كتب : أحمد العريان | الأربعاء، 20 نوفمبر 2019 - 11:02

العثور على عقلية المنتخب المفقودة في الطريق لـ طوكيو

صورة أسامة جلال تصوير سيد حسن مصور بوابة فيتو

صغار لكن رجال. وإنجاز معتاد لكنه مختلف. المنتخب الأولمبي يعثر على "عقلية" منتخب مصر المفقودة أخيرا.

تأهل منتخب مصر لمنافسات كرة القدم في أولمبياد طوكيو 2020. حدث ليس بالإنجاز غير المسبوق لكرة القدم المصرية، والسبب أنه يتكرر للمرة الـ12 تاريخيا كأكثر دول إفريقيا حضورا في الأولمبياد تاريخيا، بل وسبق للكرة المصرية احتلال المركز الرابع في مناسبتين من قبل أيضا.

ورغم أن التأهل في حد ذاته ليس إنجازا، لكن لتأهل منتخب مصر هذه المرة مذاقه الخاص، كشربة الماء بعد أيام من العطش.

عبور النكسة

بعد نكسة 1967 خاض الشعب المصري حربا رائعة ضد العدوان الإسرائيلي، استمرت ثلاث سنوات تحت اسم "الاستنزاف" حتى قرار وقف إطلاق النار عام 1970 بعد وفاة جمال عبد الناصر. حرب كان هدفها الأول إعادة الثقة بعد هزيمة مذلة وفترة اضمحلال.

أدت حرب الاستنزاف دورها على أكمل وجه. أعادت الثقة للشعب، وللقوات المسحلة قبله. بل وكبدت العدو خسائر كبيرة، وبثت الرعب فيه من جديد.

قبل نكسة 67 كانت مصر تعتبر نفسها في عصر زاه. تخلصت من الملكية وتتقدم اقتصاديا. وحدت الشعوب العربية وقادتهم، بل وامتدت القيادة لتزعم دول عدم الانحياز. مؤشرات تنبئ باستقلال القرار وبداية قوة جديدة في العالم، يكون هدفها الأول استعادة القدس المفقودة.

ثم أتت النكسة. غيمة سوداء غطت سحابة مصر الساطعة. كسرة كان من الصعب تحملها.

هكذا الحال مع الكرة المصرية. بعد فترة عجاف لسبع سنوات، عاد منتخب مصر لكأس الأمم الإفريقية 2017 بقائمة لا تضم سوى لاعبين فقط سبق لهما تجربة المشاركة في بطولة كبرى. شارك منتخب مصر وكان الأمل هو تخطي الدور الأول أو بلوغ نصف النهائي على أقصى تقدير، لكننا تفاجئنا بالوصول للنهائي وخسارة اللقاء بهدف متأخر قاتل.

استمر التطور بتأهل لكأس العالم لم يحدث منذ 28 عاما. مصر في روسيا ويبدو أن مصر على موعد مع جيل تاريخي جديد لمنتخب مصر.

لكن الأمر لم يسر على هذا النحو. صفر كبير في كأس العالم، تلاه مشاركة مخزية في أمم إفريقيا 2019 على أرض مصر. سقطتان كانا بمثابة النكسة للكرة المصرية.

لست من هواة التضخيم وأدرك تماما سقف كرة القدم والفارق بين الحدثين. لكني أقارن بين الشعورين فقط مع الفارق.

هل رأيتم يوما جماهير مصر لا تبالي بخسارة منتخبها؟ الشعب الذي يضع كرة القدم أحيانا في منزلة قوته اليومي، كفر بإيمانه في منتخبه.

الأمر لا يتعلق بالخسارة، لكن بالاستهانة بعقول الشعب. الفشل نتيجة حتمية لاعتبار نفسك أقوى من إرادة جماهيرك. وكانت الرد في المقابل لامبالاة الجماهير مع الخسارة. صراحة وعن نفسي لم تتغير مشاعري أو أعدل حتى من جلستي مع هدف جنوب إفريقيا في مرمى مصر بأمم إفريقيا للكبار.

هكذا وصل الحال مع المنتخب الأول، والآن حان الوقت للتغيير. الروح قبل انتصارات المنتخب الأولمبي تعيد الثقة للجماهير والمصرية، والإيمان بمنتخبهم للقلوب. 70 ألف مشجع في استاد القاهرة لمباراة من فئة تحت 23 عاما تشرح لك الحكاية، وهتاف "ياااا رب" وبعدها "رجالة" في لقاء غانا يجعلك تتيقن من صحة كلامي.

وبعد كل ما مرت به الجماهير المصري مع المنتخب الأول، تأتي قيمة المنتخب الأولمبي. قيمة التأهل ليست في مشاركة كباقي المشاركات في الحدث الرياضي الأسمى في العالم "الأولمبياد"، ولكن كونه بداية عودة الثقة للجماهير في منتخبها.

الفارق بين المنتخبين

نحن بالفعل أمام جيل مبشر للكرة المصرية، عقليا قبل فنيا. لا أضمن لكم استمرار هذا الجيل على نفس حاله، فلست أنا من سأربيهم، بل أنتم كجماهير معنا كإعلام، لكن الحديث عن انطباعي الحالي عنهم.

هل تعرفون جوهر الفارق بين المنتخب الأول والأولمبي في بطولتي أمم إفريقيا؟

أداء باهت مع فوز هزيل في المباراة الافتتاحية مع فريق بجهاز فني ضعيف. نفس الحالة في التجربتين.

تصريحات حماسية وروح قتالية من اللاعبين تكسب صف الجماهير حولهم قبل وبعد اللقاء الثاني للمنتخب الأولمبي، في المقابل كانت أزمة كبيرة ومشاكل وتصريحات استفزازية أبعدت الجمهور عن المنتخب الأول. هذا هو الفارق الجوهري قبل أي فروق فنية كان الدعم الجماهيري ليقللها.

حديث محمد صبحي مع محمد عبد السلام بعد خطأه في هدف غانا الثاني. انفعالات رمضان صبحي كقائد. احتفال مصطفى محمد مع الجماهير بكل هدف، ثم عناقه بشوقي غريب وهو غارق في دموعه. لا أنسى أيضا تحامل كريم العراقي على إصابته لأن النتيجة تشير للتعادل. يكمل اللقاء مصابا ويفوز المنتخب ويكتسب دعم جمهوره. باختصار وجدنا في المنتخب الأولمبي DNA منتخب مصر تاريخيا. نلعب على أرضنا، إذا سنموت أو نفوز ولا نرتكن أبدا للدفاع، بل نهلك دفاعات خصومنا بالهجمات المتتالية.

هنا يكمن الفارق بين التجربتين. ولهذا السبب بلغ المنتخب الأولمبي النهائي، وودع المنتخب الأول مبكرا.

منتخب مصر يعكس شعبها

في الوقت الذي كانت تهتف فيه الجماهير المصرية "بالروح بالدم نفديكي يا فلسطين" في المدرجات. كان اللاعبون ممثلين في "أسامة جلال ومصطفى محمد" يتعاطفون مع معاذ عمارنة. هل تعرفون عمارنة؟ صحفي فلسطيني فقد عينه في القصف الإسرائيلي على مدينة الخليل بالضفة الغربية بالأيام السابقة. هكذا توحدت إرادة الجماهير في المدرجات مع اللاعبين على أرض الملعب.

الفيديو من بوابة المصري اليوم

الصورة من سيد حسن المصور الصحفي لبوابة فيتو

شكرا أسامة جلال ومصطفى محمد على رسالتكما. شكرا لكما كصحفي على تعاطفكما مع زميلي المصاب لأنه فقط يؤدي عمله.

بالمناسبة إن أردتم تعريف جملة "لاعب كرة القدم لابد أن يكون قدوة حسنة، ولكرة القدم أدوار أخرى بخلاف المتعة" فهذا هو. مثل هذه الرسائل ما تبني علاقة النجوم مع جماهيرهم، وهي ما تزيد حتى من شعبية منتخبنا في باقي الدول العربية.

"تعالوا شجعونا ولن نخذلكم". تلك الجملة تكررت كثيرا. من شوقي غريب، ومن مصطفى محمد، ومن رمضان صبحي. الكل توحد على نفس المبدأ. هم يعرفون أن الجماهير هي العماد الحقيقي. وجماهير مصر لا تتأخر أبدا مع من يستحق دعمها.

أعتقد أن هذه التصرفات والتصريحات هي العقلية المفقودة، والتي يحتاجها منتخب مصر الأول بشدة.

منتخب مصر كلها

ربما أراد القدر أن يجعل كل شيء يرتبط بالمنتخب الأولمبي إيجابيا، أو ربما لا ننظر نحن الآن سوى للإيجابيات بسبب النجاح. لكن تنوع أندية لاعبي المنتخب الأولمبي سْهل من التفاف الجماهير حولهم. محمد صبحي ومصطفى محمد من الزمالك. رمضان صبحي وعمار حمدي من الأهلي. كريم العراقي من المصري، وعبد الرحمن مجدي من الإسماعيلي. لكل ناد لاعب يجعل جماهيره تتحمس أكثر وأكثر لهذا الفريق. ميزة إضافية ربما لا يشعر بها مشجعو الأهلي والزمالك. لكني أؤكد لكم مدى الإضافة التي تكسبها تلك الميزة لهذا المنتخب.

لا حاجة لثلاثي كبير

من سابق مشاركاتنا كان المركز الرابع أفضل إنجازاتنا. ومع حقيقة كون كامل قوام منتخبنا الأول لم يحقق الكثير مؤخرا. ومع الاعتراف بقيمة محمد صلاح التي يضيفها لأي فريق يلعب معه، لكني أعتقد أن شبان المنتخب الأولمبي أولى بالمشاركة في هذا الحدث.

الاستعانة بثلاثي كبير أمر اختياري وليس إجبارا. يكون للتكريم مثل ريان جيجز مع منتخب بريطانيا في 2012 مثلا، أو لإحداث الإضافة من أجل إنجاز كبير مثل نيمار دا سيلفا مع البرازيل في 2016 كونها كانت البطولة الوحيدة التي لم يسبق للبرازيل الظفر بها أبدا، وقد كان.

وفي ظل عدم استحقاق لاعبو الفريق الأول للتكريم في الفترة الحالية، وفي ظل صعوبة تحقيق ميدالية أولمبية حتى بتواجد أسماء من الفريق الأول، فالأولى هو حصول هذا الفريق على فرصته كاملة ما لم تطله أي إصابة في القوام، تستوجب الدعم في أي مركز من اللاعبين فوق 23 سنة.

ادعموا المنتخب لحصد اللقب

قبل البطولة كنت أحد المناصرين لفكرة مقاطعة البطولة جماهيريا. ليس كرها لهذا الجيل، لكن إيمانا بفكرة أن للجماهير المصرية الحق في التواجد الدائم بالمدرجات لا البطولات المجمعة التي يراها العالم فقط ثم يكون مصيرهم المنع بعد ذلك، لكن رجال المنتخب الأولمبي يستحقون الدعم، ومصر بحاجة للقب في كرة القدم بعد 9 سنوات من الغياب.

املأوا المدرجات أمام كوت ديفوار وكونوا سلاح الرجال الأول لحصد اللقب لأول مرة في تاريخ مصر، وتوقفوا عن الاحتفالات الآن لأجل مزيد من التركيز للاعبين لأن البطولة لم تنته بعد وإن كنا قد تأهلنا.

التعليقات