قصص كروية حزينة - محمد عباس.. الحريف

الجمعة، 12 مايو 2017 - 12:58

كتب : مصطفى عصام

محمد عباس لاعب الأهلي السابق

الشوارع حواديت.. حوداية الحب فيها.. وحوداية عفاريت.

بهذه الكلمات استهل محمد خان فيلمه عام 1983 (الحريف) بطولة عادل إمام (فارس)، الكلمات انسابت من أيدي صلاح جاهين بصوته في المقدمة قبل أن تكملها إيمان يونس مع ألحان فرقة المصريين بقيادة (هاني شنودة).

يقول محمد خان: الفارق بين السينما والحياة، أن السينما لا تبحث في الحلول، فهي تتولى شد انتباه الجمهور في أمكنة متفرقة، وتعمل على تصويبها في جادة واحدة، عكس الحياة!

ربما خيوطا كثيرة لا تجمع بين الفتى الأسمر محمد عباس وشخصية فارس (عادل إمام) بفيلم الحريف، من حيث جاذبية الوجه، اختلاف طبيعة العمل، الظروف الأسرية (محمد عباس لم يتزوج قط وفارس مطلق).. النهاية المفتوحة لقصة محمد عباس الإنجليزي والنهاية السعيدة لفارس مع ابنه، إلا أنهما اتفقا في الرغبة ثم إبداء الندم وتخلل ذلك محاكمة المجتمع لهما بالفضيلة

محمد عباس.. On The Fire

"فتحي نصير احتضنني في قطاع الناشئين لثقته في إمكانياتي واللعب بالفريق الأول سريعا، بدأ مستر هيديكوتي متابعة مباريات الناشئين، وشاهدني مع فريق 18 سنة وأنا أحرز 3 أهداف من خمسة، فطلب مني التدريب فورا مع الفريق الأول".

انطلاقة صاروخية.. سُمى عباس الإنجليزي لتألقه أمام ساوثمبتون عام 1979 بتسجيله هدفا جميلا وكرة خلفية اصطدمت بالعارضة.. رفعه الجمهور إلى عنان السماء، بدا بأنه قد يكون خليفة للخطيب.. عباس قوي يجيد الألعاب الهوائية، بالتأكيد الخطيب لن يتزعزع عن مكانته، ولكنه سيعوضه في حال إصاباته المتكررة جراء حقنه بالمسكنات دوما في عهد هيديكوتي.

5 أهداف في موسمه الأول 1979-1980 مع الأهلي كبديل للخطيب و جمال عبد الحميد، أمام المقاولون في الدقيقة 88 ثم الدقيقة 90 في الدور الثاني أيضا، في الدقيقة 90 أمام الكروم في عز المطاردة أمام الزمالك، يخطف تعادلا أمام المصري ببورسعيد، أمام دمنهور هدف يختم به أهداف الأهلي بالموسم الذي أمن فيه على الدوري.

9 أهداف في موسمه الثاني 1980-1981، يجلس جمال عبد الحميد بديلا له، يسجل ثنائية الأهلي في الفوز على الكروم، يخطف تعادلا من الترسانة، يخطف فوزا من المنصورة بملعبها ليقلص الفارق على القمة بنقطة وراء الزمالك المتصدر، كالعادة يسرق الكروم في أخر اللحظات بنقاط المباراة، يتمم فوز الأهلي على المقاولون بهدف ضمن الرباعية، نجم لقاء السكة المنتهي 5-2 بهدفين له والذي خطف به القمة من الزمالك قبل أسبوع من نهاية الدوري.

عانى عباس من الجهل قليلا وانصياعه وراء رغباته بالحد الزائد دون كبحها، محمد عباس غير متزوج ويملك المال، ويؤمن بأنه نجم لأحد أكبر فرق مصر (لن يوقفه شيء)، فتسرب إليه الغرور، بدأ سهراته الليلية.. وتعاطي المخدرات..

محمد عباس: "في الموسم الأول لي مع الأهلي.. عن طريق سهرة مع أحد أصدقائي، وعزم علىَّ بتجريب سيجارة حشيش، وعجبني الأمر، لأنها جعلتني في عالم آخر، ملئ بالفكاهة والمرح".

هل مشكلة محمد عباس الوحيدة أن المجتمع لا يتقبل تدخين الحشيش ويجرمه.. أم أن المشكلة تكمن في افتضاح أمره أمام الجميع عكس باقي زملاءه.

كذلك فارس (الحريف).. لاعب الكرة الحريف ترك نادى الترسانة لخلافه مع المدرب ففقد حلمه في أن يكون نجما كبيرا بعالم الساحرة المستديرة وتحول إلى شخص عادى جدا يعمل في إحدى ورش الأحذية نهارا ويمارس هوايته -الحلم- لعب الكرة ليلا، ولكنه هنا يتاجر بهذا الحلم من أجل الحصول على مبلغ تافه من المال يساعده في مواجهة واقع سخيف.

بطل في اللعب بالكرة الشراب في الدورات على الملاعب الأسفلت، لا يشق له غبار.. يلعب فقط من أجل الفوز ونصيبه ليلا من المباريات التي يؤمن عليها رزق (الفنان عبد الله فرغلي).. فيصرفها ليلا من أجل الطعام الشهي أو مقابل سجائره التي تكفيه نهارا للعمل في مصنع الأحذية. الصرف على أبيه وزوجته، يعيش جزءا من معاناته بسبب حرمانه من الأسرة بعد أن طلق زوجته.

الحريف أيضا من صناعة محمد خان وقع في أثام مختلفة بسهراته الليلية المختلفة.. وبرر الدافع لذلك بأنه صراع حاد ضد الواقع المؤلم الذي تحيا بداخله محاولة الوصول إلى بر أمان يختلف من شخصية لأخرى.

كلا البطلين عباس وفارس حلما فقط بالوصول إلى بر الأمان، بسلوك خاطئ دون شك.. وبإهمالهما لأيدي التوجيه والمساندة ستتحول شخصياتهما في نظر المجتمع لمجرمين، رغم أنهما فقط ارتكبا تصرفات خاطئة تميزت عن الكل بالافتضاح.

بسؤال شريف عبد المنعم: هل من الممكن أن يكون محمد عباس هو خليفة الخطيب في مركز رأس الحربة؟

شريف: "لا أعتقد، الخطيب فنان يهيئ الكرة لنفسه ويرسم أهدافه.. محمد عباس (طوبجي) غير مؤهل، يسجل في بعض الأوقات ويفشل في الكثير".

هذا هو رأي شريف الذي نشر بتاريخ 10 أغسطس 1981 بمجلة أخر ساعة أي بعد انتهاء موسم 1980-1981 الذهبي لمحمد عباس.

وبسؤال بيبو بفقرة "الخطيب يرد على أسئلة القراء" صفحة 15 بمجلة أخر ساعة بتاريخ 8 أبريل 1981، عن لماذا لم ينضم عباس للمنتخب القومي.

"قلت منذ عام.. عباس سيكون من اللاعبين القلائل في تاريخ مصر بالكرة، عدم اختياره بالمنتخب القومي هي نظرات مختلفة والأمر يعود للمنتخب القومي".

كما ينطبق الأمر على محمد عباس، ينطبق على حمدي نوح، مسعد نور، علي خليل (كاريزما وموهبة الخطيب انزوى تحتها جيلا من الموهوبين لو ظهر بأي عصر أخر لأصبح نجم جيله).

محاكمة النزوع إلى الكمال

بداية أزمات عباس التأديبية والبعيدة تماما عن قصته مع المخدرات كانت بعد موسم 1980-1981 بعد رحيل ناندور كالوتشاي، عباس يشعر بأنه لم يحصل على التقدير المادي فينسحب ويغيب لشهرين حتى أتى محمود الجوهري لتولي قيادة الفريق.

وحسب ما صرح محمد عباس للمصري اليوم: "للأمانة الجوهري احتوى غضبى وطالبني بالعودة واستعادة لياقتي الفنية والبدنية، ولكن كابتن صالح سليم رفض سفري للمعسكر ولم يتم قيدي مع الفريق".

هاتفني الراحل سيد متولى رئيس النادي المصري، وطلب منى الانضمام للفريق البورسعيدي ووافقت، خاصة أنه عرض علىَّ 50 ألف جنيه في الموسم، وهو مبلغ كبير في ذلك التوقيت، وحصلت على 30 ألف جنيه، على أن أحصل على باقي قيمة التعاقد مع عقد الشقة التي كنت سأسكن بها هناك، وكان ذلك في موسم 1983/1982.

لم يلتزم بوعوده المادية معي فرحلت، كما أنني لم أتكيف مع الوضع هناك، فأنا تعودت على أجواء النادي الأهلي الاحترافية، هناك فارق كبير وشاسع بين الأهلي والمصري.

يروي محمد مصطفى المعد السابق لبرنامج ملك وكتابة على قناة الأهلي عن أزمة 1985 والتي كان بطلها محمد عباس:

"السبب الرئيسي لأزمة 1985 لاعب الأهلي محمد عباس، بدأت الأزمة من القاهرة قبل سفر الفريق الأول لألمانيا في 29 يونيو 1985، واستمرت طوال معسكر الفريق في بريمن، وانفجرت بعد عودة الفريق إلى القاهرة، فمن هو محمد عباس سبب هذه الأزمة التاريخية".

قبل أن يضبط البوليس عباس بعام، وتحديدً في فبراير 1985 اتخذ مجلس الإدارة قرارا بشطبه من سجلاته لغيابه المتكرر، إلا أن محمود السايس المدير الفني للفريق الأول -والذي رحل عن عالمنا قبل أيام قليلة- رأى أن يعطي محمد عباس فرصة أخيرة لعله يعود لرشده، خاصة أن زملائه اللاعبين توسطوا له للعودة.

لم يكن أحد يعلم أن رفقاء السوء قد أخذوا عباس لطريق اللا عودة، فوافق صالح سليم على اقتراح محمود السايس خاصة أن اتحاد الكرة قد لا يوافق على شطب اللاعب كونه يريد اللعب والانتظام في التدريب، واشترط صالح سليم أن يستمر العمل بقرار الشطب، على أن ينتظم عباس في المران مع محمود السايس، فإن انتظم بالفعل وعاد لرشده فيعاد عرض أمره على مجلس الإدارة لإلغاء قرار الشطب، أما لو لم ينتظم فيتم على الفور رفع قرار الشطب لاتحاد الكرة لاعتماده..

كان عباس قد عاد للمران وأقسم أنه تاب وأناب وينوي السير على الطريق المستقيم، وأنه لا يريد أي شئ من مستحقاته ولا شروط له للعب للنادي إلا بعد أن يستعيد قوته وعافيته ويعود للعب في الفريق، لكنه لم يلتزم بشكل كامل في التدريبات.

وانتهى الموسم. واستقال محمود السايس وجاء محمود الجوهري، وطلب أن يسمح لمحمد عباس بالمران مع الفريق، إلا أن رأي الكابتن هاني مصطفى مدير الكرة كان من رأي مجلس الإدارة، فلا أمل في إصلاحه.

قبل سفر الفريق الأول لألمانيا اعتمد مجلس الإدارة قائمة الفريق المسافرة وجدد العمل بقرار شطب محمد عباس، بل وطلب عدم اشتراكه في التدريبات، لكن محمود الجوهري طلب سفره لألمانيا مع الفريق، وعندما حان موعد السفر لم يجد الجوهري محمد عباس ضمن قائمة الفريق فصمم على سفر محمد عباس وإلا فإنه شخصيا لن يسافر مع الفريق، ثم عرض الجوهري أن يسافر محمد عباس على نفقته وهدد بالاستقالة وأبلغها للراحل كمال حافظ وكيل النادي، في الوقت الذي كان فيه صالح سليم رئيس النادي في لندن لإجراء فحوص طبية.

كان كمال حافظ في حيرة، فقد أصبح بين نارين، هناك قرار لمجلس الإدارة بشطب محمد عباس، والجوهري يهدد بالاستقالة، وأراد عقد اجتماع لمجلس الإدارة لكن النصاب لم يكتمل فقرر على مسؤوليته الخاصة أن يسافر عباس، لكن الظروف شاءت ألا تكتمل إجراءات السفر، فسافر الفريق على أن يسافر عباس بعد اكتمال الإجراءات، غير أن مجلس الإدارة الذي حاول كمال حافظ أن يأخذ منه قرارا بالتمرير لصالح عباس لم يوافق على إلغاء قرار الشطب، وبالتالي لم يسافر عباس لألمانيا.. هذا ما جرى بالقاهرة.

أما في ألمانيا فقد زاد قلق الجوهري بعد تأخر محمد عباس عن الوصول لمعسكر الفريق، وكان يوالي الاتصال بالقاهرة ليتابع أخباره حتى عرف أنه لن يسافر ألمانيا، فغضب الجوهري واتصل بصالح سليم في لندن والذي أخبره أن قرار مجلس الإدارة واجب الاحترام، وهنا أسقط في يد الجوهري ودار بخلده أن هناك تدخلات في عمله، فهو من ناحية لا يستريح لوجود هاني مصطفى معه في إدارة الفريق رغم أنه هو الذي طلبه للعمل معه، لكن رأي هاني مصطفى الموافق لقرار مجلس الإدارة جعل الجوهري يشعر أن وجود هاني مصطفى سيكون عائقا في سبيل سيطرته الكاملة على مقدرات الفريق.

الجوهري فكر في أن هاني مصطفى لو كان يوافقه الرأي في قضية محمد عباس لكان ضمن صفوف الفريق، ولم يفرق الجوهري بين الشقين الفني والإداري في قضية عباس وأن الشق الإداري التأديبي فيها هو الأهم، فعبر تاريخ الأهلي الطويل كان الشعار الدائم "الأخلاق قبل البطولة".

محمد عباس

عدما ابتعدت عن كرة القدم أصبحت شخصا غير رياضي، في إحدى السهرات بمصر الجديدة، وتحديدا في شقة مشبوهة، هوجمت الشقة من قبل الشرطة بعدما أبلغ عنها أحد الأشخاص، وعندما وجدوني قاموا بتسريح كل من في الشقة وقبضوا علي أنا وصديق لي، وكان تركيزهم علي لأنني محمد عباس لاعب الكرة المشهور، وكان ذلك صدمة كبيرة لجماهير كرة القدم، ولكن والله العظيم تم تلفيق تهمة التعاطي والاتجار لي، في حين أن الشرطة حينما داهمت الشقة كنت ممسكا بسيجارة حشيش فقط، وليس ما يشاع في وسائل الإعلام أنني كنت أتاجر.

عرضت على النيابة ودخلت السجن لمدة 4 أيام على ذمة التحقيقات، ثم هربت من السجن بعدما نشبت فوضى في البلد إثر أحداث الأمن المركزي في عام 1986، وكان زكى بدر وزيرا للداخلية، وهربت مع أحد أصدقائي الذي تعرفت عليه هناك، وتوجهنا إلى الباطنية للاختباء هناك، وكنت أتخفى في جلباب وكوفية خلال فترة هروبي من السجن، والتي استمرت 4 أيام، وبعد ذلك توجهت للسجن مرة أخرى وسلمت نفسي إليهم، وحصلت بعد ذلك على براءة بعدما دفعت كفالة قدرها 500 جنيه.

انتهت مسيرة محمد عباس كرويا بعد ذلك فلم يلعب مجددا، قضى بقية حياته يلتمس العفو من الجماهير والصحفيين على ذنب اقترفه وأخذ عقابه كاملا، ولكنه بقى دائما هو الجاني الذي يقذفه الناس بالحجارة، على جرم يقترفوه أيضا لكن بالخفاء.

في فيلم الحريف صفح المجتمع والكل عن فارس، ولعب لقاء اعتزاله وتوج بطلا، أما عباس فلازال طريدا لذنبه الذي بعد عنه قرابة الثلاثين عاما، ربما تتذكره الحوارات الصحفية للحصول فقط على أسماء من شاركه للحصول على سبق صحفي.

عباس، المهاجم الأسمر المتميز خليفة الخطيب والذي لن يتكرر كما رأوه الجميع، استجابت له جميع شباك المنافسين إلا عادل المأمور على حد قوله، يستحق فرصة أخرى لقراءة تاريخه.. ضئيل لن يأخذ وقتا.. سنقرأ ثلاث سنوات مضيئة فقط.

اقرأ أيضا

قصص كروية حزينة - كريم كركار.. من إشادة مارادونا إلى السجن

قصص كروية حزينة – صراخ رونالدو في النفق

قصص كروية حزينة - قرار شخصي صعب لروبيرت إنكه

التعليقات