كتب : هاني عسل | الثلاثاء، 19 أبريل 2005 - 18:38

شاهد عيان .. على "عنصرية" الإسبان

عائد لتوي من إسبانيا ، وبالصدفة ، كان أول ما وقعت عليه عيناي من أخبار الرياضة العالمية هذا الصباح خبر عن تقرير معروض على الاتحاد الإسباني لكرة القدم يتهم فيه جماهير ريال مدريد بـ"العنصرية" بسبب تصرفاتها في مباراة ليفانتي الأخيرة ، وهو ما يجعلني أدلي بدلوي في هذه القضية الحساسة وفقا لما شاهدته بنفسي!

أولا ، وقبل كل شيء ، نحمد الله على أن هذه الظاهرة البذيئة - أي العنصرية - وكراهية الأجانب والملونين وخاصة السود منهم غير موجودة على أرض مصر ، التي ظلت طوال تاريخها تفتح ذراعيها لكل غريب ، لدرجة أن كان بعض حكامها من الأجانب (محمد علي باشا وأسرته) وبزغ فيها قادة عسكريون ممن جاءوا من خارج تراب مصر ولكنهم رووها بدمائهم ، مثل قطز وبيبرس وغيرهما ، إضافة إلى من أبدعوا وتألقوا في مجالات أخرى كالفن والرياضة والأدب والعلوم.

الخبر كان غريبا للغاية ، فوفقا لما طيرته وكالة رويترز يقول إن الاتحاد الإسباني لكرة القدم تسلم تقريرا جاء فيه أن مشجعي ريال مدريد رددوا هتافات عنصرية خلال مباراة فريقهم في الدوري المحلي على أرض ليفانتي ، إذ تضمن تقرير حكم المباراة العبارات والأصوات التي رددها مشجعو الريال خلال المباراة ، وقال الحكم في تقريره : "خلال الشوط الثاني رددت مجموعة من مشجعي ريال مدريد صيحات تشبه أصوات القردة كلما لمس المهاجم الكولومبي إدوين كونجو ولاعب خط الوسط الإيفواري فليكس اتيان لاعبا ليفانتي الكرة".

ويقول الخبر نفسه إن هذا التصرف لم يكن الأول من الجماهير الإسبانية هذا الموسم ، فخلال مباراة بين أتليتيكو مدريد وإسبانيول ألقى أحد مشجعي أتليتيكو مدريد "موزة" في اتجاه الكاميروني كارلوس كاميني حارس مرمى إسبانيول ، وأضيف على ذلك الأزمة العنيفة التي وقعت بين إسبانيا وإنجلترا قبل ذلك ووصلت إلى المستوى الدبلوماسي ، بسبب ترديد الجماهير الإسبانية أصوات القردة والهتافات العنصرية كلما لمس أي لاعب إنجليزي أسمر الكرة ، وذلك في مباراتين وديتين متتاليتين جمعتها منتخبات إنجلترا وإسبانيا للشباب والكبار.

وقبل هذه الواقعة مباشرة ، أثار أراجونيس المدير الفني لمنتخب إسبانيا أزمة سيئة أخرى عندما سجل له ميكروفون سري عبارات رددها في مران المنتخب وهو يحفز لاعبه خوسيه أنطونيو رييس وتضمنت عبارات عنصرية مهينة ضد اللاعب الفرنسي الشهير تييري هنري!

ولا أزعم أنني لمست خلال زيارتي لإسبانيا تصرفات عنصرية صريحة من قبل سكان هذا البلد ، ففترة الزيارة كانت قصيرة - ثلاثة أيام فقط - لا تسمح لأحد بالحكم على شيء كهذا ، ولكن ما فهمته من بعض التصرفات التي لقيتها ، وكذلك من حديثي مع الزميل خالد يوسف مراسل Filgoal.com في مدريد ، أن الشعب الإسباني "منغلق" على نفسه ، وزاد من انغلاقه هذا عاملان مهمان ، أولهما عامل اللغة ، وثانيهما عامل الخوف من الغرباء.

فبالنسبة للغة ، وجدت أن الإسبان - بخلاف الإنجليز أو الألمان مثلا أو حتى الفرنسيين - سجنوا أنفسهم منذ سنوات طويلة بين قضبان اللغة الإسبانية ، فهم لا يريدون أو لا يحبون تعلم لغات أخرى ، وفوجئت بأنهم لا يتكلمون إلا الإسبانية ، وهو أمر غريب بالنسبة لدولة من أكبر الدول السياحية في العالم تقع في موقع متوسط من الكرة الأرضية وعند ملتقى ثلاث قارات ، فهم لا يتحدثون الفرنسية أو الإيطالية مثلا ، ولا يتقنون الإنجليزية مثلما نتقنها نحن ، وحتى المهاجرين الذين يجدون طريقهم إلى داخل سوق العمل في إسبانيا هم معظمهم قدموا من دول أمريكا اللاتينية ، لأنهم "الأسهل" والأقرب ، والنتيجة أنك نادرا ما تلمح مصريا في مدريد ، ربما كان هناك تواجدا من مهاجري دول المغرب العربي هناك ، ولكن ليس بقدر تواجد أبناء هذه الدول في فرنسا مثلا أو في بلجيكا أو هولندا.

أما بالنسبة للخوف من الغرباء ، فهي صفة لم تكن موجودة لدى الإسبان ، ولكن انزرعت لديهم منذ هجمات 11 مارس 2003 ، وهي ما يطلق عليها بالإنجليزية "الزينوفوبيا" ، وهي للأسف الشديد تركزت على العرب والمسلمين تحديدا ، ولكن لم يسلم منها أيضا باقي "الغرباء" ، والدليل على ذلك أن لاعبا رائعا مثل هنري لم يسلم من هذه الظاهرة ، ونفس الشيء بالنسبة لمهاجم فذ مثل صامويل إيتو الكاميروني ، وروبرتو كارلوس البرازيلي ، وهؤلاء اللاعبون للأسف لا تحميهم إلا جماهير أنديتهم!

الإسبان شعب أنيق الملابس رقيق الملامح هاديء الطباع ، أكثر ما يميزه إطلاق اللحى وتدخين السجائر بشراهة والإكثار من استخدام البارفانات الفاخرة ، فلكل مناسبة عطرها ، ولكل فترة من اليوم العطر الذي يناسبها ، ولكنه رغم أدبه الجم "غير متعاون" مع الغرباء ، حتى وإن كانوا سائحين ، وغير قادر على التعاون معهم أصلا إذا كانت لغة الغريب غير إسبانية.

وهذا كله يعني أن ظاهرة الهتافات والسلوكيات العنصرية لدى الإسبان ما هي إ

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات