السر وراء الريمونتادا

"أسوأ كوابيس مدينة كليفلاند تلاشى، عصر الجفاف انتهى.. 52 عاما، حان الوقت للاحتفال بعد أن أوفى ليبرون جيمس بوعده وأهدى مدينته اللقب". معلق شبكة ESPN بعد أن حقق كليفلاند كافالييرز أعظم عودة في تاريخ...

كتب : هشام إسماعيل

الخميس، 06 ديسمبر 2018 - 13:25
توم برادي - ليونيل ميسي - ليبرون جيمس

"أسوأ كوابيس مدينة كليفلاند تلاشى، عصر الجفاف انتهى.. 52 عاما، حان الوقت للاحتفال بعد أن أوفى ليبرون جيمس بوعده وأهدى مدينته اللقب".

معلق شبكة ESPN بعد أن حقق كليفلاند كافالييرز أعظم عودة في تاريخ نهائيات دوري رابطة المحترفين الأمريكية لكرة السلة على حساب جولدن ستيت واريورز عام 2016، فلم يسبق لفريق كان متأخرا 3-1 في النهائي، نجح في الفوز 4-3 مع نهاية السلسلة.

المباريات التي تشهد عودة من الفريق المتأخر، أو انتصار لملاكم كان قريبا من الإقصاء بالقاضية دائما ما تحظى بالاهتمام الأكبر من بين الجميع حتى لو لم يكنوا متابعين جيدين لتلك الرياضة.

فتلك المباريات تختبر فيها كل العواطف والمشاعر الممكنة، وبالتأكيد لو كان فريقك الطرف الفائز فستظل واحدة من أفضل ذكريات حياتك بشكل عام.

لماذا نحب تلك المباريات والعودة في النتيجة ولماذا تحظى بالاهتمام أكثر من غيرها؟ الأمر مفهوم لمن انتشى فرحا بفوز فريقه، لكن ماذا لو لم يكن لك لا ناقة ولا جمل، لماذا هو أمر مثير للاهتمام، ولماذا تتأثر به؟

ربما لأننا نتعاطف دوما مع الطرف صاحب الحظوظ الأقل (underdog)، ولدينا كرواتيا كمثال حديث على هذا الأمر، وكيف تعاطفت الأغلبية من متابعي كأس العالم معهم حتى رحلتهم للمباراة النهائية.

وهذا ما حدث في 2016 بنهائيات NBA والتي ظن البعض أنها انتهت لا محالة بعد وصول جولدن ستيت واريورز صاحب الحظوظ الأعلى وحامل اللقب لـ3-1، وبمجرد الوصول إلى 3-3 واقتراب كليفلاند كافالييرز من تحقيق العودة التاريخية، كانت أغلبية ممن هم على الحياد يميلون لصف ليبرون جيمس ورفاقه.

ففي دراسة أمريكية، مُنح الناس وصفا لفريقين خياليين سيلعبان سلسلة من 7 مباريات كرة سلة، قرر 88.1% ممن أجريت عليهم الدراسة التعاطف مع الفريق الأضعف.

أيضا في دراسة أخرى أجريت على طلاب جامعيين أمريكيين، جعلوهم يشاهدون مباراة سلة بين فريقين أوروبيين وتم إخبارهم بأن أحد الفريقين فاز على الآخر في كل المواجهات السابقة وعددها 15 مرة، والمفاجأة أن الأغلبية منهم أيضا مالوا لتشجيع الفريق الذي تعرض للخسارة في المباريات السابقة.

هذا الأمر يفسر سيكولوجية الجماهير في الاجتماع على حمل مشاعر سلبية ضد الفريق الذي يسيطر لفترة ما على دوري أو بطولة ما ولن يجد أي تعاطف سوى من مشجعيه فقط.

باحث في جامعة سان دييجو الأمريكية يدعى ناداف شميدت، أرجع أمر وقوف الجماهير مع الفرق الأقل حظوظا والأضعف فنيا لثلاثة أسباب أو على الأقل لواحد منها:

1 - الشماتة والتي تمنحك السعادة من خلال أحزان الأقوى منك.

2- النظرية الثانية هي رغبة الإنسان في أن يصبح الجميع سواء، ففي نفس الدراسة وجد شميدت أن الناس يتوقفون عن مساندة الفرق الأقل حظوظا لو عرفوا أنهم أنفقوا أموالا أكثر على الفريق، فهم يرون أن المساندة فقط تذهب لك إذا كنت تلعب ضد الاحتمالات بشكل فعلي.

3- النظرية الثالثة هي أنك تشعر وتختبر سعادة أكبر بكثير من النجاح غير المتوقع كما هو الحال في المرات التي تفشل فيها بشكل مفاجيء فتحزن بشكل أكبر.

..

هو أمر ليس غريبا فتلك الاحتفالات الاستثنائية هي من تصنع الروايات والأفلام، فهناك مثلا رواية Fever Pitch للإنجليزي ومشجع أرسنال نيك هورنبي، والتي حولت إلى فيلمين يحملان نفس الاسم، أحدهما بريطاني والثاني أمريكي، الأول والمقتبس عن الرواية الأصلية يتحدث عن عودة أرسنال التاريخية عام 1989 عندما كان يحتاج للفوز على خصمه ليفربول 2-0 للتتويج بالدوري قبل أن يسجل مايكل توماس الهدف الثاني في الدقيقة 93.

لحظة تسجيل الهدف

مشهد من الفيلم

قبل أن يحقق فريق بوسطن ريد سوكس لقب دوري البيسبول الأمريكي عام 2004 في مباراة شهدت عودة تاريخية كسر بها لعنة استمرت معه 86 عاما، لتنتج شركة فوكس فيلمًا من بطولة جيمي فالون ودرو باريمور حول الأمر.

مشهد من الفيلم الأمريكي

..

هذا الأمر من ناحية الجمهور لكن ماذا عن اللاعبين، ما الذي يحفزهم لتحقيق العودة في النتيجة بعد التأخر ربما بفارق كبير يستحيل تعويضه؟

الأمر يفسره البعض في تخاذل الفريق الذي كان متقدما، وقوة عزيمة الفريق الذي كان متأخرا، أخطاء فردية، تغييرات خاطئة من المدرب وسوء إدارة منه، إلى أخر الأسباب الفنية وما أكثرها.

بالنظر إلى الأمور بشكل أعمق فأحد تلك الأسباب يعد أمرا رئيسيا في مشاهدتنا لتلك النوعية من المباريات في أي رياضة، جينين أولهارت عالمة نفس ألمانية مختصة في الرياضة فسرت الأمر هنا.

وتقول إنها تحدث بشكل رئيسي بسبب الفريق الذي يكون متقدما بشكل كبير ثم يفقد لاعبوه التركيز، هذا لا يعني بالضرورة أن المنافس سيبدأ في إعطاء 120% من طاقته وأنه سيعود في المباراة.

..

"لا تحنوا رؤوسكم.. أنتم تلعبون لليفربول، لا تنسوا ذلك أبداً.. من يلعب لليفربول لا يحني رأسه.. آمنوا أنكم قادرون على العودة وستعودون.. أنظروا لجماهيركم.. أمامكم فرصة لتصبحوا أبطال.. اذهبوا"..

كلمات رافا بينيتيث التي ذكرها ستيفن جيرارد قائد ليفربول السابق في كتابه، والتي تفسر ربما كيف آمن المدرب الإسباني بقدرة فريقه على العودة لتنتقل منه إلى اللاعبين، والذي يأس بعضهم مثل كاراجر وكان يريد الخسارة بخمسة أهداف فقط بعد التأخر بثلاثية نظيفة في الشوط الأول.

ليفربول استطاع أن يحقق عودة تاريخية أطلقت عليها الصحافة الإنجليزية "معجزة اسطنبول"، وبالتأكيد كرويًا هي كانت بمثابة معجزة، كيف لفريق يواجه ديدا وكافو ونيستا ومالديني وكاكا وسيدورف وبيرلو وجاتوزو وشيفشينكو أن يعود من التأخر 3-0 في نهائي دوري الأبطال، لتعادل 3-3 في ست دقائق فقط؟ معجزة.

هنا فريق أعطى حتى أكثر من نسبة الـ120% التي تحدثت عنها أولهارت، قبل أن يكمل ميلان بنفسه النصف الآخر من النظرية.

"كنا متقدمين في الشوط الأول 3-0 ولكن لم نفز في النهاية، فخلال ست دقائق فقط في الشوط الثاني استقبلنا ثلاثة أهداف وفي ضربات الترجيح خسرنا، لم ننجح في الفوز بضربات الترجيح بسبب الراقص دوديك، كان يقوم بتشتيتنا قبل كل ركلة، لكن مع مرور الوقت، فهمنا أن ما حدث كان مسؤوليتنا تماما".

هذا ما قاله بيرلو عن واحد من أشهر نهائيات كرة القدم، فقط تخاذل وخوف في أقل من 6 دقائق كانوا كافيين لتحول الكأس ذات الأذنين من ميلان إلى ليفربول.

"قبل ضربات الترجيح، اللاعبون كانوا مكسورين ذهنيا بسبب ما حدث، صدمهم التحول من 3-0 إلى 3-3".. أنشيلوتي مدرب ميلان آنذاك عن المباراة ذاتها.

..

تضيف أولهارت، أن هناك دراسة ربما ليست دقيقة بالحد الكافي، لكنها تقول إن الأمر يبدأ بشعور أحد اللاعبين بأن الأمور ستسير على ما يرام لو تراخى، وهو ما يتسلل لزملائه، حتى يتمكن هذا الشعور من عدد من اللاعبين وهو ما أطلقت عليه "الانهيار الجماعي".

الإحساس التالي لذلك هو الخوف من الخسارة، وهو ما يؤثر على التناسق العضلي للاعب ويجعله يؤدي بشكل أسوأ داخل الملعب، وبمعنى أصح أن الفريق الذي لا يتسلل إليه الخوف فقط هو من يستطيع الحفاظ على تقدمه.

ولذلك الأمور النفسية مهمة هنا، هل تتذكر كيف كان يتعمد أليكس فيرجسون المدير الفني التاريخي لمانشستر يونايتد النظر إلى ساعته في الدقائق الأخيرة من أي مباراة؟ خدعة "فيرجي تايم".

الخدعة ببساطة فسرها فيرجسون بعد اعتزاله قائلا "الفرق الأخرى كانت تخشى هذا الأمر لذلك كنت أرتدي ساعتي دائما لكنني بأمانة لم أنظر إليها ولا مرة".

فيرجسون كان يعرف أنه سيضع الضغط ويجعل الخوف يتسلل لأي خصم، لذلك الخدعة كانت تنجح في أغلب الأوقات بسبب خوفهم من استقبال الهدف.

الأمر ذاته بالنسبة للاعبي مانشستر يونايتد، الذين كانوا يؤمنون بأن الهدف سيأتي لو منحوا كل ما لديهم في الدقائق القليلة المتبقية.

فاللاعبون يرون السيناريو مرة واحدة أو مرتين، حتى لو في رياضة أخرى وفي قرارة نفسه يقول "لم لا نفعلها نحن أيضا".

وهذا ما قاله بالضبط الكرواتي إيفان راكيتيتش لاعب برشلونة، بعد الريمونتادا الشهيرة للفريق الكاتالوني أمام باريس سان جيرمان في 2017 "لقد رأيناها قبل شهرين في السوبر بول، هي أمور ممكنة في الرياضة".

اقرأ أيضا:

محمد يوسف: الدوري بطولتنا.. وهذا موقف كوليبالي من الرحيل

بالفيديو - أحمد مجدي يحكي لـ في الجول عن مواجهة ميسي: شكله لم يكن يوحي بأي شيء

ساري يوجه رسالة للاعبيه: خسرت الدوري الإيطالي رغم حصدي 91 نقطة

محمد محمود يكشف نصيحة صلاح له قبل الانضمام لـ الأهلي

في إفريقيا – مفاجآتان في تمهيدي دوري الأبطال.. و4 مواجهات نارية في دور الـ32

الحضري: العودة للأهلي؟ أمنية تحولت إلى أمر عادي بعد كأس العالم