في ظل أبطال المونديال - المراهق الشيوعي الذي تقدم عندما امتنع الجبناء

الجمعة، 11 مايو 2018 - 12:39

كتب : زكي السعيد

بول برايتنر

شاشة الملعب الأوليمبي في ميونيخ تشير إلى تقدم هولندا بهدف نظيف.. الجناح الألماني الأيسر هولتسنباين يتوغل صوب منطقة الجزاء متجاوزا القمصان البرتقالية.. يسقط.. صافرة الحكم الإنجليزي جاك تايلور تنطلق.. ركلة جزاء لألمانيا الغربية.. الكرة تدحرجت حتى الراية الركنية.. أساطير الكرة الألمانية على أرض الملعب يتهربون من المسؤولية.. فقط الفتى اليافع ابن الـ22 عاما ذو اللحية الثورية مَن تقدَم جالبا الكرة وواضعا إياها على علامة الجزاء، ليعيد بلاده - التي يمقطها - إلى المباراة.

FilGoal.com يقدّم سلسلة "في ظل أبطال المونديال"، لنعيد توزيع تركات المجد التي انحصرت بين أقدام نجوم الشباك، ونذهب بها إلى هؤلاء الذين أُهمِلَت أسماؤهم وتجاوزهم التاريخ.. وموعدنا اليوم مع شيوعي سابق عاش في زمن الحرب الباردة: بول برايتنر بطل كأس العالم 1974.

اقرأ أيضا.. (في ظل أبطال المونديال – الحمام الزاجل الذي خلد تاريخ البرازيل في كأس العالم)

طيش الشباب

يقول برايتنر المولود في بافاريا عام 1951: "في عمر السادسة عشر، كان لموت تشي جيفارا وقعا كبيرا على نفسي، تلك كانت مرحلة مهمة في تكويني".

شبّ برايتنر تزامنا مع حركة 1968 التي انطلقت في الولايات المتحدة الأمريكية وانتقلت إلى غيرها من الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا الغربية التي شهدت عديد الاحتجاجات المنظمة من قبل الطلاب، والتي انتهت أغلبها بصدامات شرسة مع الشرطة. وقفوا خصوما للاستبداد الحكومي والأحوال المعيشية المتدنية. الاتجاه اليساري اخترق عقول المراهقين الألمان، ولم يكن برايتنر استثناءً.

في عام 1970، تحصّل برايتنر على فرصة العمر: عقدٌ مع فريق بايرن ميونيخ في عمر التاسعة عشر، شغل حينها مركز خط الوسط وشارك مع الفريق حتى شهر أكتوبر الذي شهد تجمُد مسيرته بسبب الخدمة العسكرية.

ومع برايتنر، لا تكون الأمور طبيعية بكل تأكيد، فحاول الفتى المتمرد أن يتهرب من أداء الخدمة العسكرية متجاهلا استدعائه. كان مقيما وقتها مع صديقه وزميله في بايرن، أولي هونيس، وفي كل ليلة، عندما تحضر عناصر الجيش للمنزل بغية الوصول لبرايتنر، يقوم هونيس بتعطيلهم إلى أن يهرول بول نزولا للقبو حيث اختفى عن أعينهم لعدة أيام.

الصديقان العزيزان: بول برايتنر وأولي هونيس

لاحقا، انتشرت بعض الشائعات عن إقدام الجيش على تعليق صور برايتنر في شوارع ميونيخ تحت عنوان "مطلوب"، فرضخ المتهرب وانصاع لمصيره، وتجنّد في الجيش الألماني، ليقضي عدة أشهر في مهمة تنظيف المراحيض التي خلّفت في نفسه مزيدا من الكره للنظام الحاكم.

ابتعد برايتنر عن كرة القدم في تلك الأشهر، إذ توقف عن التدريب، باستثناء حصة تدريبية أسبوعية منفردة حرص عليها.

مع عودته للفريق بحلول مارس، اعتقد برايتنر أن حظوظه في الظهور بالتشكيلة الأساسية لبايرن حتى نهاية الموسم ستكون معدومة، حتى جاءته مكالمة هاتفية متأخرة من سكرتير النادي عشية مباراة هانوفر: "فلتهرع إلى المطار، سننتظرك في هانوفر، لدينا مشكلة".

وصل برايتنر هانوفر مع بزوغ الشمس، ولم يجد من ينتظره حتى الثامنة صباحا عندما ظهر من اصطحبه رأسا إلى المدرب أودو لاتيك.

- لاتيك: أريد خدمة، ستلعب في مركز الظهير يا بول.

- برايتنر: سأقوم بما تمليه علي أيها المدرب.

لم يسبق لبرايتنر وأن شارك في مركز الظهير أبدا، إذ اعتاد اللعب في خط الوسط طوال مسيرته القصيرة، إلا أن تلك الليلة ستشهد تغييرا جذريا في تكتيك كرة القدم من وجهة نظر برايتنر.

- برايتنر: في أي جبهة تريدني أن ألعب أيها المدرب؟ أرى أن الظهيرين غائبين.

- لاتيك: على اليسار.

برايتنر ولاتيك

يقول برايتنر لاحقا: "اللعب على اليسار كان أكثر صعوبة لأنني أيمن القدم. حتى تلك اللحظة لم أفكر أبدا أنني سألعب كظهير في يوم ما، وعندما غادر لاتيك وبّخت نفسي: أغبي أنت؟ أمخمور أنت؟ كيف ستلعب في مركز الظهير الذي لا تمتلك عنه أي فكرة؟".

"قضيت 3 ساعات في التفكير، وفي تلك اللحظات وُلد مركز الظهير بهيئته الحالية: انطلاقات متكررة وأدوار هجومية، الظهير الذي يهاجم ويدافع على حد سواء".

قبل برايتنر، اكتفت أظهرة الجنب بالدفاع، بركل الكرات إلى أبعد نقطة ممكنة، وربما بركل المنافسين إن اقتضت الضرورة، إلا أن برايتنر استفاد من جهله بواجبات مركزه الجديد، ولعب على سجيته في مباراة هانوفر التي انتهت بالتعادل 2-2 مع أداء مبهر من ظهير بايرن الأيسر.

بعد المباراة، اتجه لاتيك إلى برايتنر: "لم أتخيل أبدا أنك ستلعب بشكل جيد، أنت ظهير أيسر من الآن فصاعدا".

إلا أن ما قدمه برايتنر في مركزه الجديد على أرض الملعب لم يكن الاختلاف الوحيد الذي انتهجه في حياته، بل أنه خالف اتجاه دولته المنطوية تحت مظلمة المعسكر الغربي، وذهب صباحا إلى تدريبات فريقه حاملا الكتاب الأحمر الصغير الذي ألفه الزعيم الصيني ماو تسي تونج أحد أباطرة الشيوعية.. وفي فترة الحرب الباردة لم يفهم الألمان الغربيين ما يحاول برايتنر فعله بانتمائه للمعسكر الشرقي.

اللاعب وضع صورة ماو وجيفارا على حائط منزله، تصفح جريدة "بيجينج ريفيو" الصينية الصادرة بالإنجليزية، وانهال بحثا وتدبرا في كتابات كارل ماركس وفلاديمير لينين.

هيئته شكّلت جدلا واسعا، بشعره المجعد الضخم ولحيته الفوضوية التي حرص على عدم تهذيبها.. بالطبع جلب عليه مظهره بعضا من التعليقات السلبية، تماما كما حدث معه عندما لعب لمنتخب الناشئين في إحدى المباريات أمام يوغوسلافيا وخسرت ألمانيا 4-1، كان برايتنر مُسجل هدف بلاده الوحيد، وعندما دخل لغرفة خلع الملابس متوقعا الإشادة، تفاجأ بتعليقات على شعره من قبل الجهاز الفني.

في عام 1971، انضم برايتنر للمنتخب الألماني الأول، وفي العام التالي فاز معه بيورو 1972.

الفتى اليساري فتح النار على شخصه عندما صرّح علنا بأنه يرى عزف السلام الوطني قبل المباريات أمرا مملا ومدمرا لتركيز اللاعبين.

جماهير الفرق المنافسة اعتادت مهاجمته بهتافات "الماوي" و"الشيوعي".. حسنا.. هو اعتبرها إطراءً.

في نهائي دوري أبطال أوروبا 1974، تقدّم مدافع بايرن هانز جورج شفارزنبيك وسدد من مسافة بعيدة على مرمى ميجيل رينا حارس أتليتكو مدريد، هدف في الدقيقة 120 تسبب في إعادة الألمان للمباراة التي انتهت على التعادل.

بعد 3 أيام انهار الفريق الإسباني الذي كان على وشك رفع كأس دوري أبطال أوروبا، وخسر برباعية نظيفة. برايتنر بطلا لأوروبا مع بايرن إذًا لأول مرة في تاريخ النادي البافاري، وهي مناسبة سانحة جدا لاحتفال صاخب.

بول قضى ليلة ماجنة عاريًا على مسبح منزله، وأعين المصورين التقطته، مما تسبب في توقيع عقوبة عليه من إدارة بايرن الغاضبة، الأمر الذي أدخله في خلاف حاد معهم انتهى على رحيله في الصيف لريال مدريد.

برايتنر قال: "في هذا النادي القذر لا يستطيعون الاحتفال حتى".

"إنه نادٍ ارستقراطي قائم على المال. والبوندسليجا هي شركة كبيرة. كل شيء تقريبا يدور حول المال. لا يوجد مجال للاشتراكية. رسوم الانتقالات كلها غير قانونية، إنها تتعارض مع حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية الأساسية".

إلا أن أنباء الصدام بين برايتنر وبايرن أخذت جانبا هامشيا مع حقيقة استضافة البلاد لكأس العالم بعد أسابيع.

وقعت ألمانيا في المجموعة الأولى مع أستراليا، وتشيلي، وجارتها التي يفصلها عنها جدارا فرّق بين الأشقاء: ألمانيا الشرقية.

في 14 يونيو 1974، وأمام 81 ألف مشجعا ألمانيا ببرلين الشرقية، قرر برايتنر تغيير مركزه بشكل مفاجئ وترك الجبهة اليسرى مقتحمًا العمق، ليتسلم الكرة على بعد 30 مترا من المرمى، ويطلق تسديدته اليمينية التي افتتحت أهداف المونديال، وأمنت النقاط الثلاث الأولى لألمانيا الغربية بالانتصار على تشيلي بهدف نظيف.

وعلى الرغم من تسجيله لـ3 أهداف في تلك البطولة، من ضمنها هدف في المباراة النهائية، إلا أن برايتنر يعتقد في أهمية هدفه أمام تشيلي: "الناس يفترضون دوما أن هدفي في مرمى هولندا هو الأهم. سجلت 3 أهداف في كأس العالم 1974، والهدف الأكثر أهمية هو الأول في المباراة الافتتاحية أمام تشيلي في برلين. الهدف كان سببا مباشرا في عبورنا للدور التالي، ولتطورنا جميعا كفريق".

في المباراة الثالثة وبعد أن ضمنت ألمانيا الغربية العبور للدور التالي، تبقى حسم الصدارة أمام نظيرتها الشرقية في هامبورج، إلا أن الغربيين أصحاب المستوى المعيشي والاجتماعي الأعلى تلقوا هزيمة صادمة في الجزء الأخير من المباراة، وسقطوا أمام المعسكر الاشتراكي بهدف نظيف.

المباراة التي جمعت بلدين متنافرتين سياسيا، تسببت في قدر كبير من التضارب بالمشاعر لدى كثير من الألمان الذين امتلكوا أقارب خلف الجانب الآخر من جدار برلين.

ولكن برايتنر ما نظر للأمر بتلك الصورة أبدا: "كانت هزيمة مثل أي هزيمة أخرى، لم تحمل شيئا مميزا، أغلب اللاعبين لم يكونوا مهتمين بالسياسة، وفي العام 1974 كانت جمهورية ألمانيا الديموقراطية (الاسم الرسمي لألمانيا الشرقية) بلد أجنبي في نظرنا، بالأخص بالنسبة لهؤلاء الذين لم يمتلكوا أصدقاء أو أقارب فيها".

"تلك الهزيمة كانت ضرورية وتسببت في إعادة هيكلة المنتتخب.. فجأة وبعد أن ظهرنا بـ50% من مستوانا طوال الدور الأول، وصلنا لـ90% أمام يوغوسلافيا في دوسلدورف. الهزيمة تركت أثرا فوريا، عديد اللاعبين شعروا بالخزي، مستوانا لم يكن ليؤهلنا للفوز بكأس العالم".

في دور المجموعات الثاني، وقعت ألمانيا في مجموعة ضمت يوغوسلافيا، السويد، بولندا.. ومع حقيقة أن متصدر المجموعة فقط من يتأهل إلى المباراة النهائية في ميونيخ، عرف الألمان أن هامش الخطأ بات معدوما، لهذا قرر برايتنر أن يسدد مجددا من مسافة بعيدة على المرمى اليوغوسلافي هذه المرة، مفتتحا التسجيل لألمانيا في مباراة انتهت بهدفين نظيفين بعد أن ضاعف جيرد مولر النتيجة.

ألمانيا عادت إلى الطريق، وبول تلقى الإشادة التي غابت عنه في الهزيمة أمام يوغوسلافيا بمنتخب الناشئين قبل عدة سنوات.

بعد 4 أيام في مواجهة السويد، وأثناء التقدم بنتيجة 3-2، تحصّلت ألمانيا على ركلة جزاء في الدقيقة الأخيرة من المباراة، ولأن نقاط المباراة كانت في جيب الألمان بالفعل، فقد تقدّم أولي هونيس بهدوء مسجلًا الركلة.

يقول برايتنر: "في المعسكر الإعدادي قبل البطولة تناقشنا حول هوية مسدد ركلات الجزاء، ولم يتطوع أي لاعب، تحدثنا عن الأمر لاحقا قبل مباراة تشيلي، ولم يتقدم أي لاعب كذلك. لم أكن منخرطا في تلك النقاشات، ولكني لم أفهم ما خطبهم. تمنوا جميعا ألا تتحصل ألمانيا على ركلات جزاء حتى لا يضطرون لمواجهة الموقف".

"فوبيا ركلات الجزاء" في المنتخب الألماني سببها أن موسم 1973\1974 شهد إهدار جيرد مولر وفرانتس بكنباور لعدة ركلات مع فريقهما، بايرن ميونيخ، مما ترك المنتخب الألماني دون مسدد واضح لركلات الجزاء.. والأمر مر على ما يرام أمام السويد.

في المباراة الحاسمة للوصول إلى النهائي أمام بولندا، وبينما النتيجة سلبية، تقدم برند هولتسنباين الجناح الأيسر لألمانيا واخترق الدفاع البولندي بمهارة فائقة، متحصلا على ركلة جزاء في الشوط الثاني. كان منطقيا أن يتقدم هونيس مجددا بعد أن نجح في المباراة الماضية، إلا أن الحارس البولندي يان تومازيفسكي تصدى وعقّد مهمة أصحاب الأرض الذين انتظرت جماهيرهم حتى الدقيقة 76 ليسجل مولر هدف الصعود الرسمي للمباراة النهائية.

يعتقد برايتنر أن بولندا كانت المنتخب الأفضل في كأس العالم 74، بعكس الاعتقاد الشائع أن هولندا هي ظاهرة هذا المونديال.

ويقول: "هزمنا فريقا أفضل منا. في الواقع، كانت بولندا أفضل منتخب في البطولة. هزمناهم بهدف نظيف في فرانكفورت، كان يوما ممطرا، وأنا متأكد أن فوزنا على بولندا لم يكن ليتحقق لولا الأجواء المناخية السيئة. بولندا امتلكت منتخبا منظما بمزيج من اللاعبين الفنانين وأصحاب المهارات والمقاتلين والشبان والخبراء. كان مزيجا مثاليا قدّم كرة قدم رائعة".

"ولكن 3 أو 4 لاعبين في تشكيلة بولندا لم يقدروا على التأقلم مع هذا المناخ المريع. أُطلق عليهم دائما لقب "لاعبو المناخ المثالي"، كان هذا عاملا حاسما في انتصارنا على البولنديين، امتلكوا منتخبا أفضل من ألمانيا، هولندا، البرازيل، أفضل من أي منتخب آخر في كأس العالم 74".

النهائي

بعد 53 ثانية من انطلاقة المباراة النهائية، وقبل أن يلمس أي لاعب ألماني الكرة، تحصلت هولندا على ركلة جزاء على إثر اختراق يوهان كرويف لدفاع ألمانيا.

وبعد أقل من دقيقتين على انطلاقة المباراة، وجد الألمان أنفسهم متأخرين بهدف نظيف من تنفيذ يوهان نيسكينز الناجح لركلة الجزاء.. الهدف الأسرع على الإطلاق في تاريخ المباريات النهائية لكأس العالم.

"بعد أن تقدموا في النتيجة، حاول الهولنديون أن يظهرونا في صورة البلهاء. بعد أن سجلوا، توقفوا عن اللعب، وتركونا نركض خلف الكرة ليُظهِروا للعالم أجمع أنهم الفريق الأفضل وكيف أننا نلعب بشكل سيء، وهذا ما كلّف الهولنديين كأس العالم، توجب عليهم أن يستفيدوا من الوضع وأن يقتلوا المباراة".. يعقّب برايتنر.

قبل انقضاء 25 دقيقة، تقدّم الجناح الأيسر هولتسنباين مجددا، وصنع انطلاقة كربونية لانطلاقته في المباراة الماضية أمام بولندا، ليسقط بعد العرقلة -المثيرة للريبة أيضا كسابقتها-، ويتحصل على ركلة جزاء، وفي ظروف طبيعية، سيشعر لاعبو الفريق المتحصل على ركلة جزاء بكثير من النشوة.. الأمر لم يكن كذلك مع الألمان.

صبيحة يوم النهائي، وقف المدرب هيلموت شون في اجتماع المباراة بالحادية عشر صباحا، نظر للاعبيه وقال: "حسنا أيها السادة، ماذا سنفعل إن تحصلنا على ركلة جزاء؟".

والصمت خيّم على القاعة مجددا، لينتهي الاجتماع على التسويف، المدرب شون قرر تأجيل القرار لما قبل المباراة مباشرة في غرفة خلع الملابس.

قبل 5 دقائق على الخروج للمباراة الأهم في مسيرتهم، قرر الفتية الألمان التزام الصمت مجددا أمام سؤال مدربهم للمرة الأخيرة عن هوية مسدد ركلات الجزاء، برايتنر لم يصدق السلبية التي انتهجها زملاؤه.

كان هو وهونيس أصغر لاعبين في التشكيلة، ولم يشعر بول بضرورة أن يخرج صوته بعبارة "أنا أفعلها" مع هذا القدر من النجوم المتواجدين في تلك الغرفة مقارنة بمسيرته التي ماتزال في مقتبلها.

بعد أن تملكه اليأس انتظارا لسماع مُجيب، قال شون للاعبيه: "حسنا.. إن تحصلنا على ركلة جزاء، فسيتوجب علينا أن نقرر في لحظتها"... بالطبع صلّى في سريرته كثيرا متمنيا ألا تتحصل بلاده على ركلة جزاء!

بالعودة لملعب المباراة، وعندما سقط هولتسنباين، تدحرجت الكرة حتى الراية الركنية، على بعد أمتار من الظهير الأيسر بول برايتنر الذي كان قريبا من الكرة بحكم مركزه في الملعب، فاتجه عفويا لإحضار الكرة دون أن يمتلك فكرة واضحة عما سيحدث بعد ذلك، ومع مرور الثواني، واختفاء الزملاء، أدرك بول أنه من سيسدد واحدة من أهم الركلات في تاريخ ألمانيا.

يقول برايتنر: "الكرة كانت قريبة من الراية الركنية، كنت قريبا منها على الجناح، وأردت فقط أن آخذ الكرة وأعطيها لشخص آخر. التقطتها، واختفى الجميع.. قلت لنفسي: حسنا.. أنت في حالة جيدة، عليك أن تتحمل المسؤولية".

فيما سبق من مسيرته، سجل برايتنر 17 هدفا مع بايرن، من ضمنها ركلة جزاء واحدة، أي أنه كان على وشك تسديد ركلة الجزاء الثانية فقط في مسيرته الاحترافية.

اقترب المخضرم فولفجانج أوفرات –الذي خاض مباراته الدولية الأخيرة بالمناسبة- باستحياء، وقال لبرايتنر: "بول.. هل ستسدد؟".

أما بول، فلم يسمع كلمات فولفجانج من الأساس، ربما لصخب صادر من المدرجات، أو لأن الكلمات خرجت على وقع الهمسات، إلا أن الاستنتاج الأرجح أن برايتنر وضع كامل تركيزه في تسديد الركلة، وانفصل عن العالم.

تراجع بول.. تقدّم.. سدد على يمين يان يونجبلويد الذي تجمّدت سيقانه أمام شجاعة برايتنر.. ألمانيا 1-1 هولندا.

قبل نهاية الشوط الأول بلحظات، تسلّم مولر الكرة مباشرة أمام المرمى الهولندي، واضطر للالتفاف بجسده 180 درجة حتى يتقدم لبلاده في النتيجة.

انتهت المباراة على فوز ألمانيا 2-1، ولعل هدف مولر الرائع شغل كثيرا من الألسنة، إلا أن ركلة العودة في النتيجة كانت بفضل شجاعة الشاب برايتنر.

بعد 8 سنوات، في مدريد، سجّل برايتنر في نهائي كأس العالم مجددا، إلا أن بلاده خسرت 3-1.. ويبقى برايتنر واحدا من 4 لاعبين فقط تمكنوا من التسجيل في نهائيين لكأس العالم رفقة بيليه، فافا، زين الدين زيدان.

*تصريحات بول برايتنر مأخوذة من حواراته مع صحيفة "ماركا" وموقع الاتحاد الدولي لكرة القدم.

لمتابعة كل تقارير كأس العالم اضغط هنا

التعليقات