أنا دروجبا (2) – ميدو ورونالدينيو واللعب وسط النجوم

الأحد، 16 سبتمبر 2018 - 14:45

كتب : أحمد عز الدين

ديدييه دروجبا - ميدو

ارتداء قميص مرسيليا حلم عظيم. رقم 11 الذي لطالما شاهدت إريك كانتونا يحتفل به وسط جمهور النادي الذي عشقته طفلا الآن يحمل اسمي.

ولحظي الحسن حين تمت الصفقة كل الأنظار كانت مسلطة في مرسيليا على لاعب أخر. أحمد حسام "ميدو" انتقل إلى النادي قبلي بأيام مقابل 12 مليون يورو وكان محط اهتمام الجميع.

هذا الوضع ناسبني لأنه أزاح عن كتفي الكثير من الضغوط لكنه في المقابل جعلني أفكر "هل سأجد مكاني بسهولة في التشكيل الأساسي لمارسليا".

أنا القادم من جوينجامب التي تقع في مدينة بريتاني بسكانها الـ8000 والذاهب إلى ناد يسع استاده لـ60 ألفا.

والمثير كذلك أن رحلتي مع مرسيليا بدأت بشكل سيء للغاية.

في أغسطس دخلت معسكر الفريق وسط أجواء حارة وخانقة. أشعر بقدمي تخذلاني منذ اللحظة الأولى.

نركض فيسبقني الجميع. أستمع لنضبات قلبي ترتفع وأنظر إلى الأمام لأجد نفسي في ذيل الراكضين.

لكن ما أنقذني كان الشيء الذي لطالما أنقذني. الشعور بالثقة ممن حولي.

في مرسيليا وجدت أسرتي الجديدة. حين شعر الجميع أني في حال غير طيبة أوقفوا المران.

وجدت جوني إيكر مدافع الفريق يتوقف عن الركض: "ديدييه لا تقلق. قد أنت المسيرة، اركض ونحن خلفك.".

في أي ناد آخر حين تتأخر يتركوك وحدك. حين تغرق يدعك الجميع تغرق.

لكن في مرسيليا بعد تلك البداية السيئة وجدت نفسي أساسيا. عرفت أن الجميع يثق في قدراتي ولهذا كنت سعيدا لدرجة ساعدتني على التسجيل مرة، والثانية جلبت لنا انتصارا ثمينا على سوشو في قلب ملعبنا.

لم أشعر بنفسي إلا وأنا أرقص على الطريقة الإيفوارية Coupe decale :)

كنت أحلم.

هكذا شعرت وأنا أرتدي قميصي السماوي ويقف إلى جواري راؤول جونزاليس، لويس فيجو، رونالدو، ديفيد بيكام وزين الدين زيدان.

يدوي عاليا صوت نشيد دوري الأبطال وأفكر كم مرة شاهدت هؤلاء النجوم وأنا أكل بيتزا في منزلي. اليوم أنا منهم.

اليوم أستمع لهذا النشيد وأنا في ملعب سانتياجو برنابيو.

"لقد فعلتها. فعلتهاااا".

وأتذكر كم كان الوصول إلى هذه النقطة صعبا للغاية.

--

أنا ديدييه دروجبا. وهذه الحلقة الثانية من سيرتي الذاتية والتي اخترت لها عنوان "الالتزام".

لولا الالتزام والإصرار لما وصلت هنا. لما تخطيت رفض باريس سان جيرمان التعاقد معي وأنا في الـ19 من عمري.

سأحكي لكم كيف وصلت إلى حلمي.

اقرأ - أنا دروجبا (1) – اللعنة على تييري هنري

--

  • طريق طويل

بعد يومين من اجتماعي الفاشل مع سان جيرمان وجدت مكالمة ممن يدعى مارك وسترلوب، مسؤول من نادي اسمه لو مان. لم أسمع من قبل عن هذا الرجل ولا الفريق.

اسم لو مان شهير في فرنسا بسبب سباق سيارات سنوي، لكن هل تلك المدينة تمتلك فريقا لكرة القدم؟ لم أكن أعرف.

قال لي الرجل: دروجبا. نرى فيك إمكانيات مشابهة لما نبحث عنه. هل أنت مهتم؟

لم أكن متحمسا لكني لا أملك أي شيء آخر يجعلني أصبح لاعب كرة قدم محترف.

في الاجتماع عرضوا علي الراتب نفسه الذي كنت سأتقاضاه في سان جيرمان و7 أحذية، لكن من أديداس هذه المرة.

كل شيء كان رائعا. فقط المشكلة أنك تبدأ مشوارك في الـ19 من العمر لاعبا في أكاديمية فريق في الدرجة الثانية الفرنسية. أنا بعيد جدا عن حلمي.

  • لحظة الحقيقة

هناك تعرفت على ألان باسكالو مدرب اللياقة البدنية.

هذا الرجل كان مدربا هاويا في السابق واختارني في فريق قطاعات ولم أستطع الحضور بسبب رفض والدي أن ألعب كرة القدم لأن درجاتي كانت سيئة.

لهذا حين شاهدني باسكالو لأول مرة قال لي: "بالمناسبة أنت فاشل دراسيا. لهذا أنصحك بألا تفشل هنا أيضا".

كان قاسيا معي لكن هذه لم تكن المشكلة.

المشكلة أني لم أكن معتادا على نظام التدريب اليومي، ولهذا تكررت إصاباتي حتى تعرضت لضربة موجعة. إصابة كبيرة تحتاج لتدخل جراحي.

كنت أبكي وهم يحملوني على المحفة للخروج من الملعب. أشعر بأني لن أعود مجددا.

عقدي يمتد لعام واحد وإصابتي تعني شيئا واحدا. "لماذا نجدد عقد لاعب يصاب كلما نزل أرض الملعب". هكذا تخيلت وأنا أخرج من الملعب. ولهذا ظللت أبكي لساعات.

أجلس في منزلي وأمامي شاشة تلفاز تعرض مشاهدا لتتويج فرنسا بكأس العالم. ها هو ذا تييري هنري يحتفل وأنا هنا أتأمل حالي ومعي قطعة بيتزا.

وحين وصل خطاب من النادي إلى منزلي كنت خائفا من فتحه.

هذه لحظة الحقيقة. غالبا ستكون لحظة النهاية كذلك. لكنها في الحقيقة لم تكن كذلك، كانت لحظة البداية. النادي جدد عقدي!

  • أخيرا. لاعب محترف

وقتها اتخذت أهم قرار في حياتي وهو التعاقد مع وكيل لاعبين جيد. ولم يكن جيدا فحسب بل ربما أحد أشهر الأسماء في العالم. بابي ضيوف.

هذا الرجل كان مهما للغاية في حياتي.

أخبره بمشاكلي مع النادي ورغبتي في الرحيل. يرد علي بمنتهى الهدوء: وماذا بعد ديدييه؟

أقول له: سأرحل إلى ناد آخر. ألست وكيلا للاعبين، راسل أندية أخرى لأنتقل إليها.

يرد: "حين تطلب الرحيل تنخفض قيمتك. وحين تسعى أنت خلف الأندية لضمك ينخفض راتبك. ثم هل تعتقد أنك لن تجد مشكلات في فريقك الجديد؟".

ويتابع "الاسلوب الصحيح أن تحل مشكلتك. هكذا تفكر".

وهكذا نضجت كثيرا بسبب هذا الرجل.

وفي الدرجة الثانية عشت فرنسا صعبة للغاية. كرة خشنة مليئة بالقوة ولم يكن التكيف معها سهلا.

لكني كنت أسجل وأعيش أياما جميلة حتى رحل مدربي الحبيب وسترلوب وظهرت المتاعب مع خليفته تييري جودي.

في لقائي الأول مع جودي قال لي بمنتهى التعالي: "أنت دروجبا الذي يتحدثون عنه؟".

ولتزداد الأمور صعوبة تعاقد النادي مع دانيل كوزين. وكما توقعت، مهما تدربت بجدية كان كوزين يلعب.

هناك يوم لا أنساه ما حييت. وجدت أسمي خارج قائمة الفريق تماما، هنا انهرت باكيا. أخذ الجميع يحاول تشجيعي وتهدئتي ومنهم كوزين نفسه.

ليلتها كنت مدعوا على حفل سنوي في فرنسا يدعى "أوسكار كرة القدم". قابلت يومها مهاجما سابقا في لو مان اسمه ريجنالد راي.

سألني راي: "كيف حالك ديدييه".

قلت له: "في أسوأ حال". وحكيت له ما أنا فيه.

قال لي راي: "حسنا. سأعطيك نصيحة وبعد 6 أشهر دعنا نتحدث مجددا. نصيحتي هي اجعل حياة المدرب جحيما. غير اسلوبك".

وتابع "لا تسهر مع رفاقك، لا تأكل إلا بشكل سليم. تدرب بعد فترة التدريبات على ما ينقصك. استمع للمدرب جيدا ولا تناقشه واجعله يشعر أن عدم إشراكك بعد كل هذا يعد ظلما لك".

هذه النصيحة جعلتني أدخل اهتمامات المدرب، وجعلتني في الحقيقة شخصا آخر.

ألعب 10 أو 15 دقيقة، لكني ألتهم خصومي فيهم. في مباراة سجلت هدفين ضد سانت إتيان خلال 20 دقيقة.

وهكذا وحين جاء يناير وجدت خطابا من نادي جوينجب يطلب التعاقد معي!

ناد يلعب في الدوري الممتاز يسعى لضم لاعب بديل في الدرجة الثانية؟

الغريب في الأمر أن لو مان طلب تجديد عقدي ورفض التخلي عني، هنا كنت في موقف صعب خاصة أني لم أستطع التواصل مع وكيلي بابي ضيوف لأنه موجود في مالي لمتابعة كأس أمم إفريقيا.

فكرت في حيلة صغيرة. صديقتي آنذاك وزوجتي بعد ذلك والدها يعيش في مالي. بحثت عن مقر إقامة منتخب السنغال هناك وطلبت منه الذهاب لإيصال رسالة إلى بابي ضيوف.

وكان رأيه واضحا. لا تجديد. سترحل إلى الدوري الممتاز ديدييه.

علاقتي بدأت بشكل ممتاز مع مدربي هناك جاي لاكومب. وحين أشعر بثقة المدرب تلقائيا أمنحه كل شيء في الملعب.

في مباراتي الأولى ركضت كأني أركض لأخر مرة في حياتي. والكارثة أني مع الدقيقة 30 شعرت بأني غير قادر على الركض أكثر.

بين شوطي المباراة تحدث معي لاكومب "ديدييه. أحتاج إلى مجهود أكبر منك".

هززت رأسي موافقا، وفي عقلي سؤال واحد "ماذا؟ كيف أفعل ذلك؟ أنا ميت. كل هذا الركض لا يكفي لاكومب!".

الحظ كان بجانبي وسجلت هدفا في الدقيقة الثانية من انطلاقة الشوط الثاني. حمدا لله.

وفي تلك المباراة تعرفت على صديق رائع هو فلوران مالودا. كان يساعدني بلا انقطاع داخل الملعب لأتخذ أفضل الأماكن وخارج المستطيل الأخضر كذلك.

وهذه نقطة هامة.

في الدرجة الثانية تشعر بأن كل لاعب يرغب في أن يكون بطلا ويلفت الانتباه لنفسه. أما في الدوري الممتاز الكل هادئ البال والأجواء أفضل.

سجلت 3 أهداف في 12 مباراة لكني شعرت أني أتقدم في مسيرتي كلاعب كرة قدم محترف.

نهاية الموسم كانت صعبة لأننا على أعتاب الهبوط وكل ما كان يجول في خاطري وقتها: "أنا لن أعود للدرجة الثانية".

بعد تذوق الطعام الجيد تكره فكرة العودة إلى الأكل السيء.

لهذا حين نجونا من الهبوط كنا نحتفل كأننا فزنا بدوري أبطال أوروبا :)

وفي الموسم التالي سجلت 17 هدفا في 34 مباراة.

كنت أعمل بلا انقطاع.

أشاهد مباريات راؤول وتييري هنري لأتعلم منهما كيف يتخلصان من الرقابة اللصيقة. كيف يبدو كل مرة يتسلمان فيها الكرة أنهما أحرار وأصحاب القرار.

ثم جاءت مباراة هامة في حياتي ضد باريس سان جيرمان.

  • التحية لرونالدينيو

كنت غائبا عن لقاء الذهاب للإصابة وقد خسرنا بخمسة أهداف. لهذا كان الهدف ألا يتكرر الأمر في مباراة العودة.

وقفت قبل المباراة وسط اللاعبين. صرخت فيهم "لنريهم شخصيتنا. لنسجل هدفا سريعا ونحصد الثلاث نقاط".

ومع الدقائق الأولى وصلت الكرة إلى رونالدينيو ليراوغ نصف الفريق من نصف الملعب ويسجل هدفا فينا!

أجمل هدف في الموسم :))))

وبصراحة تامة بعد الهدف الذي راوغني فيه رونالدينيو منعت نفسي بصعوبة من التصفيق.

ثم سجل باريس سان جيرمان الهدف الثاني فينا. رباه لا يمكن أن نستسلم. أرجوكم.

هكذا طلبت من اللاعبين.

وكأن شيئا في السماء حدث، سجلنا الهدف الأول. ثم أحرزت أنا الهدف الثاني.

وفي الدقيقة 90 سجلت هدف الفوز.

الملعب كان صغيرا يسع لـ16 ألف متفرج، لكن حوله بنايات عديدة خرج الجميع منها للمشاهدة. المدينة كانت ترتج لهذا الهدف.

في داخلي لم أنس قط ما فعلته إدارة باريس سان جيرمان حين اجتمعوا معي وتركوني أجلس وحيدا حتى رحلت.

شكرا للرب على تلك الليلة. وما تلاها في الحقيقة :)

هل تعلمون ما حدث في اليوم التالي؟ وجدت عرضين على مكتب رئيس النادي. أوليمبيك ليون ومرسيليا يتصارعان على توقيعي.

وكيل أعمالي بابي ضيوف رأى أن الذهاب إلى مرسيليا مخاطرة. عدد من لاعبيه ذهبوا هناك ولم ينجحوا بسبب توقعات الجماهير المرتفعة دائما.

في المقابل رئيس ليون جان ميشيل أولاس كان بارعا في إقناع اللاعبين بمشروعه، وفي التعامل بشكل راق معهم.

أرسل لزوجتي باقة من الزهور في لفتة جعلتها تقول لي: "ربما عليك اختيار ليون".

سبب آخر لاختيار ليون هو تعاقد النادي مع فلوران مالودا. كل شيء يوجهني إلى هذا الطريق.

لكن سبب آخر دفعني للتوقيع لمرسيليا. أن ألعب للنادي الذي لطالما عشقته وارتديت قميصه مشجعا.

وما حسم قراري كان مكالمة من المدير الفني للفريق يقول لي: "أنت وميدو ستشكلان ثنائيا رائعا".

دائما ما أربط قراراتي في الملعب بمدى ارتباطي بالمدرب. المدير الفني الذي يؤمن بي هو الأنسب للعمل معه. سأختار مرسيليا.

  • مرسيليا إلى الأبد؟

اليوم أحقق حلمي وألعب في دوري الأبطال مع مرسيليا بل وأسجل في ريال مدريد هدفا أهديته لكل من سخر مني حين قلت له سأفعلها.

كان هدفا بدأ فيه ميدو العمل وأتممته بنجاح.

اليوم احتفل، واليوم أقرر ألا أخلع قميص مرسيليا أبدا.

لكن إدارة النادي كان لها رأي آخر.

قصة رحيلي عن مرسيليا كانت من القصص السيئة في حياتي. أحكيها لكم في الحلقة المقبلة.

اقرأ أيضا

هدرسفيلد يوضح لـ في الجول سبب استمرار غياب رمضان صبحي

اتحاد الكرة: مطلب المصري باللعب في بورسعيد حق أصيل.. باستثناء مباراتي الأهلي

إبراهيموفيتش 500.. تفاصيل السجل التاريخي للنجم السويدي

حارس اتحاد العاصمة لـ في الجول: المصري قوي.. لكن لدينا الخبرات لتحقيق نتيجة جيدة

جيلبرتو لـ في الجول: لا غرابة في ارتداء قميص الأهلي

التعليقات