كتب : أحمد سعيد | الأحد، 23 مايو 2010 - 15:10

تحليل: فان جال ولعنة روبن

دخل لويس فان جال النهائي الأوروبي وفي يده سلاح فتاك. صوبه إلى منافسيه ولكنه لم يصب الهدف، حاول من جديد ولكنه فشل أيضا، فقرر توجيه فوهة المسدس إلى صدره وانتحر برصاصة اسمها "آرين روبن".

ولا يمكن لشخص عاقل أن يلقي بمسؤولية انتحار أحدهم على مسدس، ولكن يمكنه تحميل هذه المسؤولية للشخص الذي استخدم السلاح بصورة جعلته ينهي حياته بيده.

الأمر نفسه ينطبق على روبن، فقد كان سببا في خسارة بايرن ميونيخ أمام إنتر ميلان، ولكنه ليس مسؤولا عن الهزيمة، وإنما المسؤول هو فان جال الذي حمله ما لا يحتمل وواصل بإصرار عجيب طوال المباراة على اللعب من خلاله فقط حتى بات "كارت محروق".

وقبل الاسترسال في الحديث، أود العودة إلى حالتين مشابهتين أحدهما محلية والأخرى إنجليزية لمزيد من الإيضاح.

الحالة الأولى هي مباراة الـ6-1 الشهيرة بين الأهلي والزمالك قبل ثمانية أعوام، والتي كان أحد تفسيرات ارتفاع هامش فوز الأهلي هو إصرار مدرب الزمالك أوتو بفيستر على إبقاء حازم إمام في الملعب حتى قبل 15 دقيقة من النهاية على الرغم من أن قائد الفريق الأبيض كان أبعد ما يكون عن مستواه في هذا اللقاء.

فانتهاء الشوط الأول بنتيجة 3-1 كان صدمة للاعبي الزمالك، الذين لم يتوقعوا التأخر بهذه الطريقة في 45 دقيقة فقط، وفقد معظمهم الثقة في نفسه، وباتوا يبحثون عن إمام في كل أرجاء الملعب لينقذ الفريق وينقذهم بأحد ألعابه السحرية التي اعتاد على تقديمها في هذه الفترة.

ولكن كلما وصلت الكرة إلى إمام، كانت نهاية الهجمة البيضاء حتمية لأنه شعر بضغط كبير يضعه الجميع على عاتقه لإعادة الزمالك إلى المباراة حتى قرر المدرب الألماني إخراجه أخيرا ولكن بعدما وصلت النتيجة إلى خمسة أهداف للأهلي.

الحالة الثانية هي التحسن الملحوظ في مستوى فريق أرسنال الإنجليزي في أول موسم بدون تييري هنري، على الرغم من تنبؤ الجميع بانهيار المدفعجية مع رحيل القائد والهداف التاريخي.

ففي موسم 2007-2008 انتقل الغزال الفرنسي إلى برشلونة في الوقت الذي تحمل فيه لاعبون أمثال سيسك فابريجاس، وإيمانويل أديبايور، وروبن فان بيريسي مسؤولية الفريق، ونجحوا جميعا في تقديم عروض رائعة وتصدر الدوري الإنجليزي حتى الأسبوع الـ31 قبل السقوط في أربعة أسابيع مجنونة والابتعاد عن اللقب.

ويفسر فابريجاس الأمر قائلا: "كان الجميع يهاب هنري، ويخشى أن يمرر أو يسدد بصورة خاطئة حينما كان في الملعب، ولكن حينما رحل، تحررنا جميعا وبدأنا نلعب بصورة أفضل ودرجة أعلى من الجماعية، فكنا كلنا نجوما".

لويس فان جال أوقع فريقه في فخي حازم إمام وتييري هنري في النهائي 2010. ولا أقصد هنا بالطبع أن على المدرب إخراج روبن من الملعب، ولكن كان يتعين عليه أن يمنح لاعبي الخط الأمامي الآخرين أدوارا أكبر، ويلقي عليهم مسؤوليات أكثر، ويثق في قدرتهم على الإبداع والابتكار في ظل غياب فرانك ريبيري.

كان واضحا طوال المباراة أن فان جال أخبر لاعبيه أن وجودهم جميعا هدفه توصيل الكرة إلى روبن، الذي سيقرر من مركزه على الجناح الأيمن مسار اللعب: فهو إما سيقطع إلى الداخل ويسدد بيسراه، أو يخترق منطقة الجزاء ويمرر أرضيا، أو يرسل عرضيات بعيدة المدى على رأس إيفيكا أوليتش أو توماس مولر.

وعلى الرغم من مرور روبن مرتين أو ثلاث في الشوط الأول، فإن الشكل العام للمباراة كشف أن مورينيو أعد العدة لإيقاف الجناح الطائر الذي تألق كثيرا تحت قيادة البرتغالي في تشيلسي. فجوران بانديف يعود حتى حدود منطقة جزاءه ليواجه روبن، ومن خلفه كريستيان كيفو، ومن خلفهما والتر صامويل!

ومع تقدم إنتر بهدفين، أغلق مورينيو جناحه الأيسر تماما، بتحويل خافيير زانيتي إلى ظهير أيسر استطاع القضاء تماما على خطورة روبن مثلما فعل من قبل مع ميسي، وإقحام ستانكوفيتش في وسط الملعب ليضبط الإيقاع الدفاعي بجوار كامبياسو.

ومع ذلك، ظل لاعبو بايرن ميونيخ غير واثقين في قدرة أي منهم على الاختراق من دون روبن، فكانت الكرة تنتقل من حيث روبن إلى منتصف الملعب، إلى الجناح الأيسر، إلى وسط الملعب مجددا ثم إلى روبن الذي يحاول الاختراق مرة واثنين وثلاث بلا جدوى.

الملاحظ أن الفرصتين الوحيدتين اللتين لاحتا لبايرن في اللقاء كانت إحدهما كرة ثابتة والأخرى المتحركة جاءت تمريرة بينية عن طريق حميت ألتنتوب من اليسار إلى مولر المنطلق في العمق، ولم يكن لروبن أي دور فيها!

وكان ألتنتوب هو الوحيد الذي يؤمن بأن عليه المحاولة بمفرده على الجناح الأيسر، فتارة يحاول التسديد، وأخرى يحاول الاختراق وكادت محاولته أن تشكل بعض الخطورة إلى أن قرر فان جال إخراجه من الملعب وإدخال كلوزه وهو التغيير الذي قضى فعليا على أي محاولات "غير روبنية" لتسجيل هدف.

لماذا لم يحرر فان جال لاعب وسطه الجوكر باستيان شفاينشتايجر لأداء أدوار هجومية لاسيما وأنه في الأساس صانع ألعاب؟ لماذا لم يوجه الظهير الأيسر بادشتوبر لتدعيم ألتنتوب وفتح قناة هجومية مع تكليف مارك فان بومل للتغطية على تقدمه تفاديا للهجمات المرتدة؟

لماذا لم يستغل قلبي الدفاع ديمكلز وفان بويتن في التقدم قليلا إلى منتصف الملعب في ظل وجود رأس حربة واحد، ما يؤدي إلى تخفيف الضغط عن فان بومل وشفاينشتايجر وهي الطريقة التي يتبعها معظم المدربين الذين يواجهون فرقا تلعب 4-5-1؟

كلها أسئلة بلا إجابة سوى أن فان جال قرر تحويل روبن من "سلاح حاسم" ضمن أسلحة أخرى يمكن استخدامها عبر مراحل المعركة المختلفة إلى "سلاح وحيد" استطاع إنتر ومورينيو إيقافه ليجردا بطل ألمانيا من كل آماله في اللقب.

وعندما سأل أحد الصحفيين فان جال عقب المباراة عما إذا كان غياب ريبيري هو السبب في الهزيمة، رد المديرالفني المخضرم قائلا: "لا يمكنني قول ذلك، لأن هذه العبارة من شأنها إظهار عدم احترام لباقي أعضاء الفريق".

عزيزي فان جال .. لقد أظهرت لهم عدم احترامك بالفعل حينما تجاهلتهم جميعا ونظرت إلى روبن فقط!

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات