كتب : أمير عبد الحليم | الثلاثاء، 16 يوليه 2019 - 14:54

فخر العرب الحقيقي

صلاح

أحيانا تحتاج إلى أن تغلق عينيك عما حولك حتى تكمل طريقك وفي ذلك النجاة مثل فيلم "Bird Box" ولكن لا يمكن أن تشكك في كل من يحاول يقدم لك المساعدة، وربما هذا ما يحتاجه محمد صلاح حاليا.

في البداية لا أحب المسميات المبالغ فيها مثل "فخر العرب" أو غيره خاصة عندما يكون الأمر متعلق بشيء ترفيهي مثل كرة القدم، مع الاعتراف بحقيقة أن التعجب من أي مبالغة في أوساط السوشيال ميديا الكروية لم يعد في محله حاليا. ولكن بالتأكيد الكوميدي في أن يتحول اللقب إلى هبة تُمنح في فترات لمن يأتي على هوانا ويُجرد منها غيره.

الأمر يمكن أن يصف حالة القبول لدى الغالبية تجاه لاعب معين، ولكن ليس بهذه الطريقة العاطفية نقيم اللاعبين فنيا.

بمعنى أن حالة الغضب الجماهيري – المنطقية تماما - من دعم محمد صلاح لعمرو وردة في منتخب مصر وتصريحاته عن "المنتاليتي" تسببا في سحب لقب فخر العرب منه ليتم منحه إلى الجزائري رياض محرز.

ثم عدم احتفاله بالأهداف وخروج منتخب مصر مبكرا من كأس الأمم بعدما قدم ربما أقل أداء له دوليا يجعل ساديو ماني هو أفضل لاعب في إفريقيا.

كلها أسباب عاطفية لا علاقة لها بالملعب، فلا صلاح قدم أقل من محرز لمنتخب مصر ولا ماني كان أفضل من صلاح.

----

لن أبدأ من هنا، ولنعد إلى الوراء قليلا عندما كان صلاح فخر العرب.

المبالغة تفسد دائما طعم الاحتفاء بأي إنجاز، ولهذا شخصيا لم أحب حالة الحشد التي كان يفعلها الجمهور المصري مع صلاح في أي استفتاء جماهيري يخص جوائز.

والنتيجة كانت هي أن صلاح حصل على جوائز كثيرة مستحقة وبعض غير مستحق منها على سبيل المثال جائزة بوشكاش لأفضل هدف والتي حصل عليها في عام سجل فيه رونالدو وبيل الهدفين الخارقين في يوفنتوس وليفربول.

ما هي المشكلة؟ أن جوائز كثيرة مستحقة حصل عليها صلاح في موسم استثنائي لم تحظ بالتقدير الكافي لأن أول ما يتبادر للأذهان أن تصويت المصريين هو السبب.

وتحول الأمر إلى واجب وطني، لماذا لم تصوت لصلاح؟ كيف تجرؤ على طلب مشاهدة الكلاسيكو في القهوة وقت مباراة ليفربول وبيرنلي؟

مبالغة حولت من يشجع ريال مدريد وبرشلونة ضد ليفربول إلى خائن، ومن يريد تتويج فريق غير ليفربول بالدوري الإنجليزي إلى حاقد.

بنفس قدر المبالغة، يتعرض صلاح الآن لحملة تنال منه على السوشيال ميديا تجاوزت الأخطاء التي وقع بها بكثير.

----

أرى مثل كثيرين غيري أن صلاح لم يكن موفقا في دعم وردة والوقوف في وجه قرار اتحاد الكرة باستبعاده، وبدلا من حماية زميله كما كان وغيره يظن تسبب في انشقاق الصف حول تشجيع منتخب مصر ربما لأول مرة في التاريخ.

استفزني رفض صلاح الاحتفال بهدفه بعد الانتقادات التي تعرض لها على السوشيال ميديا وكأنه أصبح خصما للجمهور ولا ذهابه لتحية الجماهير بعد المباريات رغم أنه لم يتأخر عنها يوما في أوروبا، ثم تغريدته بعد الخروج من كأس إفريقيا التي لم تتضمن كلمة "آسف".

ولم أحب الطريقة التي تعامل بها مع الانتقادات والتحذيرات التي كانت تصل له بسبب مواقفه الأخيرة، فلا يوجد شخص أكبر من الخطأ وبالتالي هو ليس أكبر من أنه يستمع لنصائح غيره أو يُقدر غضب الناس، وليس دائما نشر الصور على البحر أو مع كأس دوري الأبطال الطريقة المثلى للرد.

ولو اعتقد صلاح بأن الموضوع انتهى في مصر فهو مخطئ، فالصحافة الإنجليزية لا ترحم ولا تنسى والسؤال عن دعم وردة لن يتوقف في كل مؤتمر أو لقاء صحفي بمجرد عودته.

وبالتأكيد هذه تصرفات غاب التوفيق فيها عن صلاح، ويستحق الانتقاد عليها، ولكن حتى هنا تحضر المبالغة.

إذا كان صلاح قام بما يكفي من التصرفات الخاطئة لنلومه عليها، فما الفائدة مثلا من نشر فيديو يعود لمارس الماضي في مؤتمر صحفي أذيع تليفزيونيا يتحدث فيه عن عقلية اللاعبين المصريين، واقتطاعه من سياقه ليظهر كأنه يترفع عن كونه مصري.

لم يهتم أحد بهذه التصريحات وقتها ويراها إهانة للمصريين لأن صلاح كان فخر العرب، ولكننا فتشنا في الدفاتر القديمة بعد 4 أشهر بعدما قررنا سحب اللقب منه.

-----

مع كل مباراة للجزائر والسنغال في البطولة، يحصل صلاح على ما يقدرنا الله عليه من السخرية والسباب وكأنه يلعب لعبة فردية وخسر من محرز وماني، وليس لأن منتخبي الجزائر والسنغال أقوى من مصر بكثير حتى لو كان صلاح في أحسن حالاته.

ولو أثبتت مشاركة السنغال في هذه البطولة شيئا، فهو أن ماني ليس واحدا من أفضل لاعب العالم فقط ولكنه شخص رائع أيضا اكتسب حب الجمهور المصري بتصرفاته وأخلاقه العالية داخل وخارج الملعب وبالتالي ليس شيطانا يرفض التمرير لصلاح في ليفربول ويحقد عليه.

ولكنها أيضا أكدت أن صلاح فنيا أفضل من ماني واستحق أن يتفوق عليه لعامين متتاليين في جائزة أفضل لاعب في إفريقيا رغم أنه يلعب مع لاعبين أفضل بكثير في السنغال.

المبالغة في الهجوم على ماني وقت مباريات ليفربول عندما كان يحتفظ بالكرة بينما صلاح في وضع أفضل أمام المرمى، نفسها تعرض لها محرز عندما يكتب أي شخص غير مصري على السوشيال ميديا "محرز أفضل من صلاح يا طعمية".

لكن المفاجأة كانت أن محرز تخلص في مصر أخيرا من لقب "شكون إحنا" الذي لازمه منذ الخروج مع الجزائر من مجموعات كأس إفريقيا 2017 وتحول إلى لقب "فخر العرب" بعد نزعه من صلاح.

والحقيقة أن محرز يقدم بطولة عظيمة في مصر، وفي اعتقادي سيصبح الأقرب لجائزة أفضل لاعب في إفريقيا لو فاز مع منتخب الجزائر بكأس الأمم، ولكن بالتأكيد المبالغة في الاحتفال بهدفه الدولي رقم 13 لا يمكن أن تجعلنا نتهم صلاح الذي سجل 41 هدفا لمنتخب مصر في أحلك ظروفه وقاده للتأهل لكأس العالم بأنه أقل من النجم الجزائري.

-----

لا منطق في التعامل مع كرة القدم وهي لعبة عاطفية، فالمشجع الذي يسبك في الاستاد عندما تضيع فرصة سهلة هو نفسه الذي يضع صورتك في غرفته ويركض ليلتقط صورة معك بعد نفس المباراة، لا يكرهك ولا يستحق منك ألا تحتفل بأهدافك أمامه أو لا تذهب لتحيته على تحمله أعباء الذهاب لاستاد لتشجيعك.

المشكلة دائما هي المبالغة، في التقدير والإشادة قبل الانتقادات والذبح.

يمتلك صلاح الإمكانات والشخصية والطموح التي تجعله فريدا في تاريخ الكرة المصرية، ولكنه يظل في النهاية ليس أكثر من لاعب قد يخطئ أو يصيب في قراراته أو تصريحاته.

وعلى قدر الخطأ يكون الانتقاد، مثلما تكون الإشادة، وعلى صلاح أن يدرك أهمية الانتقادات لأنه يلعب لعبة جماهيرية.

يرفعه الجمهور لسابع سماء عندما يتألق ويحرز الألقاب حتى الفردية منها ويفخر به، ولكن هذا لا يُجبر غيرك على تشجيع ليفربول أو أي فريق يلعب له صلاح مستقبلا.

وعندما يخطئ صلاح أو غيره في تصرفاته أو تخونه ألفاظه في تصريحاته، فاللوم يكون على قدر الخطأ إذا كان الهدف فعلا هو التقويم.

وأعتقد أو أتمنى بتعبير أدق أن يكون صلاح استفاد مما حدث، ليس فقط بسبب تدابير القدر التي وضعت منافسيه على الألقاب الفردية محرز وماني في النهائي في مصر ولكن أيضا غضب الجمهور الذي - قال بنفسه إنه يدرك حجم تأثيره عليه - ولم يكن ليتخيل أن ينفجر بهذا الشكل منذ شهرين فقط.

ناقشني:

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات