تقرير في الجول - مقاييس العظمة بين تايسون ومحمد علي كلاي

الخميس، 09 يونيو 2016 - 11:21

كتب : كريم مجدي

في 1985 وقف الشاب أسود اللون متوسط الطول مايك صاحب الـ 13 انتصارا دون أي هزيمة، أمام منافسه العملاق سامي سكاف البالغ طوله مترين في انتظار دق جرس المباراة.

لم يكن مايك يحمل شئ خارق، فالشاب الذي يحمل اسم أمه تايسون، والذي ترعرع في أحياء بروكلين الفقيرة بنيويورك حيث تعرض للمضايقات والضرب في صغره، لم يكن يمتلك خفة الظل أو الكاريزما المطلوبة، إلا أنه كان يمتلك شيئا واحدا فقط يصفه هو بـ "الثقة المتناهية".

كالعادة وقف مايك وحدق نظره في أعين منافسه، لا يفكر في أي شئ آخر إلا أن ينظر منافسه بعيداً ولو لعشر الثانية حتى يسحق فكه، وبالفعل استطاع تايسون بعد مرور 79 ثانية من الجولة الأولى من المباراة إسقاط خصمه وكسر أنفه بخطافية يسرى.

19 أغسطس 1995، ساحة "MGM Grand" بلاس فيجاس. وقف الجميع في انتظار عودة الرجل الحديدي أو كما يسمى "بأخطر رجل على الكوكب" مايك تايسون، في أول نزالاته بعد خروجه من السجن بسبب إدانته في جريمة اغتصاب.

كان المنافس بيتر ماكنيلي، والذي أقسم سابقا على تدثير تايسون في "شرنقة من الرعب"، الكثيرون عولوا على الملاكم الأبيض والذي يفوق مايكل طولاً بعشر سنتيمترات، كما أنه لم يخسر طوال مسيرته إلا في مباراة واحدة، فبالتأكيد تايسون لن يعود لسابق مجده بعد خروجه من السجن.

وقف ماكنيلي أمام تايسون يتمايل يمينا ويسارا مستهزئا، فيما وقف تايسون هادئا مكتفيا برمق منافسه بنظراته الحادة، لتبدأ المباراة بعدها، ويتلقى ماكنلي سيل من اللكمات حتى نجحت إحداها للوصول إلى فكه ليفقد التركيز بعد مرور 89 ثانية من عمر المباراة، والتي دفعت مدرب ماكنلي بالتدخل وحجب تايسون عن لاعبه الذي حاول الحفاظ على ماء وجهه بإظهار التماسك والوقوف على قدميه رغم فقدانه للتركيز فعليل.

عشر سنوات منذ أن نازل تايسون سكاف وصولاً إلى ماكنيلي وما بعده، لم يتغير أسلوب الرجل الحديدي تقريباً، فمنذ أول نزال لتايسون وهو يتبع تكتيك ثابت لم يتغير، والذي يتلخص في استغلال تايسون للكمة الأمامية التي يوجهها خصمه تجاهه عن طريق وضعية "Peekaboo" الدفاعية.

تستطيع أن تقول إن تايسون هو أشرس وأعنف من دخل حلبة الملاكمة على الإطلاق، إذ فاز بـ 44 لقاء من أصل 58، بالضربة القاضية، وبالتأكيد رياضة الملاكمة قبل تايسون ليست كما بعده، لكن رغم هذا فإنه ليس الأعظم.

وإذا ذكرنا رياضة الملاكمة، فإنه يأتي شخصين دائماً في المقدمة حتى وإن أتوا في زمنين مختلفين، وهما محمد علي ومايك تيسون، فحتى الآن توضع سيناريوهات لمباريات تخيلية من قبل الجمهور تجمع بين الاثنين.

قد يكون تايسون مبهرا في مباراة أو اثنين بالنسبة للمتفرج العادي، لكن بعد ذلك ستصبح مشاهدة الرجل مملة، فلا يوجد إثارة وغالبا ما تنتهي المباراة بسرعة، كما أن تايسون لا يتمتع بكاريزما أو عقليه من شأنها تسليط عليه الضوء خارج الحلبة.

من الناحية الفنية فإن تايسون رغم قوته وشراسته يكاد يتبع أسلوب دفاعي واحد لم يتغير، الأمر يشبه مشاهدة فريق كرة دفاعي لا يهاجم إلا عند الهجمة المرتدة، فما يوجه لفريق كأتيليتكو مدريد في عالم كرة القدم مؤخرا، تستطيع توجيهه لتايسون في عالم الملاكمة.

على الناحية الأخرى، يقف محمد علي، بسرعته ومهاراته وأسلوبه المتغير بحسب طبيعة الخصم في كل مباراة، فبمجرد دخول علي للحلبة، فإنه من الصعب أن يزيغ البصر عنه، بداية من العرض وتحديه للخصم قبل بداية المباراة وصولاً إلى أداءه المبهر والسريع والممتع، فالأمر أشبه بمشاهدة فريق كبرشلونه وهو يقوم بالـ "Tiki-taka".

عبقرية علي لا تكمن في مهاراته الجسدية فقط، وإنما في ذكاءه وإدخاله شئ ما يشبه الحرب النفسية داخل النزال، ففي مباراته الشهيرة مع جورج فورمان عام 1974 والتي سميت بـ "الحدث الرياضي الأهم في القرن العشرين"، لم يكن لعلي تنفيذ تكتيك التمركز على الحبل أو كما يعرف بـ "rope-a-dope"،إلا باستفزاز فورمان شفهيا، إذ اندفع الأخير بعدها ليقع في المصيدة التي نصبها علي له، والتي كانت تهدف إلى استنزاف طاقة فورمان قدر المستطاع لينقض علي عليه في النهاية بعد أن صار الأول خاوي القوى، ويحقق الانتصار الأهم في حياته.

عندما تشاهد علي داخل الحلبة، وهو يرقص برشاقة بطريقته المعروفة ثم ينقض بسرعة على خصمه، فإنك ترى حقيقة ما يصف علي نفسه بمقولة "أطير كالفراشة وألدغ كالنحلة".

تستطيع معرفة الفرق بين علي وتايسون عندما تشاهد علي وهو كاشف وجهه تماما ويتفادى لكمات خصمه بتحريك رقبته فقط، في حين لا ترى وجه تايسون تقريباً داخل الحلبة نظرا لتكتيك مدربه كاس داماتو، والذي يعتمد في المقام الأول على الوضعية الدفاعية والتي لم يحد تايسون عنها على الإطلاق طوال مسيرته.

وبعيدا عن الحلبة، فإن ظروف نشأة علي وتايسون متشابهة لحدٍ كبير، فالاثنين ولدا في أسرتين فقيرتين، وكلاهما تعرض للمتاعب في صغرهما، لكن تظهر عظمة علي في مواقفه وشخصيته بالإضافة إلى كاريزمته الطاغية، فبعيدا عن تفوقه الرياضي، كان علي ناشطا حقوقياً، بل أحد رموز حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة في ستينيات القرن الماضي، بجانب مارتن لوثر كينغ ومالكوم اكس والذين نادوا بحقوق السود.

أما تايسون، فبرغم صلابته ورغم كونه رياضي استثنائي من طراز فريد، فإنه لا يذكر بأي شئ خارج الحلبة، بل له سجل إجرامي غير مشرف على الإطلاق.

لا يستطيع أحد وضع مقياس محدد للعظمة، لكن أن تكون مجرد رياضي محترف فهذا قد يجعلك تفوز بلقب الأقوى ولكن ليس الأعظم، فالعظمة أكبر من مجرد تفوق رياضي، بل تشمل بالتأكيد التأثير على من حولك.

إن أبلغ ما قيل في علي هو ما جاء على لسان منافسه القديم وصديقه لاحقاً، جورج فورمان، والذي قال "إن محمد علي من أعظم الأشخاص الذين رأيتهم في حياتي، إن تصنيف محمد علي كملاكم هي إهانة، إن لقب "أعظم ملاكم" تستطيع منحه لملاكم، لكن محمد علي من أعظم الأشخاص الذين قابلتهم في حياتي.. إذا قابلت محمد علي وأنت مراسل، فبعد مقابلتك له ستصبح مراسل صحافي أفضل، ممثل أفضل أو طبيب أو رياضي أفضل، لأنه يخرج شئ اسمه العظمة من داخل كل شخص يقابله".

التعليقات