إنزو بيرزوت.. "الغبي" الذي غير ثقافة أمة كروية

الأربعاء، 26 سبتمبر 2018 - 14:43

كتب : لؤي هشام

إنزو بيرزوت

على الدكة الخشبية كان يجلس وفي فمه غليونه المعتاد الذي تشعر وكأنه جزء من فمه، نظراته تبدو قلقة.. ربما كان يساوره الشك في تلك اللحظة.

رؤيته التي لطالما تمسك بها تواجه الانتقادات من كل حدب وصوب ونيران الصحافة تُفتح في وجهه من كل الأرجاء.

ليس هو فقط بل لاعبيه كذلك. لم يسلم أحد منهم، والمهمة تبدو صعبة للغاية.

سيتذكر تلك اللحظات جيدا بعدها بأعوام حينما يجد نفسه على أعناق لاعبيه وفي يده كأس ذهبية.. ما ظنوه دربا من الأوهام بات حقيقة الآن.

الانتقادات تحولت إلى إشادات بين لحظة وضحاها.. والسبب كان رجل واحد فقط، يُدعى إنزو بيرزوت.

اليوم تمر الذكرى الـ91 لميلاد المدرب الأيقوني للكرة الإيطالية، الذي قاد الأتزوري لتحقيق مونديال 1982 في واحدة من كبرى المفاجآت الكروية عبر التاريخ.

وFilGoal.com يستعرض معكم قصة "الغبي الذي غير ثقافة أمة كروية".

نتيجة بحث الصور عن ‪Enzo Bearzot player‬‏

إنزو بيرزوت واحد من أعظم الشخصيات في القرن الـ20.. باولو روسي

كان فينتشينزو الصغير مولعا بكرة القدم، لا يترك مباراة في حي أييلو ديل فريولي أو في المناطق المجاورة دون أن يشارك فيها ولكن ذلك لم يُعجب الأب الذي يعمل كمدير مصرف.

التعليم كان الشيء الأهم بالنسبة لوالده الذي لا يهتم بتلك اللعبة، وكان أخر أولويات إنزو الذي رغب في مداعبة الكرة فقط لا أكثر.

مع مرور السنوات كان يقين الفتى الشاب يتأكد أكثر فأكثر من أنه لن يبرع في شيء آخر سواها.

نادي جوريتسيا طلب منه أن يلعب معهم مباراتين في توسكاني. كان ذلك يعني تغيبه عن اختباراته الدراسية وبالتالي فرصة دخول الجامعة.

في النهاية يبدو أن الأب تخلى عن رغبته بإكمال نجله لتعليمه أو استسلم لرغبات نجله، لا نُدرك حقيقة أيهما حدث ولكن ما ندركه بوضوح أن ذلك كان سببا في صناعة تاريخا كرويا لم يتكرر.

نتيجة بحث الصور عن ‪Enzo Bearzot player‬‏

بعد ذلك بعقود من الزمان سيتذكر إنزو تلك المناقشات بين الأب ونجله وعلى وجهه ابتسامة تحن إلى الماضي، وتحمد الرب في ذات الوقت كونه لم ينجح في إقناعه.

يقول بيرزوت عن تلك الفترة الحاسمة في حياته: "حتى وإن كنت لم أكمل تعليمي فإن ذلك كان جيدا على نحو ما. في النهاية أدركت أحلامي".

كلاعب نجح إنزو بيرزوت في الاقتراب من 300 مباراة بالدوري الإيطالي والمشاركة في مباراة دولية وحيدة، وخلال تلك الفترة تنوعت مراكز مسيرته التي استمرت في فترتي الأربعينيات والخمسينيات.

ما بين جناح في البداية مرورا بمهاجم ثان ثم المركز الأبرز الذي صنع فيها اسمه كلاعب وسط دفاعي.

والرحلة شهدت محطات مختلفة بين كاتانيا "حيث اعتبروه إلها" وتورينو التي أحبها كما لم يحب فريقا من قبل ليدفع من جيبه الخاص في سبيل تخطي النادي لأزماته، وأيضا إنتر.

حسنا، لا تتحمس كثيرا فالمحطة الأهم في مسيرته لم تأت بعد، وكل ما فات عُد شيئا اعتياديا مقارنة بما كان استثنائيا بعد ذلك.. الرحلة كمدرب.

_ _ _

نتيجة بحث الصور عن ‪Enzo Bearzot player‬‏

"ذكرى إنزو بيرزوت لايمكن أن يتم تلخيصها فقط في الإنجاز الذي منحه إيانا عام 82. بيرزوت تمكن من ترسيخ قيم رياضية وإنسانية رائعة".. جيانكارلو أبيتي رئيس الاتحاد الإيطالي السابق

بعد أن أنهى مسيرته كلاعب أصبح بيرزوت مساعد مدرب في نادي تورينو نيريو روكو، ثم أصبح مدربا لنادي براتو في دوري الدرجة الثالثة.

بعدها درب منتخب إيطاليا تحت 23 عاما، وفي مونديالي 70 و74 أصبح مساعدا للمدرب فيروتشو فالكاريدجي، ثم مساعدا للمدرب فولفيو برنارديني بعد ذلك.

حتى أتى العام 1977 الذي كان بمثابة مفترق الطرق في مسيرته التدريبية.. المساعد إنزو بيرزوت أصبح الرجل الأول في قيادة الأتزوري.

والانتقادات بدأت حتى قبل أن يبدأ الرجل مهمته.

"يفتقد للخبرة"، "لن يكون قادرا على فرض سيطرته"، "شخصيته ضعيفة"، "لم يدرب حتى من قبل في الدوري الإيطالي" وإلى أخره من مثل تلك الاتهامات.

هل تظن أن الأمر توقف عند هذا الحد؟ لم تكن الانتقادات لتتوقف، فالثقافة التي لم تعرف إلا الأسلوب الدفاعي من أجل تحقيق النتائج المرجوة لم تقتنع بأفكار مدرب تأثر وآمن بالكرة الشاملة والأفكار الهجومية.

الأمر يشبه محاولة زعزعة أفكار دينية موروثة أو أن تقول لأحد الأطفال أن 2+2 = 5.. هكذا كانت الفكرة ببساطة: إنه يحاول التخلي عن إرث عظيم للكرة الإيطالية.

نتيجة بحث الصور عن ‪Enzo Bearzot‬‏

الصحافة والجماهير وصفاه بالـscemo أو الغبي ولكنه بدا غير عابئ بتلك الضغوطات التي زادت حدتها مع اختياره لقائمة لاعبين شابة لمونديال 78.

استدعاء المهاجم الشاب باولو روسي، واستبعاد فابيو كابيللو كانا الملمح الأبرز في تلك القائمة.

ولكن محطات إنزو المختلفة التي شهدت تدرجا في تولي المناصب أكسبته خبرة كبيرة. اهتمامه المبالغ بالتفاصيل وقدرته على التأقلم مع عدة أفكار وخطط مختلفة وفقا لقدرات لاعبيه منحته المرونة اللازمة.

وقبل ذلك كانت حرية لاعبيه هي الشيء الأهم.. "اختار لاعبيني ثم أتركهم بعد ذلك يلعبون دون محاولة فرض خطط تكتيكية عليهم".

ويشدد على رؤيته "لا يمكنك أن تقول لمارادونا: ألعب بالطريقة التي أخبرها لك. عليك أن تترك لهم حريتهم كي يعبروا عن أنفسهم بالشكل الأمثل".

"بيرزوت كان مدربا يمنح ثقة لاحدود لها".. جيوسيبي بيرجومي

والمدرب جنى الثمار في مونديال 78 بعد أن قدمت إيطاليا واحدة من أفضل مستوياتها في البطولة بكرة قدم جذابة تعتمد على التمرير المتواصل والإبداع في صبغة هجومية بخطة 4-3-3 ثم لاحقا خطة 3-2-2-3 أو الـWM "ميتودو" في مونديال 82.

حققت إيطاليا في طريقها بدور المجموعات خلال 3 مباريات متتالية الانتصار على الأرجنتين صاحبة الأرض والمجر وفرنسا.

وفي دور المجموعات الثاني انتصرت على النمسا وتعادلت مع ألمانيا الغربية قبل أن تخسر من هولندا وتحتل المركز الثاني بالمجموعة لتتأهل إلى مباراة تحديد المركز الثالث مباشرة - بحسب نظام البطولة في ذلك الوقت - وهو المركز الذي فقدته بعد الهزيمة من البرازيل 2-1.

نتيجة بحث الصور عن ‪Enzo Bearzot ‬‏

تأهل بيرزوت إلى نصف نهائي أمم أوروبا عام 80 وحافظ على منصبه حتى مونديال 82 ولكن ورغم ما قدمه من قبل إلا أنه لم ينل ثقة الصحافة قط، وقبل بدء البطولة المقامة في إسبانيا بأيام كان إنزو يدخل صراعا جديدا مع الإعلام.

- كيف أثر عامان من الغياب على مسيرته؟ هل هو قادر على التسجيل في المسابقة؟ هل يستحق التواجد في الفريق؟ -

أثار قراره بضم باولو روسي، الذي خرج من السجن قبلها بشهرين فقط بسبب فضيحة "توتورينو" الشهيرة بالتلاعب في النتائج، حفيظة الجميع.

ليس لأن روسي في نظرهم مذنب فقط بل لأن ذلك أيضا كان يعني استبعاد روبيرتو بروتزو مهاجم روما وهداف الكالتشيو.

وسلسلة النتائج التي تحققت في البداية كانت سببا أدعى لمواصلة الهجوم. 3 تعادلات متتالية كتبت تأهل بشق الأنفس ولكن هذه المرة منحنى الانتقادات اتخذ مسارا مختلفا.

روسي وزميل غرفته أنطونيو كابريني ظهرا في أحد الصور وهما يقفان بشرفة الفندق عاريا الصدر، والصحافة اتهمتهما بالمثلية الجنسية حتى أن جريدة Il Giornale قالت "لاعبا يوفنتوس ينامان معا مثلما ينام الرجل مع زوجته".

وهنا كان لزاما على بيرزوت أن يتدخل ويوقف الأمر عند حده.. قرار بمقاطعة الإعلام مقاطعة نهائية، لا ظهور في مؤتمرات صحفية ولا تصريحات تلفزيونية.

عُرف هذا النهج لاحقا باسم Silenzio Stampa - الصمت الصحفي - وبات أسلوبا متبعا بعد ذلك من قبل العديد من المدربين أمثال جوزيه مورينيو وأنطونيو كونتي وكلاوديو رانييري وروبيرتو مانشيني في فترات متراوحة ولأسباب مختلفة.

ولكن بيرزوت، الذي لم يدرب سوى إيطاليا في مشواره، كان أول من فعلها.. ولم يشاهده أحد بعد ذلك في برنامج تلفزيوني أو في حضور أي مباراة من المدرجات.

"وداعا أيها الرجل العجوز، سوف نفتقد حكمتك".. رابطة الدوري الإيطالي عند وفاته

يتحدث الحارس الأسطوري دينو زوف عن تلك الفترة قائلا: "الأمر أصبح ميئوسا منه. كل مؤتمر صحفي كان يتحول إلى قاعة محاكمة، وأي شيء نقوله ينقلب ضدنا بطريقة ما، لذا كان علينا التركيز على كرة القدم فقط لا غيرها".

ويؤكد باولو روسي الذي سيتوج بلقب هداف البطولة بعد ذلك بأيام، في واحدة من أبرز الملحمات الكروية، حديث قائده.

"حينما كنا نذهب لمواجهة البرازيل أو الأرجنتين كنا نذهب بلا خوف، وكنا نلعب بكل فخر. أعطينا كل ما لدينا وتركنا كل الحواجز في غرف الملابس.. بالنسبة لي وللفريق كان الأمر كأننا نبدأ من جديد".

الحكاية بعد ذلك يعرفها الجميع. لاعبو الأتزوري أصبحوا أبطال العالم بعد غياب 44 عاما وروسي صنع واحدة من أجمل الحكايات الكروية.

أما بيرزوت فبدا وكأنه لم يساوره الشك أبدا في يوم: "آمنت بالروح التي زرعتها في اللاعبين".

لطالما اعتبر إنزو أن علاقته بلاعبيه هي الطريق الأمثل للنجاح، الخطط التكتيكية مهمة ولكن العلاقة بين المدرب ولاعبيه هي الأهم لتحقيق المرجو.

يشير بيرزوت إلى: "الأخطاء الفنية خلال المباراة أو اختيار لاعب خاطئ يمكنها أن تسبب أضرار كبيرة في إدارة الفريق ولكن علاقة إنسانية خاطئة ستكون أكثر خطورة".

ويضيف "الخطأ الذي لا يمكن غفرانه أن تكون هناك مجموعة لاعبين غير متوحدة لأن حينها سيكون مستحيلا تقديم عرضا كرويا جيدا".

"لم أتعرف إلى بيرزوت قط، لكن أن تشاهد روحه بداخلي أمر يدعوني للفخر".. كلاوديو رانييري

لاحقا لن يتمكن إنزو من الحفاظ على لقبه في مونديال 86 ليغادر البطولة من دور المجموعات ويغادر منصبه أيضا.

لكن في نهاية الأمر فقد نجح في صناعة ميراثا فريدا من النهج التكتيكي داخل الملعب، ونهجا أكثر تفردا خارجه لتكون الصبغة التي قادت إيطاليا إلى المجد وجعلته أكثر من يجلس على مقعد القيادة بعد فيتوريو بوتزو، خلال 104 مباراة.

"من النادر أن تجد مدرب يُغير من ثقافة أمة بأكملها بطريقة إيجابية، العديد من المدربين في منتخب إنجلترا حاولوا جلب كرة قدم سريعة قائمة على الاستحواذ ولكنهم لم ينجحوا أبدا".

"أما بيرزوت فكان استثنائيا وحول أمة مؤمنة بالدفاع القاتل إلى الهجوم الممتع.. ما حدث معه يشبه ما حدث مع بوبي روبسون في سنواته الأولى كمدرب لإنجلترا، وما حدث مع فيرجسون في أعوامه الأولى بمانشستر يونايتد".

"بيرزوت كان قادرا على نيل الإشادة قبل أن تتجه مسيرته إلى الحضيض".. صحيفة إندبيندنت البريطانية.

نتيجة بحث الصور عن ‪Enzo Bearzot‬‏

طالع أيضا

سكاي تكشف خلافا بين مورينيو وبوجبا في مران يونايتد

ملعب لقاء الأهلي وسطيف لم يتحدد بعد

ميدو: صلاح لن يسجل كثيرا مثل الموسم الماضي

السولية يغيب عن لقاء سطيف

ريال مدريد يعلن مدة غياب إسكو

صن: بوجبا سيرحل عن يونايتد

التعليقات