قصص المونديال المنسية - كوبياس .. الأفضل من بيليه في أعين البيروفيين

الإثنين، 11 يونيو 2018 - 10:57

كتب : علي أبو طبل

تيوفيلو كوبياس

انتظرنا 28 عاما لنشاهد منتخب مصر من جديد في المونديال، وظل هدف مجدي عبد الغني في شباك هولندا هو الذكرى المونديالية الأبرز للفراعنة في تاريخ مشاركتهم القصير في المونديال.

هل تبدو مدة طويلة؟

لا تبدو أطول من فترة انتظار البيروفيين التي امتدت لـ36 عاما لكي يشاهدوا منتخبهم من جديد بين كبار منتخبات العالم في الحدث الكروي الأبرز على الإطلاق .. كأس العالم.

شاركت بيرو للمرة الأولى في أولى نسخ كأس العالم التي استضافتها وتوجت بها الأوروجواي في 1930، وانتظرت 40 عاما لكي تشارك مرة أخرى.

في 1970، تأهلت بلاد الإنكا إلى المونديال للمرة الثانية في ذكرى سيئة للأرجنتين التي فشلت في التأهل خلال تلك النسخة للمرة الأخيرة حتى يومنا هذا، وكان ذلك بسبب بيرو.

على ملعب "لا بامبونيرا" في بيونيس آيرس، انتزعت بيرو التعادل من راقصي التانجو، لتحرمهم من المشاركة في ذلك المونديال، والتالي كان تاريخا يكتب.

بنهاية مونديال 1970 في ضيافة المكسيك، توجت البرازيل باللقب بعدما أمطرت شباك إيطاليا بأربعة أهداف مقابل هدف واحد.

لم يكن بيليه هو الهداف الأفضل في تاريخ النسخة، ولكن 4 أهداف في رصيده بجانب العديد من المهارات والمتعة المنتظرة جعلته تحت الأضواء بقوة، وبحلول عامه الـ29، كان السؤال الأبرز بعد المباراة النهائية ما إذا كانوا سيشاهدون الجوهرة البرازيلية في المونديال التالي أم لا.

أوضح بيليه أنه حقق كأس العالم بالفعل وأنه سيكتفي بذلك كختام لمسيرته الدولية، ثم تابع: "ولكن لا تقلقوا. خليفتي موجود بالفعل وإسمه هو تيوفيلو كوبياس".

كانت بيرو على موعد مع بلغاريا في مباراتها الأولى في مونديال المكسيك في الثاني من يونيو 1970، ولكن قبل ذلك بيومين كانت هناك حادثة مفجعة في البلد الأمريكية الجنوبية.

هزة أرضية قوية تسببت في مقتل ما بين 50 إلى 70 ألف مواطنا وأدت لتشريد ما يقرب من نصف مليون بيروفي، وكانت للحادثة وقعها الأليم على البعثة البيروفية في المكسيك.

بدأت المباراة الأولى، وازداد الطين بلة بنهاية الشوط بتقدم بلغاريا بهدفين نظيفين، ولكن ما حدث في الشوط الثاني كان ملحميا.

ألبيرتو جالاردو وهيكتور شومبيتاز وقعا على هدفين متتاليين لبيرو عادلا الكفا، وقبل 20 دقيقة من النهاية كان لكويباس كلمته بإحراز هدف الانتصار.

في حديث لموقع الفيفا في 2010، أبرز كوبياس فخره بهذا الهدف: "إحساس جلب ولو القليل من السعادة للناس في بيرو بعد تلك الحادثة المفجعة لا يمكن وصفه من خلال كلمات".

بمعنويات مرتفعة، انطلقت بيرو نحو المباراة الثانية ضد المغرب، حيث سجل كوبياس في مناسبتين ضمن ثلاثية نظيفة على الممثل الأفريقي.

سجل كوبياس هدفه الشخصي الرابع في تقدم مفاجئ للبيرو على ألمانيا الغربية في ثالث مبارياتهم بالبطولة، ولكن قوة وخبرات الألمان رجحت كفتهم في الشوط الثاني وتفوقوا في النهاية بنتيجة 3-1.

في تصريح خلال العام الحالي، تحدث كوبياس الذي أتم عامه الـ69 في مارس الماضي لموقع الفيفا: "لقد واجهنا البرازيل في ربع النهائي وقد تمكنوا من إقصائنا وفازوا باللقب في النهاية. ربما لو واجهنا منافسا آخر غيرهم لكنا قد وصلنا لمرحلة أبعد في تلك النسخة".

البرازيل التي تأهلت من مجموعة صعبة للغاية ضمت إنجلترا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا، لم تجد صعوبة في تجاوز بيرو بنتيجة 4-2، في مباراة سجل فيها كويباس خامس أهدافه الشخصية.

كوبياس، والذي تم تلقيبه بالـ "نيني" أو "الطفل" باللغة الإسبانية نسبة لملامحه الطفولية، بدأ مسيرته في نادي أليانزا ليما، ورغم كونه لاعب وسط هجومي إلا أنه كان ماكينة تهديفية حقيقية ولاعبا محوريا في خطة منتخب بلاده والأندية التي لعب لها.

بنهاية مونديال 1970، كان لا يزال كوبياس في عامه الـ21، وبعد ذلك بعامين فقط، مر أسطورة بيرو بأفضل لحظاته على الإطلاق حين تم تتويجه بأفضل لاعب في قارة أمريكا الجنوبية، متفوقا على بيليه!

في 1973، انتقل كوبياس في تجربته الأوروبية الأولى إلى بازل السويسري، ولم تكن بالفترة الحافلة هناك.

فشلت بيرو في التأهل لمونديال 1974 بألمانيا الغربية بعدما خسرت مباراة تأهيلية فاصلة أمام تشيلي على أراضي الأوروجواي المحايدة، وكانت فاجعة كبيرة لجماهير بيرو التي وضعت الكثير من الآمال في نجمها الصاعد.

ما بين عامي 1974 و1977، انتقل كويباس إلى العملاق البرتغالي بورتو، وهناك مر بسنوات جيدة على الصعيد الفني والتهديفي وفاز رفقتهم بلقب الكأس المحلية، قبل أن يعود إلى نادي النشأة أليانزا ليما.

خلال فترته في البرتغال، استمر كوبياس كبطل قومي لبلاده حينما قادهم للتتويج ببطولة كوبا أمريكا في عام 1975.

تأهلت بيرو إلى مونديال 1978 بالأرجنتين، وهنا كانت حكاية جديدة للبطل البيروفي.

توجت البلد المستضيف بالكأس العالمية في نهاية المطاف، وكان مهاجمها ماريو كيمبس هو هداف البطولة برصيد 6 أهداف.

ولكن من يستطيع تسجيل 5 أهداف في نسختين مختلفتين من المونديال؟

الإجابة ببساطة، تيوفيو كوبياس الذي أضاف 5 أهداف جديدة في تلك النسخة إلى رصيده المونديالي، ليصل مجموع أهدافه المونديالية إلى 10 أهداف.

كان نظام تلك النسخة مختلفا عما سبق، حيث شارك 16 فريقا مقسمين إلى 4 مجموعات، يتأهل الأول والثاني من كل مجموعة إلى دور تالي يضم 8 منتخبات يتم تقسيمها إلى مجموعتين، بحيث يتأهل متصدر كل مجموعة مباشرة للمباراة النهائية ووصيف كل مجموعة لخوض مباراة تحديد المركز الثالث.

سجل كوبياس في مناسبتين ضمن تفوق بلاده على اسكتلندا بنتيجة 3-1 في أولى مباريات المجموعة، وفي المباراة التالية اكتفت بيرو بتعادل سلبي مع هولندا، بينما اكتسحت إيران في آخر المباريات بنتيجة 4-1، وكان لكوبياس نصيبه من الـ "هاتريك"، ليتم أهدافه الخمسة.

في الدور التالي، لم تحرز بيرو أي هدف خلال مواجهاتها الثلاثة في مجموعة حديدية ضمتها مع البرازيل وبولندا والأرجنتين، حيث خسرت على التوالي بنتائج 0-3 و0-1 و0-6.

تلك المباراة الأخيرة تحديدا أمام البلد المنظم حملت الكثير من الشكوك حول نزاهتها، حيث كانت البلد المنظم في حاجة لفوز بعدد وافر من الأهداف لتصدر المجموعة والتأهل للمباراة النهائية، وبمرور السنوات استمر البيروفيين في نفي أي شبهة تواطؤ.

ولكن "الصغير" كان قد كتب تاريخا بالفعل، لم يعادله فيما بعد إلا ميروسلاف كلوزه وتوماس مولر من ألمانيا.

بعد 4 أعوام، حظى كوبياس بمونديال ثالث في مسيرته على أرض إسبانيا، ولكن لم يضف لرصيده التهديفي أي جديد خلال تلك المشاركة حين أصبح يبلغ من العمر 33 عاما.

تعادلت بيرو في تلك النسخة مع الكاميرون سلبيا ومع إيطاليا بهدف لكل فريق، وتلقت هزيمة كبيرة بنتيجة 1-5 أمام بولندا، وكأن أيام بيرو الذهبية قد ولت بالفعل.

ما بين الموندياليين الأخيرين، انتقل كوبياس للعب في الولايات المتحدة لبضع سنوات قبل أن يعتزل الكرة نهائيا في 1985.

لم يدم ذلك الاعتزال طويلا، حين لبى نداء المحبين.

في 1987، تعرض فريق أليانزا ليما لحادثة مفجعة حين سقطت طائرة كانت تقل الفريق في أحد رحلاته في أمريكا الجنوبية، وتوفى 44 من أصل 45 فردا من الفريق كانوا على متن الطائرة، أي كل الفريق تقريبا.

جاء النداء من جماهير النادي لكوبياس لكي يعود من الاعتزال ويقود الفريق في تلك الفترة الصعبة، ولعب موسما واحدا رفقتهم سجل خلاله 3 أهداف في 13 مباراة كما قادهم فنيا لفترة قصيرة في 1988، قبل أن ينتقل لعامين تاليين من جديد لفريق فورت لودرديل سترايكرز الأمريكي الذي لعب له مسبقا، ويعود ليعلن اعتزاله النهائي في 1989.

رحل كوبياس عن ملاعب كرة القدم تاركا بصمته العظيمة كبطل بيروفي وكأسطورة مونديالية بارزة، وكأعظم لعب في أعين أبناء بلده.

في 2004، كان لبيليه حق الاختيار في تسجيل قائمة من 100 لاعب هم الأفضل في التاريخ، وقد اختار تيوفيو كويباس

يقول البيروفيون: "كوبياس ليس بيليه البيروفي .. بيليه هو كويباس البرازيلي".

التعليقات