كتب : أحمد العريان | الأحد، 04 يوليه 2021 - 02:28

استثمروا في سُمُسطا

استثمروا في سُمُسطا

في فترة التجنيد وخلال قضاء مدته بسلاح الداخلية في قطاع المرور، كان أحدهم منشغلا جدا وينظر لهاتفه كل بضع دقائق، فاقترب له زميله وسأله "إيه اللي قالقك كده؟" فكان رده "بتابع ماتش فريقي، يا رب نكسب".

هذا الفريق ليس الأهلي أو الزمالك، ولكنه مركز شباب سُمُسطا، وتلك القصة ليست من تأليفي، لكنها حقيقية لزميل شقيقي الأصغر أثناء فترة تجنيده.

مركز شباب سُمُسطا. وكتابة التشكيل هنا، لإيضاح النطق الصحيح لمن لا يعلم، أما عنهم، فهم مركز شباب في محافظة بني سويف، تواجدوا هذا الموسم في دوري الدرجة الثانية المصري لأول مرة في تاريخهم، فكانت مبارياتهم هي الحدث الذي يُجمع أهالي مركز سُمُسطا.

ولهذا المركز قصة كفاح، لم تكلل بالنجاح في النهاية وقد هبط الفريق مجددا لدوري الدرجة الثالثة بعد قتال حتى الجولة الأخيرة، لكنه يستحق السرد، أملا في مصير أفضل بالمستقبل.

وقبل سرد القصة، إليكم وضع الكرة المصرية الحالي..

كثيرا ما غضبت في صغري وقت التعارف على صديق جديد. يتقدم إلي بعد علمه بحبي لكرة القدم، ويسأل "أهلاوي ولا زملكاوي؟" ويكون ردي سريعا "اشمعنى؟ ما في فرق تانية". أؤمن تماما بأن كرة القدم ليست أهلي وزمالك فقط، بل أن اختصار اللعبة فيهما هو السبب الأول في مشاكل الكرة المصرية.

اليوم، انتهى موسم 2020/2021 من دوري الدرجة الثانية المصري، والمُحصلة هي صعود ثلاثة فرق تمثل شركات إلى الدوري الممتاز. كوكاكولا عن القاهرة، وفاركو عن مجموعة بحري، والشرقية للدخان عن مجموعة الصعيد.

ثلاثة فرق لا تملك جماهير تسعد بانتصاراتها، ستنضم إلى دوري يتضمن 10 فرق تابعة لمؤسسات غير جماهيرية بالفعل، من أصل 18 فريقا.

في المقابل، هبطت فرق جمهورية شبين، وسرس الليان، والنجوم، وطنطا، ومالية كفر الزيات، والجزيرة بمطروح، وبني عبيد، وبيلا، و شبان مسلمين قنا، وأسمنت أسيوط، ومركز شباب سُمُسطا، وطهطا إلى الدرجة الثالثة.

7 فرق من أصل 9 هبطوا إلى الدرجة الثالثة، هم فرق تحزن جماهيرهم بشدة عند الخسارة.

بنظرة أعمق، ستجد أن منافس فاركو كان حرس الحدود، ومنافس الشرقية للدخان كان الألومنيوم، ومنافس كوكاكولا كان الداخلية. أي أن الأقرب للتأهل في الموسم المقبل، هم ثلاثة فرق أخرى لا تملك الجماهير التي تٌلعب كرة القدم لأجلها.

ورويدا رويدا، ستصبح إجابتي طفلا هي الخاطئة، وسؤال الآخرين هو الصحيح. "أهلاوي ولا زملكاوي؟" لأنهما فقط من سيتبقيان بالدوري الممتاز مع مرور السنوات.

الآن، سنعود لقصة مركز شباب سُمُسطا، والتي تستحق السرد.

فريق قائم على المجهودات الذاتية فقط. أهالي المركز يجمعون التبرعات للصرف على الفريق، وكانت المحصلة صعودهم إلى دوري الدرجة الثانية لأول مرة في تاريخهم.

إن كان الدوري الممتاز هو دوري الأضواء والشهرة كما يقولون، فالدرجة الثانية لهؤلاء كانت النعيم بعد جحيم الدرجات الأدنى.

يقود الفريق المدرب علي حسن. مدرب وجهازه المعاون بالكامل، لا يتجاوز راتبهم 4 ألاف جنيه شهريا، ما يعني أن راتب الفرد قرابة 800 جنيه شهريا، ولديه شقيقين يلعبان في الفريق، هما مرزوق حسن، وحسام حسن.

May be an image of 3 people, hair, people standing and outdoors

لاعبو الفريق لا يتفرغون لكرة القدم، لأن اللاعب الأعلى راتبا في الفريق وهو محمد الزيني، يحصل على 40 ألف جنيه في الموسم، أي ثلاثة ألاف جنيه شهريا.

بين عامل لحام، أو عامل محارة، أو "مبلط"، أو خباز، تتعدد مهن لاعبي الفريق، ويجمعون بينها وبين ممارسة كرة القدم.

May be an image of one or more people, people standing and outdoors

كانوا ينشطون في مجموعة الصعيد. ولمن لا يعلم، فمجموعة الصعيد تضم أندية من القاهرة. الشرقية للدخان مثلا الذي صعد عن المجموعة، يلعب مبارياته على ملعب الإعلاميين في مدينة 6 أكتوبر.

كيف يتنقل اللاعبون إذن؟ في السفر الطويل، كانوا يستعيرون حافلة نادي بني سويف، وفي المباريات القريبة يستأجر النادي حافلة خاصة، أو يتنقل اللاعبون بوسائل مواصلات عامة.

May be an image of 5 people and people sittingالجماهير تحضر مباريات فريقها المكافح على ملعبهم الصغير، وزميل شقيقي في إدارة المرور وقت تجنيدهما، كان يتمنى حضور أحد مباريات الفريق التي ستقام في القاهرة.

May be an image of 11 people and people standing

مع كل تلك المعاناة ووسائل الدخل المنعدمة. منعدمة وليست قليلة، وبتبرعات أهالي المركز لرغبتهم في رؤية فريقهم الصغير رفقة الكبار، صعد مركز شباب سٌمٌسطا إلى دوري الدرجة الثانية لأول مرة في تاريخهم.

لا تظن أن فقر تلك الأندية نتيجة تكاسلها. أحمد دهشان رئيس مركز شباب سٌمٌسطا قال لنا: "استحدثنا قاعة أفراح داخل المركز لتأجيرها، ونتحصل على 4200 جنيه شهريا. وكافيتريا تٌدخل 1700 جنيه شهريا.

وأضاف "يوجد أيضا ملعب خماسي يدخل حوالي 4 ألاف جنيه شهريا. في المقابل نحن نورد ألفين جنيه شهريا لوزارة الشباب والرياضة. ندفع لهم رغم أننا نخدم 300 ألف مواطن في المركز".

رئيس المركز أكمل "افتتحنا أيضا أكاديمية لكرة القدم، تدخل بين 8 ألاف إلى 10 ألاف جنيه شهريا. لكنها توقفت في فترة كورونا تماما، وبدأت تعود للحياة مجددا".

واستمر "افتتحنا حضانة أطفال أيضا لإدخال موارد للمركز، لكنه توقف بسبب كورونا".

وأتم "على ذكر كورونا. وزارة الشباب والرياضة دعمتنا بـ 20 ألف جنيه خلال فترة كورونا. 20 ألف جنيه فقط، بجانب 50 ألف جنيه من اتحاد الكرة. 50 ألف جنيه في حين أن باقي أندية الدرجة الثانية بمختلف المجموعات، حصلت على دعم بـ 300 ألف جنيه على الأقل. لماذا؟ لأنني مركز الشباب الوحيد الذي يشارك في المسابقة، وكأنهم يعاقبونا لتفوقنا".

وعلى مدار الموسم المنقضي، فرحت الجماهير الوفية 6 مرات بـ 6 انتصارات، وتعادلوا 11 مرة، فكانت فرصتهم في البقاء قائمة حتى الجولة الأخيرة.

في الجولة الأخيرة كان مركز شباب سُمُسطا بحاجة إلى الفوز على أسمنت أسيوط، مع هزيمة تليفونات بني سويف، وشبان مسلمين قنا، ليهرب سُمُسطا من الهبوط بفارق المواجهات المباشرة.

سُمُسطا خسر أمام أسمنت أسيوط، وفي النهاية نجا تليفونات بني سويف من الهبوط، وهبط سُمُسطا مع شبان مسلمين قنا إلى الدرجة الثالثة.

لماذا لا نستثمر في سُمُسطا؟

سُمُسطا ليست فريقا أتمنى الاستثمار فيه فحسب، بل نموذج مصغر لمعاناة فرق أخرى بدرجات مختلفة. المنصورة هي سُمُسطا وإن كانت إمكانياتهم أكبر، وطنطا أيضا سُمُسطا، وجمهورية شبين "ميلان التسعينيات" في الممتاز، أصبح سُمُسطا، وغيرهم كثيرا.

لست رجعيا وأعلم أن الرأسمالية تحكم. الفرق الأغنى والقادرة على خلق الموارد، هي الأجدر بالتواجد في قمة المنافسة.

لكن الأمر في مصر ليس كذلك. سيكون هذا الرأي صحيحا إذا تأسس أحد الأندية من أجل كرة القدم. خصص ميزانية خاصة لكرة القدم وعمل وفقا لها وطور من إمكانياته، فأصبح قادرا على التواجد بين الكبار.

أما الوضع الحالي فهو أن شركات ومؤسسات لا علاقة لها بكرة القدم أساسا وإن كانت ناجحة جدا في مجالها وتملك المال الوفير. بعد فترة تفكر بالاستثمار في كرة القدم. بعضهم ينمي موارده من خلالها، وبعضهم يصرف أكثر مما يجني، ولكن تحت بند الدعايا لاسم الشركة أو المؤسسة الأصلية.

هل هذا عادلا؟ الأندية الجماهيرية في مصر مكتوفة الأيدي. تنتظر فتات الرعاة إذا تواجدوا بالدوري الممتاز، ولا يسمح القانون المصري لهم باستثمار مريح في أسهمهم، لأن الأندية مملوكة للدولة، وللاستثمار فيهم متطلبات عديدة صعبة.

كوكاكولا صعد وسيلعب في القاهرة. الشرقية للدخان صعد وسيلعب في القاهرة. فاركو صعد وسيلعب في الإسكندرية.

سينضموا إلى إنبي، ومصر للمقاصة، وبيراميدز، وطلائع الجيش، وسيراميكا كليوباترا، والمقاولون العرب، والبنك الأهلي، ووادي دجلة، والإنتاج الحربي في القاهرة، وإلى سموحة والاتحاد السكندري في الإسكندرية.

ستزداد الفرق في العاصمتين الأولى والثانية لـ مصر، وسيبقى فقط الأهلي والزمالك من القاهرة، والاتحاد في الإسكندرية من يملكون الجماهير. ولا سعادة لمصريين جدد في وجود أندية أخرى تمثل المحافظتين.

وإلى أن تلتفت الدولة إلى تلك الأندية وتطلق يديهم ليحصلوا على حقوقهم في استثمار يجعل المنافسة عادلة، ستبقى احتفالات الأهداف مكتومة في دوري كان يوما هو الأقوى في الشرق الأوسط.

وستبقى المنافسة فقط بين الأهلي والزمالك، مع ضيوف الشرف. لأن السكان الأصليبن لدورينا، أصبحوا حبيسي الدرجات الأدنى.

كافة الصور في المقال من تصوير: الصحفي طارق محمد شاكر من سُمُسطا.

التعليقات