الونش.. سأكون دائما مجازفا لرمي السهام نحو الهدف

الثلاثاء، 10 أغسطس 2021 - 13:37

كتب : عمر مختار

الونش - سأكون دائما مجازفا

منذ زمن بعيد، ابتدع بعض الأشخاص لعبة رياضية، كانت قواعد اللعبة بسيطة ولكن يكاد يكون من المستحيل إتقانها.

يجلس شخصان على بعد ثلاث ياردات ويحملان في أيديهما خنجرا صغيرا وأمامهما سيف طويل صلب محفور في الأرض.

لا يمكن لأحدهما قتل خصمه بالخنجر، طالما بقيا جالسين.

ومع ذلك، فبإمكانهما استخدام السيف لفعل ذلك، حتى لو لم يتحركا. لكن الذهاب للسيف يعني حتمية الوقوف، وبالتالي من يفعل ذلك سيكون عرضة للخطر. يمكن لخصمك أن يضربك بالخنجر، وغالبًا ما يُلقى به ويقتلك. تنتهي اللعبة فقط عندما يُسقط أحد المنافسين الآخر.

إنها رياضة دم بلا رحمة. فأثناء الجلوس، لن تحصل على طعام ولا ماء، ولا يمكنك أخذ قسطا من الراحة، لا يمكنك النوم، لا يمكنك أن تغمض عينيك عن خصمك. أي خطأ أو عدم تركيز لفترة طويلة، سيجعل منافسك يمسك بالسيف ويقتلك. لكن، يجب على المشاركين الحذر، من المعروف أن الفائز يتظاهر بإرهاق أو عدم استعداد، لكنه في الحقيقة يكون جاهزًا للقتل.

إنها لعبة ذكاء، لعبة مخاطرة ولعبة حظ.

الحصول على يوم عطلة هو شيء نريده جميعًا ولكن من المحتمل أن يكون اختيارك لهذا اليوم للمشاركة في هذه اللعبة هو يومك الأخير.

تستمر معظم المباريات لمدة يوم واحد. ويمكن لبعضها أن يستمر لفترة أطول مثل تلك التي تستمر لأربعة أيام.

إن اللعبة تجعل الجميع ضعفاء، حتى أولئك الذين يفكرون في أنهم الأقوى. لا يمكن لأي ثبات عقلي، ولا سنوات من التدريب، أن تعدَّك لأيام بلا نوم أو ماء، بينما يجلس شخص آخر بعيد المنال، على استعداد تام لتحطيمك.

يخشى الكثير من المشاركين ذلك لأنهم يبدون ضعفاء أمام الحشود. لذا، بدلاً من ذلك، يختارون إنهاء المباريات أسرع ؛ لكن هذا نادرًا ما ينتهي بشكل جيد. رجل عملاق، مخيف، عضلاته بالكاد يحتويها قميصًا بلا أكمام، سوف يسقط بسهولة مثل فأر داخل مصيدة عندما يقوم نصل سيف منافسه باختراق عظام صدره.

لا يوجد شيء مخيف مثل توتر اثنين من المنافسين، يخوضان قتالًا حتى الموت، ويراقبان بعضهما البعض بتركيز شديد، في انتظار الضربة. ولا يوجد أيضًا شيء مُمل مثل الجلوس على منصة خشبية لأيام، في انتظار ضربة واحدة.

لكن على عكس ذلك سيكون الأمر مناسبًا تمامًا لبطل روايتنا، محمود حمدي "الونش" فقط أعد قراءة الجزء السابق بتمعُن أكثر وتخيل رؤيته هناك ينتظر حتي يحقق انتصارًا في النهاية.

بالطبع، لا يجب أن يكون الدفاع دائمًا بهذه الدراماتيكية، مثل الكثير من الأهداف التي يمنعها المدافعين.

إن العبقرية الدفاعية في بعض الأحيان تنطوي فقط على صفاء ذهني وشخصين متزامنين تمامًا مع بعضهما البعض.

يتمتع الونش بموهبة مراقبة المهاجمين وممارسة ضغط كاف عليهم لطردهم خارج منطقته دون منح حكم المباراة الفرصة لإطلاق صافرته. غالبًا ما يكون الونش هو خط دفاع الزمالك الأخير. التدخلات والاعتراضات والمعارك التي تم الفوز بها كانت دائمًا أكثر صمتًا من الأهداف التي منعها، لكن هذا لا يعني أنها كانت أقل جمالاً.

لسوء الحظ، فإن معظم تلك الكرات المدهشة تتلاشى من ذاكرتنا جميعًا في وقت أقرب بكثير من الأهداف التي يسجلها الفريق. كم منا لا يزال يتذكر أو يتحدث عن الونش وهو يرمي بنفسه في طريق الكرة أمام إسبانيا في الأولمبياد، والأسوأ من ذلك في طريق مليئ بالأشواك لإبعاد الكرة عن الشبكة؟

لا يحصل المدافعون على المجد الكافي من المشاهدين، حتى عندما يضعون أنفسهم في طريق الإصابة. لن يتوقف الزمن لمساندتهم بينما يركض المهاجمون ويحتفلون. إذا كانوا محظوظين، فإنهم يحصلون على لحظة لالتقاط الأنفاس عندما تخرج الكرة من الملعب. وإذا لم يكونوا كذلك، فإن الكرة ستبقي في الميدان وسيظل مهاجمو المنافسين يحاولون تجاوزهم.

إن خطًئًا واحدًا صغيرًا قد يقودك إلى خطأ فادح كبير وبالتالي يستقبل فريقك هدف، لذلك إذا كنت تعتقد أن تسجيل الأهداف أمر صعب، فما عليك سوى الانتظار لمعرفة مدى صعوبة الدفاع. فكونك مدافعًا يعني أنك تعرف بالفعل وتقبل أي نوع من المخاطر. لقد أصبحت الأخطاء بالفعل كابوسك.

في الواقع هذا ما يجعل الونش أفضل مدافع مصري وواحد من أفضل المدافعين في القارة الأفريقية.

يشاهد حركة الخصم

كونه فقط مدافع، لا يعني أنه عليه دائمًا مراقبة مكان الكرة. يتمتع الونش أيضًا برؤية مثل لاعب خط الوسط ولكن بطريقة مختلفة، يستخدم لاعب خط الوسط رؤيته لخلق الابداع وصناعة الفرص.

لكن الونش يستخدمها لمشاهدة كل بقعة قد تكون نقطة ضعف في بعض المراكز. إذا كان الخصم يمتلك الكرة، فإنه ينظر إلى محيطه ولا يتوقف عن الملاحظة لأنه إذا فقد رؤيته، فقد يركض أحد لاعبي الخصم للحصول على تمريرة عرضية أو تمريرة طويلة.

في الواقع، تعكس أرقام الونش مستوي التطور الذي وصل إليه. قام الونش خلال هذا الموسم بـ 161 اعتراضا (6.43 اعتراض لكل مباراة)،21 تدخل (0.84 لكل مباراة)،20 بلوك (0.8 لكل مباراة).. وقد فاز بـ 294 كرة منها 189 استرجاع كرات (7.55 لكل مباراة) ، 65 اعتراض ناجح (2.6 لكل مباراة) ،26 من الصراعات الهوائية (1.04) و14 تدخل ناجح (0.56).

هادئ وواثق

بجانب تحكمه في خط الدفاع، يظل الونش هادئًا من أجل توجيه الكرة إلى مدافع آخر، أو التمرير القصير إلى لاعب خط الوسط أو حتى القيام بالتمرير الطويل إلى الأمام. لا يتردد أبدًا في التمرير، فالثقة في اتخاذ القرار هي ما تجعله يفعل ذلك بكل بساطة.

يقع الكثير من المدافعين في ذلك الخطأ، يريد المدافع على سبيل المثال تمرير الكرة إلى لاعب خط الوسط ولكنه ليس متأكدًا مما إذا كانت تمريرته ستصل إليه، هذا التردد الصغير سيكون بمثابة نقطة ضعف للفريق وقد يستفيد منه مهاجم الخصم، لأنه عندما يشعر المدافع بالذعر فإن بقية أفراد الدفاع سيتسلل إليهم نفس الشعور.

وصلت دقة تمرير الونش خلال الموسم الحالي إلى 86%، قام بـ 1005 تمريرة (40.16 لكل مباراة) منها 864 صحيحة (34.53)، أما تمريراته القصيرة فقد وصلت إلى93% حيث قام بـ 853 (34.09 ) منها 791 صحيحة (31.61).

بينما وصل استلامه للكرة إلى حد الكمال 99.72%، استلم الكرة 729 مرة (29.13) منها 727 صحيحة (29.05)، في الوقت الذي لم تصل دقة تمريراته الطويلة إلى المستوي المطلوب 48% بواقع 152 تمريرة طويلة (6.07 ) منها فقط 73 صحيحة (2.92).

يعرف كيف يتحكم في الأمور

يقوم الونش بمراقبة الطريقة التي يلعب بها خصمه، ويخمن أيضًا إلى أين سيذهب وماذا سيفعل. وفي النهاية يجد طريقة لمنعه حتى لو كان ذلك يعني أن عليه أن يستميت في الملعب.

عندما يواجه مراوغًا جيدًا، فإنه يضع في ذهنه توقعًا لما سيفعله بعد ذلك، إذا نجح خصمه في المراوغة، فإنه يستخدم قوته البدنية لإخلال توازنه، وإذا لم تنجح القوة البدنية، فإنه يستخدم سرعته، ثم يبحث عن فرصة لإبطال حركة خصمه.

قام الونش بارتكاب 29 خطأ (1.16 خطأ لكل مباراة) منها 7 أخطاء فقط في الثُلث الدفاعي (0.28)، وقد تحصل على إنذارين فقط خلال 2252 دقيقة (25 مباراة).

لا يخشى الكرة

يمتلك الونش جرأة كبيرة تسمح له بتخطي المواقف الصعبة هناك لحظات يستخدم فيها جسمه بالكامل لاعتراض الكرة وتغطيتها سواء على الأرض أو في الهواء.

تمثِّل شجاعته حلاً كبيرًا بالنسبة لفريقه فمعظم اللاعبين يخافون من الكرة لأنها تؤدي إلى صراعات قوية قد ينتج عنها إصابات بالغة. لكن الونش لا يخشى الارتقاء لأعلى مستوى ممكن، ينسى كل المخاطر لكنه لا ينسى التواصل مع زميله في الفريق.

يتخلص من الكرة ببراعة

في بعض الأحيان، عندما يحاول المدافع إبعاد الكرة، فقد ينتهي به الأمر بشكل سييء.

يشعر العديد من المدافعين بالتوتر عند تعرض منطقتهم للهجوم، خاصة عندما يكونوا داخل منطقة الجزاء، يحدث هذا الخطأ غالبًا بعد تنفيذ الركلة الركنية، حيث يكون المدافع تحت ضغط كبير لركل الكرة خارج منطقة الجزاء.

لكن تلك الضغوط لا تؤثر تمامًا على الونش الذي نادرًا ما يرتكب خطأ في ابعاد الكرة عن مرماه. إن ثباته العقلي وهدوءه يسمح له بالتغلب على تلك العقبات.

لا تصل في العادة أرقام المدافعين من حيث مراوغتهم إلى نسبة عالية، لكن الأمر يختلف مع الونش الذي وصلت نسبة مراوغته إلى 78%، قام بـ 9 مراوغات (0.36) منها 7 ناجحة (0.28)، وقد تم ارتكاب 28 خطأ ضده (1.12) وبالطبع لم تكن أي منها في الثلث الهجومي.

فقد الونش الكرة إجمالاً 21 مرة فقط (0.84) منها 11 مرة تحت الضغط (0.44)، 6 في الصراعات الهوائية (0.24)، مرتين عند استلام الكرة (0.08) ومثلهما عند محاولة المراوغة (كما ذكر أعلاه).

لا يؤذي خصمه

العدوانية في كرة القدم هي حق مشروع، لكن هذا لا يعني أنه يجب على اللاعب إيذاء خصمه أيضًا، لحماية المرمي، يتعين على المدافعين أحيانًا القيام بتدخلات قوية لإيقاف المنافسين. لكن في كثير من الأحيان تكون النتيجة قاسية، إما أن يقوم بكسر ساق خصمه، أو يحصل على بطاقات ملونة.

لكن على عكس ذلك، يقوم الونش عادةً بتدخلات جيدة وبدون تهور كبير، وبطبيعة الحال يحصل على الكرة بكل ثقة وإذا لم ينجح في الحصول عليها فإنه يجبر خصمه بعدها إلى تغيير اتجاهه أو ربما القفز من فوقه.

دعنا نضع الأمر على هذا النحو، عندما يكون فريقك في موقف ضعيف وأنت تقضم أظافرك أثناء مشاهدتك لهدف تعتقد أنه يقترب من الدخول أكثر فأكثر، ثم تتفاجأ بأنه تم إبعاد الكرة عن المرمي في اللحظة الأخيرة من قبل أحد مدافعين فريقك، فلا تقم بالتنهيدة الهادئة واصرخ بسرور، وعانق الأشخاص الجالسين بجانبك، وتحدث بنفس القدر من الضجيج كما لو كان فريقك قد سجل هدفًا للتو.

إن نجاح محمود الونش مستمد من طموحه الدائم خلال السنوات الماضيةـ سيكون هناك دائمًا مشكّكون، لكن عليك إغراقهم، إنه سباق دائم وعليك فيه إثبات أن شخصًا ما على خطأ، لذلك ستحتاج دائمًا إلى أن تكون أسرع.

هذا هو سبب الحاجة إلى التدريب، اللاعبون أصحاب عقلية البطل هم أولئك الذين يتعلمون من أخطائهم الماضية ويعيدون بنائها لتصبح قوتهم. لذلك لا يتعلق الأمر فقط بالتكوين الجسدي، بل أيضًا بتكوين العقلية بحيث يكون الدفاع أكثر ثباتًا، إذا سقطت على الأرض، فقم بالعودة لتنظر إلى المكان الذي أخطأت فيه، وتخطى الماضي واكتب قصة جديدة.

في النهاية، لقد أتى عمله الشاق بثماره، واكتسب الحق في الصعود إلى القمة، عندما شرع في إثبات خطأ العالم.

سيفاجئك الونش دائمًا، سينتظر في الظل، ويكون مستعدًا للانقضاض ومفاجأة العالم، سيكون دائمًا مجازفًا لرمي السهام نحو الهدف.

مصدر الأرقام: korastats

التعليقات