسامة على وجهه ، حتى في لحظات الانكسار لأنه في الأساس "نازل يلعب ويمتع ويستمتع" ، لذلك نال الكثير من الأموال والألقاب والشهرة ، وسوف ينال الأكثر لأنه عاشق للكرة ، وسوف تعطيه الكرة ما يستحقه وأكثر.

على النقيض تماما ما نراه في ملاعبنا ، فلاعبونا موظفون على درجة لاعبين ، وكل لاعبي مصر بلا استثناء ينزلون إلى أرض الملعب ويتمنون انتهاء التسعين دقيقة بسرعة حتى يعودوا إلى منازلهم وفي أيديهم بطيخة وجرنال لمشاهدة فيلم السهرة مع زوجاتهم وأبنائهم ، وتحولوا إلى موظفين هدفهم الوقوف أمام خزينة النادي في أخر كل شهر واستلام الراتب ، ولا يفكرون على الإطلاق في الاستمتاع بالكرة نظرا لأنهم لم يعشقونها أساسا ، فهم لا يهوون الكرة ، بل يمارسونها من أجل العيش ، نظرا لأنها وظيفة مربحة جدا.

انظروا إلى أي مباراة لأي فريق مصري أو حتى المنتخب ، ستجدون 11 لاعبا مصنوعا ينزلون الملعب هدفهم الأساسي الأداء بأي شكل والخروج بأي نتيجة دون أن يشغل بالهم لا الاستمتاع ولا الإمتاع ، بل هدفهم اللعب وخلاص ، فهذا هو الفارق بين اللاعب الموهوب واللاعب المصنوع.

المثل الشائع يقول "حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب" .. فأرجوكم يا لاعبينا : تعلموا شيئا من رونالدينيو وأمثاله الذين يعملون ما يحبون ، واستمتعوا بما تفعلون ، فنحن لن ننتظر المتعة من لاعب لا يستمتع هو نفسه بكرة القدم ، وكل اهتماماته تنصب على الشقة والعربية .. والبطيخة!

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات