أوسكار سالازار.. مهندس إنجاز التايكوندو المصري في طوكيو

الخميس، 12 أغسطس 2021 - 18:57

كتب : زكي السعيد

أوسكار سالازار - سيف عيسى - هداية ملاك

في دورة الألعاب الأولمبية أثينا 2004، عادت البعثة المكسيكية بأكملها بـ 4 ميداليات، نصفها كان ينتمي إلى عائلة سالازار.

فعندما تفوقت إيريديا سالازار على منافستها الإسبانية سونيا رييس في مباراة عصيبة، حصدت برونزية وزن 57 لمنافسات التايكوندو.

كان ذلك 24 ساعة فقط بعد أن فاز شقيقها الأكبر أوسكار بفضية وزن 58 على مرأى ومسمع من نفس المدرب: والدهما رينالدو سالازار.

بعد العودة إلى الوطن كبطل قومي، كافأ أوسكار سالازار نفسه وحصل على وشم في ذراعه الأيسر يُمثّل الحلقات الأولمبية المتشابكة ومعها اسم الدورة: أثينا 2004.

كان ذلك أول ما لفت انتباهي أثناء مصافحته في منزله الأسبوع الفائت بعد أيام قليلة من إضافته ميداليتين أولمبيتين جديتين في رصيده، هذه المرة بصفته مدربًا.

"لقد فكرت في ذلك حقًا، لكني لم أستقر على أي ذراع بعد".. هكذا أجابني عندما سألته إن كان سيضع وشمًا جديدًا يخص طوكيو 2020.

والفارق الجوهري هذه المرة أن إنجاز أوسكار سالازار الأولمبي تحقق تحت العلم المصري، بصفته مديرًا فنيًا لمنتخب التايكوندو.

هداية ملاك وسيف عيسى أحكما القبضات على برونزيتين سريعتين في ظرف 10 دقائق تقريبًا، فاتحين الطريق أمام تدفق غير مسبوق –عدديًا- للميداليات الأولمبية المصرية.

وبينما كنا نعبث بأثاث منزله باحثين عن أفضل زاوية لوضع الكاميرات والإضاءة، انشغل أوسكار بهاتفه لمتابعة نزال فريال أشرف الأخير في منافسات الكاراتيه، قبل أن نصرخ سويًا: "ORO" "ذهبية".

ولا شك أنه استشعر كيف كان جزءًا أصيلًا من إنجازات المصريين في أولمبياد طوكيو.

عرفه المصريون وانتبهوا إليه خلال نزالات هداية ملاك في وزن 67 كيلوجرامات، لكنه شرح لنا دوره بصورة مفصلة أكثر.

يقول أوسكار سالازار في حواره المطول مع FilGoal.com: "أنا المدير الفني للمنتخب، أشرف على تدريب كل اللاعبين، أجهّز المعسكرات، وأضع خطط النزالات، وأوزع المهام، لكن لا يمكن لشخص واحد القيام بكل شيء وحده".

ويواصل حديثه موضحًا: "هداية وسيف كانا ينافسان في نفس اليوم على سبيل المثال، وبينما أحدهما يلعب، يكون الآخر في الداخل يجهّز لمباراته التالية، وبالتالي لا يمكنني إدارة مباراتيهما معًا".

سالازار وعندما حضر إلى مصر في 2019 لتدريب المنتخب، راوده هاجس واضح بشأن هذا البلد الواقع في الجزء الآخر من العالم: الطعام.

"السبب في ذلك أنني حضرت إلى مصر لخوض بطولة العالم سنة 1997 ومرضت للغاية بسبب الطعام، لا أعرف حتى ماذا أكلت يومها".

لكنه يستدرك: "أمّا تجربتي هذه المرة مع الطعام كانت رائعة، فقد أحببت الأطباق التقليدية الشرقية والمأكولات البحرية والشاورما".

ويمتد عقد سالازار مع الاتحاد المصري للتايكوندو حتى نهاية الشهر الجاري، فهل ينوي الاستمرار حتى أولمبياد باريس؟ سالازار أوضح لنا أن القرار ليس في يده بشكل كامل:

"هناك بعض الأوضاع الإدارية التي يجب تسويتها أولًا، فقد يأتي اتحاد جديد للعبة وعندها سيكون من حقهم اختيار من يرونه ملائمًا لتدريب المنتخب".

"أبوابي مفتوحة على كل الاحتمالات، لكن أولا يجب تسوية الوضع الإداري، بالطبع سأحب إكمال الرحلة حتى باريس".

وسالازار حضر إلى مصر في 2019 بنية إعداد المنتخب لمدة عام قبل الأولمبياد، مدة ستتضاعف مع تأجيل الأولمبياد لعام كامل، مما صعّب مهمته تحديدًا مع هداية ملاك.

هداية حاملة العلم المصري –رفقة علاء أبو القاسم- في حفل افتتاح دورة طوكيو، كانت وجهًا مألوفًا واسمًا بارزًا يعرفه جيدًا الجمهور المصري، لكن بالحديث إلى أوسكار؛ فهمنا أكثر كيف كان تكرار الفوز بميدالية في غاية الصعوبة على هداية.

يقول سالازار عن لاعبته: "تأجيل الأولمبياد كان عاملًا سلبيًا كبيرًا لـ هداية، لقد حرّك حياتها بالكامل لأنها امتلكت مخططات أخرى تخص عائلتها".

ولم يكن هذا العائق هو الوحيد في وجه هداية، بل تغيير وزنها لتنافس في فئة تحت 67 كيلوجرامات بعد أن ربحت برونزية ريو في فئة تحت 57، كان تحديًا مختلفًا بالكامل.

ورغم تغيُر المنافسين وما يتبع ذلك من مصاعب، فإن سالازار يرى الأمر بنظرة مختلفة: "منافسة هداية في وزن أعلى أزاح من عليها ضغط فقدان الوزن بشكل مستمر، هذا الضغط الذي قد يجعلها لا تأكل تمامًا لم يعد موجودًا".

هداية بدأت مشوارها في طوكيو بالإطاحة بالفرنسية ماجدا ويت هينين المصنفة السادسة عالميًا وصاحبة المركز الثالث في بطولة العالم الأخيرة.

لكن القدرات الفنية الهائلة للاعبة الفرنسية لم يكن أكثر ما أثار قلق سالازار، وإنما هوية مدربها: الإسباني روسيندو ألونسو.

يكشف لنا سالازار عن معلومة محورية للغاية: "ألونسو هو المدرب السابق لـ هداية ويعرفها جيدًا. بالتالي هذا النزال كان مزدوجًا، أمام اللاعبة الفرنسية وأمام مدرب هداية السابق".

بعدها اصطدمت هداية بالبريطانية القوية لاورن ويليامز المصنفة الثالثة عالميًا والتي دخلت المنافسات بحثًا عن الذهبية.

المباراة كانت عصيبة وتقدّمت ويليامز فيها 4-3 بالفترة الأولى، قبل أن يتسع الفارق إلى 12-3 مع نهاية الفترة الثانية، بمعنى أن هداية لم تسجل أي نقطة خلال تلك الفترة في مقابل 8 نقاط متتالية للبريطانية.

وبينما مرت الثواني في الفترة الثالثة حافظت هداية على تحفظها محاولةً إطالة عمر المباراة دون الاندفاع في تعويض الفارق الشاسع، لتهاجم في النهاية وتسجل 9 نقاط مقابل نقطة لمنافستها، وبالتالي خسرت المصرية 12-13.

هذا التحفظ حتى آخر الثواني أثار إحباط كثير من المتابعين –قليلي الخبرة في التايكوندو بالطبع- واحتاج توضيحًا من الرجل الذي أعد خطة النزال بنفسه.

يشرح سالازار لـ FilGoal.com بالتفصيل ما حدث في ذلك النزال: "ويليامز لاعبة قوية وشابة، تشارك في كل البطولات وبالتالي هي على احتكاك دائم مع أفضل لاعبات العالم، شيء يفتقده كثير من الرياضيين المصريين".

"لو جعلت هداية تلعب بنفس نسق ويليامز في هذا النزال، لخسرنا 20-0، لأن هداية لم تكن ستتحمل هذا النسق. هدفنا كان السماح لـ هداية بالمنافسة أطول وقتٍ ممكن، وأن نلعب بأسلوبنا نحن وليس أسلوب المنافس".

وتطرق سالازار في وسط حديثه لنقطة قد تكون الأكثر أهمية في تفسير التحفظ الذي لعبت به هداية يومها: "كنا نعرف أن ويليامز ستصل إلى النهائي، وقد فازت بالفعل على لاعبة كوت ديفوار بسهولة في الدور الثاني، وكانت متقدمة وكادت أن تحصد الذهبية لو لولا فقدانها التركيز بآخر لحظة".

وصول ويليامز إلى النهائي يعني أن هداية ستلعب في مرحلة الترضية للمنافسة على ميدالية برونزية، وهو نظام ينص على تواجه كل اللاعبين الذين أطاح بهم اللاعب الذي وصل إلى النهائي.

البداية كانت أمام ماليا باسيكا لاعبة تونجان، مقاتلة شابة لا تتمتع بخبرة كبيرة، لم تجد هداية أي صعوبة في التقدم عليها 19-0 مما أدى إلى إنهاء المباراة بعد أول جولة فقط لعدم التكافؤ.

يتذكر سالازار ما حدث في الغرف المغلقة بعد الهزيمة أمام ويليامز وقبل خوض مباريات الترضية: "تحدثت مع هداية وأعدنا مشاهدة النزال أمام ويليامز، وعرفت هداية أنها كانت قريبة جدًا من الفوز".

"عقدنا مقارنة بين أداء ويليامز ولاعبة تونجا، ورأينا أن هداية قادرة على الفوز دون مشاكل".

ذلك تجلى بشكل واضح في السلوك الهجومي المختلف الذي دخلت به هداية أمام لاعبة تونجا وسمح لها بتحقيق أسبقية سريعة ومبكرة.

قبل أن تظهر خبرة هداية الكبيرة في نزال المركز الثالث عندما أطاحت بالأمريكية بيدج ماكفيرسون.

يقول سالازار: "كنا نعرف أن الضغط واقع على اللاعبة الأمريكية وأنها من ستحاول البحث عن الفوز، وهداية استغلت توتر منافستها والمساحة التي ظهرت لتسدد مجموعة ركلات سريعة وتوسع الفارق وتلعب بأريحية، فـ هداية متخصصة في الركلات الأمامية نحو الرأس".

هداية في الثامنة والعشرين من عمرها تمتلك بالفعل ميداليتين أولمبيتين، فهل انتهت الرحلة أم هنالك من مزيد؟ في عبارة أخرى: هل ستعتزل هداية ملاك؟

يرد أوسكار: "هداية لم تتحدث معي في هذا الأمر، وصحيح أن تكرار الفوز بميدالية يزداد صعوبة بمرور السنوات، لكنه ليس مستحيلًا، وهداية تستطيع المواصلة حتى باريس".

ويستدرك المدرب المكسيكي: "لكنها قد تمتلك مخططات أخرى تخص عائلتها، ولاحقًا إن افتقدت التايكوندو قد تعود إليه. هداية رياضية تتمناها بلدان أخرى، لديها إمكانيات رائعة وتتدرب بجدية كبيرة".

وعن سر ابتسامتها العريضة قبل كل نزال مصيري: "لأنها تفعل ما تحب، تلعب لأجل نفسها وربها وعائلتها، لا تهتم بما يقال أو بالآخرين، إنها لا تعاني على عكس لاعبين آخرين، ولهذا تدخل النزالات سعيدة والابتسامة على وجهها دومًا".

وأوسكار سالازار لم يقض وقتًا طويلًا في مصر، لكنه يبدو طوال حديثه معنيًا جدًا بالمصاعب التي يواجهها الرياضيون المصريون ومتعاطفًا معهم.

يقول سالازار: "الرياضيون المصريون يحتاجون إلى الدعم، لا يجب أن تصطدم الرياضة بالمجتمع أو الجامعات أو العمل، بل على النقيض، من المفترض أن توفر الجامعات منحًا رياضية لتشجيع طلباها بدل من التضييق عليهم".

-------

وبعد مناقشة مغامرة طوكيو، لم نتغافل عن اصطحاب أوسكار سالازار بلانكو 17 عامًا إلى الوراء وقتما زيّن إكليل الغار رأسه وعانقت الفضية رقبته، مُخلّدًا اسمه في التاريخ الرياضي للمكسيك.

سالازار (43 عامًا) كان مقاتل التايكوندو الأبرز في وزنه بقارة أمريكا بنهاية التسعينيات ومطلع الألفية، ولم يكن ذلك غريبًا، فالتايكوندو يجري في دماء العائلة.

الوالد رينالدو سالازار هو أسطورة التايكوندو المكسيكي وأحد رواده، صاحب فضية بطولة العالم 1979 وبرونزية 1977، كما حصد ذهبية دورة الألعاب الأمريكية في إنجاز سيكرره نجله لاحقًا.

ويخبرنا أوسكار بحقيقة طريفة: "التايكوندو وفر لنا مستوى معيشة أفضل، بل إن أبي وأمي التقيا عن طريق ممارسة التايكوندو في الأساس".

وهكذا ترعرع أوسكار وشقيقته الصغرى إيريديا، يسددان الركلات من قبل أن يفهما قواعد التايكوندو، إلى أن جاء إنجاز 2004 التاريخي ليدخلهما في قائمة صغيرة من الأشقاء الذين حصدوا ميداليتين أولمبيتين في نفس الدورة بمنافستين مختلفتين.

يقول سالازار: "الإنجاز لم يكن رائعًا لمجرد فوزي أنا وشقيقتي، بل لأن أبي كان مدربنا، شعرنا أن عائلتنا تدعمنا وتدفعنا".

ويوضح سالازار كيف كان لون ميداليته ليتغير لو كانت التكنولوجيا وتقنية الفيديو مُعتمدة في رياضة التايكوندو عام 2004:

"التكنولوجيا جعلت التايكوندو أكثر عدالة، الآن أوقية الرأس والجسد باتت تحتوي على حساسات إلكترونية تتكفل باحتساب النقاط ولم يعد الأمر خاضعًا لتقدير الحكم مثلما كان الحال سابقًا حيث كنا نصرخ أكثر لنعطي الحكم انطباع البحث عن النقاط".

"في نهائي 2004 (أمام التايواني تشو مو ين) سجلت نقطتين، أعتقد أنني سجلت نقطتين، لكن الحكم لم يحتسبهما، وربما لحصد الميدالية الذهبية وليس الفضية لو تواجدت الحساسات الإلكترونية حينها".

ومسيرة عائلة سالازار مع التايكوندو قد لا تتوقف عند الجيل الثاني، بل قد تمتد إلى جيل ثالث:

"نجلي الأصغر أوسكار حاصل على الحزام الأسود في التايكوندو، أمّا شقيقه الأكبر بريان فيمارس الفنون القتالية المختلطة وخاض منافسته الأولى هنا في مصر".

ومع نهاية المقابلة، طلبنا من سالازار النظر إلى الكاميرا وتوجيه رسالة إلى الشعب المصري الذي تعايش معه لمدة سنتين تقريبًا.

وخلافًا للمعتاد في هذا النوع من الأسئلة، كانت إجابة سالازار خالية من العواطف:

"مرحبًا أيها المصريين، أنصحكم بممارسة الرياضة وتقديم أقصى ما لديكم، لأن الحياة ستكافئكم عاجلًا أم آجلًا، إما بلقب أو ميدالية أولمبية، أو ربما أكثر من ذلك بكثير، تحياتي".

بعدها ودّعنا أوسكار سالازار وشكرناه على حُسن ضيافته، غير عارفين إن كان اللقاء سيتجدد أم لا، لكن على يقين أنه حفر اسمه في تاريخ الرياضة المصرية.

**يمكنك مشاهدة المقابلة كاملة مترجمة بالفيديو عبر منصات FilGoal.com المختلفة على مدار اليوم وغدًا.

التعليقات