كتب : هاني عسل | السبت، 10 يونيو 2006 - 23:15

لا أحد يسمعنا!

من حقنا فعلا أن نحزن ونغضب .. ولكن عفوا .. ليس من حقنا أن نعترض .. فاحتكار شبكة راديو وتليفزيون العرب ART لحقوق بث مباريات كأس العالم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو تطبيق عملي لـ"العولمة" ، بل هو العولمة بعينها ، وهي الرأسمالية والانفتاح والملكية الفردية التي تدعو إليها الدولة وتدافع عنها!

وإذا كانت شعوب العالم المطحونة ، بل والغنية أيضا ، تنتهز فرصة انعقاد أي مؤتمر اقتصادي أو دولي في أي مكان على وجه الأرض لتخرج في مظاهرات للتنديد بهذه العولمة الملعونة التي قضت على الفقير تماما ، بل وقضت على متوسطي الدخل أنفسهم ، فإننا في مصر - ورغم كثرة مظاهراتنا - لم نخرج في مظاهرة واحدة تندد بالعولمة وبمساوئها ، ربما لأننا لا نفهم يعني إيه عولمة أصلا ، أو لأننا لا نبالي ، أو لأننا نعتبر المظاهرات ضد العولمة فرض كفاية ، فإذا خرجت مظاهرة في المكسيك مثلا أو في ألمانيا ، فلا داعي لأن نفعل ذلك باعتبار أن الآخرين قاموا بالواجب!

وهذه هي نتيجة السكوت ، فالعولمة وسياسات فتح الأسواق واحتكار رأس المال وحماية الملكية الفردية ركبت ودلدلت رجليها وانتهى الأمر ، وحصول الـART على حق بث مباريات المونديال واحتكارها وبيعها هو حقها تماما ، وهو مشروع قانونيا واقتصاديا ودينيا أيضا كما سيأتي الذكر ، فقد أصبحت هذه المباريات سلعة تباع وتشترى ، ومباريات الدوري الأوروبي كلها تباع ولا يشاهدها كل الناس ببلاش كما نتخيل ، فهناك سكاي وكانال بلوس وبريميير وغيرهم .. أما القنوات العامة فتعرض ملخصات للمباريات فقط!

ليست هذه دعوة للتظاهر طبعا ، فأنا أعرف أن الاعتراض على العولمة هو آخر شيء نفكر في التظاهر عشانه ، والدليل على ذلك أن مؤتمر دافوس الأخير في شرم الشيخ لم يشعر به مصري واحد أصلا ولم يهتم بما يدور فيه من مناقشات عن فتح الأسواق ومبدأ "دعه يعمل دعه يمر" .. فالذي يمر حاليا يمر على حساب الآخرين نعم ولكن القوانين تجميه ، والعالم كله يحميه.

لا أدافع عن الـART والله ، فأنا أكثر من يشعر بالاستياء لعدم مشاهدتي مباريات المونديال في منزلي ، وأشعر بالأسف لملايين البسطاء الذين اعتادوا على "الدعم" وظلوا يحلمون حتى الليلة الأخيرة بأن الحكومة هبطت من السماء وهية لابسة أبيض في أبيض وتدفع كام مليون لشراء مباريات المونديال من أجل إسعاد الشعب ، فقد رفضت الشركة أصلا مناقشة أي فكرة عرض للمباريات بدون تشفير ، فكل الاتجاهات الاقتصادية في عالمنا المعاضر لا تعترف بشيء اسمه "الدعم" ، وإذا كانت الحكومة عندنا ما زالت باقية على هذا الدعم بالنسبة لبعض السلع الضرورية جدا أو التي يسمونها بـ"الاستراتيجية" ، فإننا يجب أن نعرف أيضا أن هذا قد لا يستمر طويلا ، ولكل شيء مساوئه وإيجابياته ، فالعولمة أيضا تعني فتح السواق وتحرير التجارة وخفض الضرائب والجمارك.

ثم تعالوا هنا : هل المونديال هو الشيء الوحيد الذي أصبح مشكلة في حياتنا؟ هل كرة القدم هي لقمة العيش التي سنموت إذا لم تأكلها؟ بالتأكيد نحن شعب يعشق الكرة ، ولكن الحقيقة هي أن كل شعوب العالم تعشق الكرة ، وبعضها يحب الكرة أكثر منا ، هل نحن الوحيدون في هذا العالم الذين نحب الكرة ونحب الرياضة .. وبأمارة إيه؟!

وقد قرأت مؤخرا عدة آراء بعض أدعياء العلم والمعرفة تقول إن الاحتكار حرام شرعا ، وبالتالي فلا يجب لأحد أن يحارب "الوصلة" .. وأنا شخصيا استمعت مؤخرا إلى رأي مهم جدا "أفحمني" بالفعل بعد أن كنت أتخيل أن احتكار بث مباريات المونديال هو احتكار مرفوض شرعا ، وهذا الرأي استمعت إليه من أحد علماء الدين الأفاضل ، ويقول فيه إن الاحتكار الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم له شروط ، أهمها أن تكون السلعة التي يحتكرها التاجر سلعة أساسية وضرورية يمكن أن يؤدي احتجابها إلى هلاك الناس أو إلحاق الضرر بهم ، وبالتأكيد ، فهذا لا ينطبق على مباريات الكرة مهما كانت أهميتها ، فهي لن تنفع ولن تضر ، ولن تحيي أحدا ، ربما تكون لها اعتبارات أخرى تتعلق بالسياسة ، ولكنها ليست سلعة من تلك السلع التي ينطبق عليها وصف الاحتكار ، ولهذا ، وجب علينا أن نتقبل الوضع ، لأننا نتكلم في النهاية عن "ترفيه" وليس عن مسألة حياة أو موت! ولست مفتيا حتى أقول رأيا قاطعا في هذا الأمر ، ولكن "إسألوا أهل الذكر".

إذن ، شوفوها على القهوة ، شوفوها عند الجيران ، صوتوا ، إلطموا ، ما حدش ها يسمعكم ولا ها يسمعنا ، فنحن لم نعترض في الوقت المناسب ، بل لم يكن لنا رأي أصلا في أي قضية يهتم بها العالم ، فليس من حقنا أن نفتح فمنا ونعترض على تغير اقتصادي حدث بالفعل منذ عشر سنوات ، وإلا فسيضحك علينا العالم.

إحنا مكبرين الموضوع ، وبنتعامل معاه على إنه حياة أو موت ، وهو ليس كذلك ، والدليل على ذلك أنني من خلال متابعتي لما يجري في دول عربية كثيرة ، غير السعودية

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات