كلاسيكيات الميركاتو - سانشيز إلى ريال مدريد.. طعنة أبدية في قلوب مشجعي أتليتكو

الجمعة، 03 أغسطس 2018 - 18:46

كتب : زكي السعيد

أوجو سانشيز

في 17 سبتمبر 2017، تزيّن مشجعو أتليتكو مدريد بأوشحة الروخيبلانكوس، واتجهوا -بكثير من الزهو- لحضور المباراة الأولى لفريقهم على الملعب الجديد، واندا متروبوليتانو.

مراهقون وشُبان، صُبغت عقولهم وقلوبهم بلوني الأحمر والأزرق، مرّوا تباعًا باللوحات التذكارية المُثبتة على أرضية الطريق المؤدي إلى الملعب، ليتفحصوا أسماءً تاريخية للاعبين قررت الإدارة تمجيدهم، لمشاركتهم في 100 مباراة أو أكثر بقميص أتليتكو.

كان هذا الطقس السعيد سائدا، حتى تعثروا في لوحة تحمل اسم "أوجو سانشيز".. الفتية الصغار، تملّكهم الغضب، وبدأوا في إفراغ قمامتهم والانهيال ببصاقهم على هذا الصحن الأرضي الذي يحمل اسم لاعب تشرّبوا كراهيته.

هؤلاء الفتية، لم يكونوا قد وُلدوا عندما سجل سانشيز 82 هدفا في 152 مباراة بقميص أتليتكو، إلا أن موروثهم العائلي أخبرهم عن تفاصيل قضية الرأي العام في إسبانيا بصيف 1985: انتقال أوجو سانشيز المدوي من أتليتكو مدريد إلى ريال مدريد.

الفتى الأكروباتي

في دورة الألعاب الأولمبية 1976، مثّلت إيرليندا سانشيز بلادها المكسيك بلعبة الجمباز، ولم تكن الفرد الوحيد من العائلة الذي ينافس في تلك الأولمبياد، بل صاحبها شقيقها الأصغر، أوجو، صاحب الـ18 عاما، والذي نافس في منتخب المكسيك لكرة القدم، وسجل هدفا بشباك فرنسا.

أوجو القصير ذو الـ175 سم، اعتاد مشاهدة شقيقته في تدريباتها المرنة، بل وبدأ في تقليدها، لينقل قفزاتها الأكروباتية إلى لعبة كرة القدم، ويسجل العديد من الأهداف الهوائية باستخدام القدم.. أوجو أهدى جميع أهدافه إلى إيرليندا منفّذا شقلبة صغيرة بعد كل مرة يهز فيها الشباك.

ولعل هدفه في شباك لوجرونيس في أبريل 1988، كان أشهر هدف من ضربة خلفية مزودجة يُسجل بواسطة أي لاعب من ريال مدريد، حتى صار الأمر روتينيًا للاعبي الفريق الملكي في دوري أبطال أوروبا بعد 30 عاما.

مدربه الهولندي ليو بينهاكر -وقتها-، صرّح بعد الهدف قائلا: "عندما يسجل لاعب هدفا مماثلا، يجب إيقاف اللعب، وإعطاء زجاجة شمبانيا لكل مشجع من الـ80000 الشاهدين على الهدف".

الهدف يشتهر في إسبانيا بلقب “Señor Gol” أو "الهدف العظيم"، وإن قرأت الكلمتين بشكل عكسي، فسينطق لسانك كلمة "Logroñés"، الفريق الذي هز سانشيز شباكه.

سانشيز الذي سجل 208 أهداف في 283 مباراة لريال مدريد (الهداف التاريخي السادس للنادي)، والذي حصد جائزة هداف الدوري الإسباني 4 مرات مع ريال مدريد، و5 مرات إجمالا (الهداف التاريخي الرابع للمسابقة)، والذي ساهم في تحقيق ريال مدريد للقب الدوري 5 مرات متتالية (رقم قياسي)؛ أثار الجدل بخيانته أتليتكو عام 1985.

هندي أحمر في بلاد الثيران

عندما انتقل سانشيز على سبيل الإعارة من بوماس المكسيكي إلى أتليتكو مدريد عام 1981، لم يكن الإسبان قد شاهدوا لاعبا مكسيكيًا في ملاعبهم طوال فترة ما بعد الحرب الأهلية سوى مرة واحدة ترجع للعام 1944.. هذا الجيل من الإسبان، لم يكن معتادا على رؤية المكسيكيين إذًا.

انتقال سانشيز -النجم الأول لمنتخب المكسيك حينها- إلى أتليتكو، شابه عائق كبير، إذ تدخّل الاتحاد المكسيكي لكرة القدم في الصفقة، واشترط أن يُسمح للاعب بالتغيُب عن أتليتكو طوال النصف الثاني من شهر أكتوبر بالإضافة إلى شهر نوفمبر بالكامل، حتى يشارك مع بلاده في دورة التأهل لكأس العالم 1982.

الوضع لم يعجب إدارة أتليتكو، إلا أنهم وافقوا على مضض في نهاية الأمر.. سانشيز إلى أتليتكو مدريد، ولم يكن طريقه مفروشا بالورود.

المدرب كاريجا، قام بتوظيفه خلال المباريات الودية التي سبقت الموسم في مركز الجناح الأيسر، مُفضلا مواصلة الاعتماد على روبن كانو في مركز المهاجم الصريح.. كاريجا لم يكن على دراية أنه يمتلك أحد أفضل المهاجمين وأكثرهم حسمًا في تاريخ اللعبة، عندما قرر إشراكه على الجناح.

بالتزامن، عانى سانشيز من إهانات عنصرية في المدرجات الإسبانية، ولم يحظ بكثير من دقائق اللعب مع حقيقة أنه سيغادر الفريق في منتصف أكتوبر للانضمام إلى منتخب بلاده.

حل أكتوبر، سافر سانشيز إلى المكسيك قبل أن يحقق أي تأثير يُذكَر مع أتليتكو، مما أرسى شعورا في نفوس إدارة أتليتكو بأنهم تعرضوا للسرقة.

بينما تألق سانشيز رفقة المكسيك في دورة التأهل للمونديال، مُسجلا 3 أهداف -لم تكن كافية لتحقيق الهدف المنشود-، تواجد ألفونسو كابيزا رئيس أتليتكو، تحديدا يوم 5 نوفمبر، في المكسيك، لفسخ الإعارة، إلا أن بوماس رفض، ملوّحا بالدفعة المتبقية من قيمة الصفقة التي لم تدفعها إدارة أتليتكو بعد، هنا فكّر كابيزا في شراء عقد اللاعب، وإعارته أو بيعه لأي فريق مكسيكي، لتقف إدارة بوماس في وجهه من جديد، وتصدمه ببند يمنع انتقال اللاعب إلى أي نادٍ مكسيكي منافس.

عاد كابيزا إلى مدريد دون أن يحقق أي تقدم في قضية سانشيز الذي أنهى واجبه الوطني، وتزوج من خليلته إيريما، ليصرّح كابيزا: "لعله عائد فقط لقضاء شهر العسل".. من الجلي أن أتليتكو مدريد امتلك في صفوفه لاعبا غير مرغوب فيه بنهاية شهر نوفمبر 1981.. يُدعى أوجو سانشيز.

عانى أتليتكو من سلسلة نتائج كارثية، ففي أول 12 جولة من الدوري الإسباني حينها، خسر الفريق 7 مرات، تعادل مرة، وانتصر في 4 فقط، ليتم تغيير المدرب، وحضور خوسيه لويس جارسيا تريد لانتشال الفريق من أزمته.

وعندما استعد أتليتكو للسفر من أجل مواجهة إيركوليز في الجولة 13، كان الفريق غارقا في سلسلة 5 مباريات دون انتصار، ومحملا بالإصابات.. المهاجم روبن كانو سيغيب، حاله حال الجناح الأيسر روبيو.. لا مفر من مشاركة سانشيز، الذي وبالمناسبة، سجّل هدف المباراة الوحيد في الدقيقة 84.

في الجولة التالية بعد أيام، عاد سانشيز ليسجل هدف المباراة الوحيد أمام سرقسطة.. المهاجم المكسيكي مضى ليسجل 8 أهداف في دوري ذلك الموسم، لينهي المسابقة هدافا لفريقه الذي عاش موسما متخبطا أنهاه في المركز الثامن، بعد أن كان منافسا رئيسيا على اللقب في الموسم السابق.

لتعويض مارادونا؟

في صيف 1984، رحل دييجو مارادونا عن برشلونة، وحضر المدرب الإنجليزي تيري فينابلز، ليبدأ البحث عن مهاجم أجنبي بديل في وقت سمح خلاله الاتحاد الإسباني بلاعبين اثنين لا يحملان الجنسية الإسبانية على أقصى تقدير في صفوف كل فريق.

حينها كان سانشيز يعيش أياما بطولية في أتليتكو، إذ أخذت مسيرته نهجا تصاعديا، وعرفت الاستقرار مع شراء النادي لعقده من فريقه الأصلي بوماس.

برشلونة تقدّم بعرض خرافي لإدارة أتليتكو لأجل سانشيز، يبلغ 250 مليون بيسيتا إسبانية، بالإضافة إلى المهاجم بيتشي ألونسو والحارس أمادور، إلا أن إدارة أتليتكو حددت أن قيمة سانشيز هي 400 مليون بيسيتا كاملة!

في 10 مايو 1984، سافر جوان جاسبارت نائب رئيس برشلونة إلى مدريد، واجتمع بفيسنتي كالديرون رئيس أتليتكو، وأوجو سانشيز، في مطعم فييخو، وبعد عشاء طويل عقيم، غادر إداريو برشلونة وقد أدركوا أن سانشيز لا يمتلك رغبة مُلحة في تمثيل برشلونة.

على الجانب الآخر، لم يكن الإنجليزي فينابلز مدرب برشلونة متحمسا جدا لسانشيز، بل حلم باستقدام الإسكتلندي ستيف أرتشيبالد مهاجم توتنام، وهو ما تم.. وإدارة برشلونة ستندم للأبد على عدم الموت لأجل استقدام سانشيز في ذلك الصيف.

استمر سانشيز إذًا في صفوف أتليتكو لموسم 1984\1985، وهو الموسم الذي سيشهد انفجاره بصورة غير مسبوقة، وتتويجه بلقب هداف الدوري الإسباني لأول مرة في مسيرته برصيد 19 هدفا، بل ومساعدة الفريق على احتلال المركز الثاني في جدول المسابقة.

إلا أن مرور أشهر هذا الموسم، لم يحمل إلا الرعب لإدارة أتليتكو التي أيقنت المأزق الذي ستعيشه، فعقد اللاعب ينتهي في صيف 1986، وبالتالي، ولأجل الاستفادة منه ماديًا، سيتوجب بيعه في صيف 1985 -المقبل-.

هذه المرة لم يكن برشلونة هو النادي الذي دخل في خط المفاوضات لخطف سانشيز، بل نادٍ أقرب جغرافيًا، يشارك أتليتكو في العاصمة، ولا يشاركه أي شيء آخر.. ريال مدريد قرر إحضار سانشيز مهما تكلف الأمر.

في 10 مايو 1985، اجتمع الثلاثي: رامون ميندوزا رئيس ريال مدريد، فيسنتي كالديرون رئيس أتليتكو مدريد، أوجو سانشيز المتصارَع عليه، على طاولة صغيرة بمطعم فييخو -مجددًا-، عشاء دام لـ3 ساعات، وانتهى على يقين في نفس ميندوزا: سانشيز لن يقبل الاستمرار في أتليتكو أكثر من ذلك.

الرئيس ميندوزا الذي كان قد فاز لتوه بالانتخابات، أدرك الوضع الحرج الذي يعيشه نظيره كالديرون المطالب بالتخلص من سانشيز قبل انتهاء عقده، فعرض 150 مليون بيسيتا + الحارس خوسيه مانويل أوتشوتورينا + لاعب الوسط خوان لوزانو..

في المقابل، ودت جماهير أتليتكو لو استطاعت اغتيال سانشيز فور أن علمت بكواليس هذا العشاء المشؤوم، بل بدأت في مهاجمته بصافرات الاستهجان العنيفة في ملعب فيسنتي كالديرون، ناعتين إياه "بالمرتزق".

في 30 يونيو، توجّب على سانشيز أن يتمتع بقدر إضافي من الاحترافية، ليقود فريقه في نهائي كأس ملك إسبانيا أمام أتليتك بلباو.. أوجو بات بطلا قوميا مكروها بين جماهير أتليتكو عندما سجل هدفي الفريق في الانتصار 2-1 على ملعب سانتياجو برنابيو، ملعب وللسخرية، لن يبارحه بعد تلك المباراة..

أما جماهير ريال مدريد، فصحيح أنها لم تعش ليالٍ سوداء كالتي عاشتها جماهير أتليتكو مع قرب اكتمال الصفقة، إلا أنها لم تشعر براحة تامة أيضا.

ملعب ريال مدريد الذي امتلأ في السابق بكثير من الكراهية لنجم الغريم التقليدي، سيجد نفسه مجبرا على الانحناء تحيةً للنجم الجديد الذي أهانوه وسخروا منه في عديد المرات السابقة، لم يكن الأمر سهلا على نفوس عشاق الميرنجي، خصوصا أن حضور سانشيز، سيعني رحيل الألماني أولي شتيليكه..

شتيليكه كان لاعبا في صفوف الفريق منذ عام 1977، يشارك في خطي الدفاع والوسط، ويقوم بأي ما يطلبه منه المدرب، رجل كل الأدوار، ثابت المستوى، يبذل قدرا هائلا من التضحية، حتى أنه سابق الزمن للحاق بنصف نهائي كأس الاتحاد الأوروبي أمام إنتر الإيطالي في أبريل 1985، بعد أن عانى من مشاكل في الكبد، ليزيح كرة من على خط المرمى في تلك المواجهة العصيبة، قبل أن يمضي الفريق لاحقا للتتويج بالبطولة.

جماهير مدريد هتفت قبل التعاقد مع سانشيز: "أولي نعم، أوجو لا" “Uli sí, Hugo no”.

الاختيار بين الألماني شتيليكه والمكسيكي سانشيز كأجنبي ثانٍ في الفريق إلى جانب الأرجنتيني خورخي فالدانو، كانت وضعا فارهًا لجماهير ريال مدريد؛ لأن جماهير أتليتكو وعلى الجانب الآخر، رأت نهاية العالم مرهونة بانتقال نجمهم إلى النصف الثاني من المدينة، أعضاء النادي هددوا بالمقاطعة وعدم تجديد اشتراكاتهم، والرئيس كالديرون بات في وضع حرج.. ما العمل؟ أتليتكو يمر بأزمة مالية، والنادي صار بين شقي الرحى، إما الاحتفاظ بسانشيز ورحيله مجانا في الصيف التالي وخسارة مبلغ مالي كبير سينعش الخزينة، أو خسارة عدد كبير من الأعضاء الذين هددوا بالمقاطعة.

في 4 يوليو 1985، حدث "الكوبري" الأغرب في تاريخ صفقات كرة القدم الإسبانية، لأنه كان برضا الأطراف الثلاثة، وليس الطرفين الثاني والثالث فحسب!

أتليتكو مدريد -في محاولة لاحتواء جماهيره الثائرة- قام ببيع لاعبه أوجو سانشيز إلى فريق بوماس المكسيكي مقابل 200 مليون بيسيتا.. وفي 17 يوليو، قام نادي بوماس ببيع سانشيز إلى ريال مدريد مقابل 250 مليون بيسيتا، ليدس 50 مليون بيسيتا "عمولة" الصفقة في جيبه، ويخرج الجميع سعداء.

ميندوزا وأثناء التواجد في المكسيك لتوقيع عقد سانشيز، اتفق مع التلفزيون المكسيكي على بث مباريات ريال مدريد على الهواء مباشرة، مما نقل شعبية النادي لاحقا في أمريكا الشمالية إلى مرحلة مختلفة.

يوم 20 يوليو، تم تقديم سانشيز في ملعب سانتياجو برنابيو أمام 50 ألف مشجع.

انتهت.

التعليقات