عودة بالذاكرة للقصص الخلفية لرجوع برشلونة الأعظم في تاريخ كرة القدم

الجمعة، 08 مارس 2019 - 11:50

كتب : أحمد العريان

ليونيل ميسي مع جمهور برشلونة

بعد هدف إديسون كافاني في ملعب كامب نو ظن بعض جماهير برشلونة أن المهمة انتهت. فشلنا. غادروا المدرجات قبل نهاية اللقاء، ففاتتهم أهم لحظات حياتهم.

لويس إنريكي المدير الفني السابق لبرشلونة وجه لهؤلاء رسالة عقب اللقاء: "ستظلون طيلة حياتك نندمون على عدم حضور تلك اللحظات".

عن القصص الخلفية في أعظم عودة شهدتها ملاعب كرة القدم عبر التاريخ.. يقدم FilGoal.com حكاية الـ ريمونتادا في ذكراها الثانية.

إنه الموسم الأخير لي مع برشلونة".. قالها لويس إنريكي عقب اكتساح سبورتنج خيخون بسداسية يوم 1 مارس بصوت من كان مشتاقا لالتقاط الأنفاس بعد السقوط برباعية أمام سان جيرمان في باريس.

أعاد قرار إنريكي الهدوء لكامب نو. فبعدما كانت المدرجات تهدر الكثير من جهدها في إطلاق صافرات الاستهجان ضد المدير الفني للفريق، هدأ الجميع فتحسنت النتائج، وبدأ الاستعداد للعودة المستحيلة.

"سجلوا علينا 4 أهداف، فلماذا لا نستطيع تسجيل 6 أهداف بمرماهم في 95 دقيقة من العمل الشاق". لويس إنريكي بصوت هادئ وهو لا يملك ما قد يخسره في المؤتمر الصحفي قبل مباراة الإياب أمام سان جيرمان.

وأضاف "متأكد أننا سنكون على مقربة من التأهل في وقت ما من المباراة. لكن الأهم أن يكون الحظ معنا في تلك اللحظات".

لا تظن أن لويس إنريكي عرافا. فمن يملك ميسي، ونيمار وسواريز مع رغبة في الانتقام بفريقه يعلم جيدا أنه سيسجل العديد من الأهداف، وما يتبقى فقط هو تأمين ظهورهم من الأهداف.

"دائما تبدو مستحيلة، حتى تتحقق".. نيلسون مانديلا زعيم جنوب إفريقيا التاريخي.

جمهور برشلونة آمن بمقولة مانديلا، فوقف وحده أمام رأي العالم كله. نعم نستطيع العودة، ببساطة لأننا الأقوى في العالم.

برشلونة حقق العودة الأعظم في تاريخ كرة القدم وحول تأخره برباعية ذهابا إلى فوز بستة أهداف إيابا، والمعجزة أن الأهداف الثلاثة الأخيرة بدأت بالدقيقة الـ 88.

هل تظنون أن العودة رسمت فقط على أرض الملعب؟ مخطئ من يظن ذلك، فالسيناريو بدأ مع صافرة حكم الذهاب، بل وقبل ذلك أيضا.

تحديدا حين أهدر صامويل أومتيتي فرصة الهدف الأول في مباراة الذهاب وكانت النتيجة تشير لتأخرهم برباعية.. هدف كان قد يقضي على إثارة الدقائق الأخيرة في مباراة الإياب، لكن القدر أراد أن يمتع العالم بلحظات تاريخية.

نعود قليلا لقبل المباراة، فالجمهور هنا حفز الإعلام وليس العكس كما جرت العادة.

في فوز برشلونة الخماسي على سيلتا فيجو في الدوري، كانت الجماهير منشغلة بما هو أهم.. الشحن لمباراة باريس سان جيرمان.

رفعت اللافتات، وعرف العرب مصطلح إسباني جديد تعلمه لنا كرة القدم، ألا وهو "الريمونتادا" أو العودة في النتيجة.

الصحف تعلمت الإصرار من قراءها، وكانت صحف كتالونيا كلها بعناوين تحفيزية.

موندو ديبورتيفو وضعت صورة لميسي أثناء احتفاله بهدفه في سيلتا وكتبت: "ألو باريس، كونوا حذرين".

أما سبورت فكتبت: "نؤمن بالمعجزة.. فمع ميسي كل شئ جائز".

بدأت المباراة والبداية كانت الأروع على الإطلاق.. لويس سواريز احتاج لدقيقتين فقط كي يسجل الأول.

"لو كانت مباراة الذهاب لكافاني، فلابد أن يكون الإياب لي" كان ذلك هو لسان حال سواريز مع نفسه في لحظات التحية بين ثنائي هجوم أوروجواي بعد مباراة الذهاب.

وعقب العودة التاريخية استمرت الروح بينهما، لكن الحال انقلب لأن سواريز هو من فرح أخيرا.

بعد هدف كافاني في "كامب نو" ظن البعض أن المهمة انتهت. بعض الجماهير غادروا الملعب، ففاتتهم أهم لحظات حياتهم.

لويس إنريكي وجه لهم رسالة عقب اللقاء: "أعتقد أنهم سيظلوا طيلة حياتهم يندمون على عدم حضورهم تلك اللحظات".

في الدقيقة الـ 88 كان الجميع متيقنا بأن المباراة انتهت، إلا رجل برازيلي واحد عهده الناس بأنه لا يملك من شعور المسؤولية القدر الكبير.

لن أقول إنه تغير في تلك المباراة، فهدوءه هذا هو ما منحه القدرة على تنفيذ الكرة الثابتة بتلك الطريقة.

ومن يمتلك الجرأة لأخذ مسؤولية تسديد ركلة جزاء من ميسي بعدها بدقيقة؟ رأى البعض أنها ستحسن فقط في الشكل، لكنها كانت بوابة العودة التاريخية.

تير شتيجن أيضا كان له نصيب في تلك الملحمة الكبرى.

ليس فقط حين تصدى لانفراد إيديسون كافاني بعد الهدف الأول، والذي كان لينهي أي أمل للعودة.

تير شتيجن تقدم في الكرة الأخيرة. انقطعت الكرة فكان أسرع العائدين ليمنع هدفا في مرماه، ليس هذا فقط بل كان مصدر بداية هجمة هي الأهم في موسم برشلونة.

هذه الجرأة من تير شتيجن لم تكن غريبة على زملائه، وهذا ما فسره خافيير ماسكيرانو بتلك القصة عقب اللقاء: "بعد هدف كافاني وجدت تير شتيجن يصرخ فينا ويقول نحن برشلونة لا تموتون.. تقدموا جميعا ولا تقلقوا بشأن المرمى، سننتصر سننتصر سننتصر".

وأتم "دهشت لردة فعله، لدرجة أنني قلت لبوسكيتس ما الذي جرى لشتيجن؟ هل هو بخير؟".

تلك الروح هي التي دفعت شتيجن للتقدم ولا يخاف على مرماه في الثانية الأخيرة.. لأن التأهل فقط هو ما يرضيه وليس إتمام مهمته في الحفاظ على شباكه.

_ _ _

الهدف الذي هز أرجاء الملعب كان هناك من يؤرخه بصورة أخرى. شخص ما لن نعرف هويته كان يرافق المعلق الكتالوني على المباراة، وحين شعر أن العودة اقتربت أخرج هاتفه وصور تلك اللقطات لتبقى عالقة في الأذهان للأبد.

كانت قصة برشلونة تاريخية بالفعل، لكن على الجانب الآخر ثمة ما ساعد على عظمة العودة بسبب تعامل خاطئ من جانب باريس سان جيرمان.

الحديث هنا ليس فنيا بعد أن قتل ذلك بحثا، فعلى طاولة الغداء باليوم السابق للمباراة وحين تحدث الفريق الباريسي عن السيناريوهات المحتملة في المباراة.

قال ماتويدي "أريد التأهل حتى لو خسرنا بخمسة أهداف لهدف.. سيكون ذلك كافيا جدا بالنسبة لي مادمنا سنتأهل".

أما توماس مونيير فقال: "لا، إذا خسرنا بخمسة أهداف مقابل هدف ربما نتأهل، لكنني لن أرضى بذلك لفريقي".

تصريحات مونيير رائعة، لكن ما حدث على أرض الملعب كان مغايرا، فمونيير كان نقطة ضعف في تشكيل فريق العاصمة الفرنسي أمام نسخة نيمار في أفضل حالاته.

وفي الجهة الأخرى اعتاد أنخيل دي ماريا على أن يكون مصدر متاعب برشلونة، لكن حذاري أن يغريك الماضي الجميل، فيعميك عن المستقبل القريب جدا.

لو أن دي ماريا ركز جيدا في إنهاء الانفراد أمام تير شتيجن، أو على الأقل آثر الفريق على نفسه ومرر لكافاني لما ندم في النهاية.

لكن تركيز دي ماريا كان أكبر في مهاجمة جمهور برشلونة.. وكان العقاب في النهاية قدريا للأرجنتيني.

لا تظنون أن الفتى الأرجنتيني تعلم من ماضيه، فالأمس القريب كان شاهدا على خيبة أمل جديدة لدي ماريا أمام مانشستر يونايتد هذه المرة وبنفس الطريقة.

لويس إنريكي انتصر، وآن الأوان لمن شاب شعره في عامين فقط اقتطعهما من شبابه بتدريب برشلونة، أن يفرح.. ولذلك كانت الفرحة جنونية.. وعلى طبيعتها تماما.

المشهد الأخير في قصص عودة برشلونة التاريخية كان خارج الملعب.

تحديدا في الاستوديو التحليلي بين ستيفين جيرارد، ريو فيرديناند ومايكل أوين نجوم الكرة الإنجليزية.

فرحة جيرارد الذي لم يهتف باسم غير ليفربول طيلة حياته بهدف سيرجي روبيرتو، تعكس حال مشجعين كرة القدم في كل أنحاء العالم حيال تلك المباراة، ممن تعاطفوا مع عودة مستحيلة.

التعليقات