كتب : أحمد سعيد | الجمعة، 27 يونيو 2014 - 21:46

عضة سواريز.. والحضارة الانسانية

تحرك الاتحاد الدولي لكرة القدم بشكل سريع جدا وعنيف جدا تجاه لويس سواريز، فالإيقاف تسع مباريات دولية إضافة إلى أربعة أشهر من ممارسة الكرة هو الأكبر في تاريخ كأس العالم، بعدما تربع على قمة العقوبات، مزيحا الايقاف ثماني مباريات الذي حصل عليه ماورو تاسوتي بعد كسر أنف لويس انريكي في كأس العالم 1994.

ما الذي أرق الفيفا إلى هذه الدرجة؟ كيف يمكن أن تكون أقصى عقوبة على لاعب في تاريخ المونديال جاءت بسبب مخالفة لم ينتج عنها إصابة قوية أثرت بشكل مباشر على سلامة أو مشوار لاعب منافس؟ وهل يعقل أن يأتي هذا الرد العنيف على مخالفة لم يشهر حكم المباراة في وجه صاحبها بطاقة حمراء؟

أظن أن طبيعة الفعل نفسه - أي العض - له رد فعل صادم للميديا والمسؤولين والجمهور، لما يحيل إليه من نكوص عن التقدم البشري، الذي كان احد أهم مظاهره هي النار التي حولت الانسان من كائن "عضاض" يأكل لحوم نيئة باستخدام أنيابه وأظافره إلى كائن أكثر حضارة يلوك بين أسنانه ناصعة البياض لحما ناضجا بلا دماء.

سواريز المفترس البدائي يضر كثيرا بالصورة التي تسعى الفيفا إلى رسمها عن كرة القدم: الاهتمام بالأطفال في البلاد الفقيرة، إعلاء قيمة التكنولوجيا، حالة وحدة وتعايش من كل الجنسيات وتحت جميع الإعلام في مهرجان واحد كبير للبهجة والمتعة.

يمكن للفيفا التسامح قليلا مع اتهامات أكثر بشاعة إذا تمت في الخفاء مثل عشرات شواهد التلاعب في النتائج (بخلاف القضايا الكبيرة التي يتم الكشف عنها). يمكن لهم أيضا توقيع عقوبات أخف ردا على ضرب مبرح، ومؤذ، ومتعمد في صراع على الكرة لأنهم يستطيعون تبريره بالحماس والرغبة في النصر، وهي قيم يدعمها الفيفا ويغض الطرف عن أعراضها الجانبية.

لا يوجد مكان في هذه الصورة لآكلي لحوم البشر مثل سواريز، أو ناطحي المنافسين مثل زين الدين زيدان، فهما مثل طفلين رثا الثياب، معفرا الشعر، يظهران فجأة وبلا دعوة في حفل أنيق، أقامه مجموعة من الاكسلانسات للإعلان عن القضاء على ظاهرة أطفال الشوارع!

عضة سواريز، كما كانت نطحة زيدان، تعيد التذكير بأن كرة القدم ليست هي اللعبة الظريفة اللطيفة التي يمارسها نجوما يرتدون ملابس رياضية صُنعت بأحدث وسائل التكنولوجيا، ويلعبون في ملاعب حريرية، ويشجعهم أناس يدفعون مئات الدولارات لحضور هذه المناسبة في المدرجات.

على العكس، ردود الأفعال التلقائية، والمدفوعة عادة بقدر من العنف المختزن، تذكر بكرة الشوارع، مآسي المهاجرين والمهجرين، بتييري هنري الذي كانت نصيحته للاعبين الصغار ألا يتخلوا عن "الغضب الكامن بداخلهم، لأنك ما أن تبدأ في اللعب والابتسامة على شفتيك، حتى تصبح أي شيء أخر غير لاعب كرة قدم"!

ولكن للأسف، هذه الحقيقة أكبر كثيرا من أن يدفنها الفيفا حية في صندوق من الـmarketing!

هامش أخير:

يعاني ما يقرب من 80% من الناس من درجات مختلفة لما يعرف بـ"اضطرابات العض"، إذ يلجأ نحو 70% من النسبة السابق ذكرها إلى سلوكيات مثل عض الشفاه، او احتكاك الأسنان (الاصطكاك)، أو الجز أو ما شبه بشكل مستمر، وفقا لدراسة نشرها موقع dentistryiq.com

--

أحمد سعيد على تويتر

asaied

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات
مقالات حرة