كتب : أحمد فؤاد الدين | الثلاثاء، 17 يوليه 2018 - 12:22

قراءة مطولة في أبرز خطط كأس العالم 2018

كأس العالم

انتهى كأس العالم الحدث الأبرز في كرة القدم، كل أربع سنوات يجلب معه خطط تكتيكية جديدة أو بالأحرى يسلط الضوء على خطط جديدة تتحول لهدف للتكرار في منتخبات وفرق كثيرة حول العالم. خلال ٦٤ مباراة انتهت بتتويج فرنسا شاهدنا الكثير من الخطط وطرق اللعب والفنيات، سنحاول تتبع أبرزها ونسلط عليه الضوء.

ريترو على القميص وفي الملعب

منذ أن أعلن مصنعي قمصان المنتخبات المشاركة في كأس العالم عن القمصان الجديدة المستوحاة من تصميمات قديمة ويبدو أن هذا كان نفس الحال بالنسبة لخطط كرة القدم في البطولة.

باستثناء ٤-٣-٣ الشهيرة ظهرت خططتان من الماضي ٤-٤-٢، واللعب بثلاثة مدافعين في الخط الخلفي، وتراجع الضغط العالي الذي برز في الأعوام العشر السابقة منذ تولى بيب جوارديولا تدريب فريق برشلونة التاريخي الذي فاز بكل شيء ممكن.

ثلاثي في الخط الخلفي vs ٤-٣-٣ غير تقليدية

أقدمت عدة فرق على استدعاء اللعب بثلاثي في الخلف إما بالطريقة القديمة كإنجلترا أو بشكل حديث كبلجيكا، وفي كلتا الحالتين واجهت الخطة القوية دفاعيا مشاكل أمام المنتخبات التي لعبت برباعي في الخط الخلفي.

كبداية يجب أن نتنبه أن طريقة ٣-٤-٣ أو ٣-٥-٢ هي الطريقة المثالية لمواجهة رباعي في الخط الخلفي لأنها تعطي زيادة عددية في وسط الملعب لكن في كل المواجهات الإقصائية بين الخطتين فشل ثلاثي الخط الخلفي في حل مشاكل كبيرة سنتناولها بالتفصيل.

إنجلترا ١٩٩٦

آخر إنجاز لمنتخب إنجلترا كان وصولها لنصف نهائي بطولة كأس أمم أوروبا عام ١٩٩٦، عندما كان ساوثجيت، مدرب الفريق، جزء من الخط الخلفي الثلاثي الذي لعب البطولة وخرج من نصف النهائي بضربات الجزاء أمام ألمانيا.

ربما يكون هذا أحد العوامل التي دعت المدرب الإنجليزي للعب بنفس الطريقة لكنه في الحقيقة كان لديه أسباب أقوى بكثير للإقدام على تجربة خطة لم يلعب بها فريق كبير منذ عقود تقريبا.

تأثير بيب

كثر الكلام على تأثير بيب جوارديولا على الكرة العالمية وخاصة الفائز بكأس العالم بعدما درب في أسبانيا وألمانيا وفاز البلدين بالبطولة وقت أن كان مدربا هناك لأكبر نادي في كل بلد.

ومع تقدم إنجلترا في البطولة ووصلها لنص النهائي ظن الكثيرين أن السبب هو وجود بيب في إنجلترا كمدرب لمانشستر سيتي الإنجليزي، لكن هذا الأمر لا يتعدى أن ترتدي نفس القميص في مباريات فريقك الحاسمة لأنه يفوز بها دوما!

تأثير بيب على خطة ساوثجيت حدث بعد التطور المذهل في مستوى جون ستونز مدافع الفريق الأساسي وقدراته على الركض بالكرة من الخط الخلفي للأمام والتمرير بشكل صحيح ما يعني تقليل الضغط على مدافعي الفريق ونقل الهجمة بشكل سليم.

وتبعه أيضا قدرات كايل واكر في اللعب بالكرة والتمرير والدخول لعمق الملعب من مركز الظهير الأيمن ووجود ظهيرين في منتخب إنجلترا بمميزات الجناح الدفاعي في صورة كيفين تريبيير لاعب توتنهام وآشلي يونج لاعب الوسط المهاجم الذي تحول لظهير منذ سنوات.

أقدم ساوثجيت على اللعب تقريبا بنفس الخطة التي لعبت بها إنجلترا في عام ١٩٩٦ لعدة أسباب، أولا يملك الفريق مدافع زائد في الخط الخلفي ما يعطي أمان نسبي ويوفر أيضا الشيء الأهم وهو تغطية صعود جون ستونز الذي أحيانا ما يكلفه صعوده هجمات مرتدة تجعل مدافع الفريق الأخر وحيدا أمام مهاجمي الخصم، والاستفادة من ظهيري المنتخب وإمكانيات لاعبي الوسط المتنوعة.

لعب ساوثجيت في الخط الخلفي بالثلاثي جون ستونز (مدافع ممرر)، كايل ووكر (ظهير أيمن يتحرك للعمق) وهاري ماجواير (مدافع تقليدي)، أمامهم الخماسي كيفين تريبيير كظهير أيمن متقدم، آشلي يونج كظهير أيسر متقدم، وفي الوسط لعب بهيندرسون كارتكاز وحيد أمامه لاعبين خيسي لينجارد وديلي آلي كصانعي لعب (رقم ١٠) خلف الثنائي هاري كين كرأس حربة صريح ورحيم سترلينج رأس حربة يتحرك على الطرف.

في حالة الهجوم تتحول الخطة إلى ٣-٣-٣-١ بخروج كلا من سترلينج ولينجارد على طرفي الملعب يتوسطهم آلي ويبقي كين كرأس حربة صريح.

نجحت الخطة في أن تصل بإنجلترا إلى دور نصف النهائي أفضل إنجاز لهم منذ الفوز بالبطولة عام ١٩٦٦ على أرضهم، لكنها خسرت أمام كرواتيا في نصف النهائي، لماذا؟

أطراف مبتورة!

خسرت إنجلترا مباراة كانت في المتناول لأكثر من ٤٥ دقيقة هي زمن الشوط الأول من المباراة عندما سجلت هدف التقدم وأضاعت على الأقل هدفين محققين، وظلت كرواتيا تلعب دون خطة واضحة حتى نهاية الشوط وتدخل زلاتكو داليتش مدرب كرواتيا في المباراة.

داليتش أوضح للاعبي كرواتيا الثغرة الواضحة في خطة الفريق الإنجليزي، طرفي الملعب، لا يوجد غير لاعبين فقط يتحركا على طرفي الملعب، تريبيير على اليمين، وآشلي يونج على اليسار لأن جيسي لينجارد وديلي آلي يلعبان دور الرقم عشرة كصانعي لعب من العمق.

ولا يوجد عدد كافي في وسط الملعب للتحرك على الطرف فالفريق الأنجليزي يلعب بارتكاز وحيد هو جوردن هيندرسون، فما كان من كرواتيا إلا الضغط بالجناحين بيريسيتش وريبيش على ظهيري المنتخب الإنجليزي وترك كل الحرية لظهيري كرواتيا المميزين جدا سترينيتش وفيرسالكو للتقدم واستغلال النقص العددي المرعب على رواقي الملعب.

فسجل الكروات هدفين وكانوا الأفضل طول الشوط الثاني والأشواط الإضافية، ولم يتحرك ساوثجيت لتغير طريقة اللعب أو زيادة اللاعبين على الطرف طيلة المباراة وفشل في اختبار المرونة التكتيكية الأول.

بلجيكا: بيب جوارديولا يدرب في كأس العالم

لا يمكن تصور اختلاف كبير بين منتخب بلجيكا بقيادة مارتينيز أو بقيادة بيب جوارديولا افتراضيا، فالمنتخب البلجيكي أقرب ما يكون لكل ما يؤمن به المدرب الأسباني الشهير.

اللعب بأكبر عدد من لاعبي الوسط المميزين القادرين على التمرير والتنوع التكتيكي في المباراة الواحدة ويمكن حتى إيعاز النقطة الأخيرة للمدرب الأرجنتيني مارسيلو بيلسا الأب الروحي لبيب.

قدم مارتينيز تنوع ومرونة تكتيكية هي الأفضل في المونديال، وقدم كذلك كرة قدم هجومية لم يقدمها غيره في كأس عالم غابت عنه إيطاليا بمنتخبها وحضرت بروحها الدفاعية.

في البداية يلعب مارتينيز بطريقة ٣-٤-٣ بثلاثي في خط الدفاع يملكون مواصفات استثنائية بالقدرة على التمرير السليم من الخط الخلفي، والقدرة على شغل مركز الظهير على كلا الجانبين بوجود الثلاثي يان فيرتونخين (مدافع وظهير أيسر)، توبي ألديرفيريلد (مدافع وظهير أيمن)، فينسينت كومباني (مدافع ممر).

لكن التنوع التكتيكي لمارتينيز يظهر جليا في خط الوسط الذي يشغله لاعبين قادرين بشكل أساسي على التمرير السليم، افتكاك الكرة والمساندة الهجومية وحتى لعب دور الظهير، فنجد ناصر شاذلي الذي لعب في مباراة البرازيل دور هام جدا عندما تبادل دورين، اللعب كظهير أيسر في طريقة ٤-٣-٣ أو كجناح أيسر في ٣-٤-٣ أو حتى الدخول لعمق الملعب عندما عاد منتخب بلجيكا للدفاع للحفاظ على تقدمه في المباراة.

رباعي خط الوسط البلجيكي كانوا أكسيل فيتسل ارتكاز دفاعي تقليدي بواجبات لا تغير فيها، كيفين دي بروين، الذي قدم تنوع لا مثيل له في وسط ملعب بلجيكا حرمه من الحصول على الإشادة المطلوبة، فلعب كجناح في بعض الوقت، كوسط مدافع في الكثير من الأحيان، وكوسط ملعب مهاجم في مباريات أخري.

هذا التنوع في أدوار كيفين ظهر للمرة الأولي مع بيب في مانشستر سيتي، فاللاعب الذي اعتاد على الأدوار الهجومية واللعب كجناح صريح أو صانع لعب قدم مع بيب أدوار مختلفة فلعب كرقم ٦، ٨، ١٠ أو كجناح صريح.

هذا التنوع في الأدوار يبرز وعي تكتيكي لا مثيل له، وقدرات فنية مبهرة لأحد أفضل لاعبي الوسط في العالم، وهو ما استغله مارتينيز للحصول على مرونة تكيتيكة كبيرة في فريقه.

انضم لثنائية خط الوسط لاعبين الأول توماس مونييه لاعب باريس سان جيرمان كظهير أيمن متقدم بدون تغير في أدواره أو أي مرونة، وعلى الجانب الأيسر تنوع شاغل المركز بين يانيك كاراسكو (لاعب وسط مهاجم) كظهير أيسر متقدم أو ناصر الشاذلي (لاعب وسط) كشهير أيسر ومساند للوسط والدفاع.

وفي الخط الأمامي يظهر الثلاثي، لوكاكو كرأس حربة صريح (أو وهمي كما في حالة مباراة البرازيل)، وإيدين آزار كجناح أيسر (لاعب وسط مهاجم وصانع ألعاب في مباريات أخرى) ودي بروين كجناح أيمن حال دخول مروان فيلايني في وسط الملعب مكانه.

قدمت بلجيكا أفضل كرة هجومية في البطولة ونجحت مرونة مارتينيز في إنقاذه مرتين، الأولى في مباراة اليابان بعد إقحامه لناصر شاذلي ومروان فيلايني ليسجل الثنائي رغم التأخر بهدفين ويعود ليفوز ويتأهل لمواجهة البرازيل والتي قدم فيها أفضل مبارياته تكتيكيا بعدما نوع خطط اللعب لأكثر من ثلاث مرات عندما تقدم في النتيجة، عندما استحوذ على الكرة وعندما تراجع للدفاع.

مغامرة خاسرة

وفي هزيمته الأولى والأخيرة أمام فرنسا غامر مارتينيز في منتصف الشوط الأول تقريبا، عندما حول لاعبه المهاري آزار من جهة اليسار للدخول لعمق الملعب لمساندة دي بروين ضد بوجبا وكانتي ودخول فيلايني كمهاجم ثاني تقريبا مائل أكثر ناحية اليسار ليعطي أفضلية بلجيكية في منطقة جزاء فرنسا مستغلا عرضيات الفريق التي لم تكن كافية عدديا من الأساس ولم تزداد إلا بدخول مارتينيز محل ناصر شاذلي الذي ظهر في دور الظهير الأيمن الصريح.

لكن هذا التغيير كان بعد الهدف، وأعقبه خروج فيلايني نفسه ودخول كاراسكو لمزيد من العرضيات لكن بعدد أقل من أصحاب القامات الفارعة للتسجيل فأنتهت المباراة بهدف من ركلة ثابتة، في مباراة ضعيفة فنيا من ديدييه ديشامب خاصة على مستوى الهجوم الذي فشل تماما في فرض أي خطورة على بلجيكا التي استعدت ذكريات الظهير الأيسر لدي فيرتونخين وقلص من خطورة مبابي طيلة المباراة ولم ينجح بافار في مساندة زميله المراهق في الخط الأمامي.

إجمالا قدمت بلجيكا بطولة مميزة للغاية، ربما احتاجت لبديل لمونييه الذي ظهر تأثير غيابه بشدة في مباراة فرنسا، فقائمة الفريق لا يوجد فيها أي ظهير صريح غير لاعب باريس سان جيرمان فيما ضمت 5 مدافعين!

ومع عودة مونييه سيطر منتخب بلجيكا في مباراة تحديد المركز الثالث والرابع ضد إنجلترا على الملعب طولا وعرضا وقدم مباراة مثالية كان يحتاجها بشدة أمام فرنسا لبلوغ نهائي البطولة.

طرفا النهائي

أقدمت كرواتيا وفرنسا على اللعب برباعي في الخط الخلفي، ثلاثي في وسط الملعب وثلاثي في الهجوم، لكن كل فريق نفذ طريقته بشكل مميز جدا جعلت الخطة في كل مرة تبدو مختلفة تماما في التطبيق.

مودريتش الرقم ٦،٨،١٠

كرواتيا لعبت برباعي في الخط الخلفي، أمامه ثلاثي متميز جدا لتنوع أدواره، بروزوفيتش خط وسط مدافع (الرقم ٤ كمركز وليس على القميص)، راكيتتش خط وسط مهاجم (الرقم ٨) وبإمكانيات للعب كرقم ٦ ومودريتش الذي نوع من أدواره بين أكثرها تحفظا الرقم ٦ وأكثرها هجوما الرقم ١٠.

تنوع دور مودريتش هو ما أعطي كرواتيا قدرة على نقل اللعب بشكل سريع للغاية مع وجود أمكانيات فنية للتمرير في كل خط وسطها لكن الأهم هو مودريتش الذي في حالة الدفاع يمكن أن يتراجع خلفي رفيقي خط الوسط ليتمكن من نقل الكرة بسهولة من الخلف للأمام، أو في حالة الهجوم يتحرك مودريتش ليصبح الرقم عشرة ويحرك الكرة يمينا ويسارا لخلخلة دفاعات الخصم أو حتى التسجيل كما كان الحال في مباراة الأرجنتين.

الدور قريب للغاية من توصيف Box to Box midfielder الذي شاهدنا بوجبا يقوم به في يوفنتوس قبل ثلاث سنوات.

بطل العالم

لا يمكن وصف طريقة لعب منتخب فرنسا بطريقة ٤-٣-٣ فالفريق على الورق يلعب ٤-٢-٣-١ لكن بوجود بليز ماتويدي لاعب الوسط كجناح تتحول الخطة بحسب وضع فرنسا في المباراة ما بين ٤-٤-٢ في الدفاع، و٤-٣-٣ لاستخلاص الكورة والتحول للهجوم و٤-٢-٣-١ عند الهجوم المنظم.

بدأ منتخب فرنسا البطولة في مباراة ضد أستراليا باللعب بعثمان ديمبيلي كجناح صريح في خطة ٤-٢-٣-١ ووجد ديدييه ديشامب أن وجود بوجبا وكانتي فقط في وسط الملعب كلاعبين قادرين على استعادة الكرة أمر غير مجدي.

ولم يقدم المنتخب مباراة جيدة أمام استراليا والتي انتهت بفوز الديوك بهدفين لهدف، فما كان من ديشامب إلا أن أقحم ماتودي لاعب الوسط المدافع على الجناح الأيمن ليعطي أفضلية أكبر لوسط الديوك واستمر بهذه الطريقة، عدا مباراة وحيدة لتعرض ماتويدي للإيقاف لتراكم البطاقات الصفراء.

الطريقة التي قدمها ديشامب منحت فرنسا لاعب وسط إضافي، لكنها وضعت الكثير من الحمل على الثنائي بافار الظهير الأيمن الممتاز، وجيرو أو جريزمان المطلوب منهم شغل المساحة التي يتركها ماتويدي حال دخوله لعمق الملعب.

ونجح بافار في شغل الرواق الأيمن كاملا كلما طلب منه ذلك وكذلك أعطي جيرو وجريزمان إضافة كبيرة لخط الوسط بقدراتهم على الضغط على لاعب وسط الخصم من نصف ملعبهم، فيما كان مبابي أكثر لاعب محرر من الواجبات التكتيكة، فهو جناح صريح بنيت عليه خطة المنتخب بالبقاء على الجانب الأيسر في الدفاع بطريقة ٤-٤-٢ أو الهجوم بطريقة ٤-٢-٣-١ واستغلال سرعته لتسجيل الأهداف أو التمرير الحاسم لزميليه في الخط الأمامي.

وداعا للضغط العالي، أهلا بالتمريرات الطولية

بعد سنوات كان فيها الضغط العالي والاستحواذ هو المعادل العملي للكرة الجميلة، تراجعت شعبية هذه الطريقة في مونديال روسيا حتى أن فريقا واحدا تقريبا هو الذي طبقها وهو منتخب بلجيكا الذي تأثر مدربه بشكل واضح بأفكار بيب جوارديولا.

فيما عدا بلجيكا لم يقدم أي منتخب على الضغط العالي، وحتى إسبانيا لم تمهلنا الكثير لتقييم مستواها وخرجت من دور ثمن النهائي بأداء مخيب في المباريات الأربعة بعد إقالة مدرب الفريق قبل يوم واحد من بداية البطولة وتعيين المدير الاداري للفريق فيرناندو إييرو مدربا لها!

تراجع الضغط العالي نتيجة طبيعية لتراجع قيم الاستحواذ عند منتخبات المونديال، فمعظم الفرق وجدت راحة كبيرة في الدفاع لفترات طويلة في المباراة لأسباب عدة.

الفرق الصغيرة لعبت على الهجمات المرتدة وقررت الدفاع على أمل عدم تلقي أهداف ومن ثم التسجيل من المرتدات، أما كبار الكرة فكل فريق واجه مشاكل متنوعة، ربما أبرزها العثرات غير المتوقعة لفرق كبيرة جعلت كل أشكال المجازفة بالضغط العالي غير مجزية أو مثيرة، مع التحفظ الدفاعي كنسق متكرر لدى مدربي المنتخبات الكبيرة.

ديشامب لاعب الوسط المدافع السابق لمنتخب فرنسا ومدرب الفريق لا يريد أن يجازف بقائمة مثالية، فالتوقعات هي فوزه بالبطولة وهو ما حدث.

تيتي مدرب البرازيل استلم فريقا خسر بشكل كارثي على أرضه في نصف النهائي أمام البرازيل بسباعية فقام ببناء الفريق من الخلف وأحيانا لعب بثلاثي في الوسط أدوارهم دفاعية بالأساس للمعادلة الأدوار الدفاعية المنعدمة لدى خط هجومة.

سامباولي مدرب الأرجنتين لا هو لا أي من متابعي المنتخب يعرف الخطة التي يلعب بها ولا جدوى وراء محاولة فهم ذلك.

ألمانيا لم تحتج للضغط العالي في مجموعة بدت سهلة للغاية بوجود المكسيك، السويد وكوريا الجنوبية لكنها خرجت في النهاية عندما لم يفلح لاعبيها في تسجيل أكثر من هدفين أمام الثلاثي، هدف منهم في الوقت بدل الضائع أمام السويد.

البرتغال فريق فاز بكأس أمم أوروبا بعد ثلاثة تعادلات وركلات ترجيحية ولا يملك في الهجوم غير كرستيانو رونالدو فأعتمد خطة دفاعية تمكنه من عدم استقبال الأهداف ونقل الكرة سريعا للاعبه الهداف.

الأوروجواي فريق يلعب بـ٤-٤-٢ دفاعية منذ أكثر من ١٢ عاما عندما تولي مدربهم المخضرم تباريز قيادة الفريق عام ٢٠٠٦.

بالتالي لم يحضر الضغط العالي الذي شاهدناه في مباريات كثيرة في بطولة ٢٠١٤ سواء من ألمانيا، بلجيكا، فرنسا، هولندا أو الأرجنتين، وحتى من الفرق الصغيرة كغانا والجزائر.

الصغار ينتصرون!

نجح مونديال روسيا أن يقدم لنا مباريات مثيرة للغاية، تكمن إثارتها في فوز فرق صغيرة ضد فرق أكبر وأقوى على مستوي الزفراد والمنظومة، وكانت كلمة السر في الهجمات المرتدة المنظمة ومنظومة دفاعية جيدة، لكن أكثر ما ميز فوز المنتخبات الصغيرة هو وجود أكثر من لاعب خلال الهجمات المرتدة وليس اللعب بعشرة لاعبين خلف الكرة.

المكسيك، روسيا، السويد

قدمت المكسيك مباراة مثالية بالنظر لفرق الإمكانيات بينها وبين منتخب ألمانيا عندما انتصرت على حامل اللقب بهدف نظيف، استبسل المنتخب المكسيكي في الدفاع لكن الميزة التكتيكية للفريق كانت الهجوم المرتد بثلاثة لاعبين وهو ما تكرر مع روسيا وبشكل مختلف مع السويد الفرق الثلاث التي حققت نجاحات كبيرة، حيث وصلت المكسيك لدور الستة عشر فيما أكملت روسيا والسويد البطولة حتى دور الثمانية قبل الخروج أمام كرواتيا وانجلترا على الترتيب.

في مباراة المكسيك نجح الفريق في تشكيل هجمات خطيرة للغاية بالاعتماد على الثلاثي ميجويل لايون على اليمين، هيرفينج لوزانو على اليسار، وخافيير هيرناندز (تشيشاريتو) في الوسط، الثلاثي كان في حالة استعداد دائم للركض معا كوحدة واحدة وتناقل الكرة للتسجيل في الهجمات المرتدة.

ويختلف هذا التكتيك عما تعودنا عليه من الفرق الصغيرة بالدفاع بعشرة لاعبين خلف الكرة والاعتماد على لاعب سريع وهداف في المقدمة وحيدا.

لكن ما قدمته المكسيك أمام ألمانيا كان نموذج مثالي للهجمات المرتدة التي تحتاج لأكثر من لاعب لتصبح خطرة، وكان عامل الربط بين باقي لاعبي المكسيك وثلاثي الهجوم هو المميز جدا كارلوس فيلا الذي لعب دور الربط بين نصفي فريقه، الدفاع والهجوم المرتد، يستلم فيلا الكرة المرتدة من دفاع فريقه ليرسل كرات طولية يمينا أو يسارا لثلاثي الخط الأمامي ليبدئوا هجمتهم السريعة ويسجلوا.

ربما لهذا السبب خسرت المكسيك أمام السويد المنظمة دفاعيا للغاية فالفريقين لم يريدا الكرة أبدا وكانا على استعداد للدفاع لفترات طويلة في المباراة لكن التنظيم الدفاعي المثالي للسويد جعلها صاحبت اليد العليا لتفوز فوز عريض بثلاثية نظيفة وتتأهل كأول مجموعتها.

السويد نفسها قدمت مباراة جيدة جدا أمام ألمانيا أيضا بطريقة مشابهة لما قدمته المكسيك، الدفاع بطريقة ٤-٤-٢ والهجوم بثلاثي فقط، هم رأسي الحربة أولا تويفونين، وماركوس بيرج ولاعب الوسط المميز للغاية إيميل فورسبيرج، تويفونين كان يلعب دور تشيشاريتو بالدخول لعمق الملعب وترك مساحة على طرفي الملعب لزميليه ثم الركض نحو منطقة جزاء الخصم للتسجيل من عرضياتهم أو تمريراتهم.

هل تعرف من لم يفعل ذلك؟ منتخب مصر، الذي لن يتواجد في أي موضوع يتناول الخطط وطرق اللعب في مونديال روسيا إلا في حالة مثل هذه.

المنتخب حاول الدفاع بعدد كبير واللعب على الهجمات المرتدة لكنه لم يمتلك العدد الكافي من المهاجمين لتحقيق أي استفادة فعلية من هذا التكتيك، لن استمر في الحديث عن المنتخب المصري الذي لم يقدم أي شيء يذكر لنستكمل باقي المنتخبات.

روسيا بدورها قدمت بطولة كبيرة وتأهلت كثاني مجموعتها بعد فوزين منطقيين أمام مصر والسعودية اعتمدت فيهما على الدفاع بعدد كبير من اللاعبين والهجوم بعدد كافي، فاعتمدت على دينيس تشيرشيف، أليكساندر جولوفين، ورأس الحربة أرتيم دزويبا.

تشيرشيف لم يدخل تشكيل المنتخب الأساسي إلا بعد إصابة آلان دزاجويف في أول عشرين دقيقة من المباراة الافتتاحية أمام السعودية، لكنه كان من حسن حظ المنتخب الروسي الذي سجل له لاعب فياريال ثلاثة أهداف وقدم مستوى متميز في الهجمات المرتدة رفقه زملائه.

صعود أوروبا وأفول نجم أمريكا الجنوبية

استكملت منتخبات أوروبا ما بدأته منذ عام ٢٠٠٦ بالاستئثار بالفوز باللقب الأغلى في كرة القدم، فبعد فوز إيطاليا ٢٠٠٦، نجحت أسبانيا ثم ألمانيا في الفوز بالبطولة تبعهم منتخب فرنسا في النسخة الأخيرة لتصبح المرة الأولي التي تشهد تتويج أوروبي لأربع نسخ متتالية.

الحقيقة أن أوروبا لم تفز أبدا ببطولتين متتاليتين منذ عام ١٩٣٨ عندما حقق منتخب إيطاليا اللقب مرتين متتاليتين أعوام ١٩٣٤ و١٩٣٨.

النجاح الكاسح للقارة العجوز تم تتويجه بوصول رباعي أوروبي لنصف النهائي للمرة الأولى في تاريخ البطولة ويمكن إيعازه بشكل رئيسي للتنظيم التكتيكي للفرق الأوروبية وجودة لاعبيها.

التنظيم التكتيكي يختفي تماما في منتخبات مثل الأرجنتين وكولومبيا وبيرو، فيما خسرت الفرق المنظمة تكتيكيا مثل أوروجواي والبرازيل أمام فرق ليست فقط أفضل على مستوى الأفراد لكن لوجود مرونة تكتيكية وهو الأمر غير المتواجد في المنتخبين.

رغم التنظيم المميز جدا لمنتخب الأوروجواي إلا أن غياب لاعب واحد مثل إيدنسون كافاني كلف الفريق الخروج بسهولة أمام فرنسا، وغياب المرونة التكتيكية مع بعض التوفيق سمح لمنتخب بلجيكا بالفوز على السيلساو.

مونديال الشباب

أكثر ما مميز كأس العالم في روسيا هو الأعمار السنية الصغيرة نسبيا لفرق كثيرة، منتخبات كبلجيكا، إنجلترا، وفرنسا تؤكد أن القوي التي ظهرت في هذه البطولة موجودة لتبقي، وأتوقع أن يقدم الثلاثي بطولة قوية للغاية في أمم أوروبا ٢٠٢٠ ويصل الثلاثي لنصف النهائي لو لم يتقابلا في أدوار سابقة وأبقوا على مدربيهم.

ملاحظة أخيرة: رغم الخروج المبكر لمنتخب نيجيريا إلا أنه أيضا يمتلك قائمة هي صاحبة أصغر معدل أعمار في البطولة، وقدموا مباريات كبيرة ولم يحالفهم الحظ في التأهل لكنهم قادرين تماما على تقديم بطولات أكبر فيما هو قادم.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات