وفاة أعظم مخادعة في تاريخ الرياضة

الإثنين، 12 أغسطس 2019 - 22:57

كتب : زكي السعيد

روزي رويز

5 أغسطس 2019، روبيرت جونسون الصحفي المتخصص في أخبار العدائين وألعاب القوى، يتصفح موقع Dignity Memorial الخاص بنعي الموتى، عينه تقع على اسم روزي إم. فيفاس، ويكتشف أنها توفيت قبل شهر كامل، دون أن يدري أحد!

هي عدّاءة مسافات طويلة اشتهرت لسبب غير الفوز، لكنها ليست جابرييلا أندرسن التي خطفت القلوب بعنق مائل وجسد منهار في ماراثون أوليمبياد 1984.

وُلدت في كوبا وهاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولا علاقة لها بـ توني مونتانا.

هي روزي رويز، والتي حملت عند وفاتها لقب طليقها فيفاس، لربما لم تكن معجبة بالاسم للغاية، بل حاولت عدم اجتذاب الكثير من الأنظار إليها.

لماذا روزي رويز مشهورة؟ بسبب ما حدث قبل 39 عاما من وفاتها، في 21 أبريل 1980.

وُلدت رويز في هافانا عاصمة كوبا عام 1953، وعندما بلغت 8 سنوات، أجبرها والدها على مغادرة البلاد صوب الولايات المتحدة رفقة شقيقها الأكبر.

والدها كان متخوفا من الوضع السياسي المحتدم في كوبا، وقد كان محقا، فبعد عامين من هجرة روزي إلى أمريكا، ستشتعل أزمة الصواريخ الكوبية.

قضت روزي عدة سنوات في ولاية فلوريدا، قبل أن تنتقل إلى نيويورك في مطلع السبعينيات بعد أن فشلت في إتمام دراستها الجامعية.

في نيويورك.. بدأ كل شيء.

21 أكتوبر 1979، ماراثون نيويورك للعدو الطويل، عليك أن تقطع مسافة تزيد عن 43 كيلومترا في أقل من 3 ساعات، حتى تتأهل إلى ماراثون بوسطن بعد عدة أشهر.

وتبلغ أهمية ماراثون بوسطن، أنه أقدم ماراثون سنوي في التاريخ، يقام في ولاية ماساتشوستس باليوم الوطني الذي يوافق ثالث يوم إثنين من شهر أبريل.

بالعودة إلى ماراثون نيويورك، واجهت رويز عقبة أولى، إذ تقدّمت بأوراق المشاركة بعد أن أُغلِق باب قيد المتسابقين، لكنها أقنعت المنظمين باستثنائها عن طريق إخبارهم أنها مصابة بسرطان المخ.

خاطبت إنسانيتهم ونجحت في ذلك عندما سمحوا لها بالمشاركة، هل كانت صادقة؟ لن ندرك حقيقة أي شيء مع روزي رويز أبدا.

لم تكن رويز قد شاركت في أي ماراثون طوال حياتها، لكنها نجحت رغم ذلك في إنهاء السباق في زمن قدره ساعتين و56 دقيقة و29 ثانية، وتأهلت بالتالي للمشاركة في ماراثون بوسطن بشهر أبريل.

معجزة بوسطن

بعد ساعتين و31 دقيقة و56 ثانية من انطلاق ماراثون بوسطن يوم 21 أبريل 1980، فوجئ الحشود عند خط النهاية بعداءة مجهولة تصل قبل الأخريات، وتلوح بيدها وسط مساعدة رجال الشرطة لها على الوقوف مستقيمة.

كانت تلك روزي رويز، فازت في ثاني ماراثون لها على الإطلاق!

ذُهل الإعلاميون والمتابعون والمنظمون، فهي عداءة مجهولة الهوية لا تحمل تاريخا من التنافس، كما أنها قطعت المسافة في زمن قياسي.

في الواقع، مع زمن 2:31:56 الذي حققته رويز، فقد حطمت الرقم القياسي التاريخي لسباقات السيدات في ماراثون بوسطن، كما صارت ثالث أسرع عدّاءة في التاريخ بين كل المسابقات من هذه الفئة.

إكليل على رأسها ذي الشعر القصير، وميدالية حول رقبتها، وجائزة بين يديها، وابتسامة فخر وزهو مع شعور مريب بالإعياء، هكذا كانت حالة رويز عند تكريمها، وهناك شاهدها بيل روجرز الفائز بالماراثون عن فئة الرجال.

وقف روجرز المتوج للعام الثالث على التوالي، والشك يقتله من الداخل، لاحظ كيف أن رويز غير متعرقة بالنظر لقطعها مسافة تفوق 40 كيلومترا ركضا.

كما شاهد أكمام قميصها عند نهاية السباق، وتعجب كيف أنها مستقيمة وليست مرفوعة إلى كتفيها كما يعتاد العدائون أن يفعلوا حتى يخففوا ضغط الملابس عن عضلاتهم في مراحل متقدمة من السباق.

روجرز تحدث إلى رويز أثناء التكريم عن بعض الأشياء التي شاهدها في طريق الماراثون، واكتشف أنها ليست مُلمة بها.

بعد التتويج، تقدمت رويز لإجراء لقاء تلفزيوني، ولسوء حظها، فالمراسلة كانت كاثرين زويتزر، رمز العدو النسائي الطويل.

زويتزر كانت أول عداءة مسجلة رسميا في ماراثون بوسطن بالتاريخ، وتمتلك سمعة كبيرة قبل أن تعتزل وتمسك المايكروفون.

وقفت زويتزر أمام رويز في مواجهة الكاميرا، ورويز بدت وكأنها تحاول السعال عمدا بشكل غريب.

زويتزر سألت رويز عن عدد السباقات التي خاضتها في السابق، وصُعقَت عندما جاءت الإجابة "هذا ثاني سباقاتي بعد نيويورك".

زويتزر: وما المدة التي قطعتي فيها المسافة بماراثون نيويورك؟

رويز: قطعته في 2:56:29.

زويتزر: 2:56:29؟ والآن حققتي 2:31:56؟ إذا كيف حسّنتي رقمك؟

رويز: لا أدري.

زويتزر: هل تقومين بتدريبات خاصة مثل تدريبات الفواصل؟

رويز: أحدهم سألني عن تدريبات الفواصل، لا أعرف ما هي.

زويتزر: إنها أسلوب مصمم لزيادة سرعتك، هل تتلقين مساعدة أو نصيحة من مدرب؟

رويز: لا، أعمل وحدي.

تعجّب بقية المتسابقين، شاهدوا هيئتها، تساءلوا كيف لفخذين مماثلين خاليين من العضلات أن يساعداها على الركض أكثر من 40 كيلومترا في ساعتين ونصف تقريبا!

لم يشاهدها أحد طوال السباق، لا يتذكرها أحد، لم تظهر في أي صورة، لم يلتقطها أي فيديو.

الكندية جاكلين جارو صاحبة المركز الثاني تعجّبت، فقد أخبروها في مرحلة من السباق أنها المتصدرة، وليس منطقيا أن رويز تخطتها دون أن تراها.

من هي رويز؟ ومن أين لها بتلك القوة الخارقة حتى تحقق رقما مماثلا في سباقها الثاني؟ ولماذا لم يرها أحد إلا في الجزء الأخير من السباق؟

………

جون فولكنر، وسولا ماهوني، طالبان من جامعة هارفارد، سيكتبان نهاية رويز مع الركض.

خرجا بعد فوز رويز بالسباق، وقالا إنهما شاهداها تنضم إلى السباق من بين الحشود في شارع كومونويلث، أي قبل أقل من ميل على نهاية السباق!

لتظهَر شاهدة أخرى: سوزان موران، مصورة حرة قابلت رويز قبل عدة أشهر في نيويورك.. أثناء الماراثون!

موران صرحت أنها قابلت رويز في مترو الأنفاق أثناء ماراثون نيويورك، لترافقها إلى الخط النهائي للسباق، هناك قالت رويز إنها تعرضت لإصابة أثناء الركض، وتم تحويلها إلى نقطة العلاج الأخيرة.

في نقطة العلاج، اتضح أن رويز خدعت أحد المتطوعين، وأخبرته أنها أنهت السباق بالفعل، ليعتمد سباقها بشكل قانوني، مما أهّلها إلى ماراثون بوسطن.

في نهاية الأمر، حُل اللغز، وعرفنا كيف أنهت رويز ماراثون نيويورك من الأساس.. لقد قطعت مسافة الماراثون مستخدمة مترو الأنفاق، وليس ركضا!

اللجنة المنظمة لماراثون نيويورك تحركت على الفور، واستبعدتها من السباق بأثر رجعي في 25 أبريل 1980.

لجنة ماراثون بوسطن بدورها احتاجت إلى 8 أيام بعد نهاية السباق حتى تستبعد رويز، وتجرّدها من لقبها، وتهدي المركز الأول إلى الكندية جارو.

بعد عام عادت رويز للظهور في وسائل الإعلام، وصرحت: "أشعر بنفس قوة العام الماضي، أفهم كيف يفكر الناس، إنهم يبحثون عن حل، لو كنت مكانهم لفعلت الأمر نفسه".

منظمو ماراثون بوسطن حاولوا إحراجها، فعرضوا عليها التنافس في نسخة 1981، لكنها تهربت مبررة ذلك بإصابة في الفخذ.

في السنوات التالية، تلقت العديد من العروض لتتنافس في سباقات الماراثون، بل عُرض عليها آلاف الدولارات حتى تتنافس وتظهر قدرتها على إكمال الماراثون، وبالطبع رفضتها جميعا.

في 19 أبريل 1982، قبل 30 دقيقة من انطلاق ماراثون بوسطن، صنعت رويز الحدث مجددا، لكن بعيدا جدا عن الركض.

رويز تعرضت للاعتقال بواسطة الشرطة في ذلك اليوم، بتهمة اختلاس 60 ألف دولار من شركة عقارية تعمل فيها، لتقضي أسبوعا في السجن، ويُحكَم عليها بخمس سنوات خدمة.

في العام التالي، وبعد عودتها إلى فلوريدا، حاولت بيع الكوكايين لشخصين في أحد فنادق ميامي، ليتضح أنهما مخبرين تابعين للشرطة، ويتم القبض عليها وتُسجَن مجددا مع الحكم عليها بخدمة 3 سنوات.

بعد سنوات، تحديدا في 1996، تحدّث أحد الأشخاص الذين ساندوها وقت محنة 80: ستيف ماريك.

ماريك الذي كان مقربا لها وظهر معها بصفته مستشارها في المؤتمرات الصحفية، صرح أنها اعترفت له بعد عدة أشهر من الماراثون بتزييف فوزها.

"المشكلة أنها دخلت السباق مبكرا جدا، وعندما وصلت إلى خط النهاية، فوجئت بفوزها، لم تكن تحاول الفوز من الأساس، بل حاولت فقط معادلة رقمها في ماراثون نيويورك، وعندما أدركت أنها فازت، قررت مجاراة الأمر".

يظل هذا التصريح العابر من ماريك لصحيفة "بوسطن جلوب" هو الاعتراف العلني الوحيد لأي من المحيطين بـ رويز.

فبعد عامين، واصلت رويز الدفاع عن روايتها، ورفضت الاعتراف بغير استحقاقها الفوز.

رويز قالت إنها لا تزال محتفظة بميداليتها، وإنها تنوي المنافسة في ماراثون 2000.

"صحيح لن أكون قادرة على الفوز هذه المرة، لكني سأنهي الماراثون".. هكذا صرحت بثقة، وأضافت أنها جمعت العديد من الصور والأدلة التي تثبت مشاركتها في ماراثون 1980 بأكمله، بالطبع لم يظهر من تلك الأدلة أي شيء.

رئيس اللجنة المنظمة لـ ماراثون بوسطن رد على وعدها بالمشاركة مجددا قائلا: "لن يكون مُرحبا بها".

في السنوات التالية، ابتعدت رويز تدريجيا عن الأنظار، ودخلت في طي النسيان باسم طليقها الكولومبي.

في 8 يوليو 2019 بولاية فلوريدا، ماتت روزي رويز متأثرة بمرض السرطان.. دون أن تعترف أبدا أنها غشت في ذلك اليوم الحار في بوسطن.

"تجريدي من هذا اللقب هو ثاني أسوأ شيء حدث في حياتي، بعد إجبار والدي لي على مغادرة كوبا في عمر الثامنة".

_روزي رويز

مصادر:

http://bit.ly/2yTqfA5

http://bit.ly/2Mlz4LZ

https://nyti.ms/300uPbQ

http://bit.ly/308LN7C

http://bit.ly/2YYfCe1

اقرأ أيضا:

إيميليانو دياز لـ في الجول: رامون اعتذر عن عدم تدريب الزمالك.. ووكيله يوضح "مفاجأة" ضمن الأسباب

أليكساندر أرنولد.. ليفربول ليفربول ليفربول

تقرير – مزايا وعيوب 3-5-2 في ريال مدريد.. مشكلة الدفاع وحرية لهازارد

هل ينجو الأهلي من لدغات إسلام محارب؟

من يكون المدرب الجديد؟.. مؤتمر صحفي لرئيس الزمالك يوم الأربعاء

التعليقات