"قبل التفكير في الخطط والتكتيك، يجب أولا فهم القيم التي تقوم عليها كرة القدم في جنوب إفريقيا".

بهذه العبارة استهل محاضر دورة رخصة D للمدربين حديثه لنا، وهي جملة تختصر فلسفة كروية متكاملة، وتفتح الباب لفهم أعمق لشخصية الكرة الجنوب إفريقية.

في هذا المقال نسلّط الضوء على أبرز الحقائق المرتبطة بكرة القدم في جنوب إفريقيا، وعلى هوية منتخب الأولاد، قبل المواجهة القادمة أمام المنتخب المصري، للإجابة عن عدة تساؤلت مهمة:

هل يجب التقليل من شأن هذا المنتخب؟

هل هو مجرد امتداد لنادي ماميلودي صن داونز؟ وما هي أفضل طريقة لمواجهته فنيا؟

أولا: القيم الأساسية لكرة القدم في جنوب إفريقيا

تعتمد كرة القدم الجنوب إفريقية على منظومة قيم واضحة، يتم غرسها في اللاعبين منذ مراحل البراعم وحتى الحًتراف، وهي قيم حاضرة بقوة في برامج تعليم المدربين وتطوير اللاعبين:

1.أوبونتو – (Ubuntu) روح الجماعة

• تقديم مصلحة الفريق على الفرد
• احترام الزملاء والمنافسين والمجتمع
• اعتبار كرة القدم أداة للتلاحم الجًتماعي

2.تسامايا – (Tsamaya) المهارة والحرية

• الإبداع في مواقف واحد ضد واحد
• حرية التعبير بالكرة
• الثقة، الإيقاع، والرًتجال

3.باخاتي – (Phakathi) الانضباط التكتيكي

• تمركز ذكي واتخاذ قرارات سليمة
• تنظيم واضح في الهجوم والدفاع
• تحقيق التوازن بين الإبداع والمسؤولية

الخلاصة:

أوبونتو (الجماعية) + تسامايا (المهارة) + باخاتي (التنظيم)

ثانيا: هل منتخب جنوب إفريقيا هو منتخب صن داونز؟

للإجابة على هذا السؤال، لا بد من إلقاء نظرة دقيقة على التشكيل الأساسي الذي مثّل منتخب جنوب إفريقيا في مباراته الأخيرة أمام أنجولا.

ضم التشكيل كل من:

• حراسة المرمى :رونوين ويليامز (ماميلودي صنداونز)
• خط الدفاع :خوليسو موداو (صنداونز)، سيابوجا نجيزانا (ستيوا بوخارست – رومانيا)، مبيكيزيلي مبوكازي (أورلاندو بايرتس)، أوبري موديبا (صنداونز)
• خط الوسط :سفيبيلو سيثولي (تونديلا – البرتغال)، تيبوهو موكوينا (صنداونز)
• خط الهجوم :موهاو نكوتا (الاتفاق السعودي)، سيبو مبولي (أورلاندو بايرتس)، أوسوين أبوليس (أورلاندو بايرتس) – سجل الهدف الأول - ليلي فوستر (بيرنلي) سجل الهدف الثاني وصنع الأول

كما شارك من على مقاعد البدلاء كل من:

إلياس موكوانا (الحزم السعودي)، باثوسي أوباس (ماميلودي صنداونز)، (تسهيبانج موريمي) أورلاندو بايرتس (الذي صنع الهدف الثاني).

وبالأرقام، من بين 14 لاعبا شاركوا في اللقاء، لم يتجاوز عدد لاعبي صنداونز خمسة لاعبين بين أساسي وبديل، أي ما يقارب 35% فقط من إجمالي التشكيل، وهو ما ينفي فكرة أن المنتخب هو "صنداونز بنسخة دولية".

غير أن الإحساس بالتشابه يبقى حاضرا، ليس بسبب الأسماء، بل بسبب وحدة العقلية والأسلوب التي تشكّل اللاعب الجنوب إفريقي منذ الصغر.

ثالثا: هوجو بروس… عقدة قديمة

تاريخ المنتخب المصري مع المدير الفني البلجيكي هوجو بروس ليس الأفضل، إذ كان المدرب الذي أنهى حلم التتويج بالنجمة

الثامنة حين قاد منتخب الكاميرون للفوز بكأس الأمم الإفريقية 2017 على حسابنا.

هذا التاريخ يمنح بروس أفضلية نفسية ومعرفية، كونه يعرف جيدا كيفية التعامل مع الكرة المصرية وقراءة نقاط قوتها وضعفها.

رابعا: كيف نواجه البافانا بافانا فنيا؟

كما قال المعلق عصام الشوالي ساباقا عن ماميلودي صنداونز: "كان بإمكانهم الفوز بدوري أبطال إفريقيا مرات عديدة، لولا السذاجة في الأمتار الأخيرة".

وهنا تكمن فرصة المنتخب المصري.

• جهة محمد صلاح أمام موديبا قد تمثل نقطة تفوق واضحة إذا استُغلت بالشكل الصحيح
• عمر مرموش في العمق يمنح حلولا هجومية مهمة
• الجبهة التي يقودها موداو قوية هجوميا لكنها تترك مساحات خلفها، ما يتطلب من تريزيجيه تنفيذ التحولات السريعة واستغلال تلك المساحات
• الحارس رونوين ويليامز يمتلك قدرات كبيرة في التصدي، لكنه في المقابل يرتكب أخطاء اندفاعية أحيانا، وهو ما يستوجب يقظة مصطفى محمد داخل منطقة الجزاء

فنيا، أثبتت مواجهات الأهلي وبيراميدز الأخيرة أمام صنداونز وأورلاندو بايرتس أن الدخول في صراع استحواذ مع الفرق الجنوب إفريقية مخاطرة كبيرة، بينما يظل اللعب على التحولات السريعة وترك الكرة للمنافس هو النهج الأكثر أمانا وفاعلية.

خامسا: جيل شاب قادم بقوة

إلى جانب موهاو نكوتا (21 عاما) يضم منتخب بافانا بافانا مجموعة مميزة من المواهب الشابة، من أبرزها:

• ساموكيلو كابيني 21 عاما – مولده النرويجي
• ريليبوهيل موفوكينغ 21 عاما – أورلنًدو بايرتس
• خولوماني نداماني 22 عاما – تي إس جالكًسي
• مبيكيزيلي مبوكازي 21 عاما – أورلاندو بايرتس
• شاندره كامبل 11 عاما – كلوب بروج
• تايلون سميث 11 عاما – كوينز بارك رينجرز (قائد منتخب جنوب إفريقيا تحت 21 عاما، والذي حقق الفوز على منتخب الولايات المتحدة في كأس العالم الأخيرة للشباب)

خاتمة

منتخب جنوب إفريقيا لا يعتمد على الصدفة، بل على مشروع واضح، ورؤية طويلة المدى، ومنظومة فنية متماسكة. ورغم ذلك، لا تزال الكرة المصرية تمتلك الأفضلية التاريخية والخبرة القارية، شريطة حسن إدارة المباراة والتفاصيل الصغيرة.

ويبقى التحدي الأكبر هو أن تتحول هذه الخبرة إلى رؤية مستقبلية واضحة لكرة القدم المصرية، يتم تنفيذها باحتراف واستمرارية، لا أن تظل مجرد رد فعل لمباراة أو بطولة.