حوار في الجول - يسرى مارديني ومراوغة قطرات المياه الباردة

الأربعاء، 08 مايو 2019 - 19:32

كتب : زكي السعيد

يسري مارديني

"يُسرى، نكن لكِ أقصى درجات الفخر؛ لشجاعتك وتكيُفك، وللمثل العظيم الذي ضربتيه للأطفال في كل مكان".

-باراك أوباما

سبتمبر 2016

قمة القادة لبحث أزمة اللاجئين في مقر الأمم المتحدة بـ نيويورك

فتاة في الثامنة عشرة من عمرها تعتلي المنصة لتواجه قادة العالم، تقرأ من ورقة ذات وجهين، وتبث الأمل في الحاضرين.

أغسطس 2016

5 عدائين وعدّاءات من جنوب السودان، عدّاء إثيوبي، لاعب ولاعبة جودو من الكونغو الديموقراطية، سبّاح وسبّاحة من سوريا.. 10 رياضيين ينالون تحية صاخبة من الحضور في ملعب ماراكانا بافتتاح دورة الألعاب الأوليمبية على أرض ريو دي جانيرو.

كان ذلك أول فريق للاجئين ينافس في الأوليمبياد على الإطلاق..

أغسطس 2015

مركب مكتظ بالشجعان يقطع طريقه من تركيا إلى اليونان في بحر إيجة، يواجه عطلا في المحرّك، ويهدد حياة راكبيه الحالمين بالفناء.

.............................................

تلك الأحداث الثلاثة المتباعدة في مناطق مختلفة من العالم، يجمعها رابط واحد: يسرى مارديني.

السبّاحة السورية الأوليمبية، خطفت الإعجاب قبل 4 سنوات، برحلة درامية هربّا من الحرب في وطنها، ونحو مستقبل أكثر سلامًا وهدوءًا.

حادثة بحر إيجة في 2015 التي كانت يسرى بطلة لها رفقة شقيقتها الكبرى: سارة، أذهلت العالم، وأثارت جنون أهم وسائل الإعلام الغربية التي غطت قصتها المؤثرة على نطاق واسع.

في المقابل، لم تحظ الفتاة السورية بقدر مماثل من الاهتمام في الشرق الأوسط والوطن العربي حيث يرجع انتمائها الأول، وهذا دفع FilGoal.com إلى التواصل مع أصغر سفيرة نوايا حسنة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على الإطلاق.

FilGoal.com سيصحبكم إلى رحلة غوص مرعبة في بعض فصولها، ومُبهجة في البعض الآخر، رحلة غوص مع عشرات الآلاف من هؤلاء الذين سُلبوا حق الحياة الآمنة، وخيّروا البحث عن مهرب أخير في البحر المفتوح.

تفتتح يسرى مارديني حديثها لـ FilGoal.com -دون أن تحتاج إلى استخدام لغة غير لغتها الأم-: "هذه ثاني أو ثالث مقابلة عربية لي فقط".

في الرابعة من عمرها، دُفعَت يسرى إلى المياه بواسطة والدها عزت مارديني مدرّب السباحة الذي أصر على تعلُم ابنتيه لهذه الرياضة.

تسترجع يسرى هذه الذكريات البعيدة من الطفولة: "كان عمري 4 سنوات، اعتدت دائما التهرُب من التدريب، عانيت بسبب برودة المياه".

وتضيف مازحة: "أحيانا كنت أعمل نفسي بردانة".

بعد سنوات من هذا التهرُب، ستواجه يسرى مارديني درجة مختلفة من الصعوبة مع برودة المياه، لكنها وخلافًا لنسختها الصغيرة، ستقتحمها بكثير من الشجاعة.

سرعان ما تحوّل تدريب السباحة البارد الشاق، إلى عادة يومية:

"في الثامنة أو التاسعة من عمري، صرت أتدرب يوميًا، وفي الثانية عشر لعبت أول بطولة على المستوى العربي في لبنان، وشاركت بعدها في بطولة العرب في دبي".

ظلام

في 2011، تخلى الهدوء عن ضاحية داريا الدمشقية التي تقطنها يسرى، قامت الحرب الأهلية السورية، وبرودة الماء لم تعد أكبر الهموم.

اختبرت يسرى وعائلتها سنوات من الرعب المتزايد، فترة واجهت فيها صعوبات جمة في التدرب بانتظام وأمان، فحياتها كانت مهددة على الدوام.

معركة داريا الكبرى اندلعت بين القوات المسلحة السورية والجيش السوري الحر في نهاية 2012، وأسفرت عن تدمير المدينة بشكل كبير.

تسترجع يسرى: "لازمنا المنزل أغلب الوقت، ووالدي اعتاد اصطحابنا بالسيارة إلى التدريب والمدرسة".

"لاحقا اضطررنا إلى هجر منزلنا، وقد دُمِر بالفعل بعد ذلك".

والاستقرار لم يعرف طريقه أبدا إلى قلب هذه الأسرة:

"استأجرنا أكثر من 5 بيوت مختلفة في ظرف 3 سنوات".

قبل أن يزداد الأمر صعوبة:

"حصل والدي على عقد تدريب في الأردن، كنا 3 فتيات مع أمي وحدنا، وكان الوضع خطيرا".

اختاروا الحياة

إما أن تعيش متجنبا القذائف متلافيا القنابل ومحتميًا خلف الموانع، أو أن تختار الحياة.. يسرى وسارة اختارتا الحياة.

في 2015، كانت عائلة مارديني على موعد مع القرار الذي غيّر حياتها، الفتاتان سارة ويسرى ستشقان طريقهما نحو ألمانيا قاطعتين الأراضي والمياه، بغية حياة كريمة، وأملًا في لم شمل لاحق مع أسرتهما.

تعد ألمانيا رابع أكثر دول العالم استقبالا للاجئين السوريين، بعد تركيا ولبنان والأردن، متقدمة على الإمارات والعراق ومصر والسويد.

"أدوية، 3 كنزات، بنطالين، هاتف جوال، مصاري".. تُعدِد يسرى ما احتوته حقيبتها عندما غادرت سوريا.

في السابعة عشر من عمرها، رفقة شقيقتها التي تكبرها بـ3 سنوات، وصديق والدها، طارت يسرى إلى لبنان أولا، ثم تركيا، قبل أن يحل الاختبار العصيب.

المحطة التالية يجب أن تكون اليونان، جزيرة لسبوس تحديدا، طريق مائي يقطعه المهاجرون خلسة في الظلام عبر بحر إيجة للوصول إلى تلك البقعة الجنوبية من قارة أوروبا.

"كانت الساعة السابعة والنصف مساء تقريبًا، مدة الرحلة من المفترض أن تكون 45 دقيقة، لكننا سنقطعها في أكثر من ثلاثة ساعات".

يوفِر المهرِبون مجموعة من الزوارق الصغيرة، أو ما يُعرَف أيضا بـ "البلم"، يعتمد في حركته بشكل أساسي على محرِك في مؤخرته، ويستوعب 6 أشخاص في ظروف طبيعية.

على "البلم" الذي ركبته يسرى وشقيقتها للهرب من تركيا نحو اليونان، تواجد أكثر من 20 شخصا!

"بعد 15 دقيقة من التحرك، تعطل البلم، ولاحظنا أن المياه عم تفوت على القارب".

تبرر يسرى: "المهربون كانوا من العراق وأفغانستان، ويحدث أن يدب خلاف بينهم، فيمسك أحدهم السكين ويخرّب البلم الخاص بالآخر".

أكثر من 20 فردا في المياه المفتوحة يدركون حقيقة أن وسيلة نجاتهم قد خُرِبَت عمدًا، وأنهم يواجهون مصيرًا مجهولًا في هذه اللحظة.

"أختي قالت لي قبل أن نتحرك: لو حدث أي شيء، اسبحي بمفردك حتى الساحل".

تسترجع يسرى نصائح شقيقتها الكبرى، نصائح ستلتهمها الأسماك بمجرد أن يتعطل الزورق، لأنهما ستقرران البقاء حتى النهاية.

"رفيق أبي طالبنا بالتخلُص جميعا من حقائبنا، وقام بتنظيم كل شيء، وعندها أدركنا ضرورة أن يقفز أحد إلى الماء للحفاظ على اتزان البلم".

في البداية، قفز شابين رفقة سارة، وهنا لم تفهم يسرى كيف لها أن تكون سباحة متمرسة وأن تقبل بالبقاء في الأعلى.

وبمجرد أن تبعتهم يسرى إلى الماء، صرخت شقيقتها الكبرى في هلع مطالبة إياها بالعودة إلى الزورق.. هذا الأمر لم يُنفَذ بالطبع.

وبينما استرجعت يسرى هذه الدقائق التي غيّرت حياتها في حديثها لـFilGoal.com، قاطعناها لنفهم بشكل أدق آلية ما قامت به لإنقاذ الزورق.

لترد يسرى: "هناك تخيُل خاطئ صوّره الإعلام، هو أنني استعملت الحبل في جذب القارب بعد عقده حول وسطي، هذا مستحيل، وزني لا يسمح لي بذلك من الأساس".

وتضيف: "ما فعلناه أننا حافظنا على اتزان القارب وقمنا بتوجيهه، كانت الرياح شديدة جدا، وكان القارب يتقدم 5 أمتار ويعود 5 أمتار إلى الوراء".

"بسبب المد والجزر لم يكن البحر هادئا".

"كل الموجودين على القارب صاروا يصلوا، كان في ولد صغير عمره 6 سنوات".

هذا الطفل الصغير الذي تطرقت إليه يسرى بشكل عابر يُدعى مصطفى، ذكرته مرارا في العديد من لقاءاتها السابقة، واعترفت أنه كان دافعها الأكبر لإنقاذ من على الزورق.

يسرى كوّنت علاقة قوية مع الطفل مصطفى خلال أيام عصيبة قضوها في الغابات قبل التحرك إلى البحر، ومن ثم حملت على عاتقها مسؤولية إنقاذ حياته.

وفقا للأمم المتحدة، فأكثر من نصف اللاجئين حول العالم لم تتجاوز أعمارهم 18 عاما.

بالعودة أكثر إلى رحلة الإنقاذ البطولية، تكشف يسرى مارديني أن المسافة التي قطعوها في المياه بلغت 10 كليومترات تقريبا.

فما هي المسافة التي اعتادت سارة ويسرى سباحتها في ظروف طبيعية؟

تجيب الشقيقة الصغرى: "كنا بنقدر نعوم 12 كيلو أنا وأختي، وبنعوم في المياه المفتوحة وممكن نوصل لـ15 كيلو".

وتضيف: "كنا ممكن نعوم المسافة لحالنا، بس ضلينا عشان العالم اللي معانا".

"أختي كانت قالت لي اسبحي وما تسألي، وهي أول واحدة نزلت على المياه وصارت تساعدهم".

"في آخر نص ساعة طلعت وما قدرت أكمّل".

بفضل شجاعة سليلتي عائلة مارديني وشابين آخرين، وصل البلم بصعوبة بالغة إلى ساحل لسبوس، هناك حيث قام ركابه بتدميره نهائيًا.

"كان بدي مياه".. تجيب يسرى دون تردد عن سؤال يخص أول ما فكرت فيه عند وصولها حية للشاطئ.

"عيوني كانوا عم يحرقوني، ورقبتي أنا وسارة كانت زرقا".

كانت يسرى حافية القدمين عند وصولها لجزيرة لسبوس، تتضور جوعا وتطمع في رشفة ماء، لكنها لن تجد أذرعا مفتوحة.

"توجهنا لأحد المطاعم على الجزيرة، ولم يقبلوا أن نشتري منهم المياه!".

هؤلاء المغامرون لم يطلبوا المياه تصدُقًا، بل عرضوا مقابل لها، ولكن كراهية الرفض أوصدت الأبواب في وجوههم.

ولأن الكراهية ليست فطرة إنسانية، تستدرك يسرى مُبرزة الوجه الآخر:

"فتاة صغيرة قابلتنا وأعطتني حذاء، وأعطتنا مياه".

لكان رومانسيًا أن يُغلَق الستار عندما وطأت قدما يسرى اليابسة بعد أن أُنهِك ذراعها في الحفاظ على زورق يحمل أرواحًا عدة.. لكن هذا لم يكن الوضع.

على اليابسة ستختبر يسرى فصولا إضافية من الجحيم، وستقطع مسافات شاسعة في قلب القارة الأوروبية.

صربيا، والمجر، والنمسا، محطات توجب على يسرى وسارة اجتيازها بعد ذلك في الطريق نحو ألمانيا.

"حاولنا نزيّف ونعمل حالنا أوروبيين لكن لقطونا وحبسونا".. تتذكر يسرى ضاحكة فشلها في ركوب القطار وإجبارها على قطع أغلب المسافة سيرًا على الأقدام.

في المجر اختبرت يسرى وضعا عصيبا داخل إحدى محطات القطار: "البوليس حبسنا وصار يضرب في العالم، قبل ما يظهر سواق تاكسي ويساعدنا".

هذا السائق المجري، رفقة الفتاة اليونانية، يتصدرون قائمة من الأبطال العابرين الذين أزاحوا بعضًا من أشواك الرحلة لـ يسرى.

بين دمشق السورية وبرلين الألمانية، تبلغ المسافة أكثر من 3 آلاف و700 كيلومتر، يسرى قطعتها في 25 يوما عبر الجو والبحر والبر، أي في حوالي 600 ساعة!

"30 شخصا تقريبا رافقوني في هذه الرحلة الشاقة، بنسمع أخبار بعض من حين لآخر".. تسترجع يسرى كيف كوّنت علاقة أبدية مع هؤلاء الذين اختاروا الحياة على شاكلتها.

ألمانيا

في ألمانيا، أقامت يسرى خلال الأشهر الأولى في معسكر للاجئين وسط الآلاف من مواطنيها.

بعد 4 أشهر من رحلتها الشاقة للغاية، أقدمت بقية الأسرة على اللجوء نحو ألمانيا، ولم يواجهوا مشقة مماثلة لتلك التي اختبرتها يسرى وسارة لحسن الحظ.

استقبلت ألمانيا أكثر من 700 ألف لاجئ سوري منذ اندلاع الحرب الأهلية.

"وضعونا وسط 12 ألف لاجئ في مبنى فاضي وصاروا يجيبولنا أكل ومياه ومحارم، بعدها صاروا يفرقوا اللاجئين على المقاطعات، وكانوا يصرفون معاش، وكان في تبرعات".

"بعد 6 أشهر تقريبا حصلنا على الإقامة".

تقيم يسرى رفقة عائلتها حاليًا في العاصمة برلين، لكن التنافسية عرفت طريقها مجددا إلى حياتها في أحد الأيام.

تروي يسرى تفاصيل عودتها لممارسة السباحة بمساهمة مصرية: "قابلنا مترجما مصريا، قام رفقة زوجته بمساعدتنا حتى نتقدم لاختبار في أحد الأندية، وبعدها عدنا للتدريبات".

كانت يسرى على موعد مع مقابلة سفين سبانكريبس، مدرب السباحة الذي سيعمل في الأشهر التالية على إعادتها لحالتها البدنية المثالية، وسيكون داعمًا كبيرًا لها في تأقلمها مع مجتمعها الجديد.

نصح سبانكريبس متدربته يسرى بمراسلة اللجنة الأوليمبية الدولية طلبًا للمساعدة، واللجنة لبت النداء، فوفّرت منحة دراسية للفتاة السورية التي تدربت بجدية كبيرة، قبل أن تشهد حياتها محورا جديدا.

توماس باخ رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية كان قد أعلن في نهاية 2015، عن تكوين أول فريق للاجئين حتى ينافس في دورة الألعاب الأوليمبية 2016 على أرض ريو دي جانيرو.

قبل أن يُعلَن لاحقا عن الأسماء العشرة التي ستنال هذا الشرف:

- جيمس تشينججيك (عدّاء من جنوب السودان مقيم في كينيا)

- يتش بييل (عدّاء من جنوب السودان مقيم في كينيا)

- باولو لوكورو (عدّاء من جنوب السودان مقيم في كينيا)

- يوناس كيندي (عدّاء من إثيوبيا مقيم في لوكسمبورج)

- بوبولي ميسينجا (لاعب جودو من الكونغو الديموقراطية مقيم في البرازيل)

- رامي أنيس (سبّاح سوري مقيم في بلجيكا)

- روز لوكونين (عدّاءة من جنوب السودان مقيمة في كينيا)

- أنجلينا لوهاليس (عدّاءة من جنوب السودان مقيمة في كينيا)

- يولاندي مابيكا (لاعبة جودة من الكونغو الديموقراطية مقيمة في البرازيل)

- يسرى مارديني.. تعرِفون قصتها.

بنهاية 2017، كانت تركيا أكثر الدول استقبالا للاجئين على مستوى العالم بواقع 3,5 ملايين لاجئ.

"كنت رافضة، لم أرغب في المشاركة بصفتي لاجئة فقط".. تعقّب يسرى على مشاركتها الأوليمبية ضمن فريق اللاجئين.

وتسترسل: "أبي وأمي أقنعاني؛ أخبراني أنني أشارك كرياضية، وهكذا سينظر إلي العالم".

بعد مناقشات ومداولات، نجحت الأسرة رفقة المدرب في إقناع يسرى بالظهور الأوليمبي الذي حلمت به كثيرا.

يسرى التي أعجبت لسنوات بـ مايكل فيلبس الرياضي الأعظم في التاريخ، ستحظى إذًا بفرصة المنافسة في ظهوره الأوليمبي الأخير.

في الخامس من أغسطس 2016، بعد حوالي عام من ليلة مظلمة في بحر إيجة، دخلت يسرى مارديني ملعب ماراكانا خلال افتتاح الأوليمبياد، وعلى وجهها ابتسامة عريضة. (شاهد من هنا)

فريق اللاجئين الأول على الإطلاق سار خلف العلم الأوليمبي، وأرسل شعاع أمل لكل من فقدوا أوطانهم حول العالم.

يسرى في الثامنة عشر من عمرها، شاركت في سباق 100 متر سباحة حرة، وحققت زمنا قدره دقيقة واحدة و4 ثوانٍ و66 جزءا من الثانية، لتحل في المركز 45 من أصل 48 مشارِكة.

وبعد 4 أيام، شاركت في سباق 100 متر فراشة، وقطعته في زمنٍ قدره دقيقة واحدة و9 ثوان و21 جزءا من الثانية، لتحل في المركز 41 من أصل 45 مشارِكة.

لم تحقق يسرى أفضل أرقامها الشخصية في هذه المنافسات، وتبرر ذلك: "انقطعت عن السباحة لعام كامل، وقضيت أشهر من النوم على الأرض، جسدي لم يكن جاهزا".

سفيرة

بعد أسابيع، وقفت يسرى في مقر الأمم المتحدة بـ نيويورك في سبتمبر 2016، وتلت خطابها في حضور مجموعة من قادة العالم، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي حينها: باراك أوباما.

وفي أبريل 2017، تلقت يسرى نبأ مفاجئا جديدا، إذ تم تعيينها كسفيرة للنوايا الحسنة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

كانت في التاسعة عشر، مما جعلها أصغر من يتقلَد هذا التشريف على الإطلاق.

يسرى سافرت إلى صقلية لاحقا واستمعت إلى قصص معاناة لاجئات إفريقيات خضن تجارب مماثلة لها في الهرب من ليبيا عبر البحر الأبيض المتوسط.

53% من لاجئي العالم ينتمون لـ3 دول فقط: سوريا، أفغانستان، الصومال.

كما زارت اليابان والتقت بوزير الخارجية وبحاكم العاصمة طوكيو، مع أمل بالعودة إليها في 2020 للمشاركة مجددا بدورة الألعاب الأوليمبية.

في يوليو 2017، بعد أقل من عامين على احتجازها داخل محطة قطار، عادت مارديني إلى المجر مجددا لتخوض منافسات بطولة العالم للسباحة هذه المرة.

السفيرة السورية حسّنت أرقامها، وحققت زمنا قدره دقيقة واحدة و7 ثوان و99 جزءا من الثانية في منافسات 100 متر فراشة.

بالعودة إلى تأقلم يسرى مع المجتمع الألماني، فيجدر الإشارة إلى أنه لم يكن سريعا للغاية.

تعترف يسرى: "لم أكن مقتنعة بتعلُم الألمانية في البداية، لم أحب اللغة ولم أرغب في تعلمها، كنت أتحدث الإنجليزية جيدا والجميع يفهمني".

ولكن بعد 4 سنوات من الحياة في ألمانيا: "هلّا بقدر أحكي ألماني".

وتكشف يسرى عن مخططها باستئناف دراستها: "قررت أستنى شوي وأتعلم ألماني منيح، وبعد طوكيو ببلش دراسة".

وعن التخصص الذي تفضل اقتحامه، تكشف: "أنا بحب أكتب كتير، ممكن صحافة".

اختيار دراسي لو تحقق فلن يكون من فراغ، إذ تمتلك يسرى مارديني تجربة بارزة مع الكتابة بالفعل.

السبّاحة السورية نشرت مذكراتها بعنوان:

"Butterfly: From Refugee to Olympian - My Story of Rescue, Hope, and Triumph"

الكتاب متوفر باللغة الإنجليزية في لبنان، وقد تم الاتفاق مع ناشر في سوريا لإصداره باللغة العربية، بحسب ما كشفت يسرى.

وبالطبع لم تفوّت الأعين السينمائية هذه الرحلة الملحمية، فتقرر أن تجسَد في فيلم من إخراج الإنجليزي ستيفن دالدري، الحاصل على 3 تشريحات سابقة للفوز بالأوسكار، والذي يشتهر بفيلم The Reader من بطولة كيت وينسلت.

تخبرنا يسرى أن التصوير سيتم هذا العام، في انتظار أن يخرج العمل للنور بالعام المقبل.

وعندما استفسرنا عن هوية الممثلة التي ستجسد شخصية يسرى مارديني، أجابت: "لن تكون مشهورة، سيتم عمل اختبارات لاختيارها".

ولكن لو توجب عليها أن تختار ممثلة معروفة للعب دورها، فستكون "إيما واتسون" هي المنشودة.

التقدُم لاختبارات لعب دور يسرى وسارة مارديني قد أُعلن عنه بالفعل، لمزيد من المعلومات يمكنك مراجعة الرابط من هنا.

عام 2018 وحده شهد وصول أكثر من 107 ألف لاجئ إلى قارة أوروبا عبر البحار.

تقول يسرى عن تجربتها مع المجتمع الألماني: "العالم بتساعدك طول الوقت وبلا مقابل، ولما حدا يعمل شي غلط بيقولوه إياه ضغري".

وتستدرك: "لكن ما عندهم جو عيلة، وفي كتير عالم، بيخافوا يجربوا الشي الجديد".

وتضيف: "والبلد كتير برد".. أزمة البرودة تلاحقها أينما حلت : )

في أقل من 4 سنوات، تحوّلت يسرى مارديني من لاجئة مجهولة المصير، إلى صوت مسموع وقدوة يتطلع إليها الأطفال.

وقفة

هؤلاء الذين شاهدوها في أبهى حُلة تتسلم التكريمات وتنال الإشادات من كل حدب وصوب، ما رأوها مُبللة لاهثة الأنفاس في أمسية كادت فيها المياه المالحة أن تعصف بأحلامها.

البقاء في سوريا والنوم على أصوات المدافع كان خيارا واردا، كان الخيار الأسهل على الرغم من قسوته، لأن البقاء يكون أحيانا ملجأ للجبناء.

تفتح يسرى قلبها وتتحدث بكلمات صادقة، هي خير ختام لهذه الرحلة المائية المشرقة.

"في كتير عالم بتحب تحسسني إني لاجئة أو إني ما أستاهل أو إني ما لازم أكون ناجحة لأني عربية أو سورية، بيفكروني ماني متعلمة أو إني بشلت سباحة في ألمانيا".

"أنا كنت ناجحة في بلدي، كنت ثاني أحسن سباحة في سوريا، ومثلت بلدي كتير".

"بيحسسوني إن كل شي إجاني صدفة أو إني محظوظة".

"صحيح، أنا محظوظة، لكن أنا كنت ناجحة في سوريا، كنت أتعلم وكنت أسبح وكنت بطلة عرب".

"ما يصير تحكم علي قبل ما تعرفني، أنا كنت رح أموت حتى أوصل ألمانيا، أنا كان عندي حياة عزيزة بدون حرب".

الحرب الأهلية السورية خلّفت أكثر من 6,3 ملايين لاجئ، وهي أعظم أزمة لاجئين في العالم.

يسرى وسارة مارديني

طالع أيضا

شركتان أجنبيتان تنتجان مباريات كأس إفريقيا

حكايات رمضان.. نور الدين أمرابط

تقرير: زيدان يريد استعادة حكيمي

بالفيديو - سؤال ساخر من صلاح لميلنر

كلوب: رأيت الكرة في الشباك ولم أعلم من سجل الهدف الرابع

الزمالك: نصرف مكافآت الكونفدرالية قبل خوض ذهاب النهائي

التعليقات