أنا دروجبا (1) – اللعنة على تييري هنري

الأحد، 09 سبتمبر 2018 - 16:52

كتب : أحمد عز الدين

دروجبا

بداية شكرا لكل مدرب ساهم في صنع اسم ديدييه دروجبا. شكرا لأسرتي ولعمي ميتشيل جوبا الذي حول أحلامي إلى حقيقة.

شكرا للمدرب ألان باسكالو الذي تحدى قدراتي وللرجل الذي آمن بي جاي لاكومب. شكرا للاستثنائي الذي غير حياتي، شكرا جوزيه.

رومان أبراموفيتش بفضلك تغيرت حياة أسرتي كلها. فخور بالعمل معك ومع كل لاعب عاش معي لحظات الاحتفال والأسى في رحلتي.

  • AU REVOIR

لطالما عانيت من لحظات الرحيل.

فرض القدر علي الرحيل دونا عن رغبتي منذ طفولتي وطوال مسيرتي.

وأنا طفل صغير هناك من فرض علي ترك أسرتي والرحيل إلى فرنسا. وأنا في مرسيليا أرغموني على الرحيل إلى تشيلسي ثم أرغمني تشيلسي على الرحيل بعد ذلك.

لكني لا أنكر أني عشت رحلة رائعة. واليوم يشهد المرة الأولى التي أختار لحظة الوداع وطريقته بنفسي.

وبقميص تشيلسي دونا عن سواه.

قبل نهاية 2014-2015 أبلغت إدارة تشيلسي: هذا الموسم سيكون الأخير لي بالقميص الأزرق.

خططت لحفل الختام جيدا. تشيلسي يلعب مع سندرلاند في الجولة الأخيرة من الدوري وتلك المباراة تشهد مراسم تنصيبنا أبطالا للدوري الإنجليزي. نتسلم اليوم الكأس والميداليات الذهبية.

هذه المرة سيكون الرحيل جميلا.

جون تيري منحني شارة القيادة ومورينيو وضع اسمي على رأس لائحة تنفيذ الركلات الثابتة وضربات الجزاء.

وبعد المباراة بدأ الحفل. انتزع مورينيو التاج من الكأس ووضعه على رأسي وقال لي: أنت ملك ستامفورد بريدج.

كنت سعيدا.

في غرفة خلع الملابس دخلت واللاعبين، الكل يغني ويرقص. زجاجة الشامبانيا معي والكل ينال نصيبه.

ودعت الجميع، ولم أبك.

حين رحلت عن تشيلسي في 2012 بكيت لأني كنت مجبرا على ترك النادي، لكن تلك المرة أرحل سعيدا.

بعد ساعة تقريبا بقيت أنا وحيدا في غرفة خلع الملابس.

ظللت بمفردي لفترة طويلة، أردت حفر تلك اللحظة في قلبي.

فلم يكن الوصول إلى هنا سهلا. كانت رحلة طويلة.

--

أنا ديدييه دروجبا.

رحلتي مشابهة لكثيرين من أبناء قارتي فقط تميزت بالإصرار والالتزام بكل ما يتطلبه النجاح. ولهذا عنونت مذكراتي بكلمة "الالتزام".

سأحكي لكم قصتي.

  • الرحيل الأول

والدي ينحدر من أصول فقيرة ومسؤولياته أكبر من قدرات الانسان العادي. أبي يعول والدته وشقيقتين وأطفالهم وزوجته وأنا وشقيقتي الصغرى كلوديا.

لن أغرقكم بتفاصيل حياتي في أبيدجان. طفولتي طبيعية مليئة بالضحكات ولعب كرة القدم حافي القدمين مع حب مفرط لدييجو مارادونا، لا مسؤوليات ولا توقعات مرتفعة.

فقط مع عيد ميلادي الخامس جاء لزيارتنا رجل غير حياتي. عمي جوبا.

عمي لاعب كرة يعيش في فرنسا وهذا جعلني أنظر له بمثابة الإله.

جاء وزوجته التي لم تكن أنجبت بعد عارضا اصطحابي إلى فرنسا لتخفيف الأعباء عن والدي.

كنت منبهرا بفكرة السفر.

لكن قبل ساعات من الرحيل أدركت الحقيقة. علي توديع بيتي وأمي وأصدقائي وربما عدم رؤيتهم مجددا.

هنا تشنجت وتشبثت بها، رفضت السفر لكن في النهاية أرغموني على الرحيل.

  • عمي يطير

في فرنسا تلقيت صدمة حضارية.

لم أكن اجتماعيا لأن الأطفال لم يحبوا اللعب معي. استغربوا لون بشرتي وواحدة من الأطفال ظنت أني أضع طلاء أسود على وجهي وجسدي.

كذلك عانيت من كثرة تنقلات عمي. كلما كونت صداقات في مدرسة وجدته يقول: تعاقدت مع ناد أخر، سنرحل.

لكني استمتعت بتواجدي إلى جواره. عمي كان مهاجما وحين يقفز في الهواء كنت أظنه يطير لأنه يثبت في الهواء لفترة!

حين سألته كيف تفعل ذلك أجابني: "أحيانا على المهاجم أن يقفز لحظة واحدة بعد المدافع".

وشرح "يقفز المهاجم بعد المدافع فترى أنت المدافع يسقط وتراني أنا في السماء، فتظن أني أطير. لكني فقط أستخدم عقلي وأعرف متى أصل للكرة بدون إزعاج".

تعلمت منه الكثير.. "السر هو كيف يقرأ المهاجم لغة جسد المدافع حتى يقفز بعده بأجزاء من الثانية".

مع مرور السنوات وبسبب الأزمة الاقتصادية في كوت ديفوار أصبح والدي عاطلا عن العمل.

قرر عمي مساعدة والدي وساعده في السفر إلى فرنسا للبحث عن حياة جديدة مع أسرتي.

كنت سعيدا للغاية بالعودة للعيش مع أسرتي حتى وإن كان هذا يعني النوم على الأرض.

تغيرت حياتي وقتها.

صباحا أساعد والدي في غسل صحون الفنادق، وظهرا أذهب مع والدتي لتنظيف صالات الجيم.

لم أكن غاضبا من حياتي. لكن المشكلة الحقيقية كانت رفض والدي فكرة احتراف كرة القدم.

كل طفل في فرنسا يملأ استمارة بالعمل الذي يتمنى امتهانه مستقبلا.

وحين كتبت في استمارتي أتمنى أن أصبح لاعب كرة قدم، مزق والدي الورقة وقال لي: "حين تكتب مهنة حقيقية سأوقع على الورقة".

في اليوم التالي منحته استمارة أخرى كتبت فيها المهنة خباز.

مزقها وقال لي إني أفتقر لحس الدعابة. لا فائدة.

  • اللعنة على تييري هنري

إرضاء لوالدي اخترت مهنة محاسب وفي المقابل تركني بعد فترات الدراسة ألعب مع بعض فرق القطاعات التي ساعدني عمي في الوصول إليها.

وهذا هو الفارق بيني وتييري هنري.

في الوقت الذي بات فيه نجما مع منتخبات فرنسا تحت السن يتعلم ويكتسب خبرات كنت أنا في الـ17 من عمري ولازلت أتخبط.

اللعنة.

أركض خلف القطار حتى ألحق بتدريبات فريق هاو. ويقول من حولي: لماذا يركض دروجبا؟ هل يظن نفسه سيصبح لاعبا في باريس سان جيرمان :)

لعبت في أكثر من فريق رديف وبدأت أفهم معنى كرة القدم. أعمل مع مدربين على رفع حالتي البدنية وأفهم كيف أتمركز بشكل سليم وتميزت عن غيري بأني أحسن استغلال جسدي في إخفاء المدافعين.

وقتها شعرت أني جاهز لخطوة أكبر وبدأت مراسلة الأندية المحترفة.

بعد اختبار وأخر وثالث خطفت إعجاب فريق جوينجامب.

قال لي المدرب بعدما تجاوزت أول اختبار بنجاح: أنت لاعب مميز.

وفي اليوم التالي كُسرت قدمي :(

  • خطاب سان جيرمان

أنا في الـ19 من عمري ولم ألعب في قطاع ناشئين محترف حتى، بل ومصاب بكسر في الساق.

طبعا بدأت أفهم أني لن أحقق حلمي أبدا. لن أصبح لاعب كرة القدم في النهاية، ربما أعمل محاسبا.

فجأة وجدت خطابا يصل إلى منزلي موقع من رجل يقول إنه يعمل في باريس سان جيرمان. يودون اختباري!

كدت أبكي من سوء حظي.

اتصلت بالنادي وقلت لهم أنا مصاب لا أعلم ما أفعل. كنت أبكي فعلا ولا أكف عن الاعتذار.

ضحك الرجل الذي يعمل في ناشئي سان جيرمان وقال لي: لا تقلق. ستكون معنا. نتابعك منذ فترة طويلة ونعرف قدراتك جيدا.

واتفقنا على الاجتماع.

  • لحظة العمر

"راتبك سيكون 7000 فرانك شهريا. ستحصل على سيارة. هل تجيد اللعب أكثر بأحذية نايكي أم أديداس؟ عليك التعود على نايكي". هكذا قال لي الرجل مازحا في الاجتماع.

كنت أفتح فمي مع كل سؤال منه.

لم أكن أصدق. وقتها كنت أحصل على 76 دولار حين نفوز والآن يتحدثون معي عن عقد وراتب وسيارة أوبل تيجرا و7 أحذية نايكي سنويا.

كان ردي بمنتهى الجدية: اشتريت حذاء نايكي من 3 سنوات. لازلت ألعب به حتى الآن لأني لا أستطيع توفير غيره.

هنا تدخل رجل ثان في الحديث وقد كان صامتا أغلب الوقت، قال: "سيكون العقد لموسم واحد فقط. إن أبليت بلاء حسنا قد نمدد الارتباط لفترة أطول".

شعرت أن الرجل الثاني غير مرحب بي، لا يبدو سعيدا لوجودي.

نظر هذا الرجل ثقيل الظل إلى زميله الذي كان مرحبا بي، ثم قال لي: هل تسمح لنا ببعض الوقت. سنذهب لدقائق ونعود إليك بقرارنا النهائي.

انتظرت.

مرت ربع ساعة، نصف ساعة ثم ساعة.

أقول لنفسي: هل حدثت مشكلة؟

سأمنحهما 10 دقائق أخرى وإن لم يأت أحدهما سأرحل.

مرت ساعة أخرى وأنا عاجز عن اتخاذ قرار. لم يظهر أحد منهما ولا أعلم السبب.

في النهاية لم أجد مفرا، ورحلت.

حين عرف والدي القصة صرخ في وجهي: هل جننت. تقول إن الأندية لا تطلبك وحين يأتيك عرض بااااريس سان جيرمان ترحل لأنك لا تطيق الصبر لأربع ساعات؟ يالك من متخاذل.

أنظر بطرف عيني.

وعلى التلفاز خبر انضمام لاعب صاعد في مثل عمري لقائمة المنتخب الأول لفرنسا يدعى تييري هنري.

ربما ليس مقدرا لي أن أكون لاعب كرة قدم.

--

وجدت جوزيه يدخل الغرفة قاطعا خيط الذكريات.

في غرفة خلع الملابس تلك كانت أخر مرة أقف فيها مع جوزيه في ستامفورد بريدج.

مورينيو لم يتحدث، فقط احتضنني طويلا ثم رحل.

اللعنة. لا مفر من البكاء.

التعليقات
مقالات حرة