متلازمة علي شحاتة.. بين التفوق العلمي وكرة القدم

السبت، 18 أغسطس 2018 - 12:01

كتب : مصطفى عصام

علي شحاتة نجم الكرة المصرية السابق

"شوف يا ابني، أنا أخدت عهد على نفسي من فترة طوبلة جدا أني أبعد عن مجال الإعلام الرياضي كله، كتير جدا من الأصدقاء عرضوا عليا إني أطلع أتكلم عن مباريات قديمة وتاريخي مع منتخب مصر، رفضت منصب في لجنة الكرة بالمقاولون العرب عام 2011، فمقدرش إني أرجع في رفضي بالرغم من مقدمتك اللي أنا سعدت بيها شخصيا".

كان هذا رفضا قاطعا من أستاذ جراحة الفم والفكين بطب أسنان المنيا على طلب لإجراء حوار بموقع FilGoal.com كان رفضا من الدكتور علي شحاتة، أشهر طبيب مارس كرة القدم في مصر، إن كنت أحد الطلاب الذين طمحوا بالطب يوما بالثمانينات بسبب سوكراتيس وعلي شحاتة.. فمرحبا بك بالطبع في الكلمات القادمة.

يا دكتوووووووور علي!!

كانت تلك الصيحة التي خرجت بانفعالات بينية من فم المعلق حسين مدكور وسط أجواء أقرب للاستنفار العسكري بملعب القاهرة الدولي بحضور الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في نهائي تخوضه مصر لبطولة غابت لـ 27 عاما، وكالعادة بدا استاد القاهرة كلوحة زيتية قميئة يزيدها حماس النهائي بين الفريقين –مصر والكاميرون- عبثا فلم نخرج بلمحات جانبية سوى حماس زائد وهدير من الهتافات عسكرية أم مدنية مشحونا بعد أن قطع طاهر أبو زيد حبل اليأس بقذيفة يسارية كسرت غرور بادو الزاكي، المباراة اتجهت لركلات الترجيح، وزاد الشحن أكثر وأكثر مع ضياع ركلة جزاء قائد الفريق مصطفى عبده، والتركة ثقلت بعد أن أعاد ثابت البطل الكفة في ركلة مبيدا وفشل في رد رصاصة ميلا، قبل أن يودعها علي بيسر في الشباك ويترك الحمل ثقيلا لنظيره الكاميروني ولزميله ذو العشرين عاما أشرف قاسم، فخرج صوت حسين مدكور معلق المباراة –متهدجا- من الفرحة.

سمعت لأول مرة تعليق حسين مدكور ذلك في برنامج قصة مباراة مع مصطفى الأدور وضيفه مصطفى أبو الدهب –بديل علي شحاتة- في مركز الظهير الأيمن، كنت في عمر الخامسة، قبل أن يؤكد الحضور على براعة –الدكتور الشيخ شحاتة- كما اصطلح تسميته في الثمانينات، واستحقاقه أن يحجز مكانا في التشكيلة الأفضل في أمم إفريقيا 1984 و1986، لم يتصور للعقل الصغير سوى أن الدكتور علي شحاتة قد يبدو مميزا بنزوله الملعب بقفازات طبية، أو يجري عمليات الأحماء بالبالطو الأبيض.. بالتأكيد سيكون مميزا عن باقي أقرانه –متوسطي العلم والمعرفة- كما أقنعني والدي لينفرني عن ممارسة كرة القدم في مقابل طريق التفوق العلمي، فكان مبهرا أن ترى رجلا يجمع بين الإثنين مع حكايات متناثرة عن أعجوبة 1982 سوكراتيس، التي أوقفها منتخب إيطاليا بمساعدة رجل القانون "إبراهام كلاين".

الخروج من كنف الأهلي لصنع تاريخا مع نادي حديث العهد.

علي السيد شحاتة، من مواليد 25 أبريل عام 1959، أعزب وحاصل على بكالوريوس طب الأسنان.. كم كان ميمي الشربيني اختراعا لطيفا طيلة فترة الثمانينات بإسهابه عن معلومات مجهولة للجمهور، فالمعلومات السابقة لن تجد لها مصدرا على الإنترنت لعدم وجود مصادر، تلك جملة من تعليق ميمي على مباراة المقاولون العرب حينما كان علي شحاتة يهم بإرسال عرضية من ذهب على رأس حمدي نوح بالقاهرة أمام فريق حي العرب السوداني في بطولة كأس الكؤوس الافريقية عام 1982.

بدأ الدكتور علي حياته الكروية متدرجا في قطاع الناشئين بالنادي الأهلي وتدرج حتى فريق 21 سنة عام 1980، يمكنك أن تقرأ اسمه وترى صورته في العدد الخاص من قبل المصور الرياضي بفوز الأهلي ببطولة الدرع العام موسم 1978-1979، والدكتور عمرو أبو المجد يعد في العدد بأنه يجهز قنبلة ستشغل مركز الظهير الأيمن لمنتخب مصر سنوات عدة، القنبلة هي علي شحاتة.

شعر علي لاحقا بأنه لن يستطيع المواظبة بين التدريبات وبين محاضرات طب الأسنان فآثر الابتعاد عن كرة القدم، ولكنه بأواخر عام 1980 لم يستطع أن يقاوم الابتعاد أكثر عن الكرة ووافق على عرض الفريق الصاعد حديثا للدوري الممتاز -المقاولون العرب- من أجل الانضمام لصفوفه والسماح له بحضور محاضراته، الفريق الحديث والذي نشأ بعد رفض محافظة الإسماعيلية شراء المهندس عثمان أحمد عثمان لنادي الإسماعيلي، بدا غولا متوحشا يريد السيطرة على البطولات المحلية ويشارك في إفريقيا وهذا ليس بغريب في الفترة الحالية، مشروع أنتج لمنتخب مصر ست أو سبع لاعبين أساسيين طيلة مرحلة الثمانينات.

"ظللت مغمورا تماما حتى فزت بإعجاب الجماهير والنقاد مع أول مباراة بالدوري أمام المصري موسم 1982-1983، وفوزنا على الأهلي بهدفين لم يكن وليد الصدفة والآن حققنا لمصر أول لقب لها في كأس الكؤوس الافريقية على حساب باور ديناموز"

ذلك كان تصريحا من علي شحاتة في عدد خاص أيضا من المصور الرياضي بعد فوز الأهلي والمقاولون بكأسي إفريقيا لأبطال الدوري والكأس، فريق المقاولون العرب ضم نجوما مثل حمدي نوح –أحد ضحايا عصر الخطيب- نبيل إبراهيم، علاء نبيل، محمد زمزم، ناصر محمد علي، سعيد الشيشيني والسوداني "قلة" عضو منظمة التكامل السودانية كما داعبه حسني مبارك أثناء تسليم الكأس.

كان موسم 1982-1983 موسما فاصلا في حياة الدكتور علي شحاتة، أتم فيه البكالوريوس، وحصل مع المقاولون العرب على بطولة الدوري العام للمرة الوحيدة في تاريخه، بعد موسم استثنائي للطبيب مد فيه رفقائه بحلول من ذهب من ناحية الجبهة اليمنى. وحسموا درع الدوري بفارق نقطة عن الزمالك بل وفازوا على الأهلي ذهابا وإيابا.

علي شحاتة.. مسيرة من المجد مع منتخب مصر.

قابلت في إحدى الأيام مصادفة عماد سليمان نجم نادي الإسماعيلي وأحد أعمدة المنتخب المصري طيلة فترة الثمانينات دون منازع، كان صديقي عمرو فهمي قد ذكرني بهدف علي شحاتة الرائع في مرمى كوستاريكا بأوليمبياد لوس أنجلوس 1984 وبأنه يشبه هدف كارلوس ألبرتو الشهير بمرمى إيطاليا في نهائي كأس العالم 1970، عماد سليمان وبيليه أوقفا الزمن لعدة لحظات والكل ينتظر قرارهم، تمريرة تبدو غير مكترثة من الإثنين كانت يمنى كارلوس وعلي جاهزة لإطلاق قذيفة على يمين الحارس.. أعدت تلك الرواية على "عماد سليمان".. ابتسم لتشبيهه بموقف بيليه وأردف قائلا:

"دكتور علي لما لعب منتخب سنة 83، قعد وأجبر محمد صلاح باك يمين الزمالك على الاعتزال، دا معناها إنه كان لاعب جبار، مكنتش هلعب الكورة كدا إلا وأنا عارف إن علي شحاتة في ضهري وهينطلق زي الصاروخ، دكتور علي أفضل باك يمين أنجبته مصر في رأيي".

في عيادة دكتور علي شحاتة القديمة لممارسة مهنته كطبيب أسنان، كان صديقي الآخر عمرو يحيي يجري كشفا طارئا، يصفه بأنه رجل صارم جدا ويحترم مواعيده كثيرا ولا يكترث بأن يلغي ميعادا لمريض تأخر عنه لدقائق معدودة لصالح مريضا أخر ينتظر، صديقي عمرو يعد أفضل موسوعة مصرية تهوي حصد أرقام أوليمبية مسجلة، ترقبه لصرامة دكتور علي شحاتة انفكت بعد أن رأى شهادة معلقة على الحائط معطاة من اللجنة الأوليمبية لكل من شارك بالحدث، فزاد تقديره لذلك الرجل.

منذ عام 1983 وحتى أمم إفريقيا عام 1988، لم يترك الدكتور مكانه كظهير أيمن لمنتخب مصر، فشارك مع المنتخب بأمم إفريقيا 1984 بساحل العاج، 1986 بمصر و1988 بالمغرب، وشارك بأوليمبياد لوس أنجلوس 1984 ودورة الألعاب الإفريقية عام 1987 بكينيا، توج مع المنتخب المصري باللقب عام 1986 بالقاهرة، وكذلك ذهبية دورة الألعاب الإفريقية 1987، واختير في التشكيلة المثالية لكأس الأمم مرتين عامي 1984 و1986، وصل إلى المجد مع المنتخب المصري حتى وصل لسن الـ 28 من عمره، واتخذ قرارا أنهى به التشابك بين طريقين لم يتقابلا في ذلك العصر.

قرر الدكتور علي شحاتة اعتزال كرة القدم نهائيا من أجل التفرغ للماجستير في طب الأسنان، وقبل عام آخر من اعتزال الطبيب الآخر سوكراتيس وهذه المرة من أجل التفرغ لإدارة إحدى المنظمات الحقوقية، حقق الكثير في عالم كرة القدم في ستة أعوام فقط.

أين الأن دكتور علي؟

الجيل الثمانيني يجد وفاءا صريحا في اختيار دكتور علي كأفضل ظهير أيمن رأوه بمصر، والجيل التسعيني يفضل إبراهيم حسن تلك الطاقة الوثيرة التي لا تنضب أبدا، أما جيل الألفية الثالثة فيجد أحمد فتحي باستمرارية منقطعة النظير يحجز المكان وحده، ولكن الاتفاق عموما بأن نجم المقاولون العرب هو من أفضل من شغل المركز، في بداية الألفية الثالثة اختاره الاتحاد الدولي للتأريخ والاحصاء في تشكيلة القرن المثالية عن قارة إفريقيا مع إبراهيم يوسف نجم الزمالك، وعاشر أفضل لاعب في إفريقيا عام 1984 المقدمة من مجلة فرانس فوتبول.

كان من السهل للرجل أن يفضل طريق كرة القدم على حساب إكمال دراسته، ولكنه آثر طريق التفوق العلمي، الرجل رفض أن يقحم حتى اسمه بالإعلام الرياضي والذي يقدم كرسيا لأنصاف وأرباع النجوم مقابل آراء صادمة لهم تضمن استمرارهم كطلبات أولى لكسر حواجز أرقام المشاهدات، فضل أن يكون أستاذا لجراحة الفم والفكين يشرف على طلابه بالماجستير على أن يحجز كرسيا في استوديو تحليلي مطالبا فيه أن يقول ما لا يتفق مع آراءه.. أو أن يخترع طرقا للعب تحتاج لـ 12 أو 13 لاعبا.. ولكن حق المعرفة يتوجب أن يلقى الضوء على واحد من أبرز لاعبي المنتخب المصري في فترة ربيع الفراعنة بالقارة بعد ظروف سياسية أبعدت المنتخب لفترة عن حصد الألقاب.

طالع أيضا

مواعيد مباريات اليوم السبت 18-8-2018 والقنوات الناقلة

فيديو أهداف الجمعة - أزارو يحلق بالأهلي إفريقيا.. وانطلاقة الدوري الإسباني

أرسنال في ضيافة "ستامفورد بريدج".. فرحة لم تحضر منذ ليلة فان بيرسي الاستثنائية

دربي لندن.. 4 أسئلة هامة قبل قمة مباريات الجولة الثانية من الدوري

بالفيديو - للأهلي حكايات في رادس.. كل نتائج المارد الأحمر أمام فرق تونس

التعليقات