إمبراطورية موناكو.. كيف تستمر في النجاح دون أن تصبح باريس سان جيرمان؟

الثلاثاء، 01 أغسطس 2017 - 12:14

كتب : علي أبو طبل

موناكو

تنامى مع الوقت باريس سان جيرمان كنادي أصبح يكتسب جماهيره مع نجاحه المتكرر داخل فرنسا، إضافة لاستثماره الكبير في جذب أفضل اللاعبين إليه خلال فترات الانتقالات المختلفة. وذلك بعد أن قامت شركة قطر للاستثمار بشراء النادي.

تجربة نادي العاصمة أثارت غيرة العديد من الأندية والمستثمرين في فرنسا من أجل تكرار نفس النجاح ومحاولة مجاراة ذلك الكيان القوي.

لكن هل يمكن لكل فريق أن ينجح بنفس الطريقة وببذخ شديد؟

هذا هو الخطأ الذي وقع فيه ديمتري ريبولوفيف في بداية فترة تملكه لنادي موناكو الذي يقع في إمارة صغيرة ذاتية الحكم تخضع جغرافيا لسلطة فرنسا، وتحديدا في عام 2012.

أراد رجل الأعمال الفرنسي أن يجذب الأنظار بصفقات قوية في محاولة لمجاراة ما يفعله ناصر الخليفي مع فريق العاصمة الفرنسية. نجح بالفعل في ضم فالكاو في أوج تألقه من صفوف أتليتكو مدريد، كما ضم خواو موتينيو والموهبة الصغيرة حينها جيمس رودريجيز من صفوف بورتو بإجمالي 130 مليون يورو لكل تلك الأسماء.

الأمر بدا ناجحا في البداية. حقق موناكو نتائج جيدة في أول موسم له بعد الصعود من الدرجة الثانية وعاد إلى دوري أبطال أوروبا وبدا قريبا من منافسة سان جيرمان على اللقب.

لكن على المدى البعيد، لا يمكن أن يكون إنفاق بهذا الحجم ناجحا لناد معدل حضور جماهيره في ملعب "لويس الثاني" لا يتجاوز الـ9000 متفرج، وبعقود رعاية قليلة وعائد بث تلفزيوني غير كاف.

الإنفاق كان أكثر من العوائد، وبالتالي كان من المتوقع أن تكون الخسائر فادحة مستقبلا، لذا كان لا بد من تغيير السياسة بما يتناسب مع المعطيات.

منبع المواهب

في 2014، بدأت إدارة الفريق في تطبيق السياسة الجديدة، والبداية كانت من استغلال توهج الكولومبي رودريجيز في كأس العالم بالبرازيل، حيث تم بيعه إلى ريال مدريد مقابل 71 مليون جنيه إسترليني، وتعويضه بالشاب الفرنسي الصغير توماس ليمار من نادي كان بمقابل لم يتجاوز الـ4 ملايين يورو.

تغيرت سياسة الشراء في النادي وابتعد عن الأسماء الرنانة وأصبح يبحث عن أسماء صغيرة وموهوبة داخل الدوري الفرنسي وتطويرها، ومن ثم تلمع تلك الأسماء وإن أرادت الرحيل فيتم بيعها بأعلى مقابل مادي ممكن.

أنتوني مارسيال، يانيك فيريرا كاراسكو، أيمن عبد النور، لايفن كورزاوا، جيوفرني كوندوجبيا، جميعها أسماء تألقت في جيل موناكو الذي تواجد قبل عامين من الآن وتأهل إلى ربع نهائي دوري الأبطال بعد إقصاء أرسنال.

الصيف التالي لهذا التألق شهد رحيل كل تلك الأسماء بمجموع يقارب الـ161 مليون جنيه إسترليني.

هل انهار موناكو فنيا بعد بيع قوامه الأساسي؟ هذا لم يحدث لأن النادي قادر على التعويض بفضل أعين خبيرة.

الأكاديمية

بدا واضحا أن موناكو ينتهج تلك السياسة بثبات. إبراز جيل قوي ومن ثم بيعه بمقابل عالي والبدء في مشروع جديد.

الانتقادات طالت الإدارة بحجة تحويل نشاط كرة القدم لما هو أقرب للتجارة، ولكن مبرر الإدارة يمكن تقبله.

النادي يضطر للبيع لضبط ميزانيته والتمكن من صرف الرواتب واستيفاء شروط الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بالشكل الأمثل.

فكيف يتم ذلك؟

حقيقة أخرى هنا وهي أن أكاديمية نادي موناكو هي الأفضل داخل فرنسا، ويتم الاستثمار سنويا فيها بقيمة 8 ملايين يورو للتطوير وإخراج أفضل المواهب.

قاعدة بسيطة ولكن مؤثرة يتم اتباعها. يتم اختيار أفضل في كل فئة عمرية وتصعيدهم إلى فئة أعلى لكي يتطوروا بشكل أسرع.

ربما الآن تعلم لما توهج اسم مثل كيليان مبابي بتلك السرعة.

مبابي تم التعاقد معه في عمر الـ 14 بعدما التقطته أعين الكشافين، وتم إقناع أسرته التي رأت أن الحياة في إمارة موناكو ستكون أفضل كثيرا.

موناكو يمتلك أفضل شبكة كشافين بين أندية الدوري الفرنسي. في باريس وحدها، توجد 6 أعين لمراقبة المواهب والتقاطها.

بفضل هؤلاء وبفضل تلك السياسة، يتمكن موناكو من استقطاب أفضل المواهب داخل فرنسا بأعمارهم الصغيرة وبأقل ما يمكن ماديا.

رحل مارسيال وكاراسكو وكورزاوا وكوندوجبيا؟ لا مشكلة. نجد أسماء جديدة مثل تيموي باكايوكو وجبريل سيديبي وبينيامين ميندي تدخل في القائمة وتتوهج وتبدأ العجلة في الدوران من جديد.

ما يجذب اللاعبين كذلك هو علمهم بقيمة موناكو وأن الأعين ستكون عليهم، وإن تألقوا فذلك يضمن لهم توهج سريع وانتقال إلى خطوة أفضل داخل القارة الأوروبية.

تلك السمعة لم تتوقف داخل فرنسا فقط، بل انتشرت إلى أرجاء أوروبا. الأعين تتواجد داخل بلجيكا وهولندا ومنابع كروية مميزة وصولا إلى البرازيل في أمريكا الجنوبية.

يستفيد موناكو كذلك من نصائح الوكلاء. خورخي مينديز نصحهم في 2014 بضم بيرناردو سيلفا من دكة بدلاء بنفيكا. من كان يتخيل أنه بعدها بـ 3 أعوام فقط يتم بيعه لمانشستر سيتي بما يعادل 43 مليون جنيه إسترليني؟

لا تتوقف مهمة مينديز مع موناكو هنا. بحسب تقارير وكالة RMC فإن إدارة نادي الإمارة الفرنسية طلبت منه بالبحث عن بديل كفؤ لتعويض أنطونيو كوردون، المدير الرياضي للنادي والذي يعمل في شراكة مع لويس كامبوس منذ يوليو 2016.

سيرحل كوردون إلى منصب إداري في منظومة كرة القدم الصينية في سبتمبر القادم، ولا شك في أن موناكو سيجد البديل الكفؤ كما يفعل دوما.

ليوناردو جارديم

كل ما سبق يبدو مثاليا، ولكن لكي تستمر في نجاحك على صعيد كرة القدم، فلا بد من تنظيم فني لكل تلك العناصر داخل الملعب.

ليوناردو جارديم كان الخيار الأمثل لسياسة موناكو. مدرب قريب من اللاعبين وقادر على التوظيف وخلق مرونة تكتيكية، والأهم، منح فرص للاعبين في سن صغيرة.

في عمر الـ42، يبدو جارديم أحد أهم عوامل النجاح التي لا غنى عنها في منظومة موناكو. والبوادر كانت رائعة قبل قدومه إلى الأمارة الفرنسية، إذ أنه تمكن من تحقيق الصعود إلى الدوري الممتاز مع بيرامار البرتغالي، وحل ثالثا رفقة سبورتنج براغا وقدم مستويات رائعة مع سبورتنج لشبونة وحل معه ثانيا، وخاض تجربة قصيرة في أولمبياكوس لم تستمر لأكثر من 6 شهور تصدر فيها الفريق اليوناني محليا على أقرب المنافسين بفارق 10 نقاط وبدون تلقي أي هزيمة.

ومن ثم جاءت خطوة موناكو الذي التقطه بكل هدوء مثلما يلتقط مواهبه الصغيرة في كل صيف.

جارديم، الذي عمل من قبل مدربا لفريق كرة يد، يمتلك درجة علمية رياضية في جامعة ماديرا، تمكن من إعادة لقب الدوري الفرنسي إلى خزائن موناكو بعد غياب 17 عاما، كما عاد الفريق إلى نصف نهائي دوري الأبطال للمرة الأولى منذ 2003.

يرحل اللاعبون ويبقى العبء على الرجل البرتغالي من أجل تكوين فريق جديد على الدوام، فهل يبقى أم يرحل مثلهم في المستقبل القريب؟

وصرح البرتغالي في وقت سابق قائلا:"لا أفكر كثيرا في المستقبل. لدي عقد يمتد لعامين إضافيين وأنا سعيد هنا. لا أعلم على المدى البعيد ما إذا كنت سأصبح السير أليكس فيرجسون الخاص لموناكو"

الجيل الثالث

بيرناردو سيلفا، بنيامين ميندي، تيموي باكايوكو، فاليري جيرمان، كورنتين جين، نبيل ديرار، جميعها أسامي رحلت عن موناكو خلال الصيف الحالي، وبمجموع يبلغ حوالي 173 مليون يورو.

كيليان مبابي لا يزال لاعبا في صفوف الفريق، ولكن تكهنات إمكانية انتقاله إلى ريال مدريد في صفقة قياسية لا تزال قائمة.

السياسة ماديا مستمرة في النجاح، والآن على موناكو وجارديم العمل على بناء جيل جديد قادر على المنافسة في حملة الحفاظ على لقب الدوري الفرنسي، ومواجهة كيانات كروية متصاعدة مثل ليون ومارسيليا في منافسات لن تكون سهلة.

على كل حال، موناكو يعمل بثبات خلال الصيف الحالي، وتمكن من تعويض احتياجاته بأسماء جديدة، أغلبها غير معروف، ولكن عامل السحر في الإمارة الفرنسية قد يفعل فعلته من جديد، ونجد أسماء جديدة محل طلب مع حلول الصيف المقبل. هكذا تدور سياسة النادي.

البلجيكي الشاب يوري تيليمينز مقابل حوالي 21 مليون جنيه إسترليني هو الصفقة الأبرز في صيف موناكو، وبمقابل يعتقد أنه ليس بالضخم مقارنة بإمكانياته.

تيريس كونجولو قلب دفاع فينوورد بطل الدوري الهولندي يعد من الإضافات الهامة كذلك، وفي مركز لاعب الارتكاز، يأتي الإيفواري سواليهو ميتي من صفوف زولت فارجيم البلجيكي.

حصل موناكو كذلك على موهبة يعتقد الكثيرون أن برشلونة قد يندم على التفريط فيها من صفوف اللامسيا. الكونغولي الشاب خوردي امبولا -18 عاما- يقدم أداء جيدا في فترة الإعداد.

أخر الانتقالات في الساعات الأخيرة كانت المهاجم الشاب آداما دياخابي -20 عاما- من صفوف فريق ستاد رين في مقابل لن يتجاوز الـ 10 ملايين يورو.

ليصبح مجموع ما أنفقه فريق الإمارة هذا الصيف حوالي 52 مليون يورو فقط.

بجانب ذلك، يحتفظ الفريق بعدد من اللاعبين الهامين مثل كميل جليك ورادميل فالكاو وجواو موتينيو وفابينيو، مما يساعد على البناء من جديد بشكل أسرع. ومع بقاء مبابي لموسم إضافي على الأقل، قد تبدو الأمور أفضل.

التوسع

ديمتري ريبولوفيف رئيس النادي، ونائبه فاديم فاسليف، هما في الأساس رجال أعمال ناجحين. الهدف دائما أن تبيع بأعلى سعر وأن تشتري بأقل ثمن ممكن وبجودة عالية.

قاموا بنقل الفكرة بنجاح إلى نشاطهم الاستثماري في كرة القدم، لذا حان الوقت في التوسع بشكل أكبر.

الثنائي الروسي نجح في امتلاك فريق سيركل بروج البلجيكي الذي يلعب في الدرجة الثانية في الوقت الحالي، والهدف هو توسيع قاعدة لاعبي موناكو وتطوير عدد أكبر من اللاعبين الشباب في مناخ كروي يستقطب الأعين.

7 لاعبين من صفوف موناكو تم إرسالهم إلى الفريق البلجيكي على سبيل الإعارة، وأبرزهم المهاجم إيرفن كاردونا -19 عاما- ولاعب الوسط جوناثان مكسيك -22 عاما- واللذان تم تصعيدهما من ناشئي فريق الإمارة، بالإضافة إلى الظهير الأيمن خوردي جاسبر -20 عاما- والذي تم الحصول على خدماته بشكل مجاني بعد انتهاء تعاقده مع ليون.

عجلة موناكو لن تتوقف، والسياسة ثابتة، ولا يسعنا إلا الانتظار ومشاهدة ما سيقدمه الفريق في دورته الجديدة خلال الموسمين القادمين.

التعليقات