كتب : عمر ناصف | الأحد، 11 ديسمبر 2022 - 17:53

مصر والتجربة المغربية.. أكثر من مجرد "وطني"

احتفالات لاعبي المغرب بعد التأهل لنصف نهائي كاس العالم

نجح المنتخب المغربي الشقيق في الوصول إلى نصف نهائي كاس العالم قطر 2022 في مفاجأة مدوية لم يكن أشد الحالمين يتوقعها، أسود الأطلس نجحوا في تخطي عقبات صعبة متصدرين مجموعة تضم كرواتيا وصيف كأس العالم وبلجيكا المصنف ثاني عالميا وكندا المشاركة لأول مرة منذ نسخة 1986.

تحت القيادة الفنية للمدرب الوطني وليد الركراكي، تعادل المغرب مع كرواتيا في الافتتاح وتفوق على بلجيكا واكتسح كندا ليتصدر بسبعة نقاط ويتأهل لملاقاة أحد المرشحين للقب، المنتخب الأسباني، وأمام الماتادورحافظ ياسين بونو ورفاقة على شباكهم ببسالة ليصل إلى الوقت الإضافي ثم ركلات الترجيح التي ابتسمت للأسود ليتأهلوا لربع النهائي.

وفي ربع النهائي كانت البرتغالي في الانتظار ولكن رأسية يوسف النصيري أطاحت بأحلام كريستيانو رونالدو في إنهاء مسيرته الدولية بلقب أو حتى نهائي مونديالي ليصل بالمغرب كأول منتخب إفريقي وعربي يصل إلى نصف نهائي كأس العالم في إنجاز تاريخي هو الأول من نوعه رفع سقف الإنجاز إلى السماء في انتظار مفاجآت أخرى مع تبقي مباراتين وضمان ميدالية ستكون تاريخية للمغرب ولإفريقيا وللعرب مهما كان لونها.

التجربة المغربية

أصبحت هذه الجملة هي الأكثر تداولا بين مقدمي البرامج الرياضية المصرية مع هذا النجاح، فإذا نجح الجيران فيجب علينا أن ننجح أيضا ونقلد تجربتهم، هل هي مناسبة لنا؟ هل البنية التحتية والثقافة المصرية تربة خصبة لهذه التجربة؟ هل هو تقليد أعمى؟ ما هي التجربة المغربية أساسا؟ هل يعرف أحد منهم أيا من ذلك؟

هنا نحن في مصر التي سيطرت على الكرة الإفريقية في الفترة من 2006 إلى 2010 بأداء تاريخي وأكلت الأخضر واليابس قاريا، ولكن هدف واحد فقط كان كفيلا بإنهاء حلم المونديال لهذا الجيل أمام الجزائر، مصر صاحبة التاريخ الإفريقي الطويل لم تتأهل في تاريخها إلى المونديال سوى ثلاث مرات فقط كان آخرها في 2018 قبل أن يتم إقالة المدرب هيكتور كوبر رغم إنجاز الوصول نفسه ودوامة من المشاكل الداخلية التي لا تنتهي.

ومع كل فشل في التأهل إلى المونديال وفشل في تحقيق بطولة إفريقية، يخرج علينا رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم ليعلن إقالة المدرب وبداية مشروع جديد للكرة المصرية ويقف أحد أعضاء مجلس الشعب ليقدم طلب إحاطة يطالب فيه في بفتح تحقيق مع كل المسئولين عن كرة القدم لبحث أسباب الفشل ويتناول الإعلام سيرة المدرب بالسوء طوال اليوم حتى بعد إق+الته بأربعة سنوات، بيئة رائعة وخصبة لمشاريع مستقبلية.

كان آخرها وصول المدرب كارلوس كيروش لقيادة المنتخب خلفا لحسام البدري المدرب المحلي الذي لم يستمر طويلا ولا يمكنك أن تقيم تجربته لأنها أولا جاءت في عصر جائحة كورونا والكرة متوقفة وبعودتها تمت إقالته بعد أن تم ذكر كل شيء عن راتبه وتصريحاته وتكشيراته ولم يتطرق أحد لخطته أو ما يريد تطبيقه ولا أحد يعرف لماذا تم تعيينه أو لما تمت إقالته، حتى صاحب القرار نفسه الذي قام بتعينه لأن الطلب كان مدرب مصري وقام بإقالته لأن الجمهور والإعلام لا يحب هذا الشخص ويرى المدرب الأجنبي هو الأفضل.

وصل كيروش لمنتخب مفكك داخليا كان آخر إنجاز له خسارة نهائي كأس الأمم الأفريقية 2017 مع كوبر لينجح مع مجموعة تفتقد لكل شيء من خبرات دولية وقدرات بدنية وفنية في الوصول إلى نهائي كأس الأمم الأخيرة ومباراة فاصلة للتأهل للمونديال وخسر المباراتين لصالح نفس المنتخب، السنغال وبنفس السيناريو ركلات الترجيح التي رفضت أن تبتسم لنا.

بالتأكيد عزيزي القاريء كنت تعيش معنا هذه اللحظات كلها وتعرف كيف كان تعامل الإعلام مع المدرب البرتغالي المخضرم وتعامله قبله مع حسام البدري وبعده مع إيهاب جلال، فالمدرب المصري صيد أسهل للهجوم وفي مصر الانتقاد لا يكون انتقادا فنيا ولكن فنيا وشخصيا وعائليا, بيئة مناسبة لأي مدرب للنجاح.

هل الوطني مدرب فعلا؟

هنا نبدأ بنقطة المدرب الوطني، وهي أول مطالب الإعلام لنحت التجربة المغربية فالجميع بدأ يتحدث لماذا ندفع أموال للمدرب الأجنبي بينما في كأس العالم نرى المنتخبات التي نجحت في الوصول إلى ربع النهائي كلها يقودها مدرب وطني والمغرب الذي حقق المفاجأة بمدرب وطني وكرواتيا التي تحقق المعجزات منذ مونديال 2018 أيضا يقودها مدرب وطني.

نقف قليلا فوليد الركراكي ليس فقط مدرب وطني، فمسيرته كلاعب كرة قدم محترف في فرنسا مع تولوز وأجاكسيو وديجون وجرينوبل ولعب لعامين في راسينج سانتندير في إسبانيا، هذا الرجل بعد اعتزاله عمل كمساعد للمدير الفني للمنتخب المغربي وحصل على شهادة التدريب (أ) من الاتحاد الأوروبي ليعود إلى وطنه ويقود المغرب الفاسي محققا معه بطولة دوري مغربي تاريخية مع الفريق لأول مرة في تاريخ النادي ويصبح أصغر مدرب يحققها، ثم انتقل لحصد الدوري القطري مع الدحيل وعاد إلى المغرب ليقود الوداد إلى بطولة دوري أبطال أفريقيا قبل أشهر قليلة من تعيينه مديرا فنيا للمنتخب الوطني المغربي.

أقرب مدرب مصري له من ناحية الإنجازات هو حسام البدري الذي لم يستمر طويلا، في حين لا تضم قائمة المدربين المصريين الحاصلين على الرخصة (أ) أسماء كثيرة.

علي ماهر وجد نفسه يشاهد فريقه فيوتشر من المدرجات في الكونفدرالية الإفريقية لأنه لم يحصل على الشهادة التدريبية (أ) والتي تؤهله للتدريب في البطولات الإفريقية، هذا المدرب يعتبر من أفضل الأسماء التدريبية محليا ضمن المتواجدين حسب النتائج.

نحن أمام مجموعة من المدربين المحليين أنجحهم لا يمكنه التدريب حتى في دوري محلي إفريقي آخر يضع حد أدنى من المؤهلات لمدربيه لأنهم الأساس في بناء دوري قوي قادر على صناعة منتخب قوي.

إذا هنا نحن أمام مقارنة غير عادلة، فالمدرب الوطني المغربي يمتلك مسيرة احترافية كبيرة وشهادات تدريبية مميزة يفتقدها كل مدرب مصري لأن الأخير لديه ضمان تدريب نادي واثنين وثلاثة في الموسم حتى إن لم ينجح في الفوز بأي مباراة مع أي منهم فسيجد نادي رابع يجعله مديرا فنيا قبل انطلاق الموسم التالي.

نفس الأسماء بنفس الأفكار العقيمة التي لا تغني ولا تسمن من جوع بدون أي تطوير ذاتي أو محاولة تطوير حتى بجانب ثقة زائدة في الإمكانيات، نسيت أن أذكر لك أن المنتخب المغربي هذا قام ببنائه هيرفي رينارد الذي وصل بهم إلى مونديال روسيا 2018 وترك المهمة لوحيد خليلوزيتش الذي قاد المغرب للتأهل إلى المونديال قبل أن يتم إقالته بسبب خلافات حول رغبته في استبعاد بعض الأسماء المغربية الكبرى، ليأتي الركراكي كمدرب طواريء يجعل العالم كله في طواريء.

اللاعب المحلي والمحترف

هل تعلم أن المغرب يمتلك 350 محترفا في دوريات أوروبا الكبرى؟ هل تعلم عدد المحترفيين المصريين في نفس الدوريات؟ 9 فقط. المدير الفني للمنتخب المغربي أمامه خيارات لا تنتهي من لاعبيين محترفين يلعبون في كل المستويات فتشكيل الفريق الأساسي يتواجد فيه لاعبين أساسيين في أنديتهم في الدوري الإنجليزي، والدوري الإسباني، والفرنسي، والإيطالي وقائمة المنتخب المغربي تضم ثلاثة لاعبين محليين فقط، هم نجوم المنتخب المحلي المغربي بطل كأس إفريقيا للمحليين أيضا، الركراكي كانت لدية كتيبة من المحترفين ومنتخب محلي قوي لاختيار 26 لاعبا منهم للذهاب إلى المونديال بينما نحن في مصر ما زلنا نبحث عن صانع ألعاب للمنتخب منذ 2013.

هذه المجموعة سهلت عمل المدرب لاعتيادهم على مواجهة نجوم المنتخبات الكبرى الأخرى بشكل دوري بل وزاملوهم في تلك الأندية أيضا وتدربوا معهم بشكل يومي، بينما نحن اكتفينا بوجود محمد صلاح نجم أوحد للكرة المصرية في أوروبا والباقي يأتي خلفه من بعيد ولا يوجد نيه لزيادة عدد محترفينا بسبب مطالب الأندية المحلية الغريبة لانتقال لاعبيها إلى أوروبا أولا، كان آخرها رفض نادي إنبي انتقال حارسه محمود جاد إلى ويجان بسبب مطالب مالية وصلت إلى 2 مليون جنية استرليني لحارس شاب لم يلعب مباراته الدولية الأولى حتى اللحظة، وثانيا متطلبات اللاعب المحلي الذي يرى نفسه نجم لا يجب أن ينتقل إلا لمزاملة محمد صلاح نفسه في ليفربول قادما من ناديه المحلي وبراتب خيالي يتجاوز راتبه الضخم المبالغ فيه الذي يحصل عليه لمجرد وجوده في الدوري المصري.

الاستسهال هو ما يحبه اللاعب المصري، فالبقاء في دوري بدون جمهور ولا ضغوط يبدو أسهل له من الانتقال إلى أوروبا حيث بيئة مختلفة عليه ولغة جديدة عليه تعلمها ونظام صارم لا يقبل الالتواء أو الحياد عنه بعكس ما يحدث هنا إذ يتآمر اللاعبون على المدرب لأنه قرر جعل موعد التدريب في التاسعة صباحا وليس الخامسة عصرا.

لن نتطرق إلى أسلوب حياة اللاعب المصري المليء بكل شيء، عكس الصحة فهذا اللاعب يسهر إلى الفجر وذاك يظهر دائما أمامه طاولة لا تنتهي من الأكل المقلي القادرعلى تعطيل استشفائه البدني لأسابيع وليس أيام حتى وآخر يظهر بعلبة كشري في غرف الملابس قبل إحدى المباريات كوجبة كفيلة بإدخال متخصصي أغذية الأندية الأوروبية في صدمة عصبية، ورابع يقوم بدعايا لمركز لنحت عضلات البطن بدلا من الذهاب إلى الصالة الرياضية للعمل عليها بنفسه!

بالتأكيد شاهدت تساقط لاعبي المنتخب الوطني في كل البطولات المجمعة بدنيا مباراة تلو الأخرى حتى أنه أصبح روتينيا أن يقوم المدرب باستبدال أحد اللاعبين خلال أحداث المباراة وغيابه لنهاية البطولة بسبب إصابة عضلية وتحامل آخرين على أنفسهم لاستكمال المباريات بإصابات عضلية، والسبب بالتأكيد هو عدم قدرة اللاعب المحلي على مجاراة أي محترف حتى لو في الدرجة الثانية أوروبيا في الشق البدني.

الحكم متهم أيضا

يمكن أن نفند العديد من الأسباب، أولها بالتأكيد أسلوب حياة اللاعب الذي تحدثت عنه في الأعلى وثانيها عدم قدرة اللاعب المحلي على الانجراف إلى الصراعات البدنية بسبب التحكيم المحلي القادر على قتل متعة كرة القدم بصافرته مع كل لمسة في الملعب، كان ذلك أول تعليق لكيروش على الكرة المحلية وناشد الحكام في مؤتمر صحفي بترك براح للاعب ليمارس رياضة بدنية بدلا من إيقاف اللعب كل ثانية بلا هدف.

نشر موقع FilGoal تحقيقا سابقا حول زمن اللعب الفعلي في الدوري المصري والذي لم يتجاوز معدله الـ 50 دقيقة في أفضل الأحوال مقارنة بـ 60 لـ 70 دقيقة معدل اللعب في الدوري الإسباني مثلا، هل يؤثر ذلك على اللاعب المحلي؟ بالتأكيد فأصبح ينتظر صافرة الحكم كل 20 ثانية مع أي لمسة كما أصبح بدنيا غير جاهز للالتحامات وسباقات السرعة، لأنه ببساطة لا يقوم بها لا في التدريب ولا في المباريات.

لاحظ أنك لا تجد فوارق كبيرة بين المغرب ومنافسيها في كأس العالم حتى الآن، كرواتيا وبلجيكا وكندا وإسبانيا والبرتغال، فلاعبي أسود الأطلس يلعبون في نفس بطولاتهم ويتعرضون لنفس التدريبات ونفس التغذية خارج الملعب وداخله اعتادوا على الصراعات البدنية والفنية ضد نجوم أوروبا بشكل أسبوعي سواء في الدوريات أو بطولات الاتحاد الأوروبي.

التجنيس والبحث عن المحترفين

يمتلك المغرب جالية كبيرة جدا في كل أرجاء العالم يتنفسون كرة القدم وينضمون إلى الأكاديميات هناك، منهم من يستمر ليصل إلى الاحتراف ومنهم من تتوقف مسيرته، مصر لا تمتلك نفس الجالية في أوروبا، فالمواطن المصري يبحث أكثر عن السفر إلى الخليج وإذا ذهب إلى أوروبا فمستقبل أولاده في التعليم وليس ممارسة كرة القدم.

لذلك لا تجد أسماء مصرية كثيرة تمارس اللعبة، ربما أشهرهم كان ستيفان الشعراوي الذي فضل اللعب للمنتخب الإيطالي وعبد الله ياسين لاعب شباب باريس سان جيرمان والذي عاد لمصر غير قادر على حجز مكان أساسي له في تشكيل المقاولون العرب في منتصف الجدول المحلي في منتصف مسيرته الكروية.

يسابق الاتحاد المغربي الزمن للبحث عن الأسماء التي يمكنها حمل الجنسية المغربية والدفاع عن قميص الفريق وهناك يجد محترفين يلعبون مع الفريق الأول لأنديتهم في دوريات إسبانيا وإنجلترا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا، بينما نكتفي في مصر بأسماء لم يتم استدعائها حتى لحصة تدريبية مع الفريق الأول وربما لن يتم استدعائها أبدا.

كانت مصر تمتلك دوري هو الأقوى عربيا وإفريقيا ولكنها أصبحت تتراجع بسرعة إلى الخلف حتى أصبح الدوري المصري دوري باهت تنتشر فيه نتائج التعادل السلبي والواحد صفر وتتكتل الأندية في الخلف للدفاع وإضاعة الوقت ويتفنن الحكم في قتل اللعب بصافرته بداعي وبدون داعي، وفي حماية مدرج خالي لن يسمع من صافرات الاستهجان على بطء الأداء وكثرة الصافرات.

يتدرب اللاعب المصري في صغره على ألا يخسر بدلا من أن يتعلم فتشاهد مباريات الشباب باهته هي الأخرى، فالحارس والدفاع يبعد الكرة بشكل عشوائي والمهاجم أصبح لا يسجل الأهداف والظهير يمتاز بأشياء أخرى غير قدرته على إرسال العرضيات ولا يوجد صانع ألعاب حتى من وسط 104 مليون مصري هو التعداد السكاني للبلاد.

منظومة كروية دخلت الإنعاش ومستمرة على المستكنات والعلاج الخاطئ ولم تفلح معها الصدمات المتتالية في السنوات الأخيرة في إعادتها إلى الحياة وهنا يجب أن نتوقف قليلا، فإما نقرر رفعها تماما من على الأجهزة وتركها تموت أو نتجه إلى حلول جذرية وجديدة تبدأ بالاعتراف بالفشل وضرورة التغيير الجذري في كل شيء، بداية من العقلية إلى النظام الغذائي والهدف من ممارسة اللعبة نفسها على الجميع، اللاعب والمدرب والحكم والمسؤول.

الحزن يعتصر القلب مع كل بطولة قارية وعالمية لا يظهر فيها اسم المنتخب الوطني، والبؤس يزداد مع الأخبار الواردة عن البطولة المحلية والتغيير يجب أن يتم بقوة وبسرعة وإلا سنشاهد عزوفا تاما للجماهير التي هي شريان الحياة لها عن المتابعة تليفزيونا بعد أن عزفوا عنها في المدرجات.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات