كتب : محمد سيف | الجمعة، 16 ديسمبر 2005 - 15:19

حضارة 55 مباراة!

ستة فرق شاركت في بطولة كأس العالم للأندية .. جميعها حققت انتصارا واحدا على الأقل خلال البطولة ، إلا فريق واحد فشل في تحقيق نتيجة إيجابية واحدة .. وللأسف كان هذا الفريق هو الأهلي المصري .. الذي أثبت بما لا يدع أي مجال للشك أنه وفي حين تلعب جميع أنحاء العالم كرة قدم عصرية ، لازلنا نلعب كرة السبعينات.

فتجربتنا العالمية انتهت ، وانتهت معها كثير من الغطرسة المصرية التي لا مبرر لها .. انتهت بصفر جديد ينضم إلى صفر المونديال وكل الأصفار التي لا أستطيع أن أتذكرها الآن من كثرتها ، وأثبتنا للعالم كله أننا نلعب في دنيا أخرى وعالم آخر وبطولات أخرى.

والمصيبة الحقيقية أننا لا نرى ذلك ، بل نظل نكابر ونؤكد أن خروجنا من أي تصفيات أو نهائيات نشارك فيها صدفة بحتة ، وأننا كنا الأفضل وكنا الأكثر فرصنا وكنا الأكثر "مش عارف إيه" ، وبالطبع لا ننسى أن نزج بالجملة الخالدة "يا جماعة إحنا 7000 سنة حضارة" ، لكنها هذه المرة تحولت إلى "يا جماعة إحنا حضارة 55 مباراة"!

فكرة القدم التي أداها نادينا المصري كانت ساذجة للغاية في مباراتيه بالمقارنة مع منافسيه ، وحقيقة لم يقدم كرة قدم حقيقية ومتطورة ، بل كان أداؤه ملخصا قصيرا لكل عيوب كرة القدم المصرية ونمطيتها ، بل وثقافاتها الرجعية ، فبداية من ثقافة "إحنا اللي كنا ماسكين الكورة" دون ناتج مرورا بثقافة إهدار الفرص السهلة ، نهاية بثقافة "استدعاء التاكسي" - التي يسمونها الغربيون الأوفسايد جيم - وبينهم عشرات الأخطاء التي يقع فيها أي فريق يحترم نفسه في القسم الثاني من أي دوري أوروبي قوي.

لقد وصل الأمر بنا أن تغلب علينا ممثل الكرة الاسترالية التي نسخر منها دائما ونقول إنها "يادوب بنت إمبارح" وإن كرتنا العريقة عمرها يزيد عن قرن ، وأثبت الاستراليون أن كرتنا باتت في نهاية الطابور ، وأن الكرة التي نمارسها ونعرفها في دورينا "العظيم" أكل عليها الدهر وشرب وحبس بسيجارتين كمان!

وهذا النقد ليس على الأهلي وحده ، بل معه في نفس السلة جميع أخوته الأندية المصرية ومعهم والدهم العاجز الضرير منتخب مصر ، وجميعهم يلعبون نفس الكرة بنفس الأخطاء ونفس الآفات ونفس الثقافات.

فمن في مصر يلعب بطريقة 4-4-2؟ ومن من المدربين الأجانب ، الذين جاءوا إلى مصر وحاولوا اللعب بطريقة عصرية ، لم يتعرض لانتقادات شديدة ونقد لاذع عندما مجرد فكر في الاتجاه للكرة الحديثة؟ بل ومن من خبرائنا الأجلاء لا يؤمن إيمانا راسخا أن لاعبينا لا يستطيعون هضم هذه الطريقة؟؟ رغم أن بطون المصريين تهضم الزلط ، لكن يبدو أن عقولهم ليست كذلك.

ومن من النقاد الأشاوس لن يخرج علينا مقسما بأغلظ الأيمان أن الأهلي كان الأكثر سيطرة لكنه القدر والنصيب وإرادة الله التي ليس لها راد (حد يعترض بقى)؟؟

ورغم أنني لا أرغب في خوض تفاصيل مباراة الأهلي وسيدني لأن الموضوع أكبر من مجرد مباراة ، فإنها ببساطة أبرز دليل على ما أقوله ، وهذا ظهر بوضوح شديد بعد خروج عماد النحاس مصابا ، ولعب شادي محمد بدلا منه ، فجاء الهدف الثاني من خطأ دفاعي كارثي مصري الطعم والنكهة ، فبدأ جوزيه في التفكير بلعب 4-4-2 وسحب ظهيره الأيسر ووضع بدلا منه قلب دفاع ، وهو نفس خطأ المباراة السابقة ، فلماذا لم يلعب بهذه الطريقة منذ خروج النحاس؟ بل ولماذا لم يحاول تطبيقها في الدوري وهو "ماشي زي القطر" فيه ، لا يوقفه عدو ولا حبيب؟!!

كان الأولى على الجميع محاولة التطور مع جميع أنحاء العالم التي تطورت وبقينا نحن كما نحن ، نصفق بانبهار عندما نشاهد هدف حسام حسن في الجزائر عام 1989 ، ونسير مختالين فخورين إذا عرضت القناة الرابعة مباراة مصر وهولندا في كأس العالم 1990.

إن ما حدث اليوم في طوكيو هو نفسه ما سيحدث بعد شهر في القاهرة ، وسنفتح عيوننا على آخرها اندهاشا من خروج المنتخب من كأس الأمم ، وسيمشي المصريون في الشوارع مصدومين وكأن ذلك كان آخر ما يتوقعوه ، وسيتكرر نفس السيناريو ، وربما نفس المقال ، دون أن يخرج شخصا واحدا ويقول : "يا جماعة تعالوا نلعب كرة قدم حقيقية".

فلنتوقف الآن ، ونبدأ في ممارسة اللعبة على حقيقتها ، وأن نجبر لاعبينا على اللعب الجدي المفيد ، وأن ننسى الخطط التي تعتمد على الكسل والتأمين والتحذير والحرص والخوف والهلع .. ننقل من العالم أحدث "موضات" التدريب والتكتيك ، ولا نكتفي بنقل "موضات" الفيديو كليب والموبايلات والبدل والفساتين.. آه ومكاتب المراهنات.

أفيقوا أرجوكم ، فالتجربة لم تكن ناجحة لأننا لن نستفيد من أخطائها وسنخرج منها كما دخلناها ، وما يحدث اليوم هو ما حدث أمس وسيحدث غدا إذا لم نفق .. أرجوكم دعونا ننظر للأمام مرة ، وانسوا اننا حضارة 55 مباراة.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات