كتب : إسلام مجدي | الإثنين، 11 فبراير 2019 - 16:52

حرب لا نريدها.. الاحترافية الغائبة عن الدوري المصري

الدوري المصري

تراشق هنا وهناك، مفهوم خاطئ للحروب الكلامية، استغلال تام لمشاكل البعض، نظرية مؤامرة يتم مناقشتها بشكل يومي، الكل مشغول في حرب شعواء لا قبل لنا بها، والسؤال ما سبب كل هذا؟

الاحترافية تعني أن ما تقوم به محض عملك، تتقاضى أجرا عليه، لا تقوم به بدافع الحب أو المجاملة، تلعب وتتدرب لأنها وظيفتك، تكون مسؤولا لأنها وظيفتك.

تلك جزء من مناقشة سير أليكس فيرجسون لمفهوم الاحترافية خلال محاضرة في جامعة هارفرد:

"لا يمكنك أن تصرخ كل يوم وتصرح كل يوم، هذا الأمر لم يعد يعمل بعد الآن، لا أحد يحب أن يتم انتقاده علنا، كرة القدم دائما في غرفة الملابس والملعب، لا تشر لا لاعبيك ولا لخصمك على أخطائه علنا، الدخول في حروب كلامية مستمرة يشتتك أكثر ما يشتت خصمك".

"الأجواء في المسابقة والنادي وكل مكان يجب أن تكون احترافية تامة، تتحدث عن خصمك في إطار محدد، تتحدث للاعبيك في إطار محدد، الخبرة ستكون ممتعة للغاية إن كانت منظمة".

كرة القدم لعبة ترفيهية، قائمة على إسعاد الجماهير والتفاعل معهم بأشكال مختلفة، لا يمكنك أن تنظم اللعبة بدون الجماهير، لا يمكنك أن تخوض حربا مستمرة طيلة الوقت لمعرفة موعد مباراة أو تأجيل أخرى، إنها أكبر وأكثر من ذلك ولا يفترض أن تكون حربا طيلة الوقت.

نعود إلى الذكرى الأولى لموسم 2018-2019، كنا قد عدنا للتو بأداء مخيب في كأس العالم 2018، فترة راحة قصيرة أصبحت معتادة في السنوات الأخيرة لأندية الدوري الممتاز، وفريق جديد قوي في الدوري يمتلك لاعبين من ضمن الأفضل في المسابقة، وجدول ناري بدأ أسبوعه الأول بمواجهة الأهلي ضد الإسماعيلي.

من شاهد جدول الدوري المصري وبالتحديد يوم القرعة وشاهد مواجهات سيتمنى لو أنها تلعب فورا، جميعها قوية وبين أندية قدمت أداء جيدا في الموسم الذي سبق الجاري، لكن من يعرف طريقة سير الأمور جيدا، كان يعي أن هذه المباريات ستؤجل وسندخل في جدالات كبيرة حول من تأجل له مباريات أكثر ومن ارتاح أكثر.

----

الأزمات الحقيقية تطرق دوما باب الدوري المصري لغياب لجنة الانضباط عن أداء العمل الصحيح كما يجب، ومعاقبة الجميع سواسية بقرارات نافذة، لكن للأسف الشديد، قد تجد أسبوعا بعقوبات رادعة وآخر لا عقوبات به، ومن يستحق العقاب لا يحصل على ما يستحقه، بجانب غياب طريقة الاستئناف الاحترافية الواجبة.

ناهيك عن الحرب الدائرة بشكل شبه أسبوعي عقب كل مباراة، كل خصم مشغول بالآخر، ولا أعلم من صدر فكرة أن الضغط يأتي من الحروب الكلامية لا من الملعب، وبسبب غياب الجماهير عن المدرجات إضافة للشحن المتزايد دون تفريغه حتى في شكل هتافات، هناك حالة احتقان كبيرة يسأل عنها كل مسؤول في الكرة المصرية سواء في اتحاد الكرة أو الأندية.

الجماهير ضاقت ذراعا بخصمها وترى أن هناك مؤامرة تحاك ضدها، كل الأندية وليس فريق بعينه، الكل يحارب ويناقش المؤامرة من وجهة نظره ويأتي ذلك لأن المؤثرين وأصحاب وجهات النظر ومنابر الكلمات هم من صدروا ذلك الإحساس والنقاش من الأساس منذ أول وهلة.

ويتزايد الأمر مع كل مداخلة تنتهي بجملة رنانة غير مسؤولة غرضها الواضح إهانة الخصم ومصحوبة بابتسامة انتصار وهمية شأنها شأن الجمل القاصفة، ليرد مسؤول آخر وتتراشق الجماهير، والبعض لا يذاكر التاريخ جيدا وينسى أن ذلك الشحن الجماهيري قد يكلفنا كارثة.

جماهير الكرة المصرية تستحق أفضل مما يحدث على الساحة حاليا، التراشق المستمر والاتهامات المتكررة لا تضفي حماسا ولا قوة ولا منافسة على الساحة بقدر ما تزيد الاحتقان وحالة الغضب الشديدة لدى كافة الجماهير، هناك حالة كراهية شديدة الوطأة لدى الجميع بل إن البعض أصبح يعاير الآخر بتعاطفه مع شهدائه أو قيامه بتصرف إنساني هو المسؤول عنه ولا أحد غيره.

36829600_2113207229003145_318724583823769600_o

---

نسمع دوما عن أن الدوري المصري للمحترفين، لكن الاحترافية الإدارية تتطلب الكثير من الأشياء، أولها انتظام المسابقة نفسها، وثانيا أن فريق كرة القدم المحترف والمسابقة نفسها أشبه بشركة متكاملة بها أسهم وكل نقطة بها تضخ الأموال بشكل أو بآخر، ناهيك عن موضوع قتل بحثا متمثل في عودة الجماهير الذين هم قلب تلك اللعبة.

ثانيا، فيما يخص الاحترافية فالأمر ليس بالتصريحات، يجب أن يكون هناك عدة تساؤلات، مثل هل الملاعب المتواجدة تصلح لاستضافة أكثر من بطولة قارية لفترات متقاربة؟ (الأمر منوط بالجودة)، هل تنتج الدولة أو المسابقة ما يكفي من المواهب الشابة، أيضا هل لديك مشروع مستقبل؟

يمكننا أن نوجه مليون سؤالا ولا نجد أي إجابة واضحة، الاحترافية لا تعني الفوز بلقب أو خوض مسابقة بدون مشاكل، في كل الأحوال المشاكل ستطرق بابك، لكن بتلك العشوائية المتكررة بشكل نمطي فهذا يعني أنك أنت من يخلق المشاكل وتضاعفها كل مرة تحاول أن تحل الأمور بطريقة ودية.

النموذج الأصعب لتطبيقه هو إنجلترا لكن هناك نماذج احترافية يمكن التعلم منها ونقل احترافيتها وتنظيم رابطة منفصلة للدوري بشكلها الصحيح وتهيئة الملاعب لاستضافة المباريات بشكل أفضل، وأيضا تهيئة المسؤولين وتقويمهم بما يمكن من قرارات انضباطية كل تلك حلول مختلفة موجودة.

---

الكرة المصرية تعاني بشدة حتى وإن كنت وصلت إلى كأس العالم ونظمت كأس الأمم بل وتوجت به، المعاناة لا تعني بالضرورة الفشل الدائم، لكن تعني أن هناك عملاقا غاضبا جاهز للفتك بالجميع قريبا، ونفس الأشخاص الذين تشاحنوا هم من سيخرجون باكين راجين الاعتدال.

لا يمكنك أن تطالب الجماهير بالاعتدال والإنصاف والهدوء ونبذ التعصب وانت تنشره بشكل شبه أسبوعي وبطرق مختلفة، الحكمة في الإدارة مطلوبة أحيانا فن الكلمة دائما ما يخدم المصلحة والصورة العامة، التصريحات المتكررة أو المهاجمة إن تكررت فقدت معناها وأصبحت مجرد معركة كلامية سيفوز بها من يعرف أكثر كلمات للسباب وطرقه المختلفة.

إن جررت المعركة إلى هذه الساحة المنحدرة للغاية فعليك أن تتحمل التبعات دائما، نتناقش بشكل شبه يومي في نفس الأمور لمدة 5 أعوام عن الحرام والحلال عمن فريق الدولة وفريق الشعب عمن يتعاون أكثر مع الحكام ومن هو ضمن مؤامرة كبيرة للغاية ومن هو يعاني، والعجيب أن تلك الكلمات جاءت من مسؤولين في البداية قبل أن يكونوا جماهير، وشتان الفارق بخروج الكلمة من الجانبين.

--

الدوري الإنجليزي الممتاز تطلب منه الأمر أعواما طويلة لكي يتواجد بقوة في أوروبا والعالم، بعد 27 عاما يتواجد 12 من أصل 20 فريقا في المسابقة ضمن أفضل 30 ناد يحققون عوائد في العالم.

في 1992 وحينما كان الدوري الإنجليزي يعاني بسبب كارثة هيسيل التي انتهت لتوها، نجح فريق إنجليزي أخيرا في الفوز بدوري أبطال أوروبا عام 1999. وكان مانشستر يونايتد.

الأمر لا يتمحور حول قميص الفريق والراعي فقط، بل كل ما يتعلق بتنظيم اللعبة من احترافية، سواء حقوق البث أو طريقة البث نفسها والنقل مرورا بتسويق الكرة الخاصة بالمسابقة وكذلك اللقطات حتى وصل إلى ما وصل إليه بل وأصبح يتواجد في أكثر من مكان في العالم.

كانت هناك صعوبة بالغة في كل شيء، لكن هكذا هي الاحترافية والعمل، شاق للغاية لكن النتائج دائما تضعك في القمة، كلما عملت أكثر كلما حققت أكثر.

هل نتمكن يوما ما من وضع نظام احترافي تام لمسابقة الدوري المصري؟ وإعادة الجماهير للمدرجات بشكل منتظم دون مشاكل؟ هل يكون التعامل احترافي في شتى الأصعدة دون أي تعثر؟ ربما يوما ما لا أحد يعلم.

لمناقشة الكاتب:

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات