كتب : هاني عسل | الخميس، 01 يونيو 2006 - 14:45

الخطيب وميهوب وعمرو الحلواني وأنا .. في مونديال فرنسا!

هذه الحكاية ليست لمجرد سرد الحواديت المسلية و"توتة توتة فرغت الحدوتة" .. وإنما هي بصراحة شديدة وباختصار أشد لتذكيرنا بأن غياب مصر عن بطولة مثل كأس العالم يجب أن نتعامل معه على أنه ظاهرة كونية فريدة ونادرة مثلما كظاهرة كسوف الشمس أو الظواهر الخارقة للطبيعة.

.. أقول هذا وأنا مسئول بنسبة 100% عما أقول ، ومن يعتقد بأننا لا يجب أن نكون هناك فليقل لي كيف تأهلت 5 فرق على الأقل للمونديال القادم .. ومعظمهم من أفريقيا!

في صيف عام 1998 ، فكر الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في إقامة بطولة كأس عالم جديدة تحت 14 سنة ، كان الأمر مجرد فكرة ، وكانت هناك ضرورة للبحث عما يبدي حماسا للفكرة ، باعتبار أن نجاح بطولة كهذه أبطالها أطفال صغار وملاعبها يجب أن تكون أشبه بملاعب الكرة الخماسية ، مسألة غير مضمونة.

وتقدمت شركة أديداس العالمية للمبلاس والأدوات الرياضية سريعا بعرض مغر لتنظيم بطولة تجريبية تحت اسم "مونديال الصغار" ، وقررت دعوة أكثر من 100 دولة للمشاركة في هذه البطولة دون تصفيات ، وقررت – بهدف الدعاية للبطولة – إقامة هذه البطولة في فرنسا في صيف عام 1998، ومتى؟ في الأسبوع الذي يسبق كأس العالم للكبار عام 1998 مباشرة .. وأين؟ في قلب العاصمة الفرنسية نفسها ، وتحديدا في ملاعب مفتوحة مقامة خصيصا لهذه البطولة في منطقة برج إيفل وميدان التروكاديرو وما حولهما ، وأن تكون الملاعب مفتوحة عن بعد لمن يرغب من الجماهير لكي يشاهد المواهب الصغيرة ، ولكن دخول الملاعب نفسها مقصورة على المشاركين في المباريات والإعلاميين.

تخيلوا ، حديقة برج إيفل التي كانت مديحة كامل تلتقي فيها بجميل راتب في فيلم "الصعود إلى الهاوية" ، وسلالم ميدان التروكاديرو الشهيرة التي غنت عليها وردة "ليالينا" في أه يا ليل يا زمن كانت مغطاة بملاعب الترتان ومنشآت البطولة الصغيرة الكبيرة!

كانت الفكرة رائعة ، وكان التنظيم جبارا ، وأزعم أن أديداس أنفقت عشرات الملايين لإقامة هذه البطولة بهذه الطريقة ، فقد تحملت نفقات سفر وإقامة عدد هائل من البشر ، وفي توقيت يصعب العثور فيه على موضع لقدم في باريس أو في أي مدينة فرنسية أخرى إلا بالشيء الفلاني!

وكان لي شرف مرافقة بعثة مصر في هذه البطولة ، والتي كان رئيس البعثة فيها محمود الخطيب ، وكان معنا أحمد بكر مديرا إداريا ، وعلاء ميهوب مدربا للفريق ، ومن اللاعبين مجموعة من البراعم الصغار الذين رفعوا رأس مصر بالفعل ، وأذكر من بينهم صبيا نحيفا هو عمرو الحلواني – لاعب الأهلي الحالي – وآخرين لا أذكر أسماءهم وإن كان معظمهم من اللاعبين الحاليين أيضا.

قبل وصولنا إلى فرنسا ، وكان ذلك قبل كأس العالم للكبار بأسبوع ، لم نكن نعرف شيئا عما يسمى بـ"أجواء كأس العالم" ، ولكني – والحق يقال – شعرت بهذه الأجواء منذ وجودنا في الطائرة التي أقلتنا إلى مطار أورلي بباريس.

الطائرة كانت مليئة بالمصريين ، سمير زاهر في طريقه إلى باريس للمشاركة في اجتماعات المكتب التنفيذي للفيفا بوصفه رئيس الاتحاد المصري – آنذاك – وكان هناك عازف البيانو العالمي رمزي يسى في طريقه إلى عاصمة الفن لإحياء حفلات هناك ، وغيرهما.

أثناء جلوسي في القاهرة ، أحسست من الركاب الفرنسيين القلائل أنهم لا يشعرون أن فريقهم قادر على الفوز بكأس العالم ، فأمامي رجل يتصفح جريدة "لوموند" وهو يشير إلى زوجته إلى صورة للاعبي منتخب فرنسا من ذوي البشرة السمراء ، وتحديدا أنجلوما وباتريك فييرا وحتى زيدان المنحدر من أصول عربية ، وأسمعه يقول لها بالفرنسية يقول لها باستياء بالغ : "أهذا منتخب فرنسا حقا"؟! فترد عليه بقولها : "حتى أولئك ممن يملكون ملامح أوروبية قليلون"!!

ومع اقتراب الطائرة من مطار أورلي بباريس ، فوجئت وفوجيء ركاب الطائرة بأن الوضع مختلف ، وبأن كأس العالم قد بدأ بالفعل ، بل وتأكدت أن هذا الرجل وزوجته لا يمثل إلا رأيا عنصريا متطرفا لم يعد يعبر عن غالبية قطاعات الفرنسيين ، فقد رأينا بوضوح – من السماء – صورة عملاقة بمعنى الكلمة لزين الدين زيدان معلقة في سماء المطار بطريقة فنية تجبر ركاب الطائرات المحلقة فوق المطار أن يشاهدونها بوضوح شديد ، وكانت الصورة مكتوب عليها عبارة "هيا يا زيزو" بالفرنسية طبعا.

وداخل المطار سألت أحد العاملين عن سبب وضع هذه الصورة بهذا الشكل فأجب قائلا : نريد لكل من جاء إلى فرنسا أن يعرف أننا سنفوز بالكأس ، ونريد من أي فريق يفد إلى بلادنا أن يدرك أننا نلعب على البطولة وليس على مجرد الاستضافة والتمثيل المشرف"!

في الطريق إلى الفندق ، كانت الأجواء تشير إلى أن كأس العالم أمر مختلف تماما ، فالمسألة ليست مجرد عمال يقومون بطلاء الأرصفة والسور المعدني للكوبري ولا مجموعة من الأعلام القذرة التي يتم رفعها في أعلى أعم

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات