كتب : أحمد العريان | الجمعة، 08 فبراير 2019 - 22:37

مناظرة: بين التجربتين القطرية والموريتانية.. بطولة آسيا إنجاز مدفوع؟ أم حصاد للجهد

منتخب قطر أبطال كأس آسيا 2019

18 لاعبا مجنسا بين 23 في قائمة قطر الحاصلة على كأس آسيا 2019 لأول مرة في التاريخ، فهل كان إنجاز قطر مدفوع الأجر؟ أم أن التخطيط وحده هو ما قاد البلد الصغير للإنجاز الكبير.

المناظرة هي مناقشة حضارية، تدور بين طرفين مختلفين في الرأي. كل يعرض حجته لإقناع الآخر، ولك أنت حرية تكوين رأيك في النهاية، ولا تنسى أن لا رأي صحيح تماما ولا رأي مخطيء تماما، فقد يقنعك الطرفان فتكون أنت رأيك بمزيج بينهما.

قطر 2019.. الحوار بين (س) و(ص).

(س) باللون الغامق”BOLD” يوافق على تجنيس قطر للاعبين، أما (ص) بالخط العادي يعارض الفكرة.

س: قديما كنت معترضا على تجنيس قطر للاعبين، لم أكن أشعر بالارتياح لوجود اسم سيباستيان سوريا اللاتيني يقود هجوم دولة قطر العربية، لكن الوضع هذه المرة مختلف تماما.

هؤلاء اللاعبين ولدوا في قطر، انتماءهم الأول لقطر ولذلك يمثلون منتخبها، كما أنهم اكتسبوا تلك الموهبة بسبب قطر نفسها التي استثمرت فيهم داخل أكاديميتها وخرجت هذا الجيل لكرة القدم.

الأمر هنا هو أن المجتمع القطري يتضمن أكثر من عنصر. عنصر القطريين الأصليين، وعنصر المقيمين لدواع العمل، وهؤلاء من اختارت قطر أولادهم لتمثيلها، كونهم جزء من التكوين الجديد للمجتمع القطري.

ص: قطر اتبعت فعلا سياسة أكثر ذكاء في تجنيس أفراد منتخبها هذه المرة عبر التركيز على أفراد غالبيتهم من خلفية عربية يشبهون إلى حد كبير المواطنين القطريين الأصليين ثقافيا وشكلا، كذلك يجب الاعتراف بأن قطر عملت لسنوات طويلة على إعداد عناصر هذا المنتخب وهو ما مثل أسلوبا مختلفا عن نظرية شراء اللاعب الجاهز التي اتبعتها في السابق لكن كل هذا لا يلغي حقيقة أن قطر استخدمت مواهب ليسوا من أبنائها بحسب الأصل من أجل شراء مجد يحسب لها.

7 لاعبين من تشكيل منتخب قطر 2019 حققوا لقب كأس آسيا تحت 19 سنة عام 2014 تحت قيادة فليكس سانشيز مدرب قطر الحالي أيضا. هكذا تدرجوا جميعا لاعبين ومدرب من أكاديمية "أسباير" ثم كأس آسيا تحت 19 سنة ثم كأس العالم 2015 تحت 20 سنة ثم إلى كأس آسيا 2018 تحت 23 سنة.

المعز بن علي هداف البطولة بـ9 أهداف، وسعد الدوسري الحارس الأساسي، وأكرم عفيف صانع الـ10 أهداف في البطولة كلهم نتاج أكاديمية أسباير، وليست أسباير فقط بل معها نادي يوبين البلجيكي في الدرجة الثانية، والذي اشترته أسباير ليمارس لاعبيها كرة القدم فيه استنادا لقانون عدم اشتراط عدد معين من غير البلجيكيين للعب في هذا القسم من الدوري.

_ _ _

س: أكون ضد التجنيس حين تضم لاعبا أجنبيا لا يعرف عن وطنك أي شيء، وتدفع له المال لكي يرتدي زي منتخب بلادك. وقتها أكون ضد التجنيس وأراه انتقاصا لأبناء الوطن وقدراتهم، وهذا بالمناسبة ما انتهجته قطر نفسها لمنتخب اليد مستغلة قوانين اللعبة التي تسمح بمنح جواز سفر "مهمات" ليمثل اللاعب منتخب معين في بطولة ثم يعود لمنتخبه الأصلي، في تلك الحالة أشعر بمعاملة اللاعبين معاملة "المرتزقة"، لكن في كرة القدم يختلف الأمر كثيرا من وجهة نظري.

هذا المنتخب تدرج في مراحل قطر السنية كافة، من الناشئين إلى الشباب إلى المنتخب الأول. ينتمي لهذا الوطن ولترابه، يحفظ نشيده ويجيد لغته ويلعب لمنتخب بلاده، وليس من أجل المال، وقد لمسنا ذلك أيضا خلال البطولة.

ص: هذه المواهب لم تحصل على الجنسية القطرية هي وبعض أقاربها إلا لرغبة قطر فقط في الاستفادة منها والدفع بها لتمثيلها كرويا وهو ما يعني أن جوهر السياسة القطرية لم يتغير بشأن "شراء المواهب" كل ما هنالك أنهم فقط عملوا على تطوير هذه المواهب ورعايتها بدلا من السعي لشرائها جاهزة تماما.

س: الأمر الآن أشبه بمنتخب فرنسا. أغلب لاعبيها من أصول غير فرنسية، لكنهم يلعبون لمنتخب فرنسا بحكم انتماءهم لهذا الوطن الذين تربوا فيه.

قطر الآن مثل فرنسا أو ألمانيا أو البرازيل أو المنتخبات الكبرى في كرة القدم، فتلك المدارس تقبل اللاعبين من الأصول المختلفة في مدارسها، وحين يكبرون هم من يختاروا تمثيل منتخبات بلادهم الأصلية أو الاستمرار في تمثيل البلد التي نشأوا فيها، ولولا أكاديمياتهم لما اكتسبوا تلك الموهبة أصلا.

ص: لا يمكن أبدا المقارنة بين ما تقوم به قطر وغيرها ممن قد يتبعوا نفس أسلوبها على هذا النطاق الواسع وبين نموذج وجود منتخبات تضم في صفوفها لاعبين من أصول مختلفة على غرار فرنسا أو ألمانيا أو أستراليا، والسبب ببساطة أن هذه الدول لم تجنس هؤلاء اللاعبين فقط من أجل موهبتهم وإنما هم من اكتسبوا جنسية البلد بمعزل عن هذه الموهبة، فأسطورة مثل زين الدين زيدان حمل الجنسية الفرنسية حتى قبل أن يدرك معنى كرة القدم كما يحمل بالفعل العديد من المهاجرين أمثاله الجنسية الفرنسية، استنادا إلى قوانين وقواعد واضحة حتى ولو كانوا لا يملكون أي موهبة في أي مجال على الإطلاق وهذا هو حال مجتمعات المهاجرين مثل أستراليا التي تقوم على هؤلاء المهاجرين أو الدول التي ترحب بدمج غرباء في مجتمعاتها وتجعلهم فعلا جزء من شعبها بضوابط محددة ومحايدة بمعزل عن مواهبهم مثل فرنسا وألمانيا، وهو ما لا يتوافر في قطر ولا غيرها من الدول العربية الأخرى.

س: قطر بلد صغير بتعداد سكاني قليل. يهاجر لها مئات الآلاف من أجل العمل هناك ثم الاستقرار فيها. حصلوا على الجنسية أو لم يكتسبوها، فأبناء هؤلاء سيترعرعون هناك في قطر. لن يمارسوا الرياضة إلا في أكاديميتها، وفرصة تواجدهم في منتخبات بلادهم الأصلية ستكون ضئيلة إلا لو ظهروا أولا مع فريق قطري بشكل مميز، بالتالي إذا فضل هؤلاء الأطفال تمثيل قطر عن بلادهم الأصلية، فسيكون ذلك مقبولا نظرا لأنها البلد التي انتموا لها منذ الطفولة.

ص: المؤسف في التجربة القطرية بالنسبة لي، أنها كانت تمتلك بالفعل أدوات النجاح اعتمادا على أبنائها ومع ذلك فقد فضلت الاستعانة بعناصر أخرى ليست نتاج هذا المجتمع لتحقيق إنجازات كان من الممكن تحقيقها بواسطة الموهوبين من القطريين الأصليين إذا ما ركز المسئولون عن الرياضة القطرية على توفير هذا الحجم من الرعاية وحسن التخطيط لهم.

قطر ورغم تاريخها غير الكبير مقارنة بعمالقة كرة القدم بآسيا مثل إيران والسعودية واليابان، إلا أنها مع ذلك أفرزت في السابق مواهب وقدمت نتائج جعلتها موجودة أغلب الوقت على الساحة الآسيوية حتى ولو كانت بعيدة عن الفوز بالبطولات.

سبق لقطر الفوز بكأس الخليج ثلاث مرات، وشاركت في الأولمبياد مرتين في عامي 1984 و1992، ووصلت في المرة الثانية عام 1992 إلى دور ربع النهائي، وهنا يجب أن نشير أيضا إلى حقيقة أن قطر لاتزال هي صاحبة أفضل إنجاز عربي تاريخيا على صعيد كأس العالم للشباب، إذ سبق لها الحصول على المركز الثاني في كأس العالم للشباب عام 1981، كل هذا يعني أن حسن التخطيط مع حسن الرعاية والاهتمام لو تم توجيههم للمواهب القطرية، لكان ذلك كفيلا بصنع نفس الإنجاز ولكن بالتأكيد كان سيصبح هذا الانجاز بمذاق مختلف وما كان ليثير هذا الجدل من الأساس.

_ _

ص: إذا أردت أن تسألني عن النموذج الذي يستحق الإعجاب والاحتفاء بل والتقليد حقا للتطور في مستوى كرة القدم اعتمادا على الموارد الوطنية سأجيبك دون تردد بأنه موريتانيا لا قطر، وذلك رغم فارق الإمكانيات المادية بين هذين البلدين العربيين والفارق الظاهري لحجم الإنجاز الذي حققته كل تجربة. الإنجاز هنا هو التقدم من كونك منتخب خارج التصنيف تماما إلى المصنف الـ101 عالميا حسب شهر فبراير 2019، والتأهل لأمم إفريقيا المقبلة لأول مرة في التاريخ كأول مجموعة وليس اعتمادا على زيادة عدد منتخبات البطولة إلى 24 منتخبا.

عام 2004 وقت إنشاء أكاديمية أسباير صاحبة الفضل في طفرة قطر الرياضية: موريتانيا في الترتيب الـ175 عاليما، وفي المقابل قطر في الترتيب الـ66 عالميا.

والآن في فبراير 2019، موريتانيا في الترتيب الـ101 عالميا، وقطر في الترتيب الـ55 عالميا.

_ _ _

س: لا شك في كون إنجاز موريتانيا رائع ويستحق التحية، لكن اعذرني. إن كان تعداد موريتانيا السكاني 3 مليون نسمة، وفي المقابل تعداد قطر السكاني من المواطنين الأصليين 300 ألف نسمة فقط، فهنا تكون فرصة تواجد مواهب أكبر لدى موريتانيا.

أضف لما سبق أن قطر كما قلنا موطن جاذب للغرباء من أجل العمل، عكس موريتانيا التي ربما تصدر شعبها للخارج على هيئة عاملين، لكن لا تستقبل الأجانب على أرضها، ومع ذلك فبعض أفراد منتخب موريتانيا الحالي موريتانيين لم يعيشوا أبدا في موريتانيا وقضوا حياتهم في الخارج. كل يستغل السلاح الذي يمتلكه من أجل نجاح بلاده.

ص: هنا يكمن خلافنا ربما. اللعب لمنتخب الوطن يجب أن يكون للمواطن الأصيل الذي ينتمي لبلاده انتماء الدم وليس الورق فقط حتى لو لم تعش فيها لكن جدورك ستبقى مرتبطة بها، خاصة حين تمتلك فرصة النجاح بالفعل كما شرحت بدون استخدام التجنيس، ولهذا لا أتفق مع التجربة رغم الاعتراف بنجاحها.

س: وهذا ما أختلف فيه أيضا. التنشئة في بلد ما وحفظ لغتها ونشيدها وترابها عن ظهر قلب، كفيل بانتمائك لها أكثر من الدم، ولهذا أدعم التجربة خاصة إن كانت مجرد جيل أول يمهد لأجيال مقبلة يكون فيها عدد القطريين الأصليين أكبر من المقيمين.

وجهتا النظر ليستا مختلفين تماما. يجمعان على نجاح قطر في تحقيق إنجاز عربي جديد، والاختلاف فقط على طريقة التطبيق. أنت أيضا يمكنك تكوين وجهة نظرك، والتي ربما نتاج من النظريتين، أو حتى وجهة نظر ثالثة ومختلفة تماما.

_ _ _

رأي (س) المتفق مع تجنيس قطر للاعبين كاملا.

رأي (ص) المختلف مع تجنيس قطر للاعبين كاملا.

التعليقات