"سرب النسر".. عندما خيّم ريال مدريد على سماء إسبانيا

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2018 - 10:52

كتب : زكي السعيد

سِرب النسر - ريال مدريد

في موسم 1983\1984، حقق ريال مدريد كاستيّا إنجازا تاريخيا، وفاز بلقب دوري القسم الثاني الإسباني للمرة الوحيدة في تاريخه، ولولا استحداث قوانين عدم مشاركة فريقين منتميين لنفس المؤسسة بمسابقة واحدة؛ لرأينا مباراة تجمع ريال مدريد بـ ريال مدريد آخَر في الموسم التالي.

يقول بيب جوارديولا عندما سُئل عن هوية الفريق الأفضل على الإطلاق في رأيه: "مع كامل الاحترام، ففريق ‘سِرب النسر’ في ريال مدريد هو أفضل فريق شاهدته على الإطلاق، مشاهدته يلعب كانت أمرا ممتعا، كنا سعداء عندما أخرجهم ميلان ساكي من دوري أبطال أوروبا".

جوارديولا المنتمي بجوارحه إلى برشلونة لعبًا وتدريبًا، لم يجد حرجا في اختيار جيل ريال مدريد في ثمانينيات القرن الماضي، كالأكثر إمتاعا في نظره.. فمن هم سِرب النسر الذين غيّروا من وجه كرة القدم الإسبانية قبل 30 عاما؟

انطلاقة صحفية

في 4 نوفمبر 1983، نشر خوليو سيزار إجليسياس مقالا في صحيفة "إل باييس" بعنوان "أمانسيو وسِرب النسر"، وتحدّث خلاله عن 5 لاعبين شبان يتواجدون في ريال مدريد كاستيّا، وتنبأ لهم بمستقبل مبهر.

أمانسيو أمارو كان مدرب الفريق في تلك الفترة، وهو أحد أنجح اللاعبين في تاريخ ريال مدريد، إذ كان الفتى الذهبي للفريق في حقبة الستينيات والذي كان ملقبًا بالـ Yé-yé، وتلك الفرقة لها حكاية أخرى.

أما "سِرب النسر" فهي إشارة إلى إيميليو بوتراجينيو ورفاقه الخمسة؛ فـ بوتراجينيو أكثر اللاعبين الخمسة مهارة وحضورا، كان ملقبا بـ "النسر".

اللاعبون الأربعة الآخرون هم: ميتشل جونزاليس، مانولو سانشيس، رافاييل مارتين فاسكيز، ميجيل بارديزا.

هجرة من الكاستيا إلى الفريق الأول

في 4 ديسمبر 1984، بعد شهر واحد من نشر مقال خوليو سيزار إجليسياس، ظهر سِرب النسر في فريق ريال مدريد الأول.

ألفريدو دي ستيفانو مدرب الفريق في تلك الفترة، قرر الدفع بالثنائي: مانولو سانشيس في عمق الدفاع، ورافاييل مارتين فاسكيز في خط الوسط خلال مباراة مورسيا الخارجية، والتي كانت عصيبة للغاية، إلا أن هذا لم يمنع الثنائي ابن الـ18 عاما من تقديم مباراة رائعة.

فاسكيز أذهل المشاهدين بخفته ومهارته العالية في وسط الملعب، أما سانشيس المدافع، فكان نجما للأمسية، عندما سجل هدف المباراة الوحيد في الدقيقة 82.

أما الظهور الأكثر سحرا، فكان للنسر نفسه: بوتراجينيو، قصير القامة بـ168 سم، ليس مهاجما صريحا، ولكنه لا يشغل أيضا المركز 10، يشكّل خطورة كبيرة خلف خط وسط وأمام خط دفاع الخصوم، يظهر من العدم، ولا يمكن افتكاك الكرة من أقدامه بسهولة، يسجّل بكافة الطرق الممكنة، ويصنع أهدافا جميلة لزملائه.. تواجد على مقاعد البدلاء يوم 5 فبراير 1985 عندما ارتحل ريال مدريد إلى الأندلس لمواجهة قادش، مباراة انتهى شوطها الأول على تقدُم أصحاب الأرض بهدفين نظيفين.

بين الشوطين قرر دي ستيفانو أن يغامر بإشراك بوتراجينيو للمرة الأولى، والأخير احتاج إلى 15 دقيقة فقط من الشوط الثاني حتى يطلق تسديدة يمينية عانقت شباك قادش وقلّصت الفارق لريال مدريد.

لاحقا ضرب بوتراجينيو عارضة مرمى قادش، إلا أن التعادل تحقق في الدقيقة 88 برأسية ريكاردو جاييجو.

وبينما اعتقد الجميع أن تقاسُم النقاط سيكون مصير المباراة، سجّل بوتراجينيو هدفه الثاني بقميص ريال مدريد، خاطفا الانتصار لفريقه في الأنفاس الأخيرة، تلك كانت انطلاقة النسر الذي لم يكف قط عن التحليق.

أما اللاعب الخامس، فهو ميتشل جونزاليس، وسط أيمن فريد من نوعه، يجيد اللعب على الخط وإرسال العرضيات المتقنة، ويتقن الدخول إلى العمق والتواجد في أماكن حاسمة لتسجيل الأهداف، يلعب بالقدمين، قوي بدنيا، ولا يعاني في المساحات الضيقة.. إلا أن مشاركته الأولى تأجلت إلى الموسم التالي.

في نهاية ذلك الموسم الحافل، 1983\1984، فاز ريال مدريد كاستيا بدوري القسم الثاني، ولم يكن الخماسي الآنف ذكره هم المستفيدين الوحيدين من ذلك الإنجاز التاريخي عن طريق تصعيدهم رسميا إلى الفريق الأول، بل مدربهم أيضا: أمانسيو.

إدارة ريال مدريد قررت عدم التجديد لـ دي ستيفانو بعد موسمين دون ألقاب، وفضّلت أن يصعد الفتية رفقة مدربهم الذي تحوّل ليصير مدربا للفريق الأول في موسم 1984\1985.

هؤلاء الشبان لم يحظوا بظروف مثالية في الفريق الأول مع الموسم الأول لتصعيدهم، إذ دخل الفريق في سلسلة نتائج سلبية جعلت خسارة لقب الدوري للموسم الخامس على التوالي مسألة وقت.

في أبريل، تفاقمت أزمة الفريق بشكل غير مسبوق عندما خسر مباراتين متتاليتين في الدوري أمام أوساسونا وفالنسيا، بالإضافة إلى خسارة 0-2 أمام إنتر في ذهاب نصف نهائي كأس الاتحاد الأوروبي، لتقرر الإدارة البطش بالمدرب أمانسيو، وإقالته قبل أيام من الإياب المستحيل أمام إنتر.

الفريق عاش 3 مباريات متتالية دون تسجيل، بالإضافة إلى مباراة رابعة أمام إيركوليز هي الأولى للمدرب الجديد لويس مولوني.

مولوني الذي قاد ريال مدريد في ولاية رابعة، دفع بـ ميتشل في التشكيلة الأساسية لمواجهة الإياب أمام إنتر، والتي انتهى شوطها الأول على تقدم فريقه بهدفين نظيفين بواسطة كارلوس سانتيانا.. في الشوط الثاني، سجّل ميتشل هدف الانتصار، وصعد بفريقه إلى المباراة النهائية لبطولة سيحصدون لقبها للمرة الأولى.

ثورة

مع مرور الوقت، بات مصطلح "سِرب النسور" أكثر شمولية في إشارة إلى جيل الثمانينيات في ريال مدريد بأكمله، مع ما قدّمه الفريق من ثورة هجومية تحت قيادة 3 مدربين مختلفين، هم: مولوني، ليو بينهاكر، جون توشاك.

فبعد سنوات من السيطرة الباسكية على كرة القدم الإسبانية متمثلة في ريال سوسيداد وأتليتك بلباو بكل ما يمتلكه الباسكيون من خشونة وصلابة، نبغ ريال مدريد بجيل شبانه الذي تمتع بنسق مرتفع في اللعب، وكثير من المهارات، وعدوانية في الأداء إن تطلب الأمر.

بل أن كثير من الخبراء الفنيين يعتقدون أن سِرب النسر كان إرهاصات لانتفاضة يوهان كرويف الهجومية مع برشلونة بعد عدة سنوات.

ريال مدريد أحكّم قبضته على إسبانيا، واستعاد لقب الدوري لـ5 مواسم متتالية من 1985\1986 حتى 1989\1990، بل نجحت ترسانته الهجومية في تسجيل 107 هدفا في موسم واحد بالدوري.

هذا الهياج الهجومي، تزامن مع العصر الذهبي لـ أولتراس سور، رابطة المشجعين المدريديين المتعصبين التي تكوّنت عام 1980، وحوّلت ملعب سانتياجو برنابيو إلى مقبرة فعلية، مما ساعد الفريق على قلب تأخره ذهابا، وتحقيق انتصارات كبيرة إيابا في عدة مناسبات.

أسماء لامعة

بخلاف بوتراجينيو، سانشيس، ميتشل، فاسكيز، بارديزا، فالفريق ضم مجموعة من أساطير النادي بتلك الحقبة.

أشهرهم المكسيكي أوجو سانشيز الذي سجّل 208 هدفا في 283 مباراة مع ريال مدريد، وظفر بلقب هداف الدوري 4 مرات في مواسم الدوري الخمسة الذهبية.

كما كان الفريق مدعما بعناصر خبيرة من حقبة السبعينيات، على رأسها المهاجم الطائر كارلوس سانتيانا، وخوانيتو روح الفريق الذي تهتف له الجماهير في كل دقيقة 7 من أي مباراة داخلية حتى يومنا هذا، وخوسيه أنطونيو كاماتشو الظهير الأيسر، والحارس المخضرم ميجيل أنخيل جونزاليس.

كما استقدمت الإدارة لاعبين مميزين من الأندية الأخرى، مثل الألماني بيرند شوستر الذي حضر مباشرة من الغريم برشلونة، والجناح الأيسر رافا جورديّو أحد أفضل مُرسلي العرضيات المتقنة في تاريخ الكرة الإسبانية، والذي حضر من ريال بيتيس، كما حضر ميجيل تينديّو مدافع فالنسيا.

جيل ذهبي دون أبطال

على الرغم من أن بطولات ريال مدريد الـ13 في دوري أبطال أوروبا مقسّمة على أغلب فترات النادي التاريخية، إلا أن الثمانينيات شهدت فشلا على هذا الصعيد، مما يفتح التساؤل، كيف امتلك ريال مدريد تلك الجودة الكبيرة دون أن يظفر ببطولته المفضلة؟

الفريق حقق إنجازا فريدا بالفوز بكأس الاتحاد مرتين متتاليتين عامي 1985 و1986، إلا أنه واجه صعوبات جمة في المواسم التالية في دوري الأبطال.

ففي نصف نهائي 1987 على سبيل المثال، خسر الفريق 1-4 أمام بايرن في ذهاب نصف النهائي، مباراة شهدت طرد لاعبين اثنين من ريال مدريد، أحدهما خوانيتو الذي اعتدى على لوثر ماتيوس، وتم إيقافه لعدة سنوات من قبل الاتحاد الأوروبي.

وفي نصف نهائي الموسم التالي، خرج الفريق أمام أيندهوفن الهولندي بهدف اعتباري، بعد التعادل 1-1 ذهابا، و0-0 إيابا.

قبل أن يتلقى الفريق ضربة أوروبية قاضية أدخلته في سبات أوروبي طويل عام 1989، بخسارته في نصف النهائي للموسم الثالث على التوالي، وهذه المرة جاء السقوط كارثيًا أمام الجيل الذهبي لـ ميلان تحت قيادة أريجو ساكي بخمسة أهداف دون رد، المباراة الشهيرة التي تحدث عنها جوارديولا في تصريحاته.

رغم ذلك، يظل جيل سِرب النسر واحدا من أكثر الأجيال تعبيرا عن هوية ريال مدريد، ولعله أنجح أجيال الفريق هجوميا على الإطلاق، فالفريق تخلّى عن مركز الارتكاز الدفاعي في بعض مبارياته للاستفادة من كم الأسماء بالخط الأمامي التي احتوت عليها القائمة.

كيف استمرت مسيرة النسور الخمسة؟

أقل اللاعبين الخمسة تأثيرا مع ريال مدريد، كان المهاجم ميجيل بارديزا الذي خرج معارا إلى سرقسطة موسم 1985\1986، قبل أن يرحل إليه بشكل نهائي عام 1987، وفي صفوفه لعب 10 سنوات، وساهم في إنجازه التاريخي بالتتويج بكأس الكؤوس الأوروبية 1995 على حساب أرسنال.

أما مارتين فاسكيز، فوصل لقمة مستواه في موسم 1989\1990، وحصد جائزة أفضل لاعب في إسبانيا، ليطلب زيادة في راتبه، الأمر الذي رفضته الإدارة، ليغضب اللاعب ويقرر الرحيل مباشرة إلى تورينو الإيطالي، قبل أن يعود لريال مدريد عام 1992 للعب 3 سنوات إضافية في صفوفه.

بينما شهد الثنائي بوتراجينيو وميتشل استقرارا كبيرا في مسيرتهما مع ريال مدريد، حتى رحلا إلى المكسيك عامي 1995 و1996 على التوالي.

فيما كان الأكثر تعميرا بينهم، هو المدافع مانولو سانشيس الذي قضى مسيرته بأكملها في ريال مدريد حتى اعتزاله عام 2001، ليكون الوحيد بينهم الذي ينال شرف التتويج بدوري أبطال أوروبا بعد أن فعلها الفريق عام 1998 و2000 وقتما كان قائدا لمدريد.

الخماسي اجتمع في قائمة منتخب إسبانيا لكأس العالم 1990، بل تواجدوا جميعا على أرض الملعب في الدقائق الخمس الأخيرة من مباراة بلجيكا عندما دخل بارديزا بدلا من خوليو ساليناس.

اقرأ أيضا:

رئيس المقاولون: "دوري مرجان أحمد مرجان" تصريح انفعالي لا يمثل لسان حال النادي

المقاولون لـ في الجول: نخاطب اتحاد الكرة للمطالبة بإعادة لقاء بيراميدز

ماذا يفعل صلاح ضد لاعبي سان جيرمان؟ طلب خاص لـ كافاني والتسجيل ضد نيمار

3 ضد 3.. من يتفوق في صراع صلاح ونيمار؟

عامر حسين لـ في الجول: أحمد حسن لم يخالف اللوائح بالتواصل مع البدري

أوين: ما حدث بين صلاح وماني لم يكن متعمدا.. ولا يوجد فريق قادر على الوقوف ضد ليفربول

التعليقات