
كتب : أحمد سعيد | الجمعة، 26 أكتوبر 2007 - 12:32
سوبر تريكة .. وانكسار المصريين
واتسم هذا العقد بانهيار البورصة وتزايد معدلات البطالة وتضاعف عدد الأسر التي تعيش تحت خط الفقر، ودخل الجميع في دوامة من الهزيمة الاجتماعية بسبب الأحوال الآخذة في السوء وعدم قدرتهم على إعالة ذويهم.
ومع ظهور سوبرمان (1932) للكاتب الأمريكي جيري سيجال والرسام الكندي جو شوستر وبدء مغامراته التي اتسمت ببعد اجتماعي وتوجيه قواه الخارقة لمحاربة الفاسدين من الساسة ورجال الاقتصاد، تعلق به الأمريكيون ووجدوا فيه مسكنا يعطيهم نشوة انتصار وهمي، للهروب من واقع بائس يحمل كل يوم فيه ضربة أشد إيلاما من سابقتها.
وعلى الرغم من اختلاف الظروف والمعطيات، فإن حمى التصويت لمحمد أبو تريكة في استفتاء أكثر لاعبي العالم شعبية الذي يجريه "الاتحاد الدولي لتأريخ وإحصاء كرة القدم" تشبه كثيرا حمى سوبرمان التي لاتزال تنتاب الأمريكيين إلى الآن.
الهرولة للتصويت على شعبية أكبر نجوم الأهلي ومنتخب مصر والنداءات المتكررة للمشاركة في استفتاء يتبع جهة لا تحمل أي صفة رسمية ولا تلتزم بالحد الأدنى من القواعد العلمية للقياس يضع خطا أحمر تحت حالة الهزيمة التي يعيشها المصريون.
أحفاد الفراعنة الذين لا يجدون شيئا يفتخرون به سوى إنجازات أجدادهم، اندفعوا للمشاركة في هذا الاستفتاء رغبة منهم في الشعور بتفوق إنسان مصري على أقرانه من باقي خلق الله حتى يعوضوا ولو شيئا يسيرا من شعور بالنقص والانكسار بشكل عام والفشل الكروي على وجه الخصوص.
المثير للشفقة حقا، أن الجميع يعلم أن هذا الاستفتاء لن تكون نتائجه علمية أو حتى قريبة للصحة بأي حال من الأحوال بسبب قواعده العجيبة التي تسمح لكل زائر بالتصويت عدد لا نهائي من المرات وجميعهم يُحتسبوا أصواتا صحيحة في الإحصاء الأخير!
هل سيكون أبو تريكة أكثر شعبية من تييري هنري مثلا إذا صوت عشرة مصريين 100 مرة فيما أعطى عشرة فرنسيين عشرة أصوات لنجمهم الأسمر؟ بالطبع لا، والجميع يعلم ذلك، ولكن هذه الحقيقة لم تمنع عشرات الأشخاص من إنشاء مجموعات وغرف إلكترونية وإطلاق حملات رسائل المحمول تدعو للتصويت وتتهم غير المصوتين بالخيانة وتخلع عنهم الجنسية المصرية.
بل وصل الأمر ببعضهم لترويج شائعة أن هذا الاستفتاء يجريه الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA وهي الخرافة التي ترددها كثير من وسائل الإعلام المصرية التي تصر أيضا على أن الفيفا هو من يقوم بالتصنيف الشهري لأندية العالم وليس الاتحاد الدولي للتأريخ والإحصاء IFFHS على الرغم من أن الفيفا لم يقم أبدا بتصنيف الأندية ويقصر تصنيفه الشهري على المنتخبات.
من يصدق أن لاعبا في الدوري المصري الذي ينقله عدد محدود من الفضائية العربية ودوري أبطال إفريقيا يمكن أن تتجاوز شعبيته آخر مثل هنري أو ليونيل ميسي أو راؤول الذين يلعبون في الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا اللذين يشاهدهما العالم كله وتغطي مئات من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة المقروءة أخبارهما؟
كيف نقارن شعبية أبو تريكة وهو لم يلعب خارج الدوري المصري مطلقا بآخر مثل ديفيد بيكام الذي لعب في الدوريين الإنجليزي والإسباني لناديين من عمالقة اللعبة في أوروبا وخاض أكثر من 100 مباراة في دوري الأبطال قبل أن يحول كثير من اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية للعبة كرة القدم التي ليس لها جمهور من الأصل هناك؟
ثم كيف نقيس شعبية أبو تريكة الذي قام ببطولة إعلان أو اثنين طوال مشوراه الكروي بكل الأمثلة السابقة التي توقع عقود دعائية وإعلانية لعلامات تجارية عالمية وتظهر بإلحاح على مشاهدي نصف الكرة الأرضية عشرات المرات يوميا؟
إن المصوتين المتحمسين يعلمون هذه الحقائق علم اليقين ولكن تعطشهم لإنجاز مصري يتحقق على حساب من يمثلون البديل الناجح في ظل "الوكسة" التي نمر بها جعلهم يلهثون وراء هذا اللقب الوهمي.
والحق يقال إن مسؤولي الموقع صاحب الاستفتاء نجحوا في استخدام الطعم الأكبر الذي يضمن لهم أكبر نسب التصويت عندما لجأوا إلى إثارة النعرة الوطنية بين العرب بوضع اسمي أبو تريكة ثم ياسر القحطاني قائد المنتخب السعودي في المرتبتين الأولى والثانية من قائمة الاستفتاء.
ولمن لا يعلم، فإن المصريين والسعوديين مع المغاربة هم أكثر الجنسيات العربية استخداما للإنترنت، ومن ثم فإن استدراجهم لمنافسة وهمية بين أبرز لاعبي مصر والسعودية في الوقت الحالي، مع القاعدة المضحكة التي تتيح التصويت لآلاف المرات، واستمرار التصويت حتى نهاية العام كلها عوامل تصب
مقالات أخرى للكاتب
-
للمبتدئين والتقليديين .. كيف تختار مدربا في 5 خطوات؟ الخميس، 20 نوفمبر 2014 - 12:26
-
لماذا "7" بدلا من "3"؟ الأربعاء، 09 يوليه 2014 - 01:14
-
عضة سواريز.. والحضارة الانسانية الجمعة، 27 يونيو 2014 - 21:46
-
قصتان ينبغي على محمد يوسف أن يقرأهما الإثنين، 17 مارس 2014 - 22:15
نرشح لكم












