كتب : أحمد العريان | الأربعاء، 20 يونيو 2018 - 02:41

لكي يبقى العلم مرفوعا بعد 4 سنوات

صورة تخيلية لمشجع مصري في طريقه لبرج العرب

من حقنا أن نحزن، أن نغضب وأن نثور على ما آل إليه منتخب مصر، ثم نهدأ ونفكر ونرسم لمستقبل أفضل. هكذا يفترض أن تسير الأمور.

بعد 28 عاما من الغياب عادت مصر إلى كأس العالم. قبل أن تعود طائرتها إلى القاهرة بسرعة أكبر، الأمر محزن أن تكون من أوائل المودعين للبطولة، أو بالأحرى أولهم على الإطلاق.

حديثي لن يكون فنيا. للفنيات أهلها الذين سيقتلونها بحثا، والجميع يعلم أن الهزائم لا تأتي إلا من أخطاء فنية، نحن لسنا محور الكون ليستهدفنا القدر مرات متتالية ونخسر بسبب "الحظ".

ولن يكون تنظيميا لأنني سأمت الهجوم على اتحاد الكرة بكل تفاصيله، بداية بكل ما يتعلق من كأس العالم، وصولا إلى الفشل في إحكام الهدوء داخل أهم معسكر في تاريخ المنتخب.

التفتيش في الماضي لن يفيد، إلا للخروج بما سينفعنا للمستقبل لكي يبقى علمنا مرفوعا مع الكبار بعد 4 سنوات.

ما حدث كانت نقطة البداية، وليس النهاية الحزينة التي يظنها البعض.

"مصر أمة كروية عظيمة" هكذا اتفق جيان أسامواه نجم الكرة الغانية وهيرفي رينارد مدرب منتخب المغرب على وصفهم لكرة القدم المصرية، لكن الأمة العظيمة تلك بلا تاريخ في البطولة الكروية الأعظم على الأرض، كأس العالم.

أعلم جيدا شعور المشجع المصري المعتاد على المنافسة في كل بطولة يدخلها. أبطال أمم إفريقيا لثلاث نسخ متتالية ووصيف النسخة الأخيرة رغم المشاركة فيها بعد غياب ثلاث نسخ. أقدر من تحمل نفقات السف لمؤازرة بلاده، وصورة رجل عجوز لا أعرفه ستبقى محفورة في ذهني بعد أن غلبته دموعه وهو بشاهدة الهدف الثالث بجانبي، لكن الحديث هنا عن كأس العالم.

مصر ليست ألمانيا التي تنافس على كل كأس عالم، ليست إيطاليا التي يندهش العالم أجمع لعدم مشاركتها في البطولة، ولا حتى المكسيك المتمرسة على المشاركة في البطولة ولا تغيب عنها إلا نادرا جدا.

مصر هي تلك البلد التي تشارك في كأس العالم للمرة الثالثة فقط تاريخيا. هي تلك البلد الطامح إلى الآن في تحقيق فوز أول في البطولة تاريخيا، أو هدف نتذكره لسنوات على غرار ما جرى في مونديال 90، تلك هي الحقيقة التي يتناساها البعض.

في 2002 تأهلت السنغال لكأس العالم للمرة الأولى في تاريخها. الفريق المغمور ناطح الكبار، هزم فرنسا حامل اللقب في الافتتاح ثم واصل إبهار العالم ببلوغ ربع النهائي وأكثر، لم يخسر إلا بهدف ذهبي لعين من تركيا.

ولكن، ليس هكذا تسير الأمور. ما حدث في 2002 للسنغال كان شاذا عن قاعدة التطور، القاعدة التي تفرض عليك التدرج في المستوى حتى تصل لما يرضي طموحك.

الرضاء بما جرى في روسيا والرغبة في البناء ليست انهزامية أو انعدام للطموح، إنما هي إدراك بأن الأفضل لا يأت إلا بعد خيبة الأمل، وأنا ما حدث هو نهاية مآساوية لحلم غير واقعي.

الكاميرون شاركت في كأس العالم لأول مرة في 1982، خرجت من الدور الأول لكن ثمار نضج الجيل جنوها في مونديال 1990 حين تأهلوا لربع النهائي وخرجوا من إنجلترا بهدف في الدقيقة الأخيرة.

الجزائر في 2010 تأهلت لكأس العالم بعد غياب 24 عاما. خرجت من الدور الأول بدون أي هدف واحتلت المركز الـ28 في البطولة. لكنها عادت وبقوة بعد 4 سنوات وتأهلت للدور الثاني وخرجت في الوقت الإضافي على يد ألمانيا بطل تلك النسخة من البطولة.

غانا. النجوم السوداء تأهلوا لكأس العالم 2006 للمرة الأولى في تاريخهم. تأهلوا للدور الثاني بالفعل، لكنهم خرجوا من ثمن النهائي. وفي 2010 تأهلوا مرة أخرى، لكنهم وصلوا إلى ربع النهائي وكادوا يصلون إلى نصف النهائي لولا أهدر جيان أسامواه ركلة الجزاء في الوقت الإضافي وفازت أوروجواي بعد ذلك بركلات الترجيح.

تلك هي القاعدة، التدرج في المستوى والبناء على كل فشل لتحقيق النجاح في النهاية. وهكذا يجب أن تفكر مصر.

ما سبق ليس تبريرا أو رياء لجهاز فني أو لاعبين. مباراة السعودية ستكون الأخيرة على الأغلب، سواء للجهاز الفني أو لمجموعة كبيرة من اللاعبين بين من سيعلن اعتزاله الدولي أو من سيستبعد لصالح جيل جديد، فلا مصلحة إذا من منافقتهم أو إيجاد أي مبرر لهم.

هي فقط محاولة لإنقاذ أنقاض ما وصلنا له، لبناء صرح أكبر يسعدنا جميعا بعد أربع سنوات.

_ _ _

العودة لكأس العالم بعد غياب 28 عاما نقطة إيجابية، لكن الأهم هو الحفاظ على التواجد في البطولة لمرات متتالية.

بعد كأس العالم 1990 كان حديث الجوهري بأن مصر ستكون منافسة على البطولة في 1994، لكننا لم نتأهل من الأساس :). التفكير من الآن يجب أن يكون منعقدا على آلا يتكرر هذا الأمر، العمر مافيهوش 28 سنة تانيين :)

من حسن الحظ أن كأس العالم بداية من 2026 سيكون من 48 منتخبا، ما يجعل من تأهل مصر أمرا أسهل، لكن في الحقيقة أنه سيقلل أيضا من قيمته، لذلك يجب أن نكون حاضرين في مونديال 2022 بأي طريقة.

يجب أن تكون تجربة 2018 برمتها بداية، يبني منتخب مصر عليها لمستقبل نجني ثماره بعد أربع سنوات في 2022.

2018 لم تنته بعد

وقبل أن نطوي صفحة مونديال 2018 يجب أن نتذكر بأنه لم ينته بعد. لمصر أهدافها التي لم تتحقق بعد، وبجب التركيز عليها.

بالنسبة لمنتخب لم يحقق أي فوز في تاريخ كأس العالم مطلقا، فكل هدف بمثابة التاريخ. محمد صلاح سجل هدفا جعل رصيدنا من الأهداف في البطولة أربعة. اثنين لعبد الرحمن فوزي، وهدف مجدي عبد الغني والأخير لصلاح.

في تاريخنا حققنا تعادلين أمام هولندا وأيرلندا، وأربعة هزائم أمام المجر وإنجلترا وأوروجواي وروسيا.

المركز الـ13 بين 16 فريقا في 1934 والـ20 بين 24 فريقا في 1990 كانوا حصادنا في البطولتين السابقين، وبناء على ذلك تأتي أهمية مباراة السعودية.

صحيح أنني أتوجه بالشكر لكل اللاعبين والجهاز الفني رغم الخروج المبكر من كأس العالم. الشكر على إعادتنا للبطولة من الأساس بعد غياب، والشكر على الأداء بأقصى جهد لأنني لا ألوم في العادة ضعيف الإمكانات على ما يقدمه، لكن ألوم من يبخل بعطاءه. وفي الحقيقة أن ذلك لم يحدث، كل اللاعبين أدوا بأقصى جهدهم. حتى وإن كان ذلك ضعيفا.

هذا الشكر لا يعفيهم من التالي. الفوز على السعودية الآن مطلبا حتميا.

الفوز على السعودية سيعني أنه الانتصار الأول لمصر في كأس العالم تاريخيا، سيعني إضافة عدد جديد من الأهداف إلى سجلك في تاريخ البطولة، وسيعني أيضا الثأر من آخر هزيمة رسمية لمصر أمام السعودية في مباراة رسمية عام 1999 بكأس القارات وربما احتلال مركز أفضل بالبطولة مقارنة بالماضي –مع الوضع في الاعتبار زيادة عدد الفرق إلى 32-.

مشاركة عصام الحضري أيضا قد تكتب لمصر رقما جديدا كأكبر لاعب يشارك في تاريخ كأس العالم، سواء كأساسي أو لدقائق معدودة. كلها انتصارات صغيرة، لكنها ستمهد الطريق للجيل القادم بأن يلعب على طموحات أكبر.

هذه المرة لن نستقبل بعثة المنتخب في المطار مثلما حدث في كأس العالم 1990 لأنهم لا يستحقون ذلك، لكن يجب أيضا ألا يذبح هذا الجيل إن أردنا نجاحات أخرى أكبر على المدى القريب.

التعليقات