كتب : محمد سيف | الأربعاء، 05 يناير 2005 - 19:10

تكنولوجيا الفيفا .. أم صفارة "ريشة"؟!

لم أستطع حتى الآن تخيل ما كان يمكن أن يحدث لو أن الحكم الانجليزي مارك كلاتنبرج هو الذي أدار مباراة للأهلي أو الزمالك ولم يحتسب هدفا صحيحا مثل الذي تغاضى عن احتسابه لتوتنهام هوتسبر في مباراته أمام مانشستر يونايتد .. هل كان سينجو من هتافات الجماهير ومقذوفاتها؟ هل كان سيخرج من الملعب سليما معافى؟ تساؤلات عدة دارت بخلدي أثناء متابعتي للمباراة حول الهدف .. وأشياء أخرى.

ولولا أنني رأيت الهدف بنفسي لما صدقت أن مثل هذا الهدف قد لا يحتسب ، فلعبة البرتغالي بيدرو مينديز الساقطة تجاوزت خط مرمى مانشستر يونايتد بما يزيد عن متر كامل ، ورآها كل من في الملعب باستثناء كلاتنبرج ومساعده راي لويس ، فأضاع بقراره نقطتين ثمينتين على توتنهام الذي ينافس للتأهل الأوروبي هذا الموسم.

أول ملاحظة لي أن لاعبي توتنهام لم يعترضوا على الحكم رغم فداحة خطئه ، ولم أر لاعبا يدفع الحكم في كتفه ، أو آخر يخطف الراية من يد مساعد الحكم ويشير هو بنفسه بها على دائرة المنتصف ويحتسب هدف فريقه ، بل استكمل اللاعبون المباراة ببساطة ، وحتى بعد أن أطلق الحكم صافرة النهاية لم أر اللاعبين يلتفون حول الحكم لعتابه أو قوات الأمن المركزي الانجليزي لحمايته!

الملاحظة الثانية التي شعرت بها هي أن المناخ السائد داخل الملعب بعد المباراة كان يوضح النتيجة الحقيقية التي كان ينبغي أن تنتهي بها ، فلاعبو مانشستر يونايتد خرجوا من الملعب شاعرين بالذنب ، وكأنهم هم الذين لم يحتسبوا الهدف ، بينما علت الابتسامة وجوه لاعبي توتنهام وهم يتبادلون الأحضان وكأنهم فازوا بالفعل بالمباراة ، رغم أنه المفترض أن يكونوا أشد الناس حزنا بفوز محقق لم يتحقق ، لكنها كرة القدم الانجليزية!

لكن الملاحظة الأهم هي تصريحات مارتن يول مدرب توتنهام عندما قال إنه لا يصدق أن مثل هذا الهدف لا يحتسب في عام 2005 ، ومع وجود كل تلك التكنولوجيا التي تعرض أي لعبة مثيرة للجدل من جميع الزوايا حتى يتيقن الجميع منها.

وانضمت تلك الملاحظة إلى أخرى ظهرت جليا في البطولات العالمية الكبرى ، ألا وهي ما يراه كثيرون من تراجع في مستوى التحكيم بصفة عامة ، لا سيما منذ كأس العالم الأخيرة التي اعتبروها أسوأ كئوس العالم من الناحية التحكيمية ، كما رأينا بأنفسنا مستوى التحكيم التركي في مباراة الأهلي والزمالك ، حتى أننا قلما رضينا عن مستوى التحكيم سواء كان حكما محليا يدير مباراة محلية ، أو حكما دوليا يدير مباراة لا ناقة لنا فيها ولا جمل.

لكن اعتقادي الشخصي أن مستوى التحكيم لم يتراجع على الإطلاق ، لكن وسائل التصوير لم تكن بذات المستوى العالي مثلما هي الآن ، فالتصوير الآن يظهر أي لقطة مثيرة للجدل من جميع زواياها حتى تظهر الحقيقة ، بعكس القرن الماضي عندما كان الإخراج التليفزيوني للمباريات أقل فنيا.

والدليل الأبرز على هذا هدف انجلترا الشهير في شباك ألمانيا في كأس العالم 1966 ، فحتى الآن لا يستطيع أحد الجزم بنسبة 100 % بصحة الهدف أو بطلانه ، ولذلك فلم يوجه أحد انتقادا للحكم مثلما وجه لكلاتنبرج ، لأن أحدا لم يتيقن من حقيقة اللعبة.

ولأن التصوير بات أكثر تقدما عن اللعبة نفسها ، فقد أصبح من الضروري أن تلحق اللعبة بالتصوير سواء بسواء ، ولابد لها من التطور لتواكب التطور الصاروخي الذي بات عليه التصوير التليفزيوني الذي يعد المنتقد الأول للحكام وقراراتهم ، ولم أنس الارتباك الذي سببه إذاعة مباريات كأس العالم الأخيرة على الشاشات الموجودة داخل الملاعب ، فكان الجماهير واللاعبون يتابعون إعادة اللعبات المثيرة للجدل وهو ما سبب ارتباكا شديدا للحكام وضاعف من أخطائهم.

لكن حلول هذه المشكلة متوافرة بالفعل أمام الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ، فهناك العديد والعديد من الاقتراحات الجدير بدراستها ، فهناك فكرة تركيب شريحة إليكترونية داخل كرة القدم نفسها تطلق إشارة إذا تجاوزت خط المرمى ، وهذه الفكرة سوف تختبر بالفعل في نهائي كأس المحترفين بانجلترا.

وهناك أيضا اقتراحا بتعيين مساعدين آخرين للحكم واحدا خلف كل مرمى للحكم على الكرات داخل منطقة الجزاء ، واقتراحا آخرا باستخدام الإعادة التليفزيونية في الحكم على اللقطات المثيرة للجدل مثل الأهداف أو ركلات الجزاء ، إلا أن هذا الاقتراح قوبل بالرفض أكثر من مرة من قبل الفيفا لأنه يقلل كثير من هيبة الحكم وقراره.

وسواء فضل الفيفا الاعتماد على الاقتراح الأول أو الثاني ، فإن اللعبة الشعبية الأولى في العالم باتت في حاجة إلى المزيد من العدالة لكي تحافظ على شعبيتها ، والسبيل والوحيد لذلك هو الاستعانة بالتكنولوجيا بدلا من الاستعانة بـ"ريشة" وشركاه!

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات