بطل في الجول – عالم بأسره توحد لإنقاذ 12 مشروعا لنجوم في كرة القدم

الثلاثاء، 10 يوليه 2018 - 10:21

كتب : أحمد العريان

بطل في الجول – عالم بأسره.. توحد لإنقاذ 12 مشروعا لنجوم في كرة القدم

للحياة قيمة أكبر لا يعرفها إلا من جرب خطر فقدانها. أحد أبطال قصتنا واجه الموت مرتين، وبين المرتين كان قد فقد فعلا أهم من يزينون حياته، لكنهم كانوا سر قوته للحفاظ على أمل نجاة آخرين إلى أن توحد العالم معه لإنجاز المهمة.

12 طفلا تتراوح أعمارهم بين 11 إلى 16 عاما، ومدربهم لا يبلغ من العمر إلا 25 عاما. جميعا عالقين داخل كهف في إحدى الغابات التايلاندية لقرابة أسبوعين بدون طعام.

إيكابول شانتووج هو المدرب الشاب، والأطفال الـ12 هم قوام فريقه لكرة القدم. أنهوا تدريباتهم يوم 23 يونيو وقرروا الاحتفال بعيد ميلاد أحد أفراد الفريق بطريقة مختلفة، لا تشويق أكبر من قضاء الليلة في كهف طوله 10 كم.

وصل الفريق إلى الكهف مستخدمين دراجاتهم، لا خوف عليهم لأنهم أهل تلك المنطقة ويحفظون الكهف عن ظهر قلب، لكن القدر أراد أن تكون تلك الرحلة أكثر من مجرد ذكرى لمغامرة في ذهن أطفال، فجعلهم سببا في توحد العالم أجمع.

هطلت الأمطار بغزارة. ليست بغزارة فقط بل أنها كانت الأقوى في تاريخ تايلاند الحديث كما وصفها البعض. تسارعت الأحداث سريعا وتحولت رحلة الاستمتاع إلى رحلة البحث عن الحياة. انسد الكهف وتسربت المياه للداخل حتى على منسوبها إلى حد خطير.

_ _ _

"الجميع هنا بخير، الفريق الطبي ومسؤولو الإنقاذ يقومون بعملهم ويراعون الأطفال على أكمل وجه".

"أعتذر لأهالي الأطفال وأشكركم جميعا على الدعم الذي أظهرتموه لنا، وأعدكم أن أراعي الأطفال جيدا بكل ما أملك لحين إنقاذهم". كانت تلك هي رسالة إيكابول شانتووج عبر فريق الإنقاذ الذي وصل الكهف أخيرا بعد 13 يوما من البحث عن المفقودين.

جوي خامباي صديق إيكابول يقول "أعرف إيك جيدا، وأعرف أنه سيلوم نفسه على هذا الموقف طوال العمر".

إيكابول شانتووج يشعر بالمسئولية تجاه ما حدث للأطفال، لكن أهل الأطفال يرون عكس ذلك.

"إيك يحب الأطفال أكثر مما يحب نفسه، ماذا لو لم يذهب معهم في الرحلة؟ ما الذي كان سيحدث لهم؟". هكذا تحدثت والدة الطفل بورنشاي كاملاونج العالق داخل الكهف.

وأضافت "حين يخرجون سنحاول مواساته، لابد أنه يحمل نفسه الآن فوق طاقته، لكني أقول له (عزيزي إك. أعدك بأنني لن ألومك أبدا مهما حدث".

الأطفال وإيكابول تركوا أحذيتهم ودراجاتهم خارج الكهف لحين الدخول وكتابة أساميهم على الحائط، وبعد السير لمسافة ثلاثة كيلومترات داخل الكهف، هطلت الأمطار وانسد الطريق ليظلوا عالقين بالداخل.

اثنان من الفريق لم يذهبا رفقة الأطفال إلى الكهف، والسبب أن أحدهما نفذ أوامر أسرته بالعودة مبكرا ليؤدي واجبه المدرسي، والآخر لم يحضر دراجته معه.

الطفلان نجيا من مصير زملائهم، وكانا أيضا سببا في إيصال مدرب الفريق نوبارت على مكان البقية حين أخبراه بأنهم ذهبوا للرحلة. لحق بهم فلم يجد إلا الدراجات وأحذية الأطفال خارج الكهف.

بعد 12 يوما من البحث في محيط المنطقة، وصل فريق المنقذين إلى مكان الأطفال أخيرا، وعلموا أنهم مازالوا أحياء.

الجميع بالداخل أحياء إذا لهذه اللحظة، لكن كيف سيخرجون؟

نحن حاليا في موسم الأمطار ومنسوب المياه سيزيد داخل الكهف مع هطول الأمطار مجددا. فريق المنقذين ركبوا بالفعل مضخات لإخراج الماء من الكهف، لكن مفعول الأمطار أكبر من المضخات حتى في كامل قوتها. إذا اضطروا لانتظار انتهاء موسم الأمطار، فهذا يعني أنهم سينتظرون حتى شهر أكتوبر المقبل. الأمر جائز لأن فريق الإنقاذ الذي وصل إلى الأطفال أمدهم بالطعام الذي يكفيهم حتى شهر أكتوبر، لكن تلك الفرضية لها أخطار جسيمة على نفسية الأطفال.

توجد صعوبة أخرى تواجه عملية الإنقاذ. المسافة التي يجب أن يقطعها الأطفال للخروج من الكهف حوالي 6 ساعات. بين الغوص في ماء ضحل ببعض الأماكن، والسير في ممرات ضيقة جدا لا تسمح حتى بدخول أسطوانات الأوكسجين.

خيار الحفر ليس مثاليا لأن المسافة التي سيتطلب حفرها حوالي كيلومتر في الصخور، الأمر سيكلفهم وقتا طويلا جدا وتكلفة عالية جدا، كما أن مسار الحفارات قد ينحدر في طريق خطأ بنسبة كبيرة.

إيكابول هو المدرب المساعد لفريق أكاديمية (Wild Boars) لكرة القدم.

في عام 2003 كان إيك في العاشرة من عمره، لكنه كان شاهدا على تجربة صعبة أولى في حياته. وباء تفشى وضرب مدينته وقضى علي جميع سكانها.

إيك فقد والديه. فقد شقيقه الأصغر وكل أفراد عائلته، لم يتبق له سوى عمته أومبرون سريويتشاي التي احتضنته وتكفلت بتربيته.

"لمدة سنتين ظل إيكابول طفلا وحيدا لا يختلط بالناس. ولذلك قررنا إرساله إلى الدير كي يتعلم أن يكون راهبا". أومبرون سريويتشاي عمة إيكابول لصحيفة (ذا أستراليان).

إيكابول قضى 10 أعوام في الكنيسة، يتعلم فن التأمل ويرتدي زي الرهبان.

وقبل ثلاث سنوات، قررت مدرسة "ماي ساي براسيتسارت" في مقاطعة شيانج راي القريبة من حدود ميانمار تكوين فريق لكرة القدم وأطلقوا عليه " the Moo Pa" أو " Wild Boars" (الخنازير البرية). وأصبح إيكابول هو المدرب المساعد للفريق الذي يقوده نوبارت.

أغلب لاعبي الفريق ينحدرون من الأقليات العرقية والأسر الفقيرة في المقاطعة، وبالفعل بدأوا المنافسة في مسابقات محلية.

"إيكابول ابتكر نظاما جديدا بأن يمنح الأطفال أحذية كرة القدم والملابس كهدية لمن يتفوق دراسيا كمساعدة لهم في تحقيق حلمهم بأن يصبحوا لاعبين محترفين". نوبارت مدرب الفريق عن إيكابول

"إيكابول يحب الأطفال أكثر من نفسه، وذلك لأنه فقد والده صغيرا" عمة إيكابول تتحدث.

"على مدار 10 سنوات قضاها داخل الدير، تعلم أن يكون شابا سليما. صحيا وجسديا وعقليا.

تلك هي المهارات التي علمها إيكابول أيضا للأطفال كي يبقيهم هادئين طيلة 10 أيام بدون طعام ومحاصرين داخل كهف مظلم.

"كنت واثقة أنه سيستطيع مساعدتهم والحفاظ على هدوئهم وتفائلهم".

"إيكابول فقد أحبائه في صغره. لا نستطيع تحمل مثل تلك المآسي مرة أخرى". عمة إيكابول لـ"ذا أستراليان".

إيكابول قاد الأطفال إلى صخور عليا بعيدة عن المياه. بالفعل علمهم الهدوء ومواجهة الصعاب مستخدما فن التأمل الذي تعلمه في الدير، لكنه الآن يعاني ضعف شديد والسبب أنه كان يترك الطعام القليل المتوفر داخل الكهف للأطفال على حسابه.

_ _ _

8 أطفال خرجوا بالفعل إلى الآن من الكهف بمساعدة فريق الإنقاذ، ومازال أربعة في الداخل رفقة المدرب، وبالتالي فدور إيكابول مازال قائما للحفاظ على هدوء المتبقيين في الداخل، خاصة مع تعليق عملية الإنقاذ لمدة قد تصل إلى 20 ساعة قادمة لإمداد الكهف بالأكسجين من جديد، قبل أن يباشروا الإنقاذ.

_ _ _

مرحلة الإنقاذ لم تكن سهلة المنال. لكي نصل إليها مررنا بالعديد من الخطوات، ومنهم من ضحى بحياته لكي ينقذهم.

بجانب مئات المنقذين من مختلف أنحاء العالم الذين قدموا إلى مقر الحادث متطوعين لإنقاذ الأطفال، يوجد سامان كونان.

سامان كونان. منقذ متطوع وجندي سابق في البحرية التايلاندية يبلغ من العمر 38 عاما.

كان يوزع أسطوانات أوكسجين بالكهف على الأطفال، وأثناء رحلة العودة انتهى الأوكسجين. حاول زميله إنعاشه، لكنه فارق الحياة سريعا.

ماها فاجيرالنكوم ملك تايلاند أمر بجنازة عسكرية وبرعاية ملكية للمنقذ، وقد وصلت جثته إلى مطار بانكوك بالفعل لبدء الإجراءات.

_ _ _

هل تذكرون المضخات التي تعمل لإخراج الماء من الكهف للإبقاء على منسوب المياه منخفضا عند الأطفال؟ هل تسائلتم أين تضخ هذه الكمية الهائلة من المياه؟

"يمكننا كسب المال مرة أخرى، لكن حياة 13 إنسان لا تعوض أبدا. نحن سعداء جدا لتمكننا من تقديم المساعدة ولو بمقدار قليل". كان هذا هو رد ليك لابوندجون أحد المزارعين التايلانديين، والذي تصب المضخات مياهها في مزرعته، الأمر الذي أفسد محصوله بالكامل.

_ _ _

البليونير الأمريكي إيلون موسك تبرع بمعدات ضخ مياه ضخمة ومولدات كهرباء، بالإضافة لأدوات حفر. مضخات إيلون هي التي ساعدت رجال الإنقاذ في إخراج الأطفال حتى الآن دون أن يضطروا للغوص.

_ _ _

"حالة الأطفال النفسية أصبحت مستقرة بشكل كبير. سألونا عن نتائج كأس العالم وقلنا لهم أن كل الفرق الكبيرة خرجت : )" رجال الإنقاذ لوسائل الإعلام.

وحين علم الاتحاد الدولي لكرة القدم بالأمر، أصدر جياني إنفانتينو رئيس الفيفا بيانا يؤكد فيه بأن الأطفال سيكونون مدعوين لحضور نهائي كأس العالم في الملعب إذا خرجوا من الكهف قبل هذا الموعد.

_ _ _

أتخيل الآن المشهد. أرى الأطفال يتلقون تحية الجماهير الحارة في ملعب "لوجنيكي" في نهائي كأس العالم وقد خرجوا جميعا سالمين رفقة مدربهم. أتخيل نظرة السعادة الطفولية، الممزوجة بالامتنان لعالم توحد لأجلهم، وهو أمر نادر الحدوث.

العالم بأثره شارك في إنقاذ 12 مشروعا لمواهب كروية في تايلاند. إيكاوبل الذي علمهم الهدوء وحافظ على حياتهم 12 يوما في كهف مظلم. المنقذون والمتبرعون، المزارع الذي ضحى بمحصوله بالكامل، ووسائل الإعلام التي نقلت أخبار الحادث للناس، فدعوا وصلوا لأجل نجاة الأطفال. حتى الطبيعة التي شاء الله أن يؤجل هطول أمطارها الغزير لحين إخراج الأطفال كي لا تتعقد مهمة الإنقاذ ويظلوا عالقين لأشهر هناك على الأقل.

بطل القصة لم يكن فردا واحدا هذه المرة كما المعتاد، ولكنها أكبر بطولة جماعية. بطولة العالم بأثره.

هؤلاء سيكبرون. قد لا يحقق أحد منهم حلمه بأن يصبح لاعبا محترفا يمثل منتخب تايلاند، ولكن إن نجح واحد فقط في تحقيق ذلك، فستكون كرة القدم مدينة للعالم بأثره لتكوينه.

العالم العربي أيضا ممتن للمدونة @HaneenAlMamouri على تويتر، والتي كانت مصدر وسائل الإعلام الأول لأغلب تلك المعلومات.

رسمة الموضوع الرئيسية من رسم رسام كاريكاتير كريس تايلور @chrisroytaylor

اقرأ أيضا:

12 رسالة من تركي آل الشيخ.. عن عقد صلة و"كوبري أزارو" وأعضاء مجلس الأهلي

مرتضى يعلنها: أحمد الشناوي في طريقه لـ بيراميدز

مرتضى: بنسبة 60-70% الكعبي في الزمالك.. والصفقة ممولة مثل جروس

إبراهيم حسن: ملف المدرب مع حازم إمام؟ هناك أشخاص يظهرون طيبتهم وهم ثعابين

ساليف كوليبالي.. مدافع بمهام لاعب الارتكاز وابحث عنه أينما ذهب كارتيرون

حوار في الجول – مدافع منتخب كرواتيا 98 يتحدث عن الفارق مع الجيل الحالي.. تأثير مودريتش والانتقام من فرنسا

التعليقات