ريد ستار وجماهيره.. مشاهد من صراعات سياسية وقومية صربية

كان ذلك مشهدا فقط من فيض مشاهد متعددة تُعلي من شأن الأفكار القومية، وظل ريد ستار وجماهيره دائما هما الممثلان الواضحان عن الرغبة القومية اليمينية في صربيا.

كتب : لؤي هشام

الثلاثاء، 06 نوفمبر 2018 - 15:19
جماهير ريد ستار

نحن الآن في نهاية أغسطس 1989، كان يتبقى 3 أيام فقط على الديربي. يوغسلافيا تواجه فنلندا، وجماهير كلا من بارتيزان وريد ستار اتجها نحو مدرجاتهما.

جماهير بارتيزان تواجدت في مدرجها الجنوبي، وجماهير ريد ستار في المدرج الشمالي. ارتدت كلا المجموعتين ألوان فريقيهما، وكان من الصعب حصر عدد الجماهير القليلة التي ترتدي اللون الأزرق الممثل ليوغسلافيا.

وما إن بدأ عزف النشيد الوطني اليوغسلافي حتى انطلقت صافرات الاستهجان بكل قوة ودوت هتافات "نحن نكره يوغسلافيا" و"صربيا ليست يوغسلافية" والعديد من الأغاني الصربية الأخرى.

كان ذلك مشهدا فقط من فيض مشاهد متعددة تُعلي من شأن الأفكار القومية، وظل ريد ستار وجماهيره دائما هما الممثلان الواضحان عن الرغبة القومية اليمينية في صربيا.

في مايو 1990 تجلى الصراع في أقبح صوره. جماهير ريد ستار المتمثلة في مجموعة "الديليا" ترتحل إلى زغرب لمواجهة دينامو زغرب وجماهيره التي تمثلت في مجموعة "باد بلو بويز".

أقيمت المباراة بعد أسابيع من أول انتخابات برلمانية في كرواتيا منذ 50 عاما والتي فازت فيها الأحزاب الداعمة للاستقلال بأغلبية الأصوات.

الخطاب الصربي اليميني المتطرف كان يعتبر كرواتيا جزءا يخضع لسيادته، فيما كان الجانب الكرواتي داعما للانفصال عن يوغسلافيا.

سافر 3000 مشجع من مجموعة الديليا إلى زغرب بقيادة زيليكو رازانتوفيتش المعروف باسم "أركان" - النمور - وقد كان مؤسسا لمنظمة عسكرية تحمل الاسم ذاته، ومتهما في جرائم حرب لاحقا.

اندلعت الاشتباكات بين الطرفين في الشوارع قبل المباراة، قبل أن تشتعل أكثر على ملعب ماسكمير.

مع بداية الللقاء هتف المشجعون الصرب "زغرب صربية" و"سوف نقتل تودمان" ليأتي الرد من المشجعين الكروات.

فرانيو تودمان كان رئيس اتحاد الأحزاب الكرواتي الديمقراطي وهو القائد الفعلي لمطالب الاستقلال الكرواتية، وهتافات التهديد بقتله تسببت في استفزاز مشجعي دينامو زغرب.

وهنا وقعت تلك الاشتباكات الشهيرة التي أدت إلى إصابة ما لا يقل عن 60 شخصا، وركلة زفونيمير بوبان الشهيرة لأحد ضباط الشرطة دفاعا عن المشجعين.

الشرطة الكرواتية ألقت القبض على أركان في ذلك اليوم قبل أن يتم إطلاق سراحه لاحقا. بعدها بأسابيع كان ريد ستار يتوج بالكأس الأوروبية ثم يتغلب على كولو التشيلي في مونديال الأندية بطوكيو.

أقام النادي احتفالية بهذه المناسبة، وأركان كان ضيف الشرف في ملعب ماراكانا، وسرعان ما تحولت تلك الاحتفالية إلى ليلة دعاية للقومية الصربية.

أركان رفع بيديه حاملا لوحة معدنية بإسم إحدى القرى الكرواتية التي احتلها الصرب، والصخب وعم كل الأرجاء.

لعلك تعتبر الآن قرار يورجن كلوب المدير الفني لليفربول باستبعاد جيردان شاكيري من مواجهة ريد ستار قرارا صائبا.

فاللاعب الذي استفز الصرب بشعار نسر ألبانيا في كأس العالم ربما كان ليواجه جحيما حقيقيا على أرض الملعب، وربما امتد الوضع لمزيد من أعمال الشغب.

ولكن كيف بدأت قصة هذا النادي وجماهيره؟

مع نهايات الحرب العالمية الثانية تأسس ريد ستار من قبل الشيوعيين - قبل أن يتخذ المسار المعاكس لاحقا - وسرعان ما ازدادت شعبيته واعُتبر نادي الطبقة الفقيرة والممثل للقومية الصربية.

تنامت شعبيته رفقة الغريم بارتيزان ليُمثلا صفوة الأندية اليوغسلافية رفقة دينامو زغرب وهايدوك سبليت الكرواتيين.

وتاريخ نادي العاصمة الصربية بلجراد لم يعرف أبدا الانفصال عن السياسة، فقط كانا معا يسيران جنبا إلى جنب.

مشهد آخر

مع بدايات الألفية تنامى الغضب الشعبي تجاه الرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش الذي شهد تفكك يوغسلافيا وتأسيس جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية التي تكونت من صربيا والجبل الأسود.

وفي أعقاب قصف قوات الناتو لصربيا لإجبارها على الانسحاب من كوسفو كان رحيل ميلوشيفيتش مسألة وقت ليس أكثر، وهنا ظهر دور "الديليا" مجددا.

أثناء مواجهة ريد ستار مع توريدو كوتايسي الجورجي بالأدوار التمهيدية لدوري أبطال أوروبا قرر مشجعو ريد ستار الهتاف ضد الرئيس الصربي، وقالوا "اسدِ صربيا معروفا. ميلوشيفيتش أقتل نفسك".

كان ذلك إشارة إلى إقبال عدد من أفراد عائلة الرئيس الصربي على الانتحار في أوقات سابقة.

تقول الصحافية ليليانا روزيتش للكاتب الصحفي الشهير جوناثان ويلسون: "كنت حاضرة في تلك الليلة، ما فعلوه لا يُصدق".

وتضيف "عليك أن تتفهم أنه قبل هذا اليوم ورغم أننا لم نكن نحب ميلوشيفيتش إلا أننا لم نجرؤ على قول ذلك".

هنا قررت الشرطة التدخل، وأحد بانرات الديليا تمت مصادرته بالقوة ورميه جانيا في أرض الملعب، ليقرر سلافوليب موسلين مدرب ريد ستار التدخل في تلك اللحظة.

موسلين أقنع ضباط الشرطة بترك تلك اللافتات قبل أن يرميها مجددا إلى الجماهير في المدرجات، وكانت تلك إشارة ضخمة. المدرب يدعمهم والنادي يدعمهم.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل امتد لما هو أبعد من ذلك.

الديليا يهاجمون مبنى التلفزيون الوطني اعتراضا على تمسك ميلوشيفيتش بالسلطة ومطالبته بجولة ثانية من الانتخابات رغم الهزيمة المهينة أمام فويسلاف كوستونيتشا.

الإضراب العام شمل جميع أرجاء صربيا ومايور ليليتش أحد أبرز معارض الرئيس ميلوشيفيتش نظم مسيرة ضمت 10 آلاف شخصا إلى العاصمة قبل أن ينضم له مجموعة من الطلاب المعارضية ومجموعة الديليا.

تلك القوة الشابة قررت التوجه نحو مبنى تلفزيون الدولي وعند الوصول حطموا الأبواب وأشعلوا النيران فيها، وهنا قال ليليتش جملته الشهيرة "لقد سئمنا من مشاهدة تلفاز الدولة".

تواصلت أعمال العنف، وقررت المسيرة التوجه إلى مبنى البرلمان الذي كانت تحيطه قوات من الشرطة وما إن اقترب المتظاهرون حتى أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع.

وبالطبع كان الديليا حاضرون وبقوة إذ سبق لهم الاشتباك مع الشرطة في العديد من المناسبات، وألكساندر بوزيتش أحد مشجعي ريد ستار الذين تواجدوا بالصفوف الأمامية حكى ما جرى في تلك الليلة.

وقال لمجلة فور فور تو: "أمسكت بدرع الشرطي أمامي ولثوانٍ قليلة كنا نمزقها ذهابًا وإيابًا، نظرت له في عينيه وفجأة وجدناهم قد تركونا نمر".

اقتحم المتظاهرون مبنى البرلمان وسيطروا عليه قبل أن يسيطروا على محطات التلفاز، ويظهر الرئيس المنتخب كوستونيتشا قائلا: "مساء الخير، صربيا الحرة".

*المصادر:

اقرأ أيضا

في خطاب رسمي - الأهلي "يحتج ويتساءل" عن عقوبة أزارو وشكوى ثنائي الترجي

السكرتير العام لـIFAB وأبو ريدة يوضحان لـ في الجول: متى يبدأ عمل حكم الفيديو في مصر

نيمانيا ماتيتش وزهرة الخشخاش.. لحظة حرب ظلت خالدة معه للأبد

تقرير جزائري: مهدي عبيد يلوم حكام الـVAR في احتساب ركلة الجزاء الثانية لـ الأهلي

مدرب المنتخب لكهربا: راجع نفسك.. احتفالك العصبي بهدفك في الحدود لم يعجبني